دورة علمية ميسرة - الحلقة (30) و الأخيرة: النبـي صلى الله عليه وسلم يبني دولته في المدينة
بعد أن نجح محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام في الاختبار الصعب وبعدما ثبتوا ثباتاً نموذجياً وبعدما برهنوا أن الإسلام بالنسبة لهم هو الحياة ذاتها، وبالتالي افتدوا دينهم بكل ما يملكون وجعلوه محوراً يدورون في فلكه وليس كمسلمي اليوم يعتبرونه شيئاً مكملاً للحياة إن وجد فخير وإن لم يوجد فلا ضرر.
الدورة العلمية الميسرة : الحلقة 30 والأخيرة: النبـي صلى الله عليه وسلم يبني دولته في المدينة
بعد أن نجح محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام في الاختبار الصعب وبعدما ثبتوا ثباتاً نموذجياً وبعدما برهنوا أن الإسلام بالنسبة لهم هو الحياة ذاتها، وبالتالي افتدوا دينهم بكل ما يملكون وجعلوه محوراً يدورون في فلكه وليس كمسلمي اليوم يعتبرونه شيئاً مكملاً للحياة إن وجد فخير وإن لم يوجد فلا ضرر.
بعد كل المحن والابتلاءات وكما هي سنة الله في كونه {كَتَبَ اللَّـهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} [المجادلة جزء من الآية: 21] {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}
[الصافات: 171-173] كما أخرج سبحانه خليله من النيران سالماً وكما فلق البحر لينقذ موسى ومن معه وكما أنهى قصة يوسف باعتلائه عرش مصر بعد الجب والسجن والاغتراب وفقدان الأحباب، ها هو يفتح لمحمد صلى الله عليه وسلم مدينة الخير لتستقبله خير استقبال وليبدأ في بناء دولته الجديدة القائمة على رسالة السماء خادمةً للوحي مطبقةً لأحكامه ناشرةً للسِلم والأمل والنور في ربوع الأرض لتستخرج الناس من عبادة الطواغيت والأوثان إلى عبادة الرحمن .
ليقدم نموذج الدولة الفاضلة التي كان يحلم بها أفلاطون ويقدم للعالم المنهج الذي يأخذ بأيديهم إلى كل خير ويبعدهم عن كل شر.
بدأت مرحلةٌ جديدة تَبثُ الأمل للعالم وإن كانت لا تخلو من مصاعب ولكنها المصاعب التي تُعلم وتبين للعالمين أن الله شرع الأسباب التي تؤدي للنتائج المبهرة إذاما بنيت على التوكل الصادق.
الله قادر على أن يبني لمحمد صلى الله عليه وسلم دولته ويجعلها تفتح العالم بكلمة (كن) ولكنه سبحانه جعل من بناء حبيبه صلى الله عليه وسلم نموذجاً للصبر والثبات وتخطي الصعاب بما لاقاه من غزوات وما لاقاه من ظهور تلك الطبقة الجديدة التي ظهرت في المدينة ولم تكن بمكة وهي طبقة (المنافقين) والتي تنخر في دولة الإسلام حتى اليوم.
بنى صلى الله عليه وسلم دولته بتأمين الجبهة الداخلية من خلال الإخاء بين أفراد الأمة وإزالة الحواجز بين المهاجرين والأنصار، فلا تَحزب ولا تحيز لجماعةٍ أو فرقة، فالإسلام يجمع شمل الأمة.
ثم إقامة العدل والحكم بين الجميع بشرع الله المطهر، فلو فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم سرقت لقطع يدها ثم الاهتمام ببناء الأسرة على العلاقات السوية بين الآباء والأبناء فبر الوالدين بعد توحيد الله مباشرة في كتاب الله، وأرسى العلاقات المتينة بين الأزواج والزوجات فكما أوصى الرجال على النساء خير الوصايا أوصى أيضاً النساء بطاعة الزوج وحسن الخُلق معه وحسن التبعل وحفظ نفسها وماله في مقابل أن يضعها زوجها فوق رأسه وفي عينيه .
أرسى مبادئ التعامل بين الإخوة والأقارب بالمعروف ودوام الصلة وتحريم قطعها.
أرسى الأخلاق والمبادئ بين الجيران حتى ظن النبي صلى الله عليه وسلم أن التشريع سينزل بتوريث الجار لما له من مكانة في الإسلام .
بنى النظام الافتصادي المتين البعيد عن كل ما يضعضع اقتصاد الفرد والمجتمع فكان تحريم الربا والتشجيع على البيع والشراء والبعد عن الغش والتدليس في البضائع والأسعار.
بدأ في بناء جيشٍ قوي يخدم الأمة ويحميها من أي اعتداء ثم يتحول ليخدم الدعوة إلى رسالة السماء ويتدخل لخدمة الدعوة فقط في حال رفض الأمم للرسالة ورفضهم ليخلوا بين الدعاة وبين الناس ليعرضوا عليهم الرسالة فالجيش في الإسلام دوره خادم للرسالة بتأمين الدولة من جهة وتأمين الدعاة لينشروا دين الله ويعرضوا رسالة الخالق على الخلق، والحرب لا تكون إلا بعد رفض الرسالة ورفض السماح للمسلمين بنشر دينهم وفتح الديار بالدعوة في مقابل الجزية التي يدفعها المسلم في صورة زكاةٍ تخدم المجتمع.
إذن فالجيش في الإسلام خادمٌ للرسالة ومنفعة الأمة داخليًا و خارجيًا ومن حاربهم الإسلام لم يحاربهم لطمع فيما في أيديهم وإنما لأنهم صدوا شعوبهم عن الاستماع للرسالة، ثم إما أن يقبلوها ويصبحوا في عداد الأمة المسلمة وإما يرفضوها فلهم السلام والعيش في ظل الدولة مقابل جزيةٍ تخرج منهم لخدمتهم أنفسهم ويدفع المسلم أيضاً زكاة تخدم الأمة فالرافض للإسلام في ظل الدولة المسلمة له أن يعيش و له أيضاً أن تتكفل الدولة بحمايته و تتكفل بتوفير سبل العيش له، فإن لم يدفع جزية مقابل ما يلاقي من خدمات لأصبح مميزاً عن المسلم الذي يدفع الزكاة .
وأرسى صلى الله عليه وسلم مبادئ الأمان مع جيران دولته الوليدة بمعاهدة اليهود والقبائل المجاورة معاهدات تعايش وجوار فلما غدر اليهود ونقضوا كانت الحرب التي ليس منها بد وإلا لأباد اليهود وحلفاؤهم من المشركين دولة الإسلام الناشئة.
بعد سنوات:
وبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وفي ظل تعاليمه الخالدة وفي عهد الخلافة الراشدة بنى الصحابة دولة الإسلام وفتحوا الديار ونشروا الإسلام ونشروا معه العدل بين الأنام.
ثم هاهم أولاء أحفادهم يفرطون أيما تفريط في تعاليم خير الأنام ويبتعدون أيما ابتعاد عن منهجه وشريعته التي فتح الله لهم بها العالم حتى أضحى المطالب بتطبيقها متطرفاً منبوذاً، وهذا في حد ذاته اختبار جديد للأتباع الجدد لمحمد صلى الله عليه وسلم في غربة الإسلام الثانية.
انتهت تلك السلسلة سائلاً ربي سبحانه أن ينفع بها وأن يتقبلها وأن يجعلها خالصةً لوجهه الكريم.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف:
- المصدر: