حول واقعنا وآلامنا (1)
فلو حاصر العدو حلب أو ظن الظفر بالموصل أو التمكن في فلسطين أو قلب الأوضاع في بلادنا، فذلك المؤمن يغير الله به كل الظنون وتتغير به الخرائط، ويتغير به المستقبل.
تسوّر الغيب والخروج من واقعنا، لم يذكر تعالى استراق معرفة الغيب المحجور إلا عن العجزة عن الخير؛ فذكره تعالى عن الشياطين، وأنها تنقله إلى سِفلة الخلق من الكُهان وهم أكذب الناس وأشدهم شرًا وسوءًا، وعجزًا وتضليلًا، وفقرًا ومهانة، وفي الغالب خاتمة سوء.
والمؤمن لا يحتاج إلى تسور ما حُجب عنه، إذ أنه مرتبطٌ بمن عنده علم الغيب كله، وقد طلب إلى ربه وتضرع إليه تدبير أمره وحسن تصريف أمره، وذلك بتقواه وتوكله.
فمن اتقى وصبر ـ وفي التقوى التعبد والأخذ بالأسباب، وفي الصبر التمسك بالطريق ـ وتوكل وفوّض، ووثق في ربه واعتمد عليه.. فقد حاز أعظم مما يملكه أي مخلوق، لقد اتصل بمصدر الخلق والتقدير والقوة.
قال تعالى عقب ما ذكر عن السحرة وشرائهم الدنيا {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّـهِ خَيْرٌ} [البقرة جزء من الآية: 103] وهذا يشمل الدنيا التي يرجوها السحرة، والآخرة التي يرجوها المؤمن، فتقواه تعالى، والصبر به وله وعلى أمره، والتوكل عليه، يحصّل بهما المؤمن خيرًا من دنيا غيره، والآخرة التي ينفرد بها (خالصةٌ يوم القيامة).
لكن ما يجب معرفته ويفوت كثيرًا من المؤمنين، خاصةً في عصورنا المتأخرة أن اتخاذ الأسباب أمرٌ جادٌ جدًا..
فعندما يقول رسول الله لرجل: «عليك بالكَيْس» (أبو داوود: 3627)، وعندما يقول الله تعالى: {فَاعْبُدْهُ} [هود جزء من الآية: 123] فهو التعبد عميق الدلالة وواسع المجال؛ فهو يشمل العلم والدراسة، والبحث والمسح والإحصاء، والتواصل ومدّ العلاقات والجسور، وامتلاك أسباب القوة والبحث عن المخارج، وامتلاك البدائل، والمرونة مع الثبات، والثبات مع اختلاف الظروف وتعاقبها وتغيرها، والتربص والرباط، وسعة الرؤية الشرعية والواقعية..
كل هذا وغيره داخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم: «عليك بالكَيْس» (أبو داوود: 3627) ، وقوله تعالى: {فَاعْبُدْهُ} [هود جزء من الآية: 123] وبقي {وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} [هود جزء من الآية: 123] ليرتفع تأثير العمل من قوتك إلى قوته ومن الانقطاع إلى الدوام، ومن المحدودية إلى الإطلاق.
فلو حاصر العدو حلب أو ظن الظفر بالموصل أو التمكن في فلسطين أو قلب الأوضاع في بلادنا، فذلك المؤمن يغير الله به كل الظنون وتتغير به الخرائط، ويتغير به المستقبل.
- التصنيف: