عصبيةٌ وتقديس
محمد علي يوسف
طفلة صغيرة في غرفة عملياتٍ تعاني من ورم لا يعرف والدها حقيقته، كل ذلك لم يحرك في قلب التابع إلا بواعث الانتقام وتصفية الحسابات والتنكيل بمخالفه أو مخالف سيده، أي قلبٍ هذا؟!، وعلى أي نهج يُرَبَى هؤلاء؟!، وكيف أبلغهم سادتهم وكبراؤهم تلك الدرجة من التقديس التي وصلت بهم إلى أن صاروا أقطاباً للكون وأحداثه تدور حولهم؟!
- التصنيفات: تربية النفس -
- هذا الذي أصاب ابنتك إنما هو عقاب رباني لما اقترفته في حق "فلان"..
فوجئت بهذه العبارة التي لا أتذكر أكانت تعليقًا أم رسالة تباغتني بعد دقائق من إعلامي الأصدقاء والمتابعين الكرام بأن صغيرتي عائشة تخضع لعمليةٍ جراحية!!!!!
حدث ذلك منذ عامين تقريبًا والحقيقة أنني كنت في ذلك اليوم المؤلم وأثناء تلك اللحظات العصيبة في أشد الحاجة إلى دعوة أحد الصالحين لعلها تصادف ساعة إجابة فتكون سببًا من أسباب شفاء أسأل الله أن يتمه عليها..
كنت أطمع في ذلك أو حتى في موعظةٍ تثبتني أو مواساة تعين أبًا مكلومًا على مواجهة هذا البلاء العظيم
لا أرفض أبدًا احتمال أن يكون البلاء عقوبة أستحقها لما أعلم أو لا أعلم من ذنوبي؛ بل أشهد الله أن هذا أول ما اتهمت به نفسي وسألت ربي أن يعافيني ويغفر لي وألا يصيبني بآثار خطاياي وتقصيري وجدي وهزلي وكل ذلك عندي.
لكن المفاجيء حقًا كان حصر الأمر وتعيينه على ذلك الشخص الذي رأى تابعه أن الكون يدور حوله وأن رتبته ودرجته ومنزلته قد بلغت به أن تحدث الحوادث فقط لأجله وأن يُبتلى الخلق وأبناؤهم إقرارًا لعينه
بدت تلك الرؤية وظهر ذلك التصور حين نوقش كاتب التعليق بعد ذلك فصرح جازمًا أن "فلان" المذكور من الأولياء (وبما أن) من عادى وليًا فقد آذنه الله بالحرب، إذاً فما أنا فيه وابنتي من البلاء هو من تجليات تلك الحرب!!!
هكذا ببساطة بما أن إذاً وبإحكام المعادلات الرياضية التي تحول الخلق وآلامهم في نظر البعض إلى مفرداتٍ لتلك المعادلات، لم تكن المرة الأولى ولا الأخيرة التي أرى فيها مثل هذا التصور لكنها كانت بلا شك الأشد قسوة!
فكثير من الأتباع كانوا يسارعون لأشباه هذا الوعيد الذي قد يصل إلى التهديد لمجرد أن تختلف مع متبوعيهم
لا يهم أبدًا كيف اختلفت ولا لماذا ولا تهم المعايير التي تعاملت بها والأسلوب الذي انتقدت به فكثيرٌ منهم لا يفرقون بين الاختلاف والنقد بل وربما البراء من الخطأ وصاحبه إن تعاظم ذلك الخطأ وتحول إلى شيء مما ينبغي البراء منه؛ وبين البغي والتعدي وهذان الأخيران أسأل الله أن يقينا إياهما وألا يجعل غضبنا وبغضنا إلا فيه ولأجله وبما يرضيه.
لكن لأن الخطاب التعصبي التحزبي التقديسي يؤدي لا محالة إلى هذه النتيجة فمن الطبيعي أن تجد من يتألى على الله بالجزم بثبوت عقوبته أو نزولها أو الدعاء بها لمجرد حدوث الاختلاف مع متبوعيهم، المؤلم هنا كان التوقيت والأسلوب، والمحل.
طفلةٌ صغيرة في غرفة عملياتٍ تعاني من ورم لا يعرف والدها حقيقته، كل ذلك لم يحرك في قلب التابع إلا بواعث الانتقام وتصفية الحسابات والتنكيل بمخالفه أو مخالف سيده، أي قلبٍ هذا؟!، وعلى أي نهج يُرَبَى هؤلاء؟!
وكيف أبلغهم سادتهم وكبراؤهم تلك الدرجة من التقديس التي وصلت بهم إلى أن صاروا أقطاباً للكون وأحداثه تدور حولهم؟!
لازلت إلى اليوم أشهد تلك الأقوال وردود الأفعال وأشباهها ثم أسأل نفسي هذه الأسئلة دون أن أحظى بإجابة
فهل لدى أحدكم واحدة؟!