متى نصر الله؟!
علمنا الوحي أن للنصر شروطًا عديدة، لكنها تُختصر في عبارة وحيدة؛ هي: أن ينصر المؤمنون الله
● طلب النصر، بل استعجال النصر؛ هو دعاء كل الصادقين ورجاء كل المؤمنين، في أوقات الشدائد والنكبات والأزمات، فعبارة: (متى نصر الله)؟ لهَج بها الصحابة - خير الناس بعد الأنبياء - وهم في صحبة سيد الناس وخاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم وفي ظرف ابتُلي فيه المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً، يوم اجتمعت عليهم الأحزاب من فوقهم ومن أسفل منهم، وبلغت القلوب الحناجر وظن بعضهم بالله الظنونا. ونزل بسبب ذلك قوله تعالى: { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّـهِ} ثم أجابهم القريب المجيب {أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّـهِ قَرِيبٌ } [البقرة: 214].
● هذه الآية تفيد أن الجنة هي الغاية، وأن الانتصار للدين والانتصار به هو سبيل الوصول إلى تلك الغاية، فالنصر لا معنى له في الدنيا إذا لم يوصل لنصر الآخرة والفوز فيها، بل قد تكون الغلبة لعنة على أصحابها؛ إذا كان سعيهم لها لأجل العلو في الأرض من خلالها، وفي هذا يقول سبحانه: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ ۖ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:51-52].
فلا قيمة لسعي يُكسب نصراً للدنيا بغير راية الإسلام، مع خسران الآخرة.
.
● علمنا الوحي أن للنصر شروطًا عديدة، لكنها تُختصر في عبارة وحيدة؛ هي: أن ينصر المؤمنون الله كما قال سبحانه منادياً إياهم في كل زمان ومكان: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّـهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7]. وقد جمع صاحب تفسير أضواء البيان كلمات المفسرين في معنى نصرالمؤمنين لله فقال : " معنى نصر المؤمنين لله - نصرهم لدينه ولكتابه، وسعيهم وجهادهم في أن تكون كلمته هي العليا، وأن تُقام حدوده في أرضه، وتُمتثل أوامره وتُجتنب نواهيه، ويُحكم في عباده بما أنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم" - انتهى كلامه - فاذا كانت الغاية هي الجنة.. فالسبيل إليها هوالعمل بشريعة الله والسعي لإعلاء كلمة الله، وهذا وحده نصر عظيم يُغتنم به نصر الآخرة، قبل أي انتصار أو تمكين في الدنيا..
● القضية إذن أن يجتمع المسلمون – غير متفرقين - على إقامة الدين في حياتهم لإعلاء كلمة الله فيهم .. حتى ينصرهم على أعدائهم، لا أن ينتظروا النصر بدون تحقيق شروطه وإقامة مقتضياته، فالله تعالى أمر الأولين والآخرين بذلك فقال: {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا } [الشورى: 13] فِيهِ قال المفسرون "اعملوا به على ما شرعه لكم وفرضه عليكم".. والمعنى الدقيق الذي ينبغي فهمه هنا؛ أن الدين المأمور بإقامته هو الشريعة كلها، والشريعة المأمور باتباعها قدر الوسع والطاقة؛ هي الدين كله، فهما – عند الإطلاق - بمعنى واحد، قال سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم وللأمة من بعده {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الشورى: 18] فالشريعة من الأمر هي الدين بما فيه من أمر ونهي ومنهاج قويم، والاثنان هما المكونان لجميع شعب الإيمان.
● كم أضاع المسلمون- بل أكثر الإسلاميين - أعماراً في مطالبة الحكومات بتقنين الشريعة وتطبيقها؛ قبل أن يقوموا هم بواجبهم تجاه تحكيمها والتحاكم العام لها؛ الشامل لصحة الاعتقاد، والاحتكام لأحكام الحلال والحرام، مع التحلي بمكارم الأخلاق الدالة على آثارهما وثمراتهما، ظانين أن الواجب تجاهها هو مجرد المظاهرات والمطالبات بتنفيذ حدودها الجزائية وعقوباتها الجنائية، التي هي - على علو شأنها - ليست إلا بضع شُعب من شُعب الإيمان الزائدة عن السبعين.!!
نحن أمام دعوة لا خيار فيه، وشرطٌ لا مناص عنه، للفوز بنصرالآخرة قبل نصر الدنيا، والنجاة من لعنة الدنيا قبل لعنة الآخرة، هذه الدعوة وهذا الشرط هو: إقامة الدين في أنفسنا وأهلينا وعلى كل من وُلينا، وهُذا الأمرهو نفسه معنى (اتباع الشريعة)الذي يمثل الشرط، المفقود لتحقيق النصرالمنشود.
ليكن شعارنا في هذه المرحلة - وفي وكل المراحل- رفع لواء الشريعة حالًا؛ لا مآلًا، ولنحياها واقعًا في اعتقادنا وعباداتنا وسلوكنا دون انتظار لحكومات أو افتقارٍ لقرارات، فلن تغني عنا بديلًا عنها أية شعارات أو رايات أو لافتات، حيث أثبتت التجارب - وستظل تثبت - أن رفع شعارات غيرها؛ لم يوصل لها ولا لغيرها، مع أن رفع شعارها لايتعارض مع أي مطلبٍ مشروع دونها.
هل نحن في حاجة إلى مراجعة مواقفنا من التحاكم إلى الشريعة في أنفسنا وأهلينا – نحن الشعوب المحكومة – قبل أن نستجدي تقنينها ونلتمس تطبيقها من أي سلطة أو حكومة؟!، أظن ذلك... بل أوقن بذلك..!
- التصنيف: