لأعداء وحدة الوطن
خرج المغاربة في أغلب المدن المغربية احتجاجًا وتنديدًا بمقتل الشاب محسن فكري رحمه الله
لأعداء وحدة الوطن: هل المطالبة بالعدل والكرامة تقتضي الثورة المسلحة؟!
خرج المغاربة في أغلب المدن المغربية احتجاجًا وتنديدًا بمقتل الشاب محسن فكري رحمه الله ابن مدينة الحسيمة، واستنكارًا للطريقة البشعة والهمجية التي مات بها، بعد أن طحنته الآلة الحديدية لشاحنة الأزبال.
كثرت الروايات حول الحادثة، واحتفت بها مجموعة من المعطيات المتضاربة أحيانًا، ما بين القانونية والحقوقية وكان للمشاعر الإنسانية النصيب الأكبر في خلق احتقان نفسي جعل أغلب الشعب المغربي أو على الأقل من شرائحه التي تعيش هموم وقضايا الوطن والمواطن، تطالب بضرورة القطع مع المفهوم القديم للسلطة في المغرب، وطريقة تعاملها مع المواطن، وهو ما ظن البعض أنه لن يرجع بعد دستور 2011.
نعم، المغاربة كلهم حتى من لم يخرج، ومن لم يرغب في المشاركة في الاحتجاجات إما لاعتبارات قانونية أو دينية أو ذاتية أو سياسية، كلهم يطالبون بتصحيح العلاقة بين مؤسسات الدولة والمواطن، بين السلطة والشعب.
كلهم يريدون أن يعاملوا سواسية أمام القانون، وأن يعطوا ويستفيدوا من حقوقهم متساوين، لا فرق بين مدني وبدوي، ولا بين شمالي وصحراوي، ولا بين جبلي وسهلي، ولا بين بائع النعناع وبائع السمك والمعلم والوزير والقاضي.
المغاربة كلهم يحلمون بأن يقفوا أمام قضاء نزيه، وأن يستفيدوا من تعليم مشرف، وأن يتم تطبيبهم كبشر لا كحيوانات.
المغاربة كلهم يتمنون يومًا يقفون فيه عند مكاتب الإدارات والمؤسسات، ويشعروا بأن الموظف في خدمتهم لا أن يستجدوه لكي يمن عليهم بوقته الثمين، الذي يأخذ أجرته في آخر الشهر من ميزانية يضخ فيها ذاك المواطن ماله وثروات بلده.
المغاربة كلهم يحلمون بشرفاء وأمناء يمثلونهم للتدافع عن قضاياهم، ولتسيير شؤونهم بالعدل والصدق والنزاهة والشفافية.
المغاربة كلهم يطالبون بأن يحاسب الجاني الذي يصر على أن يعتدي على الحقوق، ويسرق الثروات، ويستأسد بالمعارف والرشاوى والفساد..
المغاربة كلهم متشوفون لإرادة حقيقة للقطع مع الماضي ومحاربة الفساد الإداري والقانوني، وأن يحاسب كل من سولت له نفسه الاعتداء على إخوانه.
المغاربة كلهم لا يقبلون أن تمس كرامتهم ويمرغ كبرياؤهم، وأن يمس حبهم لبلادهم بتعاملات تجعلهم يحقدون عليه.
هؤلاء المغاربة الذين أتحدث عنهم هم المغاربة المحبين للوطن ولإصلاحه ولتنميته وازدهاره، فلا يدخل فيهم الفاسد ولا الناهب ولا المتسلط ولا من يتاجر بهمومهم ومآسيهم، ومن يحارب هويتهم ومقوماتهم، ومن يحب أن يبقى المغرب مجرد بقرة حلوب.
في المقابل هناك مغاربة ليس لهم من الاسم إلا الجغرافيا، وحتى هذه الأخيرة يريدون تقسيمها. مغاربة يريدون الركوب على أية فاجعة للمطالبة بتفتيت المفتت وتقسيم المقسم، وبسرطان الاستقلال الذاتي. (مغاربة) لا يفرحون إلا حين يتألم المغاربة، ويتقاتلون فيما بينهم، لأن في ذلك انتصارهم المزعوم. (مغاربة) لا تجمعهم بالمغاربة إلا الحدود، وإلا فالحدود التي يعتقدون هي أضيق مما هي عليه الآن.
ولذلك كلما انتفض المغاربة ضد ظلم وحكرة رأيتهم يتنادون في الشوارع وفي المنتديات، رافعين أعلام الخزي والتمزيق، وشعارات الفتنة والتفرقة؛ بل لا يخجل بعضهم أن يجهر بأن الحل من أجل تفكيك المغرب هو رفع السلاح والثورة المسلحة. وهذا ليس بالغريب، وما المنتدى العالمي لحقوق الإنسان الذي نظم بمراكش قبل عامين عنا ببعيد حين نادى أحد الأمازيغ المتطرفين بضرورة رفع السلاح في وجه ما أسماه الغزو العربي لطرد العرب من المغرب الأمازيغي حسب زعمه، ناسيًا أن المغاربة شعب واحد وإن تعددت لهجاتهم، وإخوة في الدين قبل أن يصيروا إخوة في الوطن.
ثم إنه من المؤسف أن يستغل بعض الحاقدين المغرضين، حادثة موت محسن فكري رحمه الله، ويركبون على الاحتجاجات لتصريف مشاريعهم التخريبية، ودعاواهم لتقسيم المغرب وتفتيته؛ حيث سمعنا شعارات ومطالب داعية إلى ذلك خصوصًا في مدينة الحسيمة (الريف)، حيث حصلت الفاجعة. كما رفعت أعلام قد تكون للدلالة على إرث ثقافي وتاريخي، لكن حينما تقرن بشعارات التفرقة والتقسيم، فهي من حطب تلك الثورة المسلحة التي يحلم بها أعداء الوطن.
لقد كان علي فكري والد الشهيد بإذن الله محسن فكري وهو يسجل موقفه ضد هؤلاء المغرضين، يكتب موقفًا تاريخيًا، ودالًا على مستوى وعيه ورزانة فكره، عندما قال: "لا أريد أن يكون ابني سببًا في الفتنة في المغرب"، وأضاف: "مصلحة الوطن والدولة تبقى هي الأسمى حتى وإن ذهب ابني ضحية، وسيجازيه الله خيرًا في الآخرة".
فكلنا محسن فكري، ضد (الحكرة) وضد ثقافة وعقلية (طحن مو) من أي جهة صدرت عنها.. ومع المطالبة بالقصاص في حق من اقترف تلك الجريمة الوحشية البشعة..
وكلنا علي فكري في أن أمن واستقرار البلد ومنع وقوع الفتنة واستحلال الدماء هو أمر مرفوض، ويضحى لأجله بالغالي والنفيس.
- التصنيف: