المفتون والطغاة وهروب طاغية تونس

منذ 2011-01-15

الله أكبر، فر طاغية تونس هارباً بطائرته في يوم الجمعة المبارك، 14 يناير 2011 م الموافق 10 صفر 1432 هـ بعد 23 عام من حكم تونس بالحديد والنار...


الله أكبر، فر طاغية تونس هارباً بطائرته في يوم الجمعة المبارك، 14 يناير 2011 م الموافق 10 صفر 1432 هـ بعد 23 عام من حكم تونس بالحديد والنار...


وقد شهد ت تونس في الأسابيع الأخيرة ثورة من الشعب التونسي ضد الظلم والاستبداد والفساد، حيث خرج الشعب التونسي على حكومته يصرخ مطالباً بالعدل والحرية، فقابلته الشرطة التونسية بطلقات الرصاص فقتل حتى الآن حوالي 100 تونسي ..
 

وقد اندلعت ثورة الشعب التونسي عندما اضطهدت البلدية التونسية شاباً ومنعته من العمل، فأغلقت الدنيا في وجهه، ومع الفقر والظلم والاستبداد الذي ليس له نظير وسوس الشيطان للشاب محمد بوعزيزي فأحرق نفسه قهراً وياساً وهو عمل مرفوض شرعا من المسلم ولكن بلاشك الظروف المحيطة بالناس في تونس صعبة وتجعل الحليم حيران فقد أغلقت الحكومة كل منافذ الدعوة الإسلامية التي تساعد الناس بالإيمان على الصمود أمام الفتن والظلم فضعف إيمان الناس ...
والمسلم في تونس بين مستخفِ بدينه أو هارب بدينه في أوروبا ..

وقد سيطر على الحكم والثروة في تونس عصابة الرئيس، فحكموا البلاد بالحديد والنار وقهروا الشعب واضطهدوا كل ماهو إسلامي، وكان أشد مما لفت نظري أنه في وسط غليان الشعب التونسي وثورته الهائلة على الظلم والاستبداد وسقوط القتلى يومياً برصاص الظلم، خرج مفتي تونس عثمان بطيخ بفتوى أنه لايجوز الصلاة على المنتحر !!!!!


لقد ترك المفتي الظلم والكفر والقهر والفساد والدماء التي تسيل كالأنهار في شوارع تونس، ولم يلتفت إلا إلى حكم الصلاة على المنتحر !!!! والمسألة خلافية بين العلماء والراجح الصلاة عليه طالما أنه غيرثابت أنه مستحل الانتحار، فعن جابر بن سمرة قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم برجل قتل نفسه بمشاقص (سهم حديد ) فلم يصلّ عليه -رواه مسلم- وقال النووي في شرح مسلم (وهذا الحديث مذهب من لايصلي على قاتل نفسه لعصيانه وهو مذهب عمر بن عبد العزيز والأوزاعي، لكن جماهير العلماء قالوا يصلى عليه، وبه قال الحسن والنخعي ومالك وأبو حنيفة والشافعي، وأجابوا عن هذا الحديث أن النبي لم يصلي عليه زجرا للناس عن فعله وقد صلى عليه الصحابة).


الشاهد أن المفتي لا بد أن يكون حكيماً ويراعي أحوال الناس ولا يفتن الناس في المسائل الخلافية برأيه، لكن مفتي تونس أعرض عن كل ما يمليه العلم والحكمة، وسارع لتسليط الضوء فقط على الصلاة على المنتحر، وتعامى عن الظلم والفساد والنفاق والاستبداد والدماء المسلمة التي تسيل في الشوارع، وهي أشد حرمة عند الله من البيت الحرام، فقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم النحر أعظم أيام المسلمين (فإن دمائكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمةيومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا)، ورغم ذلك يتعامى كثير من المفتين في بلاد المسلمين عن سلب الأموال وانتهاك الأعراض وسفك الدماء ولا يلتفتون إلا مايريده المستبد من تجميل لفساده وظلمه وتحميل دين الله العظيم ما لا لم يأمر به من تأويل لكل ظلم ..

نعم فقد قال الصحابى الجليل ربعي بن عامر لأكبر وأقوى طاغية في زمانه أن الإسلام العظيم جاء لتحرير الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد..
ولكن مع احترامى للأشخاص فمنصب المفتي تم تقنيينه لخدمة المستبدين ولتعبيد الناس للمستبدين تحت غطاء الدين والدين منهم براء، وما يحدث من مفتي تونس ليس ببعيد عن مصر والدول العربية، ففضيلة المفتي وغيره من علماء المؤسسة الدينية الرسمية لا تسمع لهم صوتاً ضد الفساد والاستبداد والظلم وتزوير إرادة الشعب..


وإني أتسائل أين هم من مقتل سيد بلال؟
وإن قلنا أن مقتل سيد بلال ممكن أن تطير كراسيهم فيه فأين هم من مواساة أهالي قرية بني صريد بالشرقية الذين قتل عشرات من أطفالهم في حادث مروري فظيع وهم في طريقهم لعملهم من أجل سبعة جنيهات يعودون بها إلى أهاليهم يشترون بها الخبز الذي سرقه مليارديرات الحديد والمنتجعات!!!
والحقيقة أنه ليس حادث مروري فقط، إنما هو عنوان للفساد والإهمال والاستخفاف بأرواح الناس ..

فأين علماء الأزهر من مواساة هؤلاء المسلمين؟ والكثير من المصائب التي تعصف بالمصريين ولا تكاد تجد للمفتي ونظراؤه صوت إلا إذا أذنت السلطة لهم، مع أن الأصل أنه لا سلطان عليهم إلا لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم..


وعندما أتوقف مع ثورة تونس، أجد أن الشعب التونسي لم يلتفت لفتوى المفتي وصلى على بوعزيزي وخرج إلى الشوارع هاتفاً صارخاً يسقط الظلم واستمر في ثورته رغم القتل والاعتقال والظلم طوال أسابيع حتى تحقق أول بوادر النصر بهروب طاغية تونس، وأصبحت تونس محط أنظار العالم والمتطلعين للعدل من المسلمين..
وكل الشعوب العربية والمسلمة ترفض الظلم والحكم الظالم و سقط من أعينها كثير من علماء ومفتين السلطة الظالمة التي سلبتهم كل حقوقهم في العدالة والحرية وفي نعمة شرع الله العظيم وسيخرجون يوماً ليس ببعيد صارخين يسقط الظلم
ولن تصمد فتاوى المفتين أمام جروح وأنين وصرخات المظلومين (وإني أتسائل الآن ماذا يقول الشيخ سلمان العودة الذي كتب منذ فترة مادحاً الحكم في تونس ومعترضاً على كل من انتقد الظلم في تونس !!!!).


لقد تراجع الرئيس التونسي أمام شعبه في موقف مذل ومخزي، وأعلن عن فتحه نوافذ الحرية وتحقيق العدل وعزله للبطانة الفاسدة التي ضللته، ولكن تراجعه لم يفلح في تضليل ثورة الشعب التونسي فاستمر في ثورته حتى هرب طاغية تونس تاركاً شعبه في ثورته ..
فمتى يتراجع المستبدين في عالمنا العربي والإسلامي قبل فوات الأوان؟
ومتى يفيق المفتون إلى أنهم علماء الإسلام وليسوا علماء السلطان ؟
وأنهم عباد لله وليسوا عباداً للإستبداد


ممدوح إسماعيل - محام وكاتب
عضو مجلس النقابة العامة للمحامين
[email protected]

 
المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 1
  • 1
  • 26,027
  • nada

      منذ
    اتقوا الله جميعا في أمة نبيه صلى الله عليه و سلم

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً