دروس فضيحة العمرانية

منذ 2010-11-29

ما حدث في العمرانية بالجيزة قبل أيام خطير بالفعل ، ويبعث برسائل أكثر خطورة وعلى أكثر من صعيد ، كما أنه ـ إذا أحسنا التأمل فيه ـ يمكن أن يعطينا دروسا تحمي الوطن من نزق قليلي الخبرة بالتاريخ والعمل السياسي ..



ما حدث في العمرانية بالجيزة قبل أيام خطير بالفعل ، ويبعث برسائل أكثر خطورة وعلى أكثر من صعيد ، كما أنه ـ إذا أحسنا التأمل فيه ـ يمكن أن يعطينا دروسا تحمي الوطن من نزق قليلي الخبرة بالتاريخ والعمل السياسي الذين يتصورون أنهم بلعبهم بالورقة الطائفية يمكن أن يفرضوا أوضاعا جديدا على الوطن والتاريخ والجغرافيا .

الآلاف الثلاثة الذين تجمعوا في السادسة والنصف صباحا في شوارع العمرانية ثم أمام مبنى محافظة الجيزة محاولين اقتحامه واتخاذ المحافظ أو كبار الموظفين رهائن لحين الانصياع لمطالبهم المخالفة للقانون ، هؤلاء الآلاف عندما يخرجون في السادسة صباحا فهو يعني أن هناك عمليات تنظيم وحشد طوال الليل ، وربما على مدار أيام ، بتخطيط وترتيب من له عليهم سمع وطاعة وأمر ونهي ، فإذا أضفنا لذلك شهادات الشهود عن أن الكثيرين ممن شاركوا في "الهوجة" لم يكونوا من أبناء المنطقة وبعض المصابين ثبت أنهم من صعيد مصر فإنه يعطينا أبعادا كاشفة أكثر عن عملية التجنيد والتعبئة والحشد والتآمر .


وعندما تظهر قنابل المولوتوف في أيدي المليشيات الطائفية وبعض السلاح الناري الذي سمعه شهود عيان يدوي قبل حضور الشرطة ، فإنه يعني أن هناك خبرات يتم تطويرها وأن بعض "الأوكار" تستخدم أو يمكن أن تستخدم لتجهيز أسلحة خطيرة ، وقد أصابت القنابل عددا من الضباط والجنود وبعضهم أصيب بنسب تشوه عالية في الوجه والجسم ويخضع حاليا للعلاج ، وعندما يعلن بعض القساوسة أن هناك مفاوضات وحوارات مستمرة مع محافظ الجيزة والمسؤولين على مدار أسابيع قبل الواقعة فهو يعني أن هناك ـ لدى القيادات المسيحية ـ وعيا كاملا وكافيا لإدراك أن ما يحدث في المبنى الاجتماعي مخالف للقانون ، وبالتالي فإن ما أقدموا عليه من تحريك هذه الجموع وحشدها وترتيب القنابل والسلاح الناري والأبيض فهو مقصود به إحراج السلطة وأجهزتها وكسر القانون وسلطة القانون والإعلان عن أن القانون لا يسري على الكنائس ولا على الكهنة ، أيا كان التحفظ على القانون ، إلا أنه في النهاية قانون ينبغي أن يلتزم به الجميع ، ومن يرى التضرر منه عليه أن يخوض نضالا قانونيا أو دستوريا أو سياسيا من أجل إعادة النظر فيه ، لأنه لا يملك الحق المطلق في رؤيته وإنما هي وجهة نظره قد يكون فيها مجافيا للحق والحقيقة وقد يكون ـ بل هو بالفعل في هذه الحالة ـ مندفعا بأوهام طائفية من أجل انتزاع ما ليس له بحق ، وعندما يتم التعامل مع القانون بمثل هذه الغوغائية ، وأن أي جماعة طائفية أو غير طائفية تفرض "قانونها الخاص" بالقنابل والسلاح على قانون الدولة ، فإنه لا معنى لتعديل القانون أو وضع أي قوانين جديدة ، لأن فكرة القانون في ذاته انهارت حرمتها في الوعي الاجتماعي والشعبي والطائفي ، وأصبحت رغبات الكهنة وإرادتهم هي القانون الفعلي .


وعندما يقول المسؤولون أنهم اتصلوا ـ على أعلى مستوى ـ بالبابا من أجل أن يتدخل لوقف هذا العبث الخطير من شبان مغرر به ، فيرفض البابا التدخل بحجة أنه مريض ، ثم بعدها بساعات يقود عظة الأربعاء في الكاتدرائية أمام المئات ، فهذا يعني أن البابا شنودة كان واعيا من وقت مبكر بالأحداث والترتيب لها ، وربما لم يتصور أن يكون هناك حزم من الشرطة تجاهها باعتبار أن أجواء الانتخابات لا تسمح بالتصعيد الأمني ، فلما وجد بعض الجهات الرسمية أخذت الأمر على محمل الجد ، خاصة بعد الإصابات الواسعة والخطيرة بين ضباط وجنود الشرطة والتدمير الغوغائي للممتلكات العامة ، ظهر البابا بصوته و"علم" أن هناك مشكلة ، ولكن راح يهاجم "المغدورين" : المحافظين والشرطة ، ودافع عن الغوغائية بل وأطلق تهديدا خطيرا للدولة وسلطاتها بأن "غضب الرب سيكون قاسيا" وذلك في أعقاب الأحداث مباشرة ، وهو كلام يسأل عنه رجل الدين ويحاسب ، لو كانت هناك إرادة سياسية بالفعل لمنع هذا العبث الطائفي الخطير ، ولا أدري هل كان البابا يتصور أن الشرطة سوف تواجه القنابل بأوراق الورد والياسمين مثلا .


لقد تسببت هذه الأحداث في سخط شعبي واسع وغير مسبوق بين المسلمين ، واتصالات من مختلف المحافظات حتى البعيدة عن القاهرة تستغرب هذا الاستهتار الطائفي الخطير وتبدي غضبها الشديد مما حدث ، بما يعني أن مثل هذا التهريج ينتج بشكل طبيعي تعبئة على الضفة المقابلة ، فهل هذا ما قصده القساوسة الذين حشدوا آلاف الشباب القبطي المغرر به للقيام بهذه "الهوجة" ، ولو تخيلنا أن عشرات الآلاف من المسلمين في الجيزة غضبوا مما حدث واحتشدوا للدفاع عن ممتلكات الوطن والتصدي للاعتداءات ، هل يدرك البابا شنودة كيف سيكون مشهد الشارع المصري وقتها .

دروس عديدة ، أرجو أن لا تمر على ذوي العقول والنهى ، قبل أي انتماء سياسي وقبل أي انتماء ديني أو طائفي وقبل أي رؤية ايديولوجية ، حمى الله مصر من كل نزق ومن كل تآمر ، وحمى الله شعب مصر الطيب من فتن الجهل والتعصب والطائفية .

[email protected]

26-11-2010 م 
 
المصدر: جمال سلطان - جريدة المصريين
  • 0
  • 0
  • 2,083

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً