ليسوا لنا قدوة
يعمد المقرئ والكثير من المتعاطفين معه إلى وضع صورة العودة إلى جانب صورة تشخص المشهد الحاشد لاستقبال فنان أو راقصة أو لاعب كرة
ليسوا لنا قدوة فلا اعتبار لهم حالة السرّاء ولا شماتة منهم حالة الضرّاء
يعمد بعض من المقرئين من الذين نالوا حظًا من الشهرة جرّاء حسن الأداء الصوتي وكفى، كما الكثير من المتعاطفين معهم في إطار ما يحسبونه حيفًا أو غبنًا أو بخسًا، يجزمون أنه وقع ويقع وسيقع، والحال أن المقرئ النجم عائد إلى وطنه مترجلًا لوحده أو وسط ثلة قليلة من محبيه، متأبطًا لضغث ورد يمشي غريبًا ويتنقل مستغربًا بين أفنية واحد من مطارات المملكة.
قلت يعمد المقرئ والكثير من المتعاطفين معه إلى وضع صورة العودة إلى جانب صورة تشخص المشهد الحاشد لاستقبال فنان أو راقصة أو لاعب كرة أو فائز بجائزة من جوائز البرامج ومسابقات الرقص والغناء والسفور وهز الأرداف التي يموّلها صندوق الإتراف العربي وشريكه الفعال البيترودولار، مصورين من خلال هذا التقابل ما غلب على ظنهم أنه غبن وإجحاف وقع في حق هذا القارئ، مخرجين الأمر ومستشهرين له على صفحاتهم الشخصية للتواصل الاجتماعي في قالب مأساة يؤثث سيناريو إخراجها ويزيد من الواقع الأيقوني لصورتها المأساوية ترادف التعاليق أسفل الصورة، والتي تكاد حروف كلماتها المتعاطفة أن تنطق صارخة في بكاء متصل وعويل مؤبن للحال التي وصلنا إليها، وطبعًا هو وصول إلى حال موبوءة كانت قاعدة الانطلاق إليها على الحصر هو عين الصورة التي زُج بملفوظ كتاب الله في دلالة رمزية للمتلفظ به جنبا إلى جنب مع نقائص ومقبوحات استشهر لها البعض بمجانية ساذجة وفرط غيرة غبية ومتغابية لم تنتبه لفقه معيارية التقابل كما جاء على لسان الشاعر العربي وهو يقول: "ألم تر أن السيف ينقص قدره *** إذا قيل أن السيف أمضى من العصا".
ثم يترادف هذا النوع من التسويق في إخراجه الاستنكاري وفي إطار صوره التقابلية، وذلك مع تكرار الأحداث وتطورها في صوب يحكي واقع تهاوي وتردي الكثير من البالونات المطاطية التي نفخ فيها الإعلام المأجور البئيس ريح أنفاسه النتنة، ثم دفعها لتتعالى وتتصدر وتصول في تسفل، رغبة منه في تخليد فعلها وجعلها أنموذجًا ومثالًا تحتذي به الناشئة، وتهرول الأجيال بنهم في مسعى تحقيق مداركه التي جمعت وتحصّل لها بأسرع الطرق وأيسرها على ما يبدو ما زُيّن للناس من حب شهوات المال والجمال والنساء والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسوّمة والمراكب الفارهة.
ولعلها عين الصورة التي تهاوى أصحابها ليس فجأة كما يحب أن يروج البعض، ولكنه تهاو سبقته وأذنت واستشرفت وقوعه مقدمات ومقدمات آمن بها البعض ورتّب عليها لوازم واستنتاجات، وتغاضى عن كلّها الكثير ممن ألجمهم عرق الانبهار بزيف الأنموذج، والقدوة المصطنعة المعدلة جينيًا وأخلاقيًا، وما أحاط بهذا الانبهار من وقع افتعال ضجة وحبكة ضجيج حولها.
نعم تهاوت القدوات في معهود منتظر ومستمرئ مألوف، حيث حصل منها الاغتصاب وصدر عنها في إصرار وتكرر، ورقص بعضها عاريًا في سكر طافح ومنظر خادش قادح في سوي الفطرة، وتكلم البعض منها عن مثليته في صفاقة وصلادة وجه ووو...
وجاء من يضع في سياق احتجاج وإدانة وشماتة ووهم مدافعة صورًا تقابلية تجمع بين كبراء في العلم والخلق والمكانة والمنزلة بين الناس قد وقع منهم شبهة تسفل أو متخيل رذيلة ليس هذا وقت ومكان بسط الكلام في تفاصيلها، وتضعهم جنبًا إلى جنب مع هؤلاء الصغراء من المنارات المظلمة والمهدورات المتسفلة الأحلام.
لا جرم أننا لا نذهب وسوف لن نذهب بعيدًا في استقراء نوايا واستنباط مقاصد أصحاب هذا النوع من الاستدراك والمدافعة، كما أننا لن نتألى على الله فنحجر واسع رحمته، إذ المانع من هذا الذهاب هو حقيقة أننا لا نشك مثقال ذرة في جرعة غيرتهم ومتين انتسابهم ووجهة اصطفائهم وصفاء نيتهم، غير أن هذا لا يمنع في إطار واجب رد الأمور إلى نصابها، رجاء الانطلاق في خضم المدافعة ومهمة حراسة الحدود من القواعد الصحيحة السليمة ذات الاستقامة المنضبطة على وفق الأمر لا الهوى ومقتضيات الطبع، إذ متى كان لهؤلاء ثقل في ميزان الشرع، أو تقرر بالاعتبار المستوفي لشروطه أن هؤلاء هم فعلا على الحق والصدق قدوة لنا سواء في السراء أو الضراء، وفي الشماتة من عدمها، وفي الاعتبار من عدمه، وفي القياس من غير مشترك علله وتعدد فوارقه، اللهمّ إن حصل معنا نوع انسراب مع ما يسوّق له الإعلام البئيس عبر أذرعه المختلفة والمتخلفة وراء أشعة النيّون، وأنّى لنا هذا وقد علمنا أن صاحب القرآن وحامله على الحق والصدق هو أمة من الناس ولو كان لوحده، وصلاته جماعة وإن انفرد بها فذا، من جهة شرف معلومه وقيمة ما يحمله بين دفتي صدره من كلام الله جل في علاه مصداقًا لقوله سبحانه: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58].
فأي فضل بعد كتاب ربنا وكلامه أنفع وأنجع، وأي جمع بعد جمع آياته خير وأبقى، حتى نتباكى ونحزن في غبن وتفاهة من هالة هاموش بشري متحامل في غرور، وحشد غثائي وجوقة جفائية اجتمعت في استقبال بالون من البالونات الجوفاء التي أُريد لها أن تكون في واجهة الاقتداء وصدارة الابتلاء...
وليس يدري المرء أي تصور هذا الذي أنتج هذا التقابل، أو سمح بأن يُجعل حامل كتاب الله الصادح به في المحاريب النبوية الشريفة المباركة، في مرجوحية كفة وتطفيف وزن، جنبا في مقابل جنب مع صنف المترفين والمترفات من الذين واللواتي أثبت الواقع عبر تكرر سقطاتهم الأخلاقية أنهم وأنهن أصغر وأصغر بكثير من أن يغتاض ويبتئس المؤمن الغيور على حمى الدين وحصونه من وهم نجاحهم، ومتخيّل سعي حبالهم، وضنك سعادتهم، وقَدَرة رغدهم، وحبل المعطوفات طويل الطنب يحكي قضية إفلاسهم، وإفلاس المقاربة التي جعلت لهؤلاء باسم الغيرة على الدين وأهله وزنا وقيمة، واستشهرت لهم في غباء يحسبه الجاهلون غلبة وانحناءة هامة من الهامات التي حكم لها رب العزة من فوق سبع سماوات بالسمو والعلو ونزّهها عن الوهن والحزن متى ما آمنت وأنابت وأخبتت مصداقًا لنهيه جل جلاله: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:139].
محمد بوقنطار
محمد بوقنطار من مواليد مدينة سلا سنة 1971 خريج كلية الحقوق للموسم الدراسي 96 ـ97 الآن مشرف على قسم اللغة العربية بمجموعة مدارس خصوصية تسمى الأقصى.
- التصنيف: