إلى الأميرة عادلة .. لا تستصغري ما أنت فيه (فإنه عند الله عظيم) !

منذ 2010-12-27

تابعت ما تقوم به الأميرة عادلة بنت عبد الله، وما تتبناه من مؤتمرات وتصريحات، ومنها ما حدث أخيراً في منتدى المرأة في جدة، فرأيت الولَع غير المفهوم في قضايا المرأة، وتسارعاً يظهر منه مسابقة الوقت...


بسم الله الرحمن الرحيم

تابعت ما تقوم به الأميرة عادلة بنت عبد الله، وما تتبناه من مؤتمرات وتصريحات، ومنها ما حدث أخيراً في منتدى المرأة في جدة، فرأيت الولَع غير المفهوم في قضايا المرأة، وتسارعاً يظهر منه مسابقة الوقت، والعين على عجل لا تُبصر موضع القدمين، ولا تخشى العثار، والإعلام يتابع ويبارك ذلك، مع التنظيم لمشاريع كبيرة، ومزاحمة الرجال على نحو الخُطى ومواضع القدم التي سارت عليها هُدى شعراوي، المرأة المصرية.

وأنا أُدرك أن عادلة لا تُدرك من أمور الدين والعلم ما يؤهلها أن تخوض في مثل هذه القضايا الكبيرة، ولكنها ممتلئة حماساً وانسياقاً لتهيئة الموضع المناسب للمرأة -كما تزعم-، وهذا ما أوصلها إلى هذا الاندفاع الذي يجب على أهل الأمر والعقل الأخذ على يدها برفق، حتى لا تسوق نفسها وغيرها إلى هوة في الدين والأخلاق لا يُقام منها، فمن تردى من قمة جبل لن يُمسك نفسه متى شاء، وكثيرٌ من السالكين المندفعين يحتاجون إلى الوقوف في طريقهم، وإن عاندوا وكابروا، حتى تزول نشوة الباطل عنهم، ويعودوا إلى الجادة.. فللعقل فورة واندفاع للباطل كما هو للحق، فعن عبدالله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لكل عمل ضرواة شِرَّة -أي حماس واندفاع- ولكل شِرَّة فترة، فمن كانت فترته إلى اقتصاد وسنة فَلِأُمٍّ ما هُوَ، ومن كانت فترته إلى المعاصي فذلك الهالك».
وإذا امتزجت الشِرَّة بالعجلة فالعجلة مجلبة للحسرة.

وفي هذا الكلام لا أخوض في خطأ يحتمل الصواب، ولكني أقدم للأميرة عادلة ما لا أستجيز تأخيره من النصيحة لها والخوف على المجتمع أن ينساق خلف رايات مُزيَّفة .

والأميرة وهي تسعى إلى ما تُريد تستشعر من نفسها خُطى الفاتحات المتحضرات، وتُبرم صفقات التقدم مع مجتمع تراه متخلفاً، ولا يلزم من صدق النية صلاح العمل، قال تعالى: { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا . الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف:103-104]، واليهود والنّصارى مع كفرهم بالله ومحاربتهم له، ادعوا أنهم أبناء الله وأصفياؤه قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّـهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } [المائدة:18].


وأود أن أنبه الأميرة وغيرها إلى ستة أمور:

أولاً: أن العلم والمعرفة لا ينتهي نسبه إلى حيث ينتهي نسب الإنسان، فالجاهل جاهل ممن كان، والعالم عالم ممن كان، وعلى الإنسان أن لا يخلط بين المقامات حتى لا ينتهي به الأمر إلى الجهل المُركب، فيظن من نفسه أنه يدري وهو لا يدري، وعلى العاقل أن لا يصنع الهيبة لنفسه، حتى لا ترجع إليه جهالاته بصورة حقائق، فما يصنعه من الهيبة، تُعطل جرأة الناصح أن ينصح، وتُهيب الناقد أن ينقد بحق وعقل ودين، وهكذا يضل كل من فقد المخطِّئ له إذا أخطأَ، واللائم له إذا أساء، والمقوّم له إذا اعوجّ؛ فيبقى لا يسمع إلاّ قول: صدَقَت، وأصبت.

والهيبة تحمل القلوب إلى موافقة الباطل، وكثير ما هي، وتستجلب تملق المفتين بالباطل والمشرعين بالشبهة، والمؤسلمين للقضايا، ولن تُعدم الأميرة عادلة ولا غيرها شيخاً ومفتياً كأبي حسان المنذر، حيث قال عنه ابن حبان: كان حجاجياً، يقول: (من خالف الحجاج بن يوسف فقد خالف الإسلام).
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: لما استُخلف يزيد بن عبد الملك قال: "سيروا سيرة عمر بن عبد العزيز"، فأتوه بأربعين شيخاً شهدوا له: (أن الخلفاء لا حساب عليهم ولا عذاب). فأقبل على الظلم وإتلاف المال والشرب والانهماك على سماع الغناء والخلوة بالقيان، وما أقصر الحياة الدنيا! لم يعش يزيد سوى أربعة وثلاثين عاماً مع أنه استُخْلف ضعف الزمن الذي استُخلِفَه عمر.
ومن بحث من أهل الجاه عمن يفتيه بالمحرمات القطعية كالخلوة والسفور ونزع الحجاب، وإقرار الاختلاط والتهوين منه، سيجد من ذلك قدراً وافراً، كما نراه اليوم في قضايا الاختلاط والحجاب وغيرها.


ثانياً: أن الحضارة والتمدن، لا تعني الانسياق خلف الصورة التي يُروِّج لها الإعلام الغربي، ويُريد من الشرق أن يكون عليها، فلو ملكت أشدُّ الأمم تخلفاً آلة إعلامية كما يملك الغرب لاستطاعت أن تجعل من صيد الجُعلان هواية.


ثالثاً: أن الصناعة لا تعني فضل العقائد والأخلاق، فنحن نرى مع فضل بني آدم على الحيوانات البهيمية، إلا أنه ما من خصيصة تصل إليها الحضارات إلا والبهائم والجمادات تفوق البشر فيها، فالطيور تطير في السماء منذ أول الخليقة، وقبل تفكير البشر في الطائرات، وليس هذا فضلاً للطيور على البشر، وهي تسير وفق نظام في السماء لا ترتطم ببعضها ولو كانت أسراباً من أُلوف، لا تُحسن البشرية عُشر خصائصها، وخصائص غيرها في قوة السمع، وقوة البصر، وحدة الشم، والإحساس بما في باطن الأرض، كما يذكره ويتفق عليه العارفون في علوم الحيوان.
ونزع الله منها كمال العقل، للاعتبار، أن الله قدر يرزق هذه الهبات من لا عقل له أصلاً، هبات ثابتة متأصلة لا مكتسبة، بلا بحث ولا نظر ولا تعليم.

وهكذا الجمادات كالكواكب والنجوم الصماء وسيرها الدقيق في الفضاء بانتظام، وكأنها ترى وتسمع، ولكن يُسيرها الله وحده.
وهكذا الجن وما لهم من خصائص معجزة، منذ أول خلق الله لهم، كالطيران والسرعة، والسباحة وسط الجامدات واختراقها، والصعود إلى الفضاء إلى حد يعجز البشر عن فهمه وتصديقه، لولا ذكر الوحي له.

والأفكار المتفرعة عن أصل صحيح، لا يعني صحة أصلها صحتها بنفسها، فكيف باعتقادين وفكرين منفصلين عن بعضهما، وهو معرفة المادة ومواضع القوة والضعف منها، وحقائق الغيب المبلغة من الله.


رابعاً: أن أخطر الأفكار الخاطئة التي يتبناها عظماء ووجهاء في الناس، فلحملة الأفكار ومكانتهم الاجتماعية أثرٌ يَعْقد العقول عن توازنها في استيعاب الصحيح والخطأ كما هو، فلأهل الجاه هيبة في نفوس العامة تَضْعف معها القلوب، فتأتيها تلك الأفكار وهي ضعيفة فتستقر، ولذا يقول عمر رضي الله عنه: "إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن".
ولأقوالهم ولأفكارهم هيبة تكسر حصون العقل المحكمة وأبوابه، وتنفذ إليه.

لهذا يجب على الأميرة عادلة وأمثالها أن يعلموا أن التبعة عليهم كبيرة من الآثام والأوزار، فحساب الذنوب بقدر آثارها، قال تعالى: { لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۙ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ } [النحل:25].


خامساً: أن الخطى التي تسلكها الأميرة عادلة تشابه الخطى التي سارت عليها المرأة المصرية هدى شعراوي [ 1296هـ - 1367هـ ] قبل قرنٍ وهي ابنة محمد سلطان باشا أول رئيس مجلس نيابي في مصر، والناس ليسوا في غفلة، فالتاريخ شاهد على كثيرٍ من محاولات طمس معالم الإسلام بدعاوى متنوعة، فهدى شعراوي قد وجهتها امرأة فرنسية، إلى الفكر التحرري التغريبي بصورة إسلامية، ودعتها إلى التدرج في الفكر وأن تبدأ بالأعمال التي ظاهرها الحسن كممارسة الرياضة البدنية، وبناء ملاعب الرياضة، ثم الترغيب في الفنون والآداب، ولصداقات هدى شعراوي بالسلطة ونفوذها عبر نساء ورجال كمصطفى فهمي، أخذت تظهر أعمالها بصورة جهود الأفراد، واندفعت إلى ما تسميه بـ (تحرير المرأة)، وأخذت تستغل المناسبات والأحداث، لتُمرر فيها ما تُريد، كدخولها في المظاهرات المصرية في وجه الاستعمار البريطاني عام 1919، هي وصديقة لها تُدعى (صفية زغلول) فتظاهرتا وهتفن ضد الانجليز، وفي هذه المسيرة النزيهة ألقين الحجاب (غطاء الوجه) في الأرض، و أحرقنه بالنار، والإعلام ينقل الحدث بهدوء تارة، وبصورة المستبشر بالتجديد تارةً أخرى.

واستمرت متفانية، تُدفع بالخفاء وتُشَجَّع، وأخذت تُنظِّم المجامع والندوات النسائية، والغرب يُتابع نشاطها ويدعمه، حتى حضرت مع إحدى المتأثرات بها، (المؤتمر النسائي الدولي) الذي عقد في روما عام 1923م، وكان أول شي فعلته عند دخولها المؤتمر هي ومن معها، أن قامتا بنزع الحجاب ووضعه تحت الأقدام.
حتى قال خير الدين الزركلي: (كانت -هدى شعراوي- أول مصرية مسلمة رفعت الحجاب).

ولم ينته الأمر إلى نزع الحجاب، بل تتابع النزع، حتى أصبح ظهور صدر المرأة وساقيها بل وفي الأحيان فخذيها أمراً مستساغاً، وهو الذي انتهى إليه أمر المرأة المصرية إلا من رحم الله بعد تلك الدعوة.


يجب أن نحتاط للفطرة التي إذا انفتح ثقب فيها اتسع، ونحوطها كما حاطها الله، ففي الصحيحين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن موسى كان رجلاً حيياً ستيراً لا يرى من جلده شيء استحياء منه، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل فقالوا: ما يستتر هذا التستر إلا من عيب بجلده إما برص وإما أدرة وإما آفة، وإن الله أراد أن يبرئه مما قالوا لموسى، فخلا يوماً وحده فوضع ثيابه على الحجر، ثم اغتسل فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها، وإن الحجر عدا بثوبه فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر فجعل يقول: ثوبي حجر ثوبي حجر، حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل، فرأوه عرياناً أحسن ما خلق الله وأبرأه مما يقولون، وقام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه وطفق بالحجر ضرباً بعصاه فوالله إن بالحجر لندباً من أثر ضربه ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً».
فالله لم يأمر موسى نفسه أن يبدي عورته بيديه للناس حتى تزول التهمة، ولكن غيَّر الله السنن الكونية وثبات الجامدات وجاذبية الأرض وحرك الحجر، حتى يتحقق المقصود من البراءة، ولم يأمر موسى بشيء يخالف الفطرة ويخل بتوازنها، ويفتح باباً صغيراً فيها يتسع مع الزمن ولا ينضبط، وتتنوع الأفهام في إدراك حدود الحاجات والضرورات، وإلا فأمر موسى أهون من تغيير سنن الكون، وكل ذلك هين على الله، ولكن سنة الله في الخلق حياطة الفطرة والاحتراز لها، فيتحرك الحجر ولا تتحرك الفطرة!


سادساً: أن القضايا التي تحرص عليها الأميرة عادلة قضايا مردها إلى الشرع والوحي المنزل، وليس إلى الذوق والاستحسان العقلي، وما ضلت الأمم والمجتمعات السابقة إلا باستحساناتها، وسُلوك طرق لا تُجدي من طوي أحكام الله وصرفها عن وجهتها، بكونها عادات وتقاليد ليَهون تركها، أو البحث عمن يُفتي بالباطل، أو القول أن صلاحية تلك النصوص إنما هو لأزمنة غابرة، بدعوى التحضُّر، فقد ادعى كفار قُريش الحضارة والفهم، وردوا الإسلام بعدم مناسبته لهم: { حَتَّى إذا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} [الأنعام:25]، وكان ذلك من تبديلهم نعمة الله كفراً فماذا كانت النتيجة؟ {وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ } [إبراهيم:28].


وقد بين الله أمر الحجاب، وفصَّله في كتابه، فقال: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب:59].

روى ابن جرير الطبري بسند صحيح عن علي عن ابن عباس في قوله: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ } قال: أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رءوسهن بالجلابيب ويبدين عينا واحدة.


وأمر الاختلاط وحكمه، قد بينت أدلته من الكتاب والسنة وإجماع العلماء في رسالة (الاختلاط تحرير وتقرير وتعقيب).
والصراع الذي يحدث حول المرأة في بلادنا، صراعٌ لا يُرى منه إلا سطح الطاولة، ولا تُرى أرجلها الممسكة بها، وإن تبنى بعضَه شيوخٌ، وقد بيّنت كثيراً منه في كتاب (مناظرات الاختلاط)، كتبته قبل أن يغالط فيها التاريخ، ويُدلسها الزمن، ويصف خلافنا أنه خلافٌ فقهي، ويصف القائلين به أنهم علماء صادقون.. إنها أقوال رسمها المال والجاه، وأفكار تُباع الأقوال فيها وتُشترى بلا عقود.
وما شهدنا إلا بما علمنا، وما كنا للغيب حافظين، ولنا في قصص القرآن أُسوة.
وأسأل الله المشار إليه في كل حاجة، أن يجمعنا إلى العدل، ويأخذ بأيدينا إليه، لا إله إلا هو.


عبد العزيز الطريفي 29/12/1431
[email protected]

  • 31
  • 1
  • 31,258

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً