(42) التصالح مع الذات
جمال الباشا
المتصالح مع ذاته إنسان مستقر الحال، هادئ البال، مطمئن النفس، قرير العين.
هو شخص عرف الله بجلاله، وأدرك أن كل الذي فوق التراب تراب.
- التصنيفات: تزكية النفس -
من أطلق هذا المصطلح يريد به بيان حالة إيجابية عند أسوياء البشر تفيد وجود تطابق بين ظواهرهم وبواطنهم، علانيتهم وسرهم، وبخلافه تكون حالة الفصام داخل الشخصية غير السوية، فصاحبها متعدد الوجوه والأدوار، يجيد التمثيل والتزوير، وهو ذو طبيعة مائعة تتشكل بحسب القالب الذي توضع فيه. فهو صالح إذا كان مع الصالحين، وفاسد إذا كان مع الفاسدين، إن أحسن الناس أحسن، وإن أساؤوا أساء، وهكذا.. وهو غير مكترث بتناقضه وازدواجيته.
والمسمى الشرعي لمصطلح التصالح مع الذات عندنا أهل الإسلام هو الصدق، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [النور:119]
والصدق يكون بالقول، و بالفعل، وبالنية، وبالعزم، وبالوفاء بالعزم، ويكون كذلك بمقامات الدين.
ما يهمنا في هذا المقام الثلاثة الأول:
أما صدق القول فهو تطابق الخبر مع الواقع وضده الكذب، وهذا ظاهر.
وأما صدق العمل فهو تطابق حال الباطن مع صورة الفعل الظاهر. وهو توحيد الطلب، يقابله التلون والنفاق.
وأما صدق النية فهو الإخلاص، وهو توحيد المطلوب، يقابله الشرك والرياء.
وبين الصدق والإخلاص عموم وخصوص، فكل إخلاص صدق، وليس كل صدق إخلاصا.
وبالجملة..
المتصالح مع ذاته إنسان مستقر الحال، هادئ البال، مطمئن النفس، قرير العين.
هو شخص عرف الله بجلاله، وأدرك أن كل الذي فوق التراب تراب.
لا يعرف الازدواجية، فسره وعلانيته سواء.
مدح الناس له لا يغره، وذمهم إن آذاه فلا يضره، وإذا امتدحه الناس بما ليس فيه انزعج لذلك، لأنه يعلم أن الوصف كاذب لا ينطبق عليه.
إذا تبين له الحق بخلاف ما هو عليه تقبل ذلك وانقاد له بصدر منشرح ونفس طيبة، فلا يكابر ، ولا يهاتر.
الخلوة بالله تؤنسه، وكثرة المخالطة توحشه.
وكمال صدق العبد أن لو قيل له ستنشر صحيفتك على الناس الساعة لم يبال، فليس لديه ما يخفيه.. نعم تلك منازل المقربين، ثم يأتي الأمثل فالأمثل.
وأقصى ما يبلغه من الفصام أن يترك ما يأمر به، ويفعل ما ينهى عنه.
بقي أن ننوه إلى أنه لا يجوز أن يدخل في المعنى الإيجابي مجاهرة العبد بخطيئته وفجوره على أنه منسجم مع ذاته، فتلك رعونة وقلة حياء، لا تليق بالأسوياء.