(15) جرعة حاسمة
جمال الباشا
دونك أيها السالكُ فيما يلي جرعةً منطقيةً حتميةً في فاعليتها المُغذّية لقوتك العلمية، وهي إحدى ركيزتي مجاهدة النفس على الشهوات.
- التصنيفات: تزكية النفس -
دونك أيها السالكُ فيما يلي جرعةً منطقيةً حتميةً في فاعليتها المُغذّية لقوتك العلمية، وهي إحدى ركيزتي مجاهدة النفس على الشهوات.
لقد قررنا سالفًا أن الإرادة هي أصل كل حركةٍ فعلًا وتركًا.
وغايةُ ما تريده النفس تحصيلُ ما تَلذُّ به في العاجل والآجل، ودفع ما تتألم به في العاجل والآجل.
وهذا ما قام عليه مبدأ الشريعة في الترغيب والترهيب.
وتقوم تلك الجرعةُ على أساس عرض النفس على معادلةٍ منطقيةٍ لها طرفان، وكل طرفٍ فيه لذّتان وألمان، ثم تُعقد مقارنةٌ بين أطراف المعادلة وتُعاد صياغةُ مراتب إراداتها.
فليتأمل العاقل في اللذة التي بين يديه وليقارنها باللذة التي ستفوته في الآخرة بسببها، فإنه سيرى البون بينهما شاسعا، فهو كمن يؤثر خرزةً تافهةً على قصرٍ مَنيفٍ من لؤلؤٍ وذهب.
ثم لينظر إلى مقدار ألم مجاهدة نفسه على تركها وليقارنه بألم العقوبة على فعلها، فسيرى البون بينهما شاسعًا كذلك، فهو كمن يؤثر ألم النشر بالمناشير على مسّ الشوكة.
ومنطق العقلاء الجازم مع تحصيل اللذة العظمى بتفويت الدنيا، ودرء الألم الأعظم بتحمّل الأدنى.
فكيف إذا أضفنا إلى المعادلة مخرجًا جديدًا معتبرًا ومؤثرًا.
وهو أن في ترك الحرام لذةً عاجلةً يُجزى بها الطائع قبل الآجلة، وهي لذة الانتصار والغلبة، وحلاوة الطاعة.
وأن في فعل الحرام ألمًا عاجلًا يعاقب به العاصي قبل العذاب الآجل، وهو ذل الهزيمة والانكسار والفشل، الذي يورث ضيقاً في الصدر، ووحشةً في النفس.
تريَّث أيها المبارك عند هيجان داعي الشهوة، واستحضر تلك المعادلة المنطقية للحظة، ولتتهيأ لك تلك الشهوة بصورة الشواء المسموم، وعندئذ حكّم عقلك.