تبت أيديهم وضلت مساعيهم
بذلوا مقدرتهم وأقصى اقتدارهم وانعدمت كل حيلهم وماهم ببالغي مرادهم كما لم يبلغه أسلافهم.
- التصنيفات: العقيدة الإسلامية - التوحيد وأنواعه -
القلوب إذا تكاشفت تعارفت... وإذا تعارفت تآلفت.
ونحن جميعًا عبيدٌ لله... (مؤمنين وكافرين ومشركين ويهود ونصارى ومجوس وصابئين).
لا المؤمن منا استغنى بإيمانه عن فضل الله ومعونته ولا الكافر أو المشرك استبد بأمرٍ خرج به عن ملك الله وقدرته، سبحانه وتعالى لا إله غيره هو الذى يذيقنا الموت وهو الذى يَهب لنا الحياة. الكفار والمشركين واليهود والنصارى والمجوس والصابئين جهلوا أحكام وتعاليم الإسلام فظلموه وظلموا أنفسهم، لم يعوا أن رسالة الإسلام موجهة إلى الناس أجمعين وليست رسالة خاصة بشعبٍ دون شعب ولا بعصرٍ دون عصر... ولم يدركوا أن الإسلام هو دين الله الذى ارتضاه لكافة خلقه وعباده وإلا حُقّ عليهم عذابه وعقابه...
حادوا عن صراط الله المستقيم ودينه القويم وبه نجاتهم... نبذوا كتاب الله الكريم وقرآنه الحكيم وهو نذيرهم ونذير كافة الناس والخلق وكل العالمين... يقول جل شأنه: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان:1]. لم يؤمنوا بنبي الله ورسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو نبينا ونبيهم أرسله الله لنا ولهم.
يقول جل ذكره: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [سبإ:28].
قالوا ما قالوا من إفك وافتراء وكذب واجتراء على رب الأرض والسماء وهو خالقهم ورازقهم وإليه مرجعهم ومآبهم، أطلقوا لبغيهم العنان وقالوا عن الله ورسوله ما قالوا دون علم أو سلطان لا يرجون ثوابًا ولا يخافون عقابًا ويعيثون في الأرض فسادًا، يحسبون أن الله غافل عنهم بل سيزيدهم الله عذابًا فوق عذابهم وعقابًا فوق العقاب المعد لهم.
{الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّـهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ} [النحل:88].
والغالب من دعاة وعلماء المسلمين تخاذلوا وتقاعسوا عن بلاغهم ولم يبينوا ذلك لهم. احتفظوا بالرسالة لأنفسهم وضنّوا بهديها ونورها عليهم. فكانوا أظلم للإسلام من غير أهله لو كانوا يعلمون. لقد أرسل سبحانه وتعالى إلى البشرية أنبياء ومرسلين على مر العصور والأزمان ليكونوا لهم مبشرين ومنذرين، اصطفاهم الله واختارهم من بين أقوامهم وبعثهم إليهم يدعونهم إلى عبادة الله والإيمان بوحدانيته. وتعاقبت الرسالات وتدرجت الأديان، وختم الله أنبياءه ورسله بسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وبعثه بآخر دين من الأديان وهو "دين الإسلام".
أمر الله نبيه ورسوله أن ينذر به قومه خاصة ثم الناس عامة وكافة. أدى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمانة ربه التي حملها وبلغ الرسالة التي كلفه الله بها مجاهدًا في سبيلها. أكمل الله دينه وشريعته وأتم الله على عباده فضله ونعمته، وانتقل رسول الله إلى مثواه. يقول عز وجل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة:3]. وورِث المسلمون الرسالة وحملوا الأمانة. حملوا الأمانة لأدائها كما أداها نبيه ورسوله "أداء كل ما شرعه الله فيها من فروض وحدود وتعاليم وأحكام". وورِثوا الرسالة لبلاغها "إلى الكفار والمشركين واليهود والنصارى والمجوس والصابئين".
عهِد الله إليهم أن تتفقه طائفة منهم في الدين ليقوموا ببلاغ الرسالة كما بلّغها نبيهم ورسولهم الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة:122]. هذه الطائفة هم طائفة العلماء والفقهاء والدعاة. إذا ما أقدموا على التفقه في دين الله فقد حملوا على عاتقهم وألزموا أنفسهم أن يقوموا بالنذارة وبلاغ الرسالة ولهذا: أورثهم الله ميراث الرسل والأنبياء.
كلفهم الله أن يبينوا تعاليمها وأحكامها إلى كافة خلقه وعباده وأن لا يضنّوا بهديها ونورها على من سواهم. وأوكل الله إليهم أن ينذروا كل من حاد ومال عن دين الله من الكفار والمشركين واليهود والنصارى والمجوس والصابئين. فهؤلاء العباد وإن كان منهم من بلغه هذا الدين ومن يعلمونه علم اليقين ولكنهم صدّوا عنه وحاربوه جهلًا منهم أو حسدًا أو ظلمًا وبغيًا فهناك من هم في مختلف أقطارهم وشتى بلادهم وبلدانهم من هم غافلين وحيارى تائهين يجهلون أن الله أمرهم بالإيمان ولا يعلمون أنهم مخاطبون بدين الإسلام. لم يكلف الله هذه الطائفة إلا مجرد البلاغ وهو ما أمر الله وكلف به نبيه ورسوله سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام. يقول عز وجل: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} [الرعد:40]. ويقول تبارك وتعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ۖ إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ} [الشورى:48].
فمن أبى واستكبر منهم فهم ليسواْ بوكلاءٍ عنهم ولا أي منهم بحفيظٍ عليهم، من شاء منهم أن يؤمن فليؤمن ومن شاء منهم أن يكفر فليكفر. يقول جل شأنه: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة:256]. ويقول جل ذكره: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس:99].
ولكن وجب عليهم: ألا يغفلوا كمال الرسالة والمنهج الشامل الذى أنزله الله في كتابه وسنة رسوله ونبيه. ولا يغضّوا الطرف عما بيّنه الله من قتال الكفار والمشركين إن أصروا على ضلالهم في كفرهم وشركهم. ولا يألفوا الصمت والكتمان في بيان فرض الجزية على اليهود والنصارى إن لم يؤمنوا بدين الله ومن قتالهم إن امتنعوا عن دفعها لإعطائها للمسلمين وهم صاغرين.
فالعلماء والفقهاء والدعاة هم الخلفاء على الرسالة الأمناء على بثها وإظهار نورها لإصلاح شأن العالم بها. هم مَن أورثهم الله ميراث أهل نبوته وخصّهم من بين عباده بخشيته واختصهم سبحانه للقيام بحجته والإخبار بشريعته.
المسلمون الأولون: صانوا الأمانة وأدوها كما أمرهم الله بها. وقاموا ببلاغ الرسالة إلى كافة البلاد والأمصار وتحملوا أعباءها وشَرَواْ أنفسهم وأموالهم مجاهدين في سبيلها. فكانوا جديرين بنصر الله وتأييده...
فتح الله عليهم مشارق الأرض ومغاربها وأراهم الله آيته الكبرى في نصرهم على قلتهم ودخل الناس أفواجًا في ملتهم وتساقطت الدول والحضارات أمام دولتهم.
وفى عصرنا ووقتنا الحاضر: فرّط المسلمون في الأمانة التي حملوها ولم يمتثلوا لما أمرهم الله وكلفهم به من فروض وحدود وتعاليم وأحكام. هجروا القرآن وأقبلوا على الدنيا ومتاعها وآثروها على الله ورسوله وجهاد في سبيله. وغالب من تفقه في الدين تخاذلوا عن بلاغ الرسالة لغير المسلمين. ولم يبينوا لأهل الإسلام وعامة المسلمين حقيقة الإيمان وصحيح تعاليم الدين حتى أن هناك من مات ويموت وهو جاهلًا بما كان عليه واجبًا من أحكام وفروض الإسلام. تنازلوا بذلك عن أسباب عزتهم وسيادتهم. وأصبحوا كما وصفهم رسول الله صلوات الله وسلامه عليه كثرةٌ كغُثاءِ السيل وضع الله في قلوبهم الوهن ونزع هيبتهم من قلوب أعدائهم لما آلت إليه مظاهرهم وأحوالهم التي لا تنبئ عن قوة وهيبة وعزة الإسلام.
الإسلام هو دين الله والله مُظهره وناصره بنا أو بغيرنا. إنْ نصرناه فالنصر حليفنا والعزة لنا وإن تخاذلنا عن نُصرته فالتخاذل علينا والويل لنا من عذاب الله. من كفروا وأشركوا بدين الله انحرفوا بفطرتهم عن مجراها والْتبست عليهم معالم الحق والْتوت بهم سبل النجاة. وعر عليهم طريق الحق وغاب عنهم اتباع الصدق.
ساور عقولهم ما آلت إليه أحوال المسلمين من ضعف وهوان وتوهموا أن ما يسري في جسد الأمة من صراع وانقسام سوف يؤدى إلى انحسار دين الإسلام. صدوا عنه وحاربوه جهلًا منهم أو حسدًا أو ظلمًا وبغيًا.
كساهم إبليس اللعين خدعه وشبهاته وألبسهم سرابيل حججه ونزغاته فاستفل بها أحلامهم واستزل بها أقدامهم.
بذلوا مقدرتهم وأقصى اقتدارهم وانعدمت كل حيلهم وماهم ببالغي مرادهم كما لم يبلغه أسلافهم. لم يعلموا أن الله قضى لهذا الدين أن يظل ظاهرًا جبرًا وقسرًا عنهم وعنا وعن كل العالمين.
.. تبّت أيديهم وضلّت مساعيهم.. لم يدركوا أنهم عبيدٌ لله..
لولا كلمة من الله سبقت بإمهالهم وتأخير عذابهم لعاجلهم الله بسَخطه وعذابه ولأخذهم أخْذَ عزيز مقتدر. يقول جل شأنه: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ ۚ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُّسَمًّى لَّجَاءَهُمُ الْعَذَابُ} [العنكبوت:53].
سعيد شويل