الهدي والقدوة الحسنة لدى المربي
كثير من أرباب التربية تسعى نفوسهم جاهدة إلى غرس القيم والأخلاق الحميدة.
كثير من أرباب التربية تسعى نفوسهم جاهدة إلى غرس القيم والأخلاق الحميدة، والمعاني الفاضلة، ولكنْ ثمة ضعف في الأثر التربوي المشاهد في ذلكم المتربي، وإن صح التعبير لا نجد لتلكم الوصايا الموجهة واقعًا ملموسًا، وبالتالي فإن المرجع الحقيقي للتربية هي "إبدأ بنفسك أولًا"، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ . كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف:2-3].
وبالتالي فإنا نجد في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم عظم القدوة والهدي الحسن، قال الله تعالى في حق الرسول صلى الله عليه وسلم: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب:21]. ولقد يختصر المربي مئات المحاضرات والمهاتفات والوصايا في أن يكون قدوة حسنة فيما يريده الشارع جل وعلا، وأي نتاج تربوي يخرج من ذلكم الذي يوصي بحفظ القرآن وهو لا يتقن الجزأين، وأي دعوة للمسابقة للصف الأول والمربي يترنح ليصل للمسجد، وقد يلحق بفضل الجماعة إن تيسر ذلك، بل أي أدب يظهر على المتربي حين يرى المربي يكذب أحيانًا، ويغتاب أحيانًا، وحين لا يكف عن اللغط واللغو، ثم أي سمة احترام وتقدير تظهر على المتربي عندما يرى المربي يخوض بلا سياج وأسوار في العلماء والدعاة، وحين يضخم الأخطاء وفق ميوله وهواه، وأسئلة كثيرة تدعونا لمراجعة نفوسنا في صلاحيتنا للتربية من حيث إتقاننا لما نقول، وعملنا بما نعتقد. وأعجب من الإمام الأوزاعي رحمه الله حين قال: "كنا قبل اليوم نضحك ونلعب، أما وقد صرنا يقتدى بنا فلا نرى أن يسعنا ذلك وينبغي أن نتحفظ".
ما أجمل أن نتذكر رسول صلى الله عليه وسلم حين أراد صحابته في صلح الحديبية أن يحلقوا رؤوسهم فلم يحلقوا وقد أهمه هذا الأمر حتى أوصته أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها أن يحلق رأسه فحلق رأسه فحلقوا.
ما أجمل حين نسبر صفات المصطفى عليه الصلاة والسلام ومبادئه فنجدها واقعًا في حياته وقد اقتفاها صحبه منه دون كثير سجع في كلام ودون طول حديث في مجلس، ولقد سُئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن خلقه عليه الصلاة والسلام فقالت: "كان خلقه القرآن". على المربي أن يكون قائدًا في مجتمعه بأخلاقه وسلوكه وتميزه فهو لا يجيد القول بلا عمل، إنما هو في مقدمة الركب دائمًا، إنه إن دعا إلى التفوق وجدناه متفوقًا، وإن أشار لبر الوالدين لمحناه يخفض جناح الذل والرحمة، وإن أوصى بالعلم بحثنا عنه فأبصرناه سالكًا طريقه. هذا هو المثال الحسن والنموذج الراقي في القياد التربوية، وإن من أهم سماتها أن تكون رأسًا في كل ما تعتقده وتقوله من معالي الأمور، وقد صدق من قال إن أردت أن تكون إمامي فكن أمامي.
ومما يعين على أن يكون المربي خير قدوة بإذن الله:
1- البدء بالنفس دائمًا في الائتمار والانتهاء، فلا يعجل بالنطق للغير قبل العمل.
2- المداومة دائمًا في فعل الخير، ولو كان يسيرًا فلا يُكلف نفسه بعمل شاق فيتركه كله، عليه أن يتدرج حتى يثبت العمل، ويزيده شيئًا فشيئًا. وقد قال عليه الصلاة والسلام: «أحبَّ الأعمالِ أدوَمُها إلى اللهِ وإن قلَّ» (صحيح البخاري).
3- قراءة آيات القرآن، وتدبر معانيها لاسيما الحاثة على العمل، وتقتضي العمل بالعلم.
4- سبر السيرة النبوية، ومشاهدة وصف الرسول صلى الله عليه وسلم وحاله مع صحبه.
5- مطالعة كتب السلف الصالح لاسيما من كان له طلاب يتكلمون عنه، ويثبتون أخلاقه وعلمه، كابن القيم عن ابن تيمية وغيرهم، فبعضهم كان يحضر مجلسه من الحاضرين لينهلوا من أدبه وسمته كمن يحضر لينهل العلم، وهكذا.
6- الدعاء المستمر، والخوف والحياء من الله أن نكون ممن يهدي من غير أن يهتدي، والعياذ بالله.
7- الحذر من مخالفة العمل القول، وتذكر النصوص التي تنهى عن ذلك وتحذر منه، ولا يكن هذا معوقًا عن مواصلة التربية والدعوة؛ بل تأخذ بيد الداعية للكمال والترقي.
وأخيرًا ما أجمل من قال: أن عمل رجل في ألف رجل خير من قول ألف رجل في رجل.
سعيد بن محمد آل ثابت
- التصنيف:
- المصدر: