فضائل الوضوء في القرآن الكريم والسنة النبوية
إن الوضوء من سبل الطهارة الشريفة، ولذا فهي من الأسباب الجالبة لمحبة الله تعالى
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أهمية الوضوء
إن الوضوء من العبادات الشريفة في الإسلام، ومن عظمة عبادة الوضوء أنها سبب لصحة الصلاة، والصلاة هي صلة بين العبد والله سبحانه وسبب لكل أبواب الخير، قال الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة:110]، وبين الله تعالى كيفية الوضوء في كتابه الحكيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة:6]، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» [البخاري:6954].
صفة الوضوء
وللفائدة الشرعية يتم بيان صفة الوضوء التي بينها الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى كما يلي: "الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، أما بعد: فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أنه كان في أول الوضوء يغسل كفيه ثلاثا مع نية الوضوء، ويسمي لأنه المشروع، فالتسمية عند الوضوء سنة عند الجمهور (جمهور العلماء) وذهب بعض أهل العلم إلى وجوبها مع الذكر، فينبغي للمؤمن أن لا يدعها، فإن نسي أو جهل فلا شيء عليه ووضوؤه صحيح. فيشرع للمتوضئ أن يسمي الله تعالى في أول الوضوء، وقد أوجب ذلك بعض أهل العلم مع الذكر، فإن نسي أو جهل فلا حرج، ثم يتمضمض ويستنشق ثلاث مرات ويغسل وجهه ثلاثا ثم يغسل يديه مع المرفقين ثلاثا يبدأ باليمنى ثم اليسرى ثم يمسح رأسه وأذنيه مرة واحدة ثم يغسل رجليه مع الكعبين ثلاث مرات يبدأ باليمنى وإن اقتصر على مرة أو مرتين فلا بأس، لأن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة ومرتين مرتين وثلاثا ثلاثا، وربما غسل بعض أعضائه مرتين وبعضها ثلاثا، وذلك يدل على أن الأمر فيه سعة والحمد لله لكن التثليث أفضل، وهذا إذا لم يحصل بول أو غائط فإن حصل شيء من ذلك فإنه يبدأ بالاستنجاء ثم يتوضأ الوضوء المذكور. أما الريح والنوم ومس الفرج وأكل لحم الإبل فكل ذلك لا يشرع منه الاستنجاء، بل يكفي الوضوء الشرعي الذي ذكرناه، وبعد الوضوء يشرع للمؤمن والمؤمنة أن يقولا: ((أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين)) لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويشرع لمن توضأ أن يصلي ركعتين وتسمى سنة الوضوء وإن صلى بعد الوضوء السنة الراتبة كفت عن سنة الوضوء. " انتهى بتصرف.
ومن السنن المهجورة استعمال السواك عند الوضوء فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « لولا أنْ أشقَّ علَى أُمَّتي لَأَمَرْتُهم بالسواكِ مَعَ كُلِّ وضوءٍ» [ابن خزيمة:140]، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في (صحيح الجامع:5317)، وورد في فتاوى موقع الإسلام سؤال وجواب فوائد شرعية حول هذه السنة العظيمة: قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: "والسواك مع الوضوء يكون مع المضمضة ؛ لأن هذا هو محل تطهير الفم، والسواك لتطهير الفم، كما صح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب) (ابن حبان:1067)، فيكون السواك مع المضمضة، وإن شئت تسوكت بعد انتهاء الوضوء ، وإن شئت قبل البداية ، ولكن أفضل ما يكون مع المضمضة " انتهى، وظـاهر كلام الشيخ الألباني رحمه الله تعالى أنه يرى أن السواك قبل التسمية في الوضوء، فإنه قال : صفته – يعني الوضوء - : السواك ، التسمية ، غسل الكفين ثلاثا - وهما سنة - المضمضة والاستنشاق والاستنثار" انتهى، والله تعالى أعلى وأعلم.
فضائل الوضوء
أولا: سبب لحب الله تعالى
إن الوضوء من سبل الطهارة الشريفة، ولذا فهي من الأسباب الجالبة لمحبة الله تعالى، قال الله سبحانه: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ۖ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة:222]، قال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: " قال الله سبحانه: { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} أي: من ذنوبهم على الدوام {وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} أي: المتنزهين عن الآثام وهذا يشمل التطهر الحسي من الأنجاس والأحداث، ففيه مشروعية الطهارة مطلقا، لأن الله يحب المتصف بها، ولهذا كانت الطهارة مطلقا، شرطا لصحة الصلاة والطواف، وجواز مس المصحف، ويشمل التطهر المعنوي عن الأخلاق الرذيلة، والصفات القبيحة، والأفعال الخسيسة."(تفسير السعدي)، وهذا يستدعي ملازمة الوضوء والحرص عليه فما أعظم الغاية، وهي نيل حب الله الكريم، ومن نال محبة الله ذي الجلال والإكرام فقد سعد في الدارين.
ثانيا: سبب في دخول الجنة
عن عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه قال: "كانتْ علينا رعايةُ الإبلِ . فجاءتْ نوبتي . فروَّحتُها بعشيٍّ . فأدركتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قائمًا يحدثُ الناسَ . فأدركْتُ منْ قولِهِ ما منْ مسلمٍ يتوضأُ فيحسنُ وضوءَهُ . ثم يقوم فيصلّي ركعتَينِ . مُقبلٌ عليهما بقلبهِ ووجههِ . إلا وجبتْ لهُ الجنةُ قال فقلتُ : ما أجود هذهِ ! فإذا قائلٌ بين يديَّ يقول : التي قبلَها أجودُ . فنظرتُ فإذا عمرُ . قال : إني قد رأيتُكَ جئتَ آنفًا . قال ما منكمْ من أحدٍ يتوضأ فيبلغُ ( أو فيُسبغُ ) الوضوءَ ثم يقول : أشهدُ أن لاّ إلهَ إلا اللهُ وأنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُهُ، إلا فتحتْ له أبوابُ الجنةِ الثمانيةُ، يدخلُ من أيّها شاءَ"(مسلم:234)، وتوجد زيادة صحيحة وهي قول: «اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهِّرين"، فعن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: قال رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: " من توضأ فأحسن الوضوءَ ثم قال : أشهد أن لا إله َ الا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه . اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهِّرين، فُتحت له ثمانيةُ أبوابِ الجنةِ، يدخل من أيّها شاءَ» [الترمذي:55]، وفي الحديث الشريف درر ثمينة وكنوز جليلة لبيان فضائل الوضوء ومنها:
- الحرص على إحسان الوضوء كما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي هذا حث للمسلمين على معرفة صفة الوضوء الشرعية لجنى المكاسب الشرعية، وتجنبا للأسباب التي تبطل الوضوء فتبطل الصلاة تبعا لذلك وهذا أمر في غاية الأهمية.
- استحباب صلاة ركعتين بعد الوضوء فهي سبب في دخول الجنة إتماما للأجر الذي بينه النبي صلى الله عليه وسلم.
- استحباب قول " أشهدُ أن لاّ إلهَ إلا اللهُ وأنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُهُ، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهِّرين"، وهذا سبب لدخول الجنة أيضا كما في الحديث الشريف.
عن بريدة بن حصيب الأسلمي رضي الله تعالى عنه قال: " أصبحَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فدعا بلالًا فقالَ : يا بلالُ بمَ سبقتَني إلى الجنَّةِ؟ ما دخلتُ الجنَّةَ قطُّ إلَّا سَمِعْتُ خَشخشتَكَ أمامي ، دخلتُ البارحةَ الجنَّةَ فسَمِعْتُ خَشخشتَكَ أمامي ، فأتيتُ على قصرٍ مربَّعٍ مشرفٍ من ذَهَبٍ ، فقلتُ : لمن هذا القصرُ ؟ قالوا : لرجلٍ منَ العربِ ، فقلتُ : أَنا عربيٌّ ، لمن هذا القصرُ ؟ قالوا لرجلٍ من قُرَيْشٍ ، فقلتُ : أَنا قُرشيٌّ ، لمن هذا القصرُ ؟ قالوا : لرجلٍ من أمَّةِ محمَّدٍ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ ، قلتُ : أَنا محمَّدٌ لمن هذا القَصرُ ؟ قالوا : لعُمرَ بنِ الخطَّابِ . فقالَ بلالٌ : يا رسولَ اللَّهِ ما أذَّنتُ قطُّ إلَّا صلَّيتُ رَكْعتينِ ، وما أصابَني حدَثٌ قطُّ إلَّا توضَّأتُ عندَها ورأيتُ أنَّ للَّهِ عليَّ رَكْعتينِ . فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ : بِهِما" (الترمذي:3689)، وفي الحديث الشريف فائدة الحرص على الوضوء وصلاة ركعتين بعده، وبيان لمنزلة سيدنا بلال رضي الله تعالى عنه، وسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه.
ثالثا: رفع الدرجات
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : «ألا أدلُكم على ما يمحو اللهُ بهِ الخطايا ويرفعُ بهِ الدرجاتِ ؟ قالوا : بلى . يا رسولَ اللهِ ! قال إسباغُ الوضوءِ على المكارهِ . وكثرةُ الخطا إلى المساجِدِ . وانتظارُ الصلاةِ بعدَ الصلاةِ . فذلكمْ الرباطُ» (مسلم) قال النووي رحمه الله تعالى: " ( إسباغ الوضوء ) : تمامه . و ( المكاره ) تكون بشدة البرد، وألم الجسم ، ونحو ذلك " انتهى، يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:" (إسباغ الوضوء على المكاره) يعني: أن الإنسان يتوضأ وضوءه على كره منه، إما لكونه فيه حمى ينفر من الماء فيتوضأ على كره، وإما أن يكون الجو باردا وليس عنده ما يسخن به الماء فيتوضأ على كره، وإما أن يكون هناك أمطار تحول بينه وبين الوصول لمكان الوضوء فيتوضأ على كره، المهم أنه يتوضأ على كره ومشقة، لكن بدون ضرر" انتهى ، وفي هذا الحديث العظيم تأكيد وبيان لفضل إسباغ الوضوء على المكاره بأنه سبب في رفعة الدرجات يوم القيامة، ورفعة الدرجات شأن عظيم يهم المسلم، ويحرص عليه كل مؤمن، لكي يرتقي في منازل الكرامة التي أعدها الله سبحانه لعباده الفقراء إليه عزَّ وجَّل.
رابعا: سبب في الورود على حوض النبي صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ خرجَ إلى المقبَرةِ ، فقالَ : «السَّلامُ عليكُم دارَ قومٍ مُؤمنينَ، وإنَّا إن شاءَ اللَّهُ بِكُم لاحقونَ، وَدِدْتُ أنِّي قد رَأيتُ إخوانَنا. قالوا يا رسولَ اللَّهِ، ألَسنا إخوانَكَ ؟ قالَ: بل أنتُمْ أصحابي وإخواني الَّذينَ لم يَأتوا بعدُ وأَنا فرَطُهُم على الحَوض. قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، كيفَ تعرِفُ مَن يأتي بعدَكَ مِن أمَّتِكَ ؟ قالَ: أرأَيتَ لو كانَ لرجلٍ خَيلٌ غرٌّ محجَّلةٌ في خيلٍ بُهْمٍ دُهْمٍ ألا يعرفُ خيلَهُ ؟ قالوا: بلَى. قالَ: فإنَّهم يأتونَ يومَ القيامةِ غرًّا مُحجَّلينَ منَ الوضوءِ وأَنا فَرَطُهُم على الحوضِ» [النسائي:150]، والجملة العظيمة التي بشر بها الرسول صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ هي: "غرًّا مُحجَّلينَ منَ الوضوءِ"، وفيها بيان لأهمية وفضل الوضوء والصلاة معا، فالوضوء شرط لصحة الصلاة، ومن وفى بحق الصلاة استقامت حياته.
والحوض له صفات كريمة في السنة النبوية فعن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنه قال: قال رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: «حوضي مسيرةُ شهرٍ ، ماؤُه أبيضُ من اللبنِ ، وريحُه أطيبُ من المِسكِ ، وكيزانُه كنجومِ السماءِ، من شرِبَ منها فلا يظمأُ أبدًا» [البخاري:6579]، وفي الموسوعة الحديثية لموقع الدرر السنية شرح لوصف الحوض الوارد في الحديث النبوي كما يلي: " حوضي مسيرةُ شهر؛ يعني مقدار ما يَسيرُ المسافرُ شهرًا كاملًا، وماؤه أبيضُ من اللَّبن؛ أي: أشدُّ بياضًا من اللَّبن، ورِيحُه أطيبُ من المِسك؛ أي: أحلى رائحةً وأجمل طيبًا من رائحة المِسك، وكيزانُه كنجوم السَّماء؛ أي: إنَّ الأكوابَ الموضوعة على جانبَيْه عَدَدُ نُجومِ السَّماء، مَن شرِب منه فلا يَظمَأ أبدًا؛ أي: مَن شرِب من ذلك الحوضِ فإنَّه يَشعُر بالرِّيِّ الأبديِّ، فينقطِع عنه الظمأُ إلى الأبد" انتهى. قال الشيخ عبد الله بن ناصر الزاحم: "الحوض مأوى أهل الإيمان قبل دخول الجنة. يُروى عنده الظمأى، ويَأمن عنده الخائفون، ويَسعد عنده المحزونون، الحوض بداية فرح المؤمن في الآخرة، لا يرده إلا المؤمنون الصادقون، ومن ورده فقد نجى من هولٍ عظيم وكربٍ جسيم." انتهى.
خامسا: تكفير الخطايا
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: «من تطهرَ في بيتِه ثم مشى إلى بيتٍ من بيوتِ اللهِ ، ليقضي فريضةً من فرائضِ اللهِ ، كانت خطوَتاهُ إحداهما تحطُّ خطيئةً ، والأخرى ترفعُ درجةً» [مسلم:666]، وفي الحديث النبوي إشارة جليلة لفضل التطهر قبل الخروج للمسجد، وهو الأمر الذي يحفز المسلم للوضوء وملازمته قبل الذهاب للمسجد، وفي هذه العبادة أجر عظيم يترتب عليها تكفير الخطايا ورفعة الدرجات، فيالها من مرتبة كبيرة وشرف يجب أن نثابر عليه.
عن حمرانَ مولى عثمانَ بنِ عفانَ رضي الله تعالى عنه: أنه رأى عثمانَ دعا بوَضوءٍ ، فأفرغ على يديه من إنائَه فغسلَهما ثلاثَ مراتٍ ، ثم أدخل يمينَه في الوَضوءِ، ثم تمضمضَ واستنشقَ واستنثرَ، ثم غسل وجهَه ثلاثًا ويديه إلى المرفقينِ ثلاثًا ، ثم مسح برأسِه، ثم غسل كلَّ رجلٍ ثلاثًا، ثم قال: رأيتُ النبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يتوضأُّ نحوَ وُضوئِي هذا، وقال: «من توضأَ نحوَ وُضوئِي هذا، ثم صلى ركعتين لا يُحدِّثُ فيهما نفسَه، غفر اللهُ له ما تقدمَ من ذنبِه» [مسلم:226]، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: " وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ عَقِبَ الْوُضُوءِ وَلَوْ كَانَ وَقْتَ النَّهْيِ ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيَّةُ" انتهى.
سادسا: علامة من علامات المؤمن
عن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: «استَقيموا ولن تُحصوا واعلَموا أنَّ مِن أفضلِ أعمالِكُمُ الصَّلاةَ ولا يحافظُ علَى الوضوءِ إلَّا مؤمنٌ» [ابن ماجه:227]، والحديث النبوي يرشدنا إلى التحلي بصفة من صفات المؤمن وهي المحافظة على الوضوء، والسعي لذلك يورث الإيمان امتثالا لما حثنا عليه النبي صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ.
سابعا: الوضوء قبل النوم سبب في الموت على الفطرة
عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه قال: قال رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: « إذا أتيتَ مضجعَكَ ، فتوضَّأْ وضوءَكَ للصَّلاةِ ، ثمَّ اضطجِعْ على شقِّكَ الأيمنِ ، وقُلِ : اللَّهمَّ أسلَمتُ وجهي إليكَ ، وفوَّضتُ أمري إليكَ ، وألجأتُ ظَهْري إليكَ ، رَهْبةً ورغبةً إليكَ ، لا مَلجأَ ولا مَنجى منكَ إلَّا إليكَ ، آمنتُ بِكِتابِكَ الَّذي أنزلتَ ، وبنبيِّكَ الَّذي أرسَلتَ ، فإن متَّ متَّ على الفطرةِ فاجعَلهنَّ آخرَ ما تقولُ فقلتُ أستذكُرُهُنَّ : وبرسولِكَ الَّذي أرسَلتَ . قالَ : لا، وبنبيِّكَ الَّذي أرسَلتَ» [البخاري:6311] و [مسلم:2710] واللفظ للبخاري، والحديث الشريف يوجههنا إلى كثير من الآداب المهمة قبل النوم والتي تكون سبب في الموت على الفطرة التي فطر الله عز وجل الناس عليها
والفطرة هي الإيمان بالله الواحد الأحد واتباع سبيله الحق، فالموت على الفطرة هي جائزة عظيمة وشرف كبير، قال الله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم:30] وللوقوف على معنى الفطرة في الآية الكريمة قال الإمام الطبري رحمه الله تعالى: {فِطرةَ اللهِ التي فَطَر النَّاسَ عَلَيْهَا} أي: صنعة الله سبحانه التي خلق الناس عليها ونصبت" ، وقال الإمام السعدي رحمه الله تعالى: " وهذا الأمر الذي أمرناك به هو {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} ووضع في عقولهم حسنها واستقباح غيرها، فإن جميع أحكام الشرع الظاهرة والباطنة قد وضع اللّه تعالى في قلوب الخلق كلهم، الميل إليها، فوضع في قلوبهم محبة الحق وإيثار الحق وهذا حقيقة الفطرة. "،
والآداب الشرعية في هذا الأمر ثلاثلة: الوضوء قبل النوم، والنوم على الشق الأيمن، وملازمة الدعاء الوارد في الحديث النبوي، وهي ثلاثة أعمال شريفة ينبغي لنا أن نثابر عليها، وأن نعلم فضلها لأهلنا وأولادنا، ونحثهم عليها يوميا حتى تكون نهجا حياتيا.
ثامنا: النوم على وضوء سبب في إجابة الدعاء
عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه قال: قال رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: «ما من مسلمٍ يَبِيتُ على ذِكْرٍ طاهرًا فيَتعارَّ من الليلِ فيسألُ اللهَ خيرًا من الدنيا والآخرةِ إلا أعطاه إياه» [أبو داود:5042]، ومعنى يتعار من الليل كما ورد في الموسوعة الحديثية في موقع الدرر السنية: " يَنْتَبِهُ ويَسْتيقِظُ مِنْ نومِه ويتَقلَّبُ، أو يَقْلَقُ دونَ أنْ يَقومَ"، ولذا فالمؤمن يثابر على اغتنام فضائل النوم على وضوء، وعند التعار من الليل فليسأل الله عز وجل وليتيقن من الإجابة للدعاء.
نسأل الله الكريم أن يجعلنا من التوابين وأن يجعلنا من المتطهرين، والحمد لله رب العالمين، ونصلي ونسلم على سيدنا محمد صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اتبعه بإحسان إلى يوم الدين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حسين أحمد عبد القادر
- التصنيف:
- المصدر: