"إِلا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ"
أبو الهيثم محمد درويش
دعوة الحق المطلق لا يملكها إلا الله وهي دعوة التوحيد الخالص لله دون شريك، وحده من يملك إجابة الدعاء ووحده من يمتلك القدرة المطلقة على فعل كل شيء.
- التصنيفات: ترجمة معاني القرآن الكريم -
دعوة الحق المطلق لا يملكها إلا الله وهي دعوة التوحيد الخالص لله دون شريك، وحده من يملك إجابة الدعاء ووحده من يمتلك القدرة المطلقة على فعل كل شيء.
أما ما دونه من أوثان أو طواغيت أو التعلق بمناهج أرضية دون رسالة السماء أو حتى الملائكة أو الرسل ما هم إلا مخلوقات ضعيفة لا تملك لأنفسها الضر أو النفع فضلاً عن نفع غيرها أو ضره.
مثل المتعلق بهؤلاء كمثل من يتوق إلى قطرة ماء ويراه بعيداً ويظن أنه بمجرد مد يده للماء البعيد سيرتوي ظمأه وهو لا يدري أنه أخطأ الطلب وأنه أبعد ما يكون عن الماء الحقيقي الذي يروي الظمأ وأن ما يظنه سيرويه إنما هو مجرد خداع بصري أو مجرد سراب.
{لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ} [الرعد: 14].
أي: لله وحده {دَعْوَةُ الْحَقِّ} وهي: عبادته وحده لا شريك له، وإخلاص دعاء العبادة ودعاء المسألة له تعالى، أي: هو الذي ينبغي أن يصرف له الدعاء، والخوف، والرجاء، والحب، والرغبة، والرهبة، والإنابة؛ لأن ألوهيته هي الحق، وألوهية غيره باطلة {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ} من الأوثان والأنداد التي جعلوها شركاء لله.
{لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ} أي: لمن يدعوها ويعبدها بشيء قليل ولا كثير لا من أمور الدنيا ولا من أمور الآخرة {إِلا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ} الذي لا تناله كفاه لبعده، {لِيَبْلُغَ} ببسط كفيه إلى الماء {فَاهُ} فإنه عطشان ومن شدة عطشه يتناول بيده، ويبسطها إلى الماء الممتنع وصولها إليه، فلا يصل إليه.
كذلك الكفار الذين يدعون معه آلهة لا يستجيبون لهم بشيء ولا ينفعونهم في أشد الأوقات إليهم حاجة لأنهم فقراء كما أن من دعوهم فقراء، لا يملكون مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير.
{وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ} لبطلان ما يدعون من دون الله، فبطلت عباداتهم ودعاؤهم؛ لأن الوسيلة تبطل ببطلان غايتها، ولما كان الله تعالى هو الملك الحق المبين، كانت عبادته حقًّا متصلة النفع لصاحبها في الدنيا والآخرة.
وتشبيه دعاء الكافرين لغير الله بالذي يبسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه من أحسن الأمثلة؛ فإن ذلك تشبيه بأمر محال، فكما أن هذا محال، فالمشبه به محال، والتعليق على المحال من أبلغ ما يكون في نفي الشيء كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ} [الأعراف: 40]
#مع_القرآن