مَوجُوعون بك يا حَلب
موجوعون بطفلةٍ تموت ..
وأُصبع السُّبابة مرفوعا يعلِّمنا؛ أنَّ التّوحيد يُقبل إذا انفردَ بتوقيعِ روح!
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
موجوعون بطفلةٍ تموت ..
وأُصبع السُّبابة مرفوعا يعلِّمنا؛ أنَّ التّوحيد يُقبل إذا انفردَ بتوقيعِ روح!
موجوعون بطفل ..
يركُض كيْ يخبّىء أخته من القنّاص .. ويعلِّمنا كيف تُكتب أسطر الرُّجولة على لافتةِ طفلٍ صارَ بطلاً!
موجوعون بأمٍّ ..
تهزُّ طفلها؛ وتُقسم عليه أن يَفيق .. وما تَدري أنّ أوجاعها لا يُدثّرها الا رُؤية الله، وإخبارهِ بكلِّ الذي جرَى!
موجوعون يا حلب ..!
موجوعون ..
برجفةِ طفلة تتكوّر على رصيفِ الموت؛ هاربة من القصف ..
تجتازُ رَجفتها المسافات، وتصِل إلى أقصى المَدائن الصّامتة .. تلُفّها بخيوطٍ منسوج عليها؛ هذا آوان انكسارها!
موجوعون ..
بصبيّة تتيه في الطُّرقات؛ ثمّ تلتقط أمّها، أو بعض أمِّها، وكَومة حزن تغرقها في سَراديب اليُتم!
موجوعون ..
بخمسِ سنوات من جراحٍ تكبُر فينا!
تردّ الشّام عنّا في صبرها؛ حرائقَ الشّمس ..
وتبقي البوابات على نذرها .. أنْ لا تُرَتّل الا سُورة الفتح ولا تَنكسر!
يا للوَجع ..
إذْ يطُلّون مُغْبَرِّين من تحتِ الرّكام .. جاهزين لمواكبِ الجنان .. وبغبار المَعارك فقطْ؛ تَلثم الجنّة أهلَها!
تُعانق غزّة حَلب .. وتَبكي معها بغدَاد .. وتَقترب صَنعاء .. وتضمّ مِصر الى خاصِرتها .. ويَنعقد الوجع!
يستلهمُ النَّدى من دمعِ الأمّهات؛ ما سيُزهر به المَدى .. فقد اكتمل القُربان!
حَلب ..
أيا مدينةَ تَرتدي الحِّداد ولا تكفيها كل ألوان السَّواد ..
ولكنّها مع ذلك تُكابر .. تهتِف في زَحمة الموت؛ هذا توقيت الشُّروق ..
هذا توقيت القيامة .. قيامة أمّة ماتت طويلاً!
تسقط أسقُف البيوت الحَلبيّة .. فتُحاكي انهيار بيت في العِراق؛ نَسِيَته الذّاكرة العربيّة ..
ويُحمل طفل من تحتِ الأنقاض؛ يُشابه أيتام غزّة!
لكنّنا ننَسى ..
لماذا يا أمّتي نَبكي؛ ثمَّ ننسى؟!
لماذا لا نعلِّم صغارنا في مادّة الحِساب؛ كيف ينسلُّون تحت الدّمار ويَعدون الشُّهداء؟!
لماذا لا نَحكي في جغرافيا القَهر كيف تقسَّمت الثُّغور .. وصارت القوافل على الحُدود تائهة؟!
لماذا لا نَكتب التّاريخ سطراً سطراً .. فلا نسجّل بعدَ صلاح الدّين الا اسم طبيبٍ مات بطلاً!
لماذا يا أمَّتي ..
تبقى خارطة المُستقبل فارغة منا .. فلا ترى في الجيل الا ضياء مُنطفىء .. أو قمراً في سُبات مُوجَّه نحو الذبول!
موجُوعون بالشُّهداء ..
لكنّ في كفِّهم رائحة الصّباح، وأسرار البقاء، ووثيقة العَودة؛ لِمنصّة الشَّهادة على الحياة!
يا أيُّها الشهداء ..
انثروا أعمَاقكم فينا ..
أخبِرونا كيف نتلو الوصية في عَتمة المشفى ..
في عتمة الخَندق ..
في لحظة التّصوير للمشهد ..
في ارتباكِ عفيفة؛ تُلملم شَعرها تحت الحِجاب وتبتسم كالأنبياء!
يا أيها الشهداء ..
اهدموا أسوار عجزنا .. وعلمونا كيف نبتعد عن ظلنا .. عن ذاتنا .. ونلتقي بالله في عمر جديد!
يا أيُّها الشهداء ..
لا تدفنونا .. أعِلنوا الفجر؛ وأقيموا فينا الصلاة وأقيمونا!
إنّ هذا الشرق قدر الله ..
فلا أسفل فيه!
إن هذا الشّرق قَدر الله ..
فكن علوّاً، أو نخيلاً، أو ياسمينا!
ارتدي غابات حضَارتك؛ وكنْ سيّد الكلمات ..
فالأرضُ لنا .. والوَعد لنا .. فاكبِت الجُرح .. وارسُم عبور الغَيمات ..
و احذَر .. أنْ يَجعلوك بقايا دَمعة مَقهورة!
د.كِفَاح أَبو هَنّوْد