متى يُلبي الجراء نداء حلب؟
أعتقد أن القادم أسوأ حتى تفيق هذه الجيوش وتلتحم لتخدم الأمة وليس العكس
متى يلبي الجراء نداء حلب؟
هل لبى المعتصم نداءك: كلمة سطرها له التاريخ لما لبى نداء حرة من عمورية استغاثت به فما هدأ ولا استقر حتى حاصر الروم وأنقذها وأنقذ شعبها، فمن لحرائر حلب اليوم؟؟؟؟
قد يرسل لها أحدهم أجولة من التمر والدقيق وقد يرسل لها آخر صواريخ في يد عَدوها لتعَجل أجلها فترتاح وتنام معها ضمائرهم !!!!
في ظل شعوبٍ مُستكينةٍ بعيدةٍ عن منهج ربها وبعيدةٌ كل البعد عن أخلاق دينها فلا طالت دنيا ولا دين، وإن لم تُبادر الأمة اليوم بالعودة لنبعها الصافي والتوبة من بعدها عنه لما استحقت سوى الاستبدال.
التاريخ لا يَظلم: نحن اليوم لا معتصم لدينا وإنما نحن في مثل ضعف الأمة زمن التتار وإن كانوا أفضل منا إيماناً وقتها، لذا فالمنتظر أدهى وأمَر إلا أن يتداركنا الله برحمته ونغير ما بأنفسنا وبأسرع وقت.
يكاد واقعنا اليوم يطابق واقع الأمس المرير لما تسبب تصارع الملوك والأمراء الضعاف مع ظلمهم لشعوبهم في فتح البوابة الشرقية للعالم الإسلامي على مصراعيها أمام التتار:
هذا جلال الدين ملك أفغانستان القوي الظالم لشعبه والذي يهدده التتار ولم يكونوا وقتها يحلموا مجرد حلمٍ بالنصر عليه ولكن تُرى ماذا حدث:
يقول التاريخ :
اطمأن جلال الدين إلى جيشه، فأرسل إلى جنكيزخان في الطالقان يدعوه إلى قتالٍ جديد، وشعر
جنكيزخان بالقلق لأول مرة، فجهَّز جيشًا أكبر، وأرسله مع أحد أبنائه لقتال المسلمين، وتجهز الجيش المسلم، والتقى الجيشان في مدينة (كابول) الأفغانية. ومدينة كابول مدينةٌ إسلاميةٌ حصينةٌ تُحاط من كل جهاتها تقريبًا بالجبال؛ فشمالها جبال هندوكوش الشاهقة، وغربها جبال باروبا ميزوس، وجنوبها وشرقها جبال سليمان.
ودارت موقعة كابول الكبيرة، وكان القتال عنيفًا جدًّا، أشد ضراوةً من موقعة غزنة، وثبت المسلمون، وحققوا نصرًا غاليًا على التتار، بل وأنقذوا عشرات الآلاف من الأسرى المسلمين من يد التتار.
وفوق ارتفاع المعنويات، وقتلِ عددٍ كبيرٍ من جنود التتار، وإنقاذ الأسرى المسلمين، فقد أخذ المسلمون غنائم كثيرة نفيسة من جيش التتار.
كانت هذه الغنائم وبالاً على الجيش المسلم؛ روى ( البخارى: 2988 ومسلم: 2961) عن عمرو بن عوف قال: قال رسول الله : " فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ»
فتنة المال.. وهلاك المسلمين
لقد وقع المسلمون في الفتنة!!
قام سيف الدين بغراق أمير الترك، وقام أميرٌ آخر هو ملك خان أمير مدينة هراة، قام كل منهما يطلب نصيبه في الغنائم، فحدث الاختلاف، وارتفعت الأصوات، ثم بعد ذلك ارتفعت السيوف!! وسقط من المسلمين قتلى على أيدي المسلمين، وكان ممن سقط أخٌ لسيف الدين بغراق، فغضب سيف الدين بغراق وقرر الانسحاب من جيش جلال الدين ومعه الثلاثون ألف مقاتل الذين كانوا تحت قيادته!! وحدث ارتباكٌ كبيرٌ في جيش المسلمين، وأصرَّ سيف الدين بغراق على الانسحاب، فاستعطفه جلال الدين بكل طريق، وسار بنفسه إليه وذكَّره بالجهاد، وخوَّفه من الله تعالى، لكن سيف الدين بغراق لم يتذكر وانسحب بجيشه فعلاً! .
وانكسر جيش المسلمين انكسارًا هائلاً، لقد انكسر ماديًّا، وكذلك انكسر معنويًّا!!
ولم يفلح المسلمون في استثمار النصر الغالي الذي حققوه في غزنة وكابول. وبينما هم كذلك إذ جاء جنكيزخان بنفسه على رأس جيوشه ليرى هذا المسلم الذي انتصر عليه مرتين، ودبَّ الرعب والهلع في جيش المسلمين؛ فقد قلَّت أعدادهم، وتحطمت معنوياتهم، ورأى جلال الدين أن جيشه قد ضعف جدًّا، فماذا فعل؟!
لقد أخذ جيشه وبدأ يتجه جنوبًا للهروب من جيش جنكيزخان، أو على الأقل لتجنُّب الحرب في هذه الظروف، ولكن جنكيزخان كان مصرًّا على اللقاء، فأسرع خلف جلال الدين!! وبدأ جلال الدين يفعل مثلما فعل أبوه من قبل!! لقد بدأ ينتقل من مدينة إلى مدينة متوجهًا إلى الجنوب، حتى وصل إلى حدود باكستان الآن فاخترقها، ثم تعمق أكثر حتى اخترق كل باكستان، ووصل إلى نهر السند الذي يفصل في ذلك الوقت بين باكستان وبين الهند، فأراد جلال الدين أن يعبر بجيشه نهر السند ليَفر إلى الهند، مع أن علاقاته مع ملوك الهند المسلمين لم تكن على ما يرام، ولكنه وجد ذلك أفضل من لقاء جنكيزخان!!
وعند نهر السند فُوجئ جلال الدين وجيشه بعدم وجود السفن لنقلهم عبر النهر الواسع إلى الناحية الأخرى، فطلبوا سفنًا من مكان بعيد، وبينما هم ينتظرون السفن إذ طلع عليهم جيش جنكيزخان! ولم يكن هناك بدٌّ من القتال؛ فنهر السند من خلفهم، وجنكيزخان من أمامهم، ودارت موقعةٌ رهيبة بكل معاني الكلمة، حتى إن المشاهدين لها قالوا: إن كل ما مضى من الحروب كان لعبًا بالنسبة إلى هذا القتال.
واستمر اللقاء الدامي ثلاثة أيامٍ متصلة، واستحرَّ القتل في الفريقين، وكان ممن قتل في صفوف المسلمين الأمير ملك خان، الذي كان قد تصارع من قبل مع سيف الدين بغراق على الغنائم، وها هو لم يظفر من الدنيا بشيء، بل ها هي الدنيا قد قتلته، ولم يتجاوز لحظة موته بدقيقةٍ واحدة. ولكن شتَّان بين مَن يموت وهو ناصر للمسلمين بكل طاقته، ومن يموت وقد تسبب بصراعه في فتنة أدت إلى هزيمةٍ مُرَّة.
وفي اليوم الرابع انفصلت الجيوش لكثرة القتل، وبدأ كل طرف يعيد حساباته، ويرتِّب أوراقه، ويضمد جراحه، ويُعِدُّ عدته، وبينما هُم في هذه الهدنة المؤقتة جاءت السفن إلى نهر السند، ولم يُضَيِّع جلال الدين الوقت في تفكيرٍ طويل، بل أخذ القرار السريع الحاسم وهو (الهروب)!! وقفز الزعيم المسلم إلى السفينة، ومعه خاصته ومقربوه، وعبروا نهر السند إلى بلاد الهند، وتركوا التتار على الناحية الغربية من نهر السند؛ فانقلب جنكيزخان على بلاد المسلمين يصبُّ عليها جام غضبه، ويفعل بها ما اعتاد التتار أن يفعلوه وأكثر. وكانت أشد المدن معاناة هي مدينة غزنة، التي انتصر عندها المسلمون منذ أيام أو أشهر عندما كانوا متحدين، دخل جنكيزخان المدينة الكبيرة، عاصمة جلال الدين بن خوارزم فقتل كل رجالها بلا استثناء، وسبى كل الحريم بلا استثناء، وأحرق كل الديار بلا استثناء!! وتركها -كما يقول ابن الأثير- خاويةً على عروشها، كأن لم تغن بالأمس .
والسؤال المحير: متى ستخدم جيوش المسلمين شعوبها المسلمة وتدافع عن مصالح الأمة التي تمثلها وليس أعداءها ؟؟؟!!!
أعتقد أن القادم أسوأ حتى تفيق هذه الجيوش وتلتحم لتخدم الأمة وليس العكس.
الله المستعان
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف:
- المصدر: