حق الدفء!

منذ 2016-12-29

يكثر تلك الأيام، ونحن في موسم الشتاء، أن يظهر أحد تبرمًا من برودة الجو، وهو يجلس في بيته متدثرًا بملابس ثقيلة ويمسك بيده مشروبه الدافئ، فتزعجه برودة تتسلل إليه، وبعض من ألم في أطرافه من فعلها..

يكثر تلك الأيام، ونحن في موسم الشتاء، أن يظهر أحد تبرمًا من برودة الجو، وهو يجلس في بيته متدثرًا بملابس ثقيلة ويمسك بيده مشروبه الدافئ، فتزعجه برودة تتسلل إليه، وبعض من ألم في أطرافه من فعلها..

وفي مكان ما حولنا..

هناك من يجلس في عراء لا يفصله عن تلك البرودة شيئًا، من أجل عمل أو حاجة له.. أو بيت متصدعة أرجاؤه أو بلا سقف يحجب عنه أمطار تنهمر..
وهناك من لا يجد شيئًا يتدثر به، فيواجه تلك البرودة من غير أي شيء يقيه منها إلا ملابس خفيفة..

وفي مكان أخر..

هناك أخوة لنا.. هُجّروا من بيوتهم التي هدمت ودمرت، أو تركوها من هول ما حدث حولهم .. نجاة بأرواح بريئة معهم.. يعيشون الآن في عراء أو خيم، لا يوجد عندهم ما يقيهم من تلك البرودة، أو من أمطار تنمهر ومن ثلوج تمتد بياض لونها من حولهم حتى يكاد بياضها يغطي على كل أثر لأي لون للحياة من حولهم.. فهو ككفن أبيض.. ولكن الفرق أنهم ليسوا بموتى.. ولكن أحياء!

عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحُمِهم وتعاطُفِهم، مَثلُ الجسدِ إذا اشتكَى منه عضوٌ، تداعَى له سائرُ الجسدِ بالسَّهرِ والحُمَّى» (صحيح مسلم [4343]).. هذا الجسد يأن أكثره الآن.. فأين الصحيح منه، يحتوي ويعالج ما ألم ببقيته؟

فكما قال النبي صلى الله عليه وسلم «المؤمِنُ للمؤمنِ كالبُنيانِ، يشُدُّ بعضُه بعضًا» (صحيح البخاري [6026])، ثم شبَّك بين أصابِعِه صلى الله عليه وسلم.. شبك أصابعه صلى الله عليه وسلم ليوضح لنا كيف يكون تلاحم المؤمنين، كيف يكونوا كالبنيان، فما لنا اليوم أبعد ما نكون عن هذا الوصف؟!

أأصاب القلوب الخلل.. وأصاب الشح النفوس؟ أم رُسخت فينا الحدود التي رُسمت بيننا، حتى شغلتنا مسميات جاهلية عن حقيقة الجسد الواحد؟

ابحث حولك.. وانظر ودقق النظر، كم يوجد حولك من أخ لك لا يجد ما يتدثر به.. لا يجد سقفًا لبيته يقيه من مطر يصيبه؟ لا يعرف كيف يحمي صغاره من برد قارس يأتيهم ومعه جوع ومرض وعجز.. ماذا فعلت لهؤلاء؟ فلم يكن للمسلم أن يكون أنانيًا، لا يهتم إلا بحاجته.. ولا يشعر بمن حوله!

كن محسنًا، افتح دولاب ملابسك، واخرج منها لله،.. وأنت تشتري ملابس جديدة لك ولأسرتك، اشتري ملابس لأسرة تحتاجها، فمن صفات المتقيين المحسنين الذين بشرهم الله عزوجل بجنات وعيون في الآخرة {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذاريات:19]، أي في أموالهم حق واجب.

واذهب لمن تعرف، وأعن أخوتك على هذا الشتاء، أكشف عنهم تلك الكربة، واقض حاجتهم.. ألا تحب أن تكون ممن يحبهم الله عزوجل؟ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، و أحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سُرُورٌ يدْخِلُهُ على مسلمٍ، أوْ يكْشِفُ عنهُ كُرْبَةً ، أوْ يقْضِي عنهُ دَيْنًا، أوْ تَطْرُدُ عنهُ جُوعًا، و لأنْ أَمْشِي مع أَخٍ لي في حاجَةٍ أحبُّ إِلَيَّ من أنْ اعْتَكِفَ في هذا المسجدِ ، يعني مسجدَ المدينةِ شهرًا» (السلسلة الصحيحة [906]).

أذهب لأي جميعة خيرية، وما أكثرها في بلادنا الآن، وأجعل لك عمل باقي، صدقة جارية، في بناء أسقف لبيوت، أو ترميم بيوت تصدعت، فالله عزوجل يقول: {وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة من الآية:276]، ويقول عزوجل: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ من الآية:39].. يخلفه عليك خير في الدنيا والآخرة، وكما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: «قال اللهُ عزَّ وجلَّ: أنفقْ أُنفقْ عليك، وقال: يدُ اللهِ ملأى» (صحيح البخاري [4684]).

ولا تنس أخوتك في باقي أرجاء تلك المعمورة.. فلهم عليك حق أيضًا.. لا تنسهم في دعاء، ولا من حق واجب في مالك، ابحث عن هيئة أمينة ثقة تستطيع أن تصل إليهم بهذا الدفء.. فإن كنت تريد أن تكون من أهل المعروف في الآخرة، فكن من أهله في الدنيا.

سارة خليفة

طبيبة مصرية، تخرجت في كلية الطب جامعة القاهرة، وتعمل في أسرة التحرير بموقع طريق الإسلام.

  • 3
  • 0
  • 3,904

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً