مسلكيات - (36) اتقِ شرَّ مَن...... ؟
مما يجبُ تقويمُه من أغلوطات المفاهيم قولُهم: "اتَّقِ شرَّ من أحسنتَ إليه"، وهذا القول ليس من نصوص الوحي، وليس من مستحسَنات الحِكَم، بل هو منطقُ أصحاب الهواجس المرضية، والوساوس القهرية، الذين يظنون بالآخرين ظنَّ السَّوء.
مما يجبُ تقويمُه من أغلوطات المفاهيم قولُهم: "اتَّقِ شرَّ من أحسنتَ إليه"، وهذا القول ليس من نصوص الوحي، وليس من مستحسَنات الحِكَم، بل هو منطقُ أصحاب الهواجس المرضية، والوساوس القهرية، الذين يظنون بالآخرين ظنَّ السَّوء.
إنَّ مفهوم العبارة من دواعي التثبيط عن الإحسان إلى الآخرين، وقطع سبل المعروف معهم، لأنك كلما أحسنت إلى أحد توقعت مقابلتَه لك بالشر، وردّ الإحسان بالإساءة، فأحجمت عن البذل.
وهذا الفهم خلافُ الفطرة والواقع والشرع.
أما الفطرةُ فهي أنَّ النفوس مجبولة على محبة من أحسن إليها.
وأما الواقع الملموس فيدلُّ على تعلق الناس عادةً بأهل الفضل والإحسان، والوفاء لهم، والاستحياء منهم، وما عدا ذلك يعدُّ استثناءً ولا عبرة به.
وأما الشرعُ وهو المقدَّم في الاعتبار، فقد دلت نصوصه على أنَّ الدفع بالتي هي أحسن يقلبُ العدوَّ وليًا حميمًا.
وفي الأدب:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم *** فطالما استعبد الإنسانَ إحسان
وكن على الدهر معوانًا لذي أمل *** يرجو نَداك فإن الحرَّ معوانُ
وقد صاغ بعضُهم شعرًا قريبَ المعنى مما فهمه القومُ، وهو من المشتهِر على الألسُن:
أعلمُه الرمايةَ كلَّ يوم *** فلما اشتدَّ ساعدُه رماني
وكم علمتُه نظمَ القوافي *** فلما قال قافيةً هجاني
وإذا صدقَ وصفُ الشاعِر لواقعةٍ ما(وهي قتل ولده له) فإنما هو في حقّ اللئام لا الكرام.
فطبع اللئيم الجحودُ والنكران، وطبع الكريم الشكرُ والعِرفان.
وقد عارضتُ الأبياتَ بأبياتٍ قلتُ فيها:
يعلمُني الرمايةَ كلَّ يوم *** وجاد بعلمه حتى هداني
وفاضَ عطاؤه أوزانَ بحرٍ *** بنظم قوافي الشعر الحسان
فلما اشتدَّ ذاك الزندُ مني *** وصار مضارعًا زندي لساني
عرفتُ لصاحب المعروف فضلا *** وشكرُ القلب أبلغُ في المعاني
فبذلُ الناس يشكرُه كرامٌ *** وجحدُ الفضل من لؤم الجبان
جمال الباشا
مؤهلات الشيخ جمال بن محمد الباشا: ماجستير في القضاء الشرعي، دكتوراه في الفقه وأصوله، رسالة الدكتوراه في السياسة الشرعية، مدرس في أكاديمية العلوم الشرعية.
- التصنيف:
- المصدر: