إياك وترك راية الإسلام (18)
مدحت القصراوي
وإذا توفر للمجتمع هويةٌ مستقرةٌ وقويةٌ وجامعة، متوافقةٌ مع عقيدته ورصيده التاريخي وانتمائه الحقيقي، وتوفرت له مع الهوية المشاركةُ الحقيقية والفعالة في تقرير مصيره وتحقيق النظام الذي يمثله واختيار ممثليه للرقابة واختيارهم لحكامه، واستقرت مع الهوية القيم التي يؤمن بها المجتمع؛ فمع الهوية القوية والمشاركة الحقيقية والقيم الإيجابية عندها يكون المجتمع مستقرًا وقويًا
- التصنيفات: السياسة الشرعية - التاريخ الإسلامي -
مشاركة تحت الراية.. نموذج أهل بدر:
لم يكن أهل بدر، هيئةً مؤقتة لظروفٍ تاريخية، بل كانوا هيئةً تمثل نموذجًا للنظام الإسلامي قابلًا للتكرار بل مفروض التكرار ومطلوب وجوده دائمًا..
فقد كان أهل بدر صفوة الأمة ومقدَمي المجتمع من خلال إفراز المجتمع لهم كقيادات اجتماعية له من خلال وضعهم القبلي ومن خلال أعمالهم الجليلة فبرزت خصائصهم وبان فضلهم..
فكان أهل بدر ممثلين للمجتمع آنذاك، ومن هنا كانوا محل الشورى في زمن النبوة وبعده، خاصة زمن الراشدين، ولهذا قال بعض التابعين (إن أحدكم ليفتي في المسألة لو عُرضت على عمر لجمع لها أهل بدر).
ولكن أهل بدر كانوا يجمعون صفتين؛ صفة العلم الشرعي والقدرة على الإجتهاد بحكم عربيتهم الرفيعة وصحبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم وعلمهم بالقرآن والسنة.. وفي الوقت نفسه كانت لهم صفة تمثيل الأمة كقيادات اجتماعية.
ولهذا كانوا محل الشورى من الناحيتين الشرعية والسياسية، فكانوا ملازمين للصّدّيق ولعمر وكذلك لعثمان رضي الله عن الجميع.
وهذا التلازم بين الصفتين غير واجب التكرار، ولهذا يكون هناك ـ فيمن بعدهم كواقعنا اليوم ـ فصل بين أهل الصفتين والوظيفيتين:
1- أهل الإجتهاد الشرعي ومجالسهم، لتقنين الشريعة والاجتهاد في النوازل؛ فلهم مجلسهم واجتماعهم.
2- وأهل الشورى السياسية والاجتماعية لتمثيل مصالح الأمة ومراقبة الحكام وتقويمهم وتمثيل الأمة عندهم، والاجتماع حولهم وجميع الأمة من خلفهم حول الحاكم المسلم؛ فلهم مجالسهم المنفصلة والممثلة لهم وللأمة تمثيلا حقيقيا..
وإذا توفر للمجتمع هويةٌ مستقرةٌ وقويةٌ وجامعة، متوافقةٌ مع عقيدته ورصيده التاريخي وانتمائه الحقيقي، وتوفرت له مع الهوية المشاركةُ الحقيقية والفعالة في تقرير مصيره وتحقيق النظام الذي يمثله واختيار ممثليه للرقابة واختيارهم لحكامه، واستقرت مع الهوية القيم التي يؤمن بها المجتمع؛ فمع الهوية القوية والمشاركة الحقيقية والقيم الإيجابية عندها يكون المجتمع مستقرًا وقويًا، وفي الوقت نفسه يكون الحاكم قويًا جدًا حيث يمثل الأمة كلها، والأمة كلها مجتمعة حوله من خلال ممثليهم.. هو بهم قويّ باجتماعهم ورقابتهم له، وهم أقوياء لحضورهم ومنعهم الإستبداد ولتمثيلهم هويتهم وقيمهم، ومنعهم الإغتراب ومنعهم الانسحاب من القضايا العامة، وعدم تركهم المجال للطبالين والمنافقين والأراذل والسفهاء..
فعدئذ يتقدم الحكماء وقادة الرأي وأهل الشورى وخلاصة الأمة وأصحاب العقول وأولو الألباب؛ فعندها يستقيم المجتمع، ويتوحد تحت الراية، وتصبح الراية الإسلامية المرفوعة رايةً حقيقيةً قويةً لا شعارًا مرفوعًا بلا مضمون.
يتابع غدا إن شاء الله..