فقه خطط الهزيمة
ممدوح إسماعيل
أعلنوا أنفسكم....واكشفوا القناع......ولاتخدعوا الناس بالشعارات
- التصنيفات: السيرة النبوية - الواقع المعاصر - سير الصحابة -
في كل الخطط الإستراتجية يتم وضع خطة للهزيمة، وكيفية التعامل مع الفشل، وبلا شك أيًا كان اللفظ: أنصار الشرعية، رفض الانقلاب، الإسلاميون....
قد فشلوا وانهزموا بقدرٍ ما أمام قوة طغيان العسكر المادية المدعومة، وهو أمرٌ كان يجب توقعه ووضع الخطط لمواجهة الفشل والهزيمة...ولكن لم يحدث.
لأنه أيضًا لم يكن هناك خطط للإعداد لمواجهةٍ محتومة بكل المقاييس، ووقعت المواجهة فكانت انفعالية بقدرٍ ما
واستسلاميةٌ لخطط الخصم بقدرٍ ما.
ولكن الأخطر الآن هو محاولة البعض التخلص من الارتباط بالإسلام للخروج من المأزق!، وتسويق التخلص من الإسلام كحلٍ سياسيٍ يُرضي كل الأعداء!، وعندما نتأمل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم سنجد حلولاً كثيرة عند الفشل والهزيمة، لكن كُلها ليس فيها التفاوض على الإسلام مطلقًا رغم شدة وقسوة الوقائع:
1- فى مرحلة الاستضعاف والاضطهاد المكية رفض النبي صلى الله عليه وسلم كل محاولات التفاوض على الإسلام وقد عرضوا عليه المُلك، الحكم، والمال وكان يأمر اتباعه بالتمسك بالدين والصبر رغم الاضطهاد والتعذيب لم يفاوض، وقد قال الله: { وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم: 9].
أما قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل جزء من الآية: 106] فهي خاصةٌ للأفراد الذين يتعرضون لشدة التعذيب أن يتلفظ بظاهرٍ من القول كي ينجو ولكن ليست للدعوة عامةً، ولا للدعاة ولا للحالة الإسلامية في مكة مطلقًا بل القرآن كله يأمر النبي وأصحابه بالصبر والثبات.
2- ننتقل إلى واقعةٍ أُخرى في فقه الهزيمة وهي الشهيرة بسَرية عاصم بن ثابت والقصة في صحيح البخاري أتوقف مع فقرات منها:
عندما أحاط بنو لحيان بسرية عاصم فقَالُوا لَهُمْ : انْزِلُوا فَأَعْطُوا بِأَيْدِيكُمْ وَلَكُمُ الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ أَنْ لَا نَقْتُلَ مِنْكُمْ أَحَدًا، فَقَالَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ : أَيُّهَا الْقَوْمُ أَمَّا أَنَا فَلَا أَنْزِلُ فِي ذِمَّةِ كَافِرٍ، ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ أَخْبِرْ عَنَّا نَبِيَّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَمَوْهُمْ بِالنَّبْلِ، فَقَتَلُوا عَاصِمًا.
وهنا نتوقف بأعلى صوت عندما رفض عاصم النزول على طلب بنو لحيان بالعهد والميثاق حدث انقسام في الرأي لكن لم يعارضه إخوانه الآخرين وقالوا له: أنت متشدد، وهتودينا في داهية، ويجب عليك المحافظة على الجماعة، والعرب عند عهدهم ولا تلقي بنفسك في التهلكة....لا لا، لم يحدث مطلقًا أي حرفٍ من ذلك
بل كل الروايات تشير إلى قناعة كل فريقٍ بالخلاف المتنوع وكل فريق كان من المتقين، ومن الذين قبلوا العهد والميثاق خبيب بن عدي الصحابي الجليل أول من سن ركعتين عند الإعدام، وَقَالَ: وَاللَّهِ لَوْلَا أَنْ تَحْسِبُوا أَنَّ مَا بِي جَزَعٌ لَزِدْتُ.
ثم نتوقف مع ثباته عند الإعدام وعدم مداهنته للعدو ولو مثقال ذرة فقد دعى عليهم مواجهة بصوتٍ مسموع لعدوه، فقَالَ: " اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا، وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا وَلَا تُبْقِ مِنْهُمْ أَحَدًا، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ: فَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا عَلَى أَيِّ جَنْبٍ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ.
الشاهد عند الهزيمة فريق يرى مواجهة حتى الموت وفريق يقبل بالمواثيق وكل فريق لايهاجم الآخر بحرفٍ واحد، بل مقتنعٌ بصواب اجتهاده، و لاتراجع مطلقًا عن الثبات على الدين أو مداهنة العدو في دين الله.
3- الواقعة الأخرى في غزوة مؤتة والقصة شهيرةٌ في كتب السيرة عندما استشهد القادة الثلاثة وتولى خالد بن الوليد القيادة، قاتل وبذل الجهد حتى تكسرت 9 سيوفٍ في يده وبخبرته العسكرية رأى التفوق العددي والمادي للعدو بعد بذل المستطاع، فكان أعظم انسحاب تكتيكي من غير أن يشعر العدو، ولا يُفتت في نفسية جنوده
فكان الانسحاب للإعداد للعودة للنصر، وهو المهم انسحابٌ للعودة وليس للاعودة، وعندما عاد وفهم البعض ظاهريًا أنه فِرار، قال النبى صلى الله عليه وسلم: «بل أنتم الكرارون» (الترمذي: 1716) تأكيدًا للمعنى والخطة هو تفادي هزيمة كبيرة مع ثباتٍ برجوعٍ للإعداد، فالعدو لم يتغير غنما الخطة تغيرت.
تلك ثلاث وقائع للمسلمين في:
1- حالة الاضطهاد صبرٌ وثبات وعدم مواجهةٍ وعدم مُداهنة.
2- في حالة إحاطة العدو، مواجهة حتى الموت أو قبولٌ للمواثيق مع ثبات على الدين وعدم تنازل ولا يلوم أحدهما الآخر.
3- في حالة تفوق العدو العددي والمادي بعد بذل المستطاع ثباتٌ مع انسحابٍ تكتيكيٍ مع العودة للإعداد للنصر،
كل حالات الهزيمة لايوجد بها ولا فيها أي مثقال ذرةٍ للتفاوض على الدين مع شدة وعظم وهول الخطر ومصيبته على المسلمين، إلا إذا كان يوجد في حالة رفض الانقلاب ومعارضته.....حالةٌ ليست من أجل الإسلام.
فأعلنوا أنفسكم....واكشفوا القناع......ولاتخدعوا الناس بالشعارات....ولايقول أحدكم أن هذا كلامٌ دينيٌ وليس سياسيًا، أقول له: يا علماني اكشف نفسك، هذه خططٌ استراتيجية في مواجهة الهزيمة قام بها صحابة رسول الله بتأييدٍ منه صلى الله عليه وسلم.