الفعاليات الغائبة في نصرة المؤمنات
خالد سعيد
والمتأمِّل للمشهد الإسلامي اليوم لا يَخْفى عليه حالة الانزعاج
والتململ الشديدة في مرحلةِ ما بعد اليقظة، وهي حالة ناشئة عن العودة
المفاجئة للوعي التي تَسُود الشارعَ الْمُسْلِم؛ والتي هي في حقيقتها
نتيجةٌ للشُّعور بِنَزيف الكَرامة
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
يؤرِّقُني ويؤرِّق كلَّ حُرٍّ وكريم
قولُ الله يهيب به صباح مساء: {فَإِنْ
عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ
ۖ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}
[الممتحنة: 10].
فإنَّ مما يغيظ المرء، ويملأ جوفه حزنًا وكمدًا، أن ترجع المؤمنات
إلى الكفَّار؛ ليفتنونَهنَّ عن دينهن الذي ارتضى الله لَهن وارتضين؛
وأغيظ منه وأشقُّ على النفس أن تقف الملايين المملينة من المسلمين
وقوفًا ذليلاً، وأن تسكت سكوتًا مهينًا؛ فلا تتحرَّك لاستنقاذ مؤمنة
من الأسر في سجون الصليبيِّين الجُدد، ولا لِمَنْع تسليمها من أحلافهم
القدامى!
اللهم إلاَّ أصواتًا خافتةً كالصَّمت؛ وملامحَ شاحبة كالأشباح؛ من
فتية صغار خَرجوا ولا مُعين لهم إلاَّ الله، على خوفٍ من فرعون
ومَلَئِه أن يفتنهم، يتوارَوْن؛ خشية أن تتخطفهم الطير، ولا يستطيعون
الظهور في ضوء الشمس؛ لئلاَّ يبيتوا في غيابة الجُبِّ!
والمتأمِّل للمشهد الإسلامي اليوم لا يَخْفى عليه حالة الانزعاج
والتململ الشديدة في مرحلةِ ما بعد اليقظة، وهي حالة ناشئة عن العودة
المفاجئة للوعي التي تَسُود الشارعَ الْمُسْلِم؛ والتي هي في حقيقتها
نتيجةٌ للشُّعور بِنَزيف الكَرامة؛ ومَهانة الخنوع؛ والإحساس بتجبُّر
البعيد الغادر؛ وخيانة القريب الضعيف، الذي باع كلَّ شيء من أجْل
مصالِحَ ضيِّقة، وسلَّم كلَّ الأوراق دون أيِّ مقابل حقيقي.
تَمثَّلَت حالة اليقَظة والتَّمَلمل هذه في النِّداءات المتصاعِدة
والتظاهُرات الصَّاخبة - والتي أخذَت الطَّابع السِّلمي حتى الآن -
والنشاط الفاعل وغير المسبوق في ساحة الإنترنت ومئات الْمَقالات
والكتابات، بل واللِّقاءات الْمُتلفزة، وغيرها من صُوَر الغضَب
والحراك؛ والتي تعبِّر في حقيقتها عن مرحلة جديدة ولا شكَّ، وإن جاءت
متأخِّرة نوعًا ما.
ولكن هل تَكْفي هذه الفعاليات، وتِلْكُم التحرُّكات لِصُنع واقعٍ
مختلف، والخروج بِمَكاسِبَ ملموسة في أرض الواقع؟!
لا شكَّ عندي أنَّها لا تكفي إلاَّ أن تكون إرهاصات وبشائِرَ فقط
لفترة ما قبل تحقيق الانتصارات، ولا شكَّ أيضًا أن هناك الكثيرَ من
الحراك الغائب والمفقود؛ بل لا أُبالغ إذا ما قلتُ: إنَّ ما لم
نَفْعله أعظم بكثير جدًّا مِمَّا فعلناه!
ودعوني أتساءل معكم:
لِماذا لا يتحرَّك آلاف المُحامين من المسلمين في الداخل والخارج؛
لِرَفع القضايا قانونيًّا، وتدويلها حقوقيًّا، كما فعل ممدوح إسماعيل
ونزار غراب ورفاقُهما الأحرار الكرام؛ فإذا كان خَمْسة من المُحامين
فقط قد استطاعوا لَفْت أنظار منظَّمات الحرِّيات الدولية إلى
مظلوميَّة أخَواتنا الأسيرات لدى النَّصارى، وإحراج الكنيسة والحكومة
في آنٍ واحد دوليًّا وسياسيًّا، فماذا يا ترى يستطيع أن يَفعل
خَمْسمائة أو ألف مُحامٍ فقط من ضمن عشرات ومئات الآلاف من
المُغيَّبين عن أُمَّتِهم وقضاياها إذا تَحرَّكوا؟
وإذا كان ما يُسمَّى بـ "أقباط المهجر" يتظاهَرون أمام البيت الأبيض
حاملين صُوَر أخواتنا المُعَذَّبات والمغتصبات في العراق وأفغانستان
وغيرها؛ ليصوِّروا للعالم أنَّهن قبطيات "مغتصَبات ومقتولات في مصر"،
فلماذا لا يتظاهر الآلاف والملايين من العرب والمسلمين في كلِّ
أَنْحاء أوربا وأمريكا حاملين صور أخواتنا - الحقيقيَّة لا المزيفة -
وموضِّحين لِمُعاناتِهن؛ ليزلزلوا العالَم بِأَسْرِه، ويشهروا قضايا
أخواتنا أمام الاتِّحاد الأوربي والكونجرس الأمريكي ووسائل الإعلام
الغربيَّة وغيرها من المؤسَّسات السِّياسية والإعلامية والاجتماعية؛
علَّها تحرِّك الضمائر الغائبة، وتضغط على الرأي العامِّ العالَمي إن
كان ما زال يُرْتَجى منه خير؟
ولماذا لا نتواصل مع منظَّمات حقوق المرأة - المزعومة - بحيث
تُراسلها الجمعيات والجماعات والهيئات الإسلاميَّة المستقلَّة، بل
والأفراد؛ للتدخُّل في قضية أخواتنا ورفع الضَّيم عنهنَّ؟ ولا بأس من
الإشارة الواضحة إلى قرارات هذه المنظَّمات السابقة بِمَنْع ختان
الإناث، وتنظيم الأسرة والْحُرِّيات الجنسيَّة وغيرها؛ ونَشْر صُوَر
هذه المناشدات وتلكم القرارات على وسائل الإعلام، سواء تحرَّكَت تلك
المنظمات أم لم تتحرَّك؛ فيكون هذا ساعتها وضعًا للعقدة في المنشار،
وكشفًا لزيفِ تلكم الشعارات المُغْرِضة على الأقل.
ولماذا لا يتحرَّك جيرانُنا وإخواننا من العرَب والمسلمين، وخاصَّة
منهم دول الطوق حول "جمهورية مصر القبطيَّة"، وكذلك دول الخليج
العربي؛ للاحتجاج ومطالبة السِّفارات المصريَّة بالإغلاق، أو إطلاق
سراح الأسيرات؟!
ولماذا لا يتحرَّك علماء المسلمين في كلِّ مكان؛ لاستصدار الفتاوى،
وتَحْريك الشَّارع المُسْلِم، والنَّكير على المُجْرِمين والمتواطئين
معهم في صدِّ الناس عن الإسلام، وامتحانهم - خاصَّة النِّساء - في
دينهم؛ لِيَعودوا أو يَموتوا بعد عذابات كعذابات قُرَيش الأولى؟! أم
أنَّ دين وعِرْض المسلمات الجُدد هو مسؤولية المسلمين في مصر
فحَسْب؟!
بل قل: لماذا لا نشكِّل - عاجلاً غير آجل - رابطةَ عقْد اجتماعي،
يتصدَّر في قيادتها نفرٌ من الشخصيات الاجتماعية المحترمة، والرُّموز
الفكريَّة المخلصة، والشيوخ الصادقين، والمُحامين المشهورين، وغيرهم؛
نسمِّيها: "رابطة كاميليا لرعاية حقوق المسلمين الجدد"؛ ينضوي تحت
لوائها كلُّ مسلم صادق غيور، يَرْغب في نصرة المؤمنين والمؤمنات
الجدد، ويكون من أهمِّ واجباتِها حمايةُ هؤلاء، وتوفير سبُلِ الحياة
الكريمة لهم، وتصعيد قضاياهم حقوقيًّا؛ واسترداد حُقوقهم مدَنيًّا
وقانونيًّا؟!!!!
إنَّ بعض هذه الفعاليَّات وغيرها مِمَّا لم يتَسنَّ لي استيعابه في
هذه العجالة، لَكفيلة بوضع القضيَّة في مسارها الصحيح، وترجمة كلِّ
الجهود السابقة إلى نتائج ملموسة، ومكتسبات واقعية، بدلاً مِنْ أن
تذهب أدراج الرياح.