الانقلاب على الشريعة
عبد العزيز مصطفى كامل
الهجمة على أصول الاعتقاد ومحكمات الأحكام وأمهات الأخلاق في ازديادٍ وامتداد، مع استمرار فتح كل نوافذ الوصول والتسهيل للطاعنين والمشككين والملحدين، وإغلاقها أو تعسيرها على الغيورين المدافعين، وكأن ثورة المصريين التي اكتست بطابع الدين فاكتسبت بذلك احترام عالم المسلمين، قد انتهت إلى ثورةٍ عليه وعلى كل المنتمين إليه.!
- التصنيفات: الواقع المعاصر -
هل نحن بصدد انقلابٍ إعلاميٍ علمانيٍ على الشريعة والدين؟، وهل دخلت مصر مرحلة أتاتوركية جديدة؟!.
ظواهر الأمور تدل على هذا، فالهجمة على أصول الاعتقاد ومحكمات الأحكام وأمهات الأخلاق في ازديادٍ وامتداد، مع استمرار فتح كل نوافذ الوصول والتسهيل للطاعنين والمشككين والملحدين، وإغلاقها أو تعسيرها على الغيورين المدافعين، وكأن ثورة المصريين التي اكتست بطابع الدين فاكتسبت بذلك احترام عالم المسلمين، قد انتهت إلى ثورةٍ عليه وعلى كل المنتمين إليه!
• بعد الحملة على من يوصفون بـ (الإسلاميين الحركيين) امتد التطاول إلى الدعاة (السلميين)، لينتقل إلى كثيرٍ من العلماء العاملين!، وها هو يتحول إلى الرسميين التقليديين، ممثلين في المنتسبين للأزهر، على الرغم مما أصاب مؤسسة الأزهر من مزج رسالتها في نظر الناس بالمسخ الوظيفي والتشويه الاجتماعي، والجهل والنذالة والعمالة، وقد دلت حفاوة العلمانيين بفيلم المجون والجنون (مولانا) دلالةً صارخة على عدم ترك أي ثغرةٍ لاحترام الدين في نظرالمصريين، فهذا الفيلم - الذي لم أره ولن أراه - يريد عزل الناس نفسياً ووجدانيًا، حتى عمن يؤمون المصلين، ويخطبون الجمعة بحسب توجيهات المسؤولين!
• أسوأ أنواع الانقلابات وأسودها؛ هي المقترنة بالثورة على دين الله، و(الانقلاب) - بهذا المعنى - تعبيرٌ قرآني، يُستعمل كثيرًا للدلالة على حالات من الانتكاس والارتكاس، التي تقود فئامًا من الناس للقيام بحركات (تمرد) على الثوابت، و(تحرر) من القيم، و(ثورة) على المصلحين؛ عندما لا يجد الفاسدون المنقلبون في طريق الإصلاح مصلحةً شخصيةً أو منفعةً ذاتية. ولهذا اقترن هذا المسلك في القرآن بالخُسران قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ ۖ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ۖ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الحج: 11].
• والانقلاب على دين الله وشرعه لا ينشأ إلا من اختلال في العقائد؛ ينتج عنه احتلال للعقول، فيورث اعتلالاً للقلوب؛ حتى يُصاب المنقلبون بعمى البصيرة، فيرى أكثرهم الحلالَ حرامًا والحرامَ حلالًا، والحقَّ باطلًا والباطلَ حقًا.. ويرون الصوابَ خطأً، والخطأ صوابًا، إلى أن ينتهي بهم الحال إلى أن يروا المنكر معروفًا والمعروف منكرًا، فلا تعرض فتنة إلا كانوا لها ومن أهلها {كُلَّمَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِي الفِتْنَة فِيهَا} [النساء جزء من الآية: 91].
• مثل هذا الانقلاب يتحول عند أصحابه، إلى محبةٍ لأعداء الدين، وتشرُّبٍ لروح المُعرضين، ونُصرة لمناهجهم وتعظيم لشرائعهم، واتخاذهم أصدقاء ناصحين وبطانة من دون المؤمنين، فيكون مآل المنقلب موالاة مُهلِكة ذات مآلات خاسرة، وهذا ما حذر منه القرآن في قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ} [آل عمران: 149].
• ضرر المنقلبين على الدين ينقلب في النهاية عليهم كما قال سبحانه: {وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّـهَ شَيْئًا} [آل عمران جزء من الآية: 144] وعاقبة الاستمرار في الإضرار بالمسلمين أبهَم القرآن تعيينها، وأطلق الترهيب بها، لتشمل وجوه خُسران الدنيا والآخرة فقال تعالى : {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} [الشعراء جزء من الآية: 227]، وليس الشأن الآن في خسارة المحادين للدين يوم الدين - فهذا أمر يتولى الله أمره فيحكم فيه بعدله – ولكن التصدي لحملات النيل من الدين هو واجب كل الموحدين المحبين للطريق المستقيم؛ الذين ابتلاهم الله بالكارهين له والضالين عنه، {وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ} [محمد جزء من الآية: 4].
تكرار حالات التطاول على الشريعة مؤخراً؛ تحتاج إلى رصدٍ وتحليل، فالظاهر أنها ستطول، بقدرطول تأخر أهل الشريعة في مواجهتها، ورد عاديتها، وإيقافها عند حدها، في حدود ما تسمح به الشريعة وتقتضيه العقيدة..