داء الغيبة
قال الحسن البصري: "والله للغيبة أسرع في دين الرّجل من الآكِلة في الجسد". الغيبة تأكل حسناتك التي تعبت في تحصيلها، وتبدِّدها بعد ما جمعتَها، تبني الجوارح عباداتها في أيام ويهدمها اللسان في ساعات! فاللسان يعمل دون أن يتعب بعكس الجوارح.
الغيبة سبب عذاب القبر
مرّ النبي ﷺ بقبرين فقال: «إنهما ليعذَّبان وما يعذّبان في كبير؛ أمّا أحدهما فيعذَّب في البول، وأما الآخر فيعذَّب في الغيبة» (صحيح الجامع [2441]).
ولذا قال قتادة: "ذُكِر لنا أنَّ عذاب القبر ثلاثة أثلاث: ثلث من الغيبة، وثلث من النميمة، وثلث من البول".
لعل الغيبة أشد جُرمًا من الربا!
في مواجهة استسهال الغيبة، والاستخفاف بعثرات اللسان، وفي رسالة موجهة لِمَن فقدوا تحديد معايير الحرام وتقدير دركاته، فاجتنبوا ذنوبًا عظيمة وهم يرتكبون ذنوبًا أعظم؛ إلى كل هؤلاء قال رسول الله ﷺ: «الربا اثنانِ وسبعونَ بابًا أدناها مثلُ إتيانِ الرجُلِ أُمَّهُ، وإِنَّ أربى الرِّبا استطالَةُ الرجلِ في عرضِ أخيهِ» (صحيح الجامع [3537]).
الغيبة تهدم دينك وأنت لا تشعر!
قال الحسن البصري: "والله للغيبة أسرع في دين الرّجل من الآكِلة في الجسد".
الغيبة تأكل حسناتك التي تعبت في تحصيلها، وتبدِّدها بعد ما جمعتَها، تبني الجوارح عباداتها في أيام ويهدمها اللسان في ساعات! فاللسان يعمل دون أن يتعب بعكس الجوارح.
قال الغزالي: "والغيبة هي الصاعقة المهلكة للطاعات، ومَثَل من يغتاب كمن ينصب منجنيقًا، فهو يرمي به حسناته شرقًا وغربًا ويمينًا وشمالًا!".
أخطر حديث عن الغيبة!
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت للنبي ﷺ: "حسبك من صفية كذا وكذا"، فقال ﷺ: «لقد قلتِ كلمة لو مُزِجَتْ بماء البحر لمزجته» (صحيح أبي داود [4875]).
ومعنى مزَجَتْه أي خالطته مخالطةً يتغيَّر بها طعمه أو ريحه لشدة قُبحِها، وإذا كانت كلمةً واحدة بهذه الخطورة والتأثير في البحر، وهو من أعظم خلق الله، فما بالك بترديد كلمات الغيبة، وتكرارها يوما من بعد يوم؟!
قال النووي: "هذا الحديث من أعظم الزواجر عن الغيبة أو أعظمها، وما أعلم شيئًا من الأحاديث بلغ في ذمها هذا المبلغ".
من المُشاهَد أننا كثيرًا ما نمدح الناس بكثرة صلاتهم وصومهم، لكن قلَّما نمدح أحدًا بعفة لسانه! مع أن حفظ اللسان خيرٌ وأعظم أجرًا لأنه ثمرة العبادات التي تنهى صاحبها عن المنكرات وتصرف عن السيئات.
علامة غفلة عن عيوب النفس
قيل للربيع بن خثيم: "ألا تذم الناس؟!"، فقال: "والله ما أنا عن نفسي براض فأذمَّ الناس، إن الناس خافوا الله على ذنوب الناس، وأمِنوه على ذنوبهم". وصدق رحمه الله، فقد انتشر في مجالسنا قول البعض: نخشى على فلان من عذاب الله، لكنهم لا يخشون عذاب الله من حصائد أفعالهم وأقوالهم!
قال عون بن عبد الله: "ما أحسب أحدًا تفرغ لعيب الناس إلا من غفلة غفلها عن نفسه".
وقال محمد بن سيرين: "كنا نُحدِّث أن أكثر الناس خطايا أفرغهم لذكر خطايا الناس".
وكان مالك بن دينار يقول: "كفى بالمرء إثمًا ألا يكون صالحًا، ثم يجلس في المجالس ويقع في عِرْضِ الصالحين".
ولما قيل لعمر بن عبد العزيز: "ما تقول في أهل صفين؟!"، قال: "تلك دماء طهر الله يدي منها، فلا أحب أن أخضِّب بها لساني"، لسان حاله:
لعمرك إن في ذنبي لشغلاً *** عن ذنوب بني أمية
على ربي حسابهم إليه *** تناهى علم ذلك لا إليَّ
وليس بضائري ما قد جَنَوْه *** إذا ما الله أصلح ما لديَّ
تحذير الصحابة منها
مرّ عمرو بن العاص رضي الله عنه على بغل ميِّت فقال لبعض أصحابه: :لأن يأكل الرجل من هذا حتى يملأ بطنه خير له من أن يأكل لحم رجل مسلم".
وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "إن أحق ما طهَّر الرجل لسانه".
وقد قالها لينفِّر الناس من آفات اللسان، وكأنه يدعونا إلى طهارة حقيقية، فيأمرنا بالمضمضة من الكلام الخبيث تشبيها له بالنجاسة الحسية، حتى نتحرَّز منه كما نتحرَّز من القاذورات.
ومثله أم المؤمنين عائشة حين قالت: "يتوضَّأُ أحدُكم من الطَّعام الطَّيِّب، ولايتوضَّأُ من الكلمة الخبيثة، يقولها لأخيه".
ومثلهما عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حين قال: "لأن أتوضأ من كلمة خبيثة أحب إليَّ من أن أتوضأ من طعام طيِّب".
وكأن الجميع اتفقوا على خطورة الكلمة الخبيثة (ومنها الغيبة)، وضرورة الحذر منها قبل النطق بها، والتطهر منها بالتوبة فور النطق بها.
الغيبة الخفية!
هي غيبة الملتزمين وأصحاب التدين، فإذا ذُكِر عندهم أحد يكرهونه أعرضوا وقالوا: دعوه .. يستر الله علينا وعليه، أو اتركوه لا شأن لنا به، أو نعوذ بالله من الغيبة، وإنما مرادهم الغيبة وانتقاصه، لكنهم يسلكون إليها طريقا غير مباشر.
هؤلاء يتصنعون الشفقة ويتظاهرون بالرحمة، لكن باطنهم السوء وإرادة الغيبة، فيقولون مثلا: فلان طيب! وهم يقصدون أنه مُغفَّل!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فمن الناس من يغتاب موافقة لجلسائه وأصحابه وعشائره مع علمه أن المغتاب بريء مما يقولون، أو فيه بعض ما يقولون؛ لكن يرى أنه لو أنكر عليهم قطع المجلس واستثقله أهل المجلس ونفَروا عنه، فيرى موافقتهم من حسن المعاشرة وطيب المصاحبة".
فواعجبًا كيف لانت الألسنة بالغيبة والنميمة وهما أصل الداء، وفترت عن الذكر؛ وهو شفاء القلوب والأبدان.
الغيبة كبر خفي!
قال الأوزاعي رحمه الله: "إذا سمعت أحدًا يقع في غيره، فاعلم أنه إنما يقول أنا خيرٌ منه".
الغيبة دَيْنٌ مستحق السداد غدًا!
قال الإمام الأوزاعي: "بلغني أنه يُقال للعبد يوم القيامة: قم فخُذ حقك من فلان، فيقول: ما لي قِبَله حق! فيُقال: بلى .. ذكرك يوم كذا وكذا بكذا وكذا".
- التصنيف: