وقلِ الحق من ربكم
في يوم الجمعة تذكر
وإذا قرأت قوله تعالى: { وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف جزء من الآية: 29]، فاعلم أن هذه الآية ليست إباحةً للكفر كما يظن الجهال، ولو كان هؤلاء الجهال أصحاب ألقاب (د)، (ا.د) وبروفيسور وغيرها، بل مهما كانوا رموزًا ومشاهير؛ فمن قال بهذا فهو أجهل من دابة؛ فإن الله تعالى لم يُبح لأحد من خلقه أن يكفر به! بل الآية على وجه التهديد والوعيد، ويكفي فقط أن تقرأ بقية الآية: {فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ}
وهي مثل قوله تعالى {وَقُل لِّلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ * وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ} [هود: 121-122] وكقوله تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ۖ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [فصلت جزء من الآية: 40].
وأما قوله تعالى {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة جزء من الآية: 256] فهو ليس إباحةً للكفر ولا للفسق بل إن الله تعالى نهى عباده المؤمنين أن يُكرهوا أحدًا على اعتناق الإسلام كعقيدة،، لأنه لا إكراه في هذا المجال لأنه سيتحول الى نفاق..
وهنا أمران لا بد من وضوحهما..
أولهما: أن هذا خطاب للكافر الأصلي، وليس للمسلم بأن تكون رخصةً له للتحلل من الأحكام، فليس في هذا نفيٌ لإلزام المسلم بأحكام الشريعة وإقامة الدين وأحكام الواجبات ومنع المحرمات، فمن أسلم فقد الْتزم الشريعة ويجب إلزامه بأحكامها العامة ويُمنع من مخالفتها.
والثاني: أن هذا لا ينفي إقامة الدين وإقامة النظام الإسلامي، السياسي والاجتماعي والاقتصادي، والنظام الفكري والفني، وعلو أحكام الله تعالى وسيادة مبادئ الشريعة وتشكيلها للنظم والأخلاق والأوضاع..
فأمر العقيدة الخاصة شأن، وجريان النظام العام على وفق دين الله شأن آخر.
فأمر العقيدة فيه قوله تعالى (لا إكراه في الدين).. وأما نظام الحياة والدولة والقانون والنظام والأخلاق والقيم فهي شأن إعلاء كلمة الله، ونحن مأمورون بإعلاء كلمة الله وسيادتها، كما نحن مأمورون ألا نكره أحدا على اعتناق عقيدة الإسلام..
أما من اعتنق الإسلام فهو ملزَمٌ بأحكامه، وأما من عاش في عهد المسلمين ودولتهم ـ وإن كان مخالفا للعقيدة في الأصل ـ فهو خاضع لنظامها وأحكامها..
هكذا قضى الله تعالى، وهكذا الفروق بين الأمرين، فلا النهي عن الإكراه على العقيدة يعني ترك إقامة الدين وإعلاء كلمة الله وجريان الأحكام والقوانين والنظم والقيم على وفقها، ولا إقامة الدين وإعلاء كلمة الله تعني الإكراه على العقيدة..
ومن خلط بينهما أسقط بعض أحكام الله، جهلًا.. ومنهم من يخلط بينهما خبثًا ليسقط شريعة الله تعالى كاملة فيعطلها عما نزلت من أجله وكأنه لا قيمة ولا دورًا حقيقيًا ولا جادًا ولا فعالًا لوجودها.
ولا مفر من إقامة الدين حمايةً للعقيدة وللوجود الإسلامي نفسه.. نعم يُراعَى الناس وأوضاعهم التي ينتقلون منها ولكن لا بد من وضوح الهدف الذي يجب أن يسعى المسلمون إليه.
- التصنيف: