مقتل الشيخ العمراني يؤكد خطر الفكر المدخلي على أمن الأمة ووحدتها
نبيل غزال
اللهم ارحم الشيخ نادر السنوسي العمراني وأسكنه جناتك، وانتقم من المجرمين الذين سفكوا دمه وحرضوا عليه وأعانوا على ذلك..
- التصنيفات: الواقع المعاصر -
عقب عملية الاغتيال الوحشية والبشعة التي تعرض لها الشيخ الليبي نادر العمراني رحمه الله تعالى تُجدد الحديث مرة أخرى حول خطر الفكر المدخلي على أمن الأمة ووحدتها.
فإذا كان بعض الطيبين والمخلصين لازالوا يحسنون الظن بمن ظاهره الهدي الإسلامي والسلفي بالذات، فإن المنتسبين للتيار المدخلي المتطرف، والسلفية زورًا وبهتانًا، قد أعلنوا عن أنفسهم بما لا يدع مجالًا للارتياب والشك.
فقد أوضح مقطع فيديو للمدعو هيثم عمران الزنتاني الطريقة التي خطف بها الأمين العام لهيئة علماء ليبيا وعضو دار الإفتاء، الشيخ نادر السنوسي العمراني، وكيف تمت تصفيته من طرف قوة الردع الخاصة (المعروفة بانتمائها لتيار الفكر المدخلي).
فوِفق وزارة الداخلية الليبية في طرابلس، فقد حفر المختطفون للشيخ نادر حفرةً بطول إنسان وأفرغوا فيه “مخزن كلاشنكوف” على مرتين، ثم ردموا عليه التراب دون شفقةٍ ولا رحمة، وذلك بناء على فتوى أصدرها موتور يدعى “الشيخ الصافي” قضى فيها بإنزال “القصاص بالعمراني لرده على الشيخ السعودي ربيع المدخلي الذي يناوئ الصادق الغرياني العداء، وأنه تنكر للسعودية التي علمته ودرسته وأحسنت له، وأن شخصا يدعى خالد البودي أخبرهم أن أهل العلم في السعودية أفتوا بوجوب إخفائهم”.
وبغض النظر عن صحة هذه المعلومات من عدمها، وبتجاوزنا لإمكانية ضلوع أجهزة مخابراتية ليبية أو غربية في السعي لإشعال نار الفتنة وشرارة الحرب بين مكونات الفصائل الإسلامية، ودون أن نعرج على بيان المتطرف “محمد سعيد رسلان” المتهم بتدريس منفذ عملية الاغتيال، والذي خرج مهرولًا فزعًا للبراءة من دم من يصنفه وأتباعُه في قائمة الخوارج كلاب أهل النار..
بغض النظر عن كل هذا؛ من حقنا أن نتساءل:
هل التيار المدخلي لا يؤمن بالمواجهة الدموية وبتصفية مخالفيه ممن يعتبرهم -وفق تصنيفه- إخوانا مسلمين وخوارج مارقين عن الدين؟
ألا يعتبر المداخلة مخالفيهم من قبيل الشيخ نادر رحمه الله أخطر عليهم من اليهود والنصارى؟
ألا يحمل المداخلة السلاح لإبادة المسلمين المخالفين لمنهجهم؟
ألم يعلن زعماؤهم أن قتل الإخوان واجب شرعًا وقطع قرنهم أمر متعين؟
في يوم الأحد 28 رمضان 1437ﻫـ/4 يونيو 2016 أصدر المدعو “ربيع المدخلي” بيانًا حذر فيه السلفيين في ليبيا من خطر الإخوان المسلمين الذين اعتبرهم أخطر الفرق على الإسلام.
وقال المدخلي في بيانه المذكور: “ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻠﻔﻴﻴﻦ ﻓﻲ ﻟﻴﺒﻴﺎ ﺍﻟﻨﺼﺮﺓ ﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻭﺣﻤﺎﻳﺘﻪ ﻣﻦ ﺍﻹﺧﻮﺍﻥ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻭﻏﻴﺮﻫﻢ؛ ﻓﺎﻹﺧﻮﺍﻥ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ ﺃﺧﻄﺮ ﺍﻟﻔِﺮﻕ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻣﻨﺬ ﻗﺎﻣﺖ ﺩﻋﻮﺓ ﺍﻹﺧﻮﺍﻥ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ، ﻭﻫﻢ ﻣﻦ ﺃﻛﺬﺏ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﺮﻭﺍﻓﺾ؛ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﻭﺣﺪﺓ ﺃﺩﻳﺎﻥ، ﻭﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﻭﻋﻨﺪﻫﻢ ﻋﻠﻤﺎﻧﻴﺔ“.
وحرض المدخلي أتباعه وشحنهم بقيم الحقد والكراهية قائلًا: على السلفيين “ﺃﻥ ﻳﻠﺘﻔﻮﺍ ﻟﺼﺪِّ ﻋﺪﻭﺍﻥ ﺍﻹﺧﻮﺍﻥ ﺍﻟﻤﻔﻠﺴﻴﻦ، ﻭﻻ ﻳُﻤﻜِّﻨﻮنهم ﻣﻦ ﺑﻨﻐﺎﺯﻱ“، لأنهم بالنسبة له “ﺃﺷﺪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻠﻔﻴﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩ ﻭﺍﻟﻨﺼﺎﺭﻯ“، وداعش التي ترتكب المجازر الوحشية ما هي إلا “ﻓﺼﻴﻞ ﻣﻦ ﻓﺼﺎﺋﻞ ﺍﻹﺧﻮﺍﻥ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ“!!!
فكلام ربيع هذا والذي صدر قبل أربعة أشهر تقريبًا شكل خطرًا كبيرًا على المجتمع الليبي، خاصة وأن الموالين له وللتيار المدخلي المتطرف يقاتلون بالسلاح إلى جانب اللواء حفتر، ويسفكون دماء كل من يعتبرونهم “إخوانًا مسلمين” أو “مفلسين” أو “دواحس” كما يعبرون عن ذلك بلغة فيها كثير من الكبر والاستعلاء على الخلق.
و”كتيبة التوحيد السلفية” (المدخلية) تقاتل اليوم إلى جانب قوات اللواء خليفة حفتر (ولي أمرهم المطاع) وتوفر له الغطاء الديني لتسويغ جرائمه، وهي لا تخفي أن تعلن أن من يقاتلهم حفتر (خوارج مارقون عن الدين يجب قتالهم شرعا وقطع قرنهم).
فهؤلاء المداخلة الذين يحملون السلاح، لا يفعلون ذلك عبثًا أو لهوًا لا أبدًا، وإنما يقومون بذلك لتصفية المخالفين وإراقة دماء من يدرجونهم في خانة المبتدعة الضالين، والشيخ نادر رحمه الله واحد من المصنفين عندهم في هذه الدائرة.
وجدير بنا أن نشير ها هنا إلى فتوى منسوبة للشيخ المصري “محمد رسلان” بكونه أباح تصفية الشيخ نادر، وهي الفتوى التي تبرأ منها فيما بعد عبر مقطع فيديو.
لكن ألم يسبق لهذا الشيخ العصبي أن أباح قتل المتظاهرين في كرداسة وغيرها؟ ألم يصنفهم في خانة الخوارج شر قتيل تحت أديم السماء؟ ألم يقل بالحرف أن حدَّهم قتلُهم؟ ألم يمض رسلان للسيسي شيكًا على بياض لتصفية مخالفيه المتظاهرين في الشارع؟ ألم يركن إلى الذين ظلموا ويبيض جرائمهم؟
لئن كان الشيخ المصري قد نسي أو حاول إخفاء فتاويه المبيحة لإراقة دماء الأبرياء فإن اليوتيوب قد حفظ ما قال بالحرف، وعند الله السؤال:
https://youtu.be/_N7eNlxVFVA
نخلص من هذا كله، أن الإطار المفاهيمي الذي يحدد توجهات وسلوكات المداخلة قابل للقيام بمثل هذه الجرائم والفظائع، وقد أكدنا في بحث سابق أن الغلو -في كل شيء- عاقبته وخيمة، ويكفي لبيان ذلك أن الخوارج -الذين نحقر صلاتنا مع صلاتهم- من الذين قاتلوا عليا رضي الله عنه يوم النهروان، ابتدأوا ببدعٍ صغيرةٍ منحصرة في الغلو في جانب (الذكر) لينتهوا بالغلو في (سفك الدماء)، أما هؤلاء فقد ابتدأوا بالغلو في أعراض العلماء والدعاة والعاملين لخدمة الإسلام؛ وها هم اليوم ينتقلون إلى مرحلة متقدمة فصاروا يغتالون الصالحين والعلماء العاملين.
ومن هنا وجب الحذر من خطر هذا الفكر المتطرف على وحدة المغرب ولحمته، وعدم السماح ببناء أعشاش لحاملي هذا الفيروس الخطير الذي يتهدد جسم الأمة، والذي ينشط حاملوه بأريحية من خلال تنظيم ندوات ودورات في مكناس وأكادير وغيرهما، يستقطب لها رموز التيار المدخلي من خارج أرض الوطن.
ففي ليبيا اليوم عبرة لكل معتبِر، فحين يمكن المداخلة من القوة والسلاح فإنهم يفعلون بمخالفيهم مثل ما فعلوا بالشيخ نادر وغيره..
اللهم ارحم الشيخ نادر السنوسي العمراني وأسكنه جناتك، وانتقم من المجرمين الذين سفكوا دمه وحرضوا عليه وأعانوا على ذلك..