الكريسماس.. يوم الشتيمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.. وبعد:
فقد أخرج الإمام البخاري رحمه الله في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولداً، وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن لي كفواً أحد). اللهم إنا نبرأ إليك من قول الظالمين الأفاكين.
كذب وشتيمة على الله تصدر من بعض خلقه: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة: 30]، {وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة: 30]، أما المشركون {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ} [النحل: 57] تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا.
إنها ليست آراء أو وجهات نظر يطلقها بعض البشر هنا أو هناك، بل هو دين يعتنقه الكثير من بني البشر يعتقدون فيه بأن لله ولدًا وله زوجة - سبحانه وتقدست أسماؤه.
ومع هذه الشتيمة فإن الله حليم على خلقه كما في الصحيحين من حديث أبي موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله عز وجل، إنه يشرك به ويجعل له الولد ثم هو يعافيهم ويرزقهم» [صحيح مسلم: 2804].
لكن تعال معي لنتأمل في غضب الرب جل وعلا يوم القيامة من أولئك الأفاكين عليه والذين ينسبون إليه الولد، فقال جل وعلا: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ . مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ . إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 116 - 118].
بل - واللهِ - يغضب الكونُ كله بسمائه وأرضه وجباله من ذلك الإفك.. قال جل وعلا: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا . لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا . تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا . أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا . وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا . إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا . لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا . وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [مريم: 888 - 95].
هزة وانتفاضة كونية.. فسماء تتفطر وأرض تتشقق وجبال تزول بسبب كلمة نابية يوجهها بعض بني البشر إلى ربهم وخالقهم وملكهم.
دخل العلامة الباقلاني في أقصر مناظرة مع قس من القساوسة، فسلم الباقلاني على القس قائلاً: كيف حالك أيها القس وكيف هم أهلك وأولادك؟ فردَّ القس: أما علمت أننا ننزه القس من الزوجة والولد، فرد الباقلاني قائلاً: علمنا أنكم لا تنزهون الله عن الزوجة والولد فهل القس أقدَس من الله؟ فانتهت المناظرة.
نعم أخي المسلم، أختي المسلمة..
في الخامس والعشرين من شهر ديسمبر من كل سنة يحتفل أقوام بشتيمتهم لله جل وعلا، فهو عندهم يوم ولادة الرب وابن الرب، إنه الإله الرضيع وابن الإله الرضيع! إنهم ينادونه: يا طفل المغارة في تراتيلهم ذلك اليوم، ومع الأسف الشديد ترى كثيرًا من المسلمين يشاركون القوم شتيمتهم فيحتفلون بهذا اليوم ويهنئون به ويشاركون في تقديسه بوضع شجرة الميلاد وإقامة الأفراح والسهرات وهم لا يعلمون عظيم الخطيئة التي وقعوا فيها، قال تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} [النساء: 1400]، كيف لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر ويشارك ويشهد حفل الكذب والزور هذا؟ قال عز وجل في بيان صفات المؤمنين: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان: 72].
هل هنالك زور بعد هذا الزور والبهتان على الله جل في علاه؟
أين نحن من غيرة المؤمن على ربه ودينه؟
في الصحيحين أن عمر رضي الله عنه قال: سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكدت أساوره في الصلاة فتربصت حتى سلم، فلببته بردائه، فقلت من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأها قال أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت كذبت فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقرأنيها على غير ما قرأت فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروفٍ كثيرة لم تقرئنيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسِلْهُ، اقرأ يا هشام، فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرؤها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا أنزلت. ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم اقرأ يا عمر، فقرأتُ القراءة التي أقرأني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا أنزلتْ، إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه.
رحمك الله يا عمر.. فقد غابت غيرة كثير من المسلمين على دينهم وعلى ربهم جل في علاه حتى باتوا يتفنون في مشاركة القوم يوم شتمهم وسبهم لله سبحانه.
إننا - أيها الكرام - مأمورون بتعظيم الله عز وجل، لا بسبه وشتمه {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 163] {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 171] { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ} [المائدة: 73] {وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [النحل: 51].
جاء في الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: جاء حبرٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، إن الله يضع السماء على إصبع والأرض على إصبع والجبال على إصبع والشجر والأنهار على إصبع وسائر الخلق على إصبع ثم يقول أنا الملك فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر: 677] هكذا ينبغي أن نعظمه جل في علاه وكما روى الطبراني بسند صحيح من حديث انس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أذن لي أن أحدث عن ملك من حمَلة العرش رجلاه في الأرض السفلى وعلى قرنه العرش وبين شحمة أذنيه وعاتقه خفقان الطير سبعمائة عام، يقول ذلك الملك سبحانك حيث كنت).
ومن هنا نفهم الموقف العظيم للإمام الجليل أحمد بن حنبل كما جاء في طقبات الحنابلة: (كان أحمد بن حنبل إذا نظر إلى نصراني غمض عينيه، فقيل له في ذلك، فقال: لا أقدر أنظر إلى من افترى على الله وكذب عليه).
{ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوب} [الحج: 32].
هذا والله من وراء القصد، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حسام الدين السمائري
- التصنيف:
- المصدر: