مُتَواتِراتُ قُدْسِيِّة
رحاب حسَّان
إنها متواترات قدسية تتحدث بقوة تهز الأركان و بعزة متسارعة تزيد البيان، لا تنظر في وجوه المذبذبين وتستعلي أن تنل من ركام المخذلين، تخطف أبصار الأذكياء بشعاع البصيرة و تفوق التصور والخيال في صفائها و رونقها وشفافيتها، تسمو للهدف الأبقى، تنثر العطايا على أضواء البحر الرائق حتى وإن ذقنا من أجلها المشانق.
- التصنيفات: قضايا المرأة المسلمة - قضايا الشباب - قضايا إسلامية معاصرة -
الكثير من المشاعر المختلطة تجيش في القلب تحرك خاطراً سمحا هنا وجرحا ساكنا هناك، يعتصف القلب دوارا محرقا من الذكريات ثم يعلوه تيار بارد من الثبات.
ويكأنني استعرض شريطا عريضا من الأحداث المؤلمة التي اشتركنا فيها وصويحباتي وعشنا مآسيه سويا وتلذذنا بآلامها لما تذكرنا غايتنا فيها.
كففنا دموعنا لـمّا تطلعنا لآمالنا منه، كم مرة كنا نواسي بعضنا رغم أن الكل مبتلى، كم لاقينا من درب الحاقدين وصنوف الساخرين و نفثات الصادّين.
حتى وبعد أن نجانا الله منهم فلقد كنا نعيش قصتنا البائسة مع كل غريبة على أرض الواقع أريد ان يزاح عنها نياط الحجاب السامي أو يُستهزأ بمبادئها القدسية التي لطالما ناضلت من أجل تحقيقها.
كانت الكلمات طيلة السنين التي مرت علينا في الغربة الثانية تتواطأ وتجتمع على أمل واحد يُلّح علينا وبشدة في بلدنا، فكثيرا ما تحاورنا مع أحلامنا عن ذاك الموقف الفاصل الذي سننعم بعده بما لا تحلم به النخباويات المتحررات.
نعم سنتحرك بحرية دون أن يطالبنا أحد بكشف حجابنا وأملاء البيانات بتهمة الإرهاب.
سنتقدم للمهام الأكاديمية والدراسات العليا دون استقصاء وتوقيف و تمييز.
سنتعامل كمواطنات من الدرجة الأولى وليس مواطنين من الدرجة الثالثة، في بلد يوصف بأنه مسلم.
لن ينظر إلينا باحتقار من أجل ردائنا أو منهجنا، سيكون لنا أماكننا الخاصة في كل ناد وموقف بلا حرج أو تفضل من أحد.
لن نستبعد لن نهمش لن نؤجل لن نؤخر لن نشعر بالاضطهاد والعنصرية.
تلك المشاعر التي اكتشفنا مع تقارب الزمان و دخول الانترنت أنها لم تكن أفكارا أحادية وأحلاما فردية لم تكن فقط في الحي الذي نقطن فيه، لم تكن في بلدتنا المحدودة ولا عالمنا الصغير، لقد اكتشفنا انها متواترات عالمية واستقصاءات دولية.
بداية من أخواتنا في الغرب في فرنسا واسبانيا وألمانيا وهولندا وبلجيكا والبوسنة ثم في المغرب و تونس والجزائر وليبيا ومصر والشام ....
لكننا كنا نطالب بها ونتكالب على إبقائها، إنها نفس المعاملة منهم ونفس الردود والعنود منا!!
وإن كنا لا نعلم عن بعضنا شيئا، وإن لم نر بعضنا أو نتفق على موعد، وإن لم نتواصل فكريا ولم نتفاعل سويا.
لقد اجتمعا وإن لم نجتمع على آمال كانت تعترك أفكارنا ثم ما تلبث أن تستقر مذعنة في صدورنا لتكون جزءا من ضمائرنا وعقيدتنا، ولنفتخر بمنهاج سلكناه ومنهج لم نرض غيره ولم نجد بديلا عنه يحتوي الوجدان ويريح الضمير ويعلي من شأن الجوارح سواه.
منهاج يشكل لنا وبنا الواقع والمستقبل، يحتوى المرأة بكل أشكالها يحتوي الجارية الصغيرة كما يحتوي الأم والزوج والأخت والأرمل والثيب.
إنها متواترات قدسية تتحدث بقوة تهز الأركان و بعزة متسارعة تزيد البيان، لا تنظر في وجوه المذبذبين وتستعلي أن تنل من ركام المخذلين، تخطف أبصار الأذكياء بشعاع البصيرة و تفوق التصور والخيال في صفائها و رونقها وشفافيتها، تسمو للهدف الأبقى، تنثر العطايا على أضواء البحر الرائق حتى وإن ذقنا من أجلها المشانق.
تقول لكل من صدّقها أنتم الثبات فيا لحسنِه فيكم وبهائه بكم لا تتبدلوا فقد أوشك الضيم على الرحيل ولم يمض الا ساعة من نهار.
تشيح الظلال عن شمس الإسلام المسفر، حسبناها سنونا أنها محرقة مرهقة فإذا بها تبتسم في وجه الضحى وإن كانت لم تزل بعيدة وتغدق علينا بالنور الحاني، ليس المهم الألم ليس المهم الضعف والفَرق.
بقدر ما يهمنا هذه الاكتشافة الجديدة التي منحتني قوة على قوة وخدرت مشاعر الأسى والهم والقلق، حين علمت أن أخواتي لم يتواترن على عصرانية متبرجة ولا وضعية ملحدة ولا عقلانية مجددة بل كانت متواترات كفاها ووفاها كتاب قدسيّ سماويّ مبين يغذي الأفهام بذات المبادئ و يدعم القلوب بنفس الثبات.