ما غرّك بربك؟
أتى باسمه (الكريم) لينبه على أنه لا ينبغي أن يقابل الكريم بالأفعال القبيحة وأعمال السوء.
مشينا الرحلة بغير اختيار. لم يتأمل معظمنا أنه لم يختر الرحلة و لن يؤخذ رأيه في موعد انتهائها. إذن هو اختبار؟
نعم بالتأكيد.. كل عاقل يعلم ذلك بفطرته. إذن لماذا الاغترار والمبالغة في النسيان والإغراق في الإعراض عن الهدف الحقيقي من الخلق؟!
ما الذي غر ابن آدم عن ربه؟
تأمل كيف نبهنا ربنا سبحانه لهذه النقطة بكل وضوح: {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ . الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ . فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار:6-8].
قال ابن كثير في تفسيره: وقوله: {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ}: هذا تهديد لا كما يتوهمه بعض الناس من أنه إرشاد إلى الجواب حيث قال: (الكريم) حتى يقول قائلهم غره كرمه بل المعنى في هذه الآية ما غرك يا ابن آدم بربك الكريم أي العظيم حتى أقدمت على معصيته وقابلته بما لا يليق كما جاء في الحديث يقول الله يوم القيامة: "ابن آدم ما غرك بي؟ ابن آدم ماذا أجبت المرسلين؟".
قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي، حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان أن عمر سمع رجلا يقرأ: {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} فقال عمر: الجهل.
وقال أيضا حدثنا عمر بن شبة حدثنا أبو خلف حدثنا يحيى البكاء سمعت ابن عمر يقول وقرأ هذه الآية {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} قال ابن عمر: غره والله جهله.
قال وروي عن ابن عباس والربيع بن خثيم والحسن مثل ذلك.
وقال قتادة: {مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} شيء ما غر ابن آدم غير هذا العدو الشيطان.
وقال الفضيل بن عياض: "لو قال لي ما غرك بي لقلت ستورك المرخاة".
وقال أبو بكر الوراق: "لو قال لي: {مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} لقلت: غرني كرم الكريم".
قال البغوي وقال بعض أهل الإشارة إنما قال {بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} دون سائر أسمائه وصفاته كأنه لقنه الإجابة.
وهذا الذي تخيله هذا القائل ليس بطائل لأنه إنما أتى باسمه (الكريم) لينبه على أنه لا ينبغي أن يقابل الكريم بالأفعال القبيحة وأعمال السوء.
وقد حكى البغوي عن الكلبي ومقاتل أنهما قالا: نزلت هذه الآية في الأسود بن شريق ضرب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعاقب في الحالة الراهنة فأنزل الله {مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ}.
وقوله: {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ} أي ما غرك بالرب الكريم {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ} أي جعلك سويًا معتدل القامة منتصبها في أحسن الهيئات والأشكال.
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف: