المثقفون (!!) .. وحادث الاسكندرية

منذ 2011-01-17

هل تريد أن تكون مثقفاً بمعايير هذا الزمان؟؟ .. هل تريد أن تكون من "النخبة" بمعايير الإعلام المصري؟؟ .. هل تريد أن تكون تنويرياً؟؟ .. هل تريد أن تكون نجماً في سماء مصر والعالم كله، تحل ضيفاً على كل الفضائيات، وتسجل كلماتك كمانشيتات للصحف ؟


هل تريد أن تكون مثقفاً بمعايير هذا الزمان؟؟ .. هل تريد أن تكون من "النخبة" بمعايير الإعلام المصري؟؟ .. هل تريد أن تكون تنويرياً؟؟ .. هل تريد أن تكون نجماً في سماء مصر والعالم كله، تحل ضيفاً على كل الفضائيات، وتسجل كلماتك كمانشيتات للصحف وكأنها حكم ومأثورات؟! وأيضاً "تهبر"حزماً من البنكنوت؟؟ .. هل تريد واحداً أو بعضاً أو كل هذه الأمور؟؟ .. تعالَ لأدلك على السبيل.

أولاً: تقوم بارتداء ملابس بالية، وتترك شعر رأسك منكوشاً، ولا تهتم بنظافة جسدك أو ملابسك، فتلك شكليات لا تغني ولا تسمن، لأن المهم هو الجوهر، والجوهر المطلوب هنا -حتى تكون مثقفاً- أن تخرج الدين تماماً من كل مفردات حياتك، فهذه نصوص نزلت من السماء السابعة على الرسل من قديم وأصبحت لا تصلح لزمننا هذا، ثم تتشرب نظريات ماركس، ومبادئ لينين، وآراء تروتسكى، وتحفظ أشعار بيرون الماجنة، وتعتنق فكر نيتشه، وتسبح بحمد الغرب.

ولكي تأخذ رخصة المثقفين، فعليك بالتواجد 7 مرات كل أسبوع في أحد الأماكن التي توجد في عدد من المناطق الموبوءة والمعروفة في منطقة وسط القاهرة، ومتقاربة جداً لبعضها.

وسيكون مطلوباً منك بعد ذلك نمطاً معيناً من الحياة، وإلا لن تكون مثقفاً، وهو أن تعيش عيشة من يسمون بـ "البوهيميون"، وتقريباً هي مفردة مشتقة من"البهيمية" نسبة إلى البهائم، وإن كنت لا تعرف جيداً صفات هذه "النخبة"، فهم صنف من المخلوقات معدومي الحياء، متبلدي الإحساس، الخمور ماؤهم، والحشيش أنيسهم، والعاهرات قبلتهم، تجدهم سكارى ومغيبين، يطربون لدقات الصاجات، ويرتجفون من صوت الآذان، يسجدون على أحذية المومسات ليقبلوها، وحياتهم مختزلة في كأس خمر، وسيجارة ماريجوانا، وجسد مومس قبيحة، ثم يرددون الهتافات، ويرفعون الشعارات، وفى آخر اليوم يتبادلون زوجاتهم، فهم أحرار، لا يعترفون بأية ضوابط حتى ولو كانت سماوية، فماركس ربهم ولينين نبيهم، والعهر صفتهم!!


ما إن وقع حادث الإسكندرية، حتى هلَ علينا هؤلاء، من كل الشاشات، وعلى صفحات كل الصحف باختلاف توجهاتها وألوانها، وعبر المواقع العديدة بشبكة الانترنت، ليلقوا بروثهم على واجهة المشهد المأساوي، ليزداد قبحاً على قبح، وتطمس الحقائق، وتتخذ القضية مساراً بعيداً كل البعد عن الحقيقة، مساراً يتجه بنا نحو التهلكة.

في كل المشاكل التي تحيق بمصر، يستضيف الإعلام هؤلاء، ومعهم الفنانون من راقصات ومطربات ليدلوا بدلوهم في أخطر القضايا الاجتماعية والسياسية أيضاً، ولا أعرف كيف يكون هؤلاء هم المرجعية بالنسبة لشعب عريق كشعب مصر، فهم معدومو الفكر والثقافة، كل حياتهم في اللهو والمجون، وأذكر أنني شاهدت برنامجاً كان يناقش قضية الزواج العرفي، اختار لمناقشة الظاهرة اثنتين من الفنانات، وكاتباً من النخبة التي أشرنا إليها سابقاً، وكذا قضية تولي المرأة القضاء، كان يناقشها الفنانون، ولم أر رجل قضاء أو قانون! -ولا أقول عالم دين حتى لا يرميني أحد بالتخلف- يناقش القضية، بل الفنانات بما لديهن من علم زاخر في الفقه والقانون، كانوا هم الذين يناقشون القضية وسط جو من الضحكات والقفشات والحركات الساقطة!!

خرج أفراد"النخبة" من حظائرهم بعد حادث الإسكندرية، كانوا ينبحون وينهقون بصوت عال، وليس على لسان أحد منهم غير مقولة واحدة، وهى أن: "الأقباط مضطهدون"، ويرددون ما يردده متطرفوهم داخل وخارج الوطن مصر، فكأنهم يرمون "نقوطاً" كالتي يرميها السكارى تحت أقدام الساقطات في الخمارات والملاهي لينالوا رضاها! وكان المشهد بحق أشبه بعرس دامٍ، الكل يتسابق فيه بإلقاء مزيد من النقوط للنيل من الرموز الدينية الإسلامية، وهي قامات وهامات عالية، ويخصون بالذكر الدكتور: محمد عمارة، والدكتور: سليم العوا، والدكتور: زغلول النجار.


طالب هؤلاء بأمور عجيبة، منها أن يتغير علم مصر ليكون عليه الهلال والصليب!! رغم أن دول أوربا التي يسكنها الأغلبية المسيحية لا يوجد على علم أي منها الصليب، ورغم أن ذلك يتناقض مع مطالبهم بالدولة المدنية، لكنها نوع من المزايدات الرخيصة، التي سوف تعجل بدمار هذا الوطن، لأن هؤلاء لو كان لديهم ذرة إحساس بالمسئولية، لكانوا وضعوا في حسبانهم غضبة الأغلبية المسلمة، وهى الغضبة التي لا يضعها أي مسئول في هذه البلد في حساباته، وهي الحدث الذي ندعوا الله ليل نهار ألا يحدث، لكن الشرذمة التي تحكم البلد بتصرفاتها الحمقاء تعجل بذلك، حيث بدأ الكل يستشعر مهانة التمييز في المعاملة، فما معنى أن يتم تأجيل امتحان كلية من يوم السبت الذي وافق ثاني يوم لعيد الميلاد عند المسيحيين إلى يوم جمعة، بل ووقت صلاة الجمعة ؟! وما معنى أن يتم القبض على المتظاهرين من المسلمين الذين خرجوا بنية حسنة للوقوف مع إخوانهم الأقباط في التنديد بالحادث، ويترك كل من يثبت أنه مسيحي، ثم يتم إحالتهم لمحاكمة عاجلة بقائمة من التهم العجيبة، في الوقت الذي لم يتم إحالة بلطجي حادث العمرانية للمحاكمة، رغم أن ما فعله بلطجية العمرانية كان يتوافر فيه القصد الجنائي، واقترف هؤلاء جرائم إرهابية بشعة، أخطرها التجرؤ على رجال السلطة الرسميين، وإتلاف ممتلكات عامة وخاصة، أي سلطة تلك التي تدير الأمور بهذا المنطق المخزي والعجيب؟! لدرجة أن البعض من الشباب المسلم الذين تم القبض عليهم كان يقول: "أنا مسيحي" لكي ينجو من بطش الشرطة، والبعض وقتها قال: يبقى أحسن لو حذفوا خانة الديانة من البطاقة! لكي يتم معاملتهم بالأسلوب الذي يعامل به المسيحيون، إنه منتهى الغباء وقمة الحماقة، وتداعيات ذلك خطيرة لأبعد الحدود.

وواصل رجال النخبة افتراءاتهم الغبية، فأحد الكتاب -من ذوى الميول الإلحادية- بجريدة الوفد يقول: ليس هناك عميد كلية واحد من المسيحيين، وليس هناك سوى محافظ واحد من المسيحيين، ... وهكذا، والرد على هذا الشخص الذي ناشد وزير الطيران المدني منذ وقت قريب أن يمنع إذاعة آيات قرآنية داخل طائرات مصر للطيران، الرد عليه في هذه الجزئية: أن عميد كلية الحقوق جامعة المنصورة التي تخرجت أنا فيها قبل ربع قرن كان الدكتور: "ثروت حبيب" أستاذ القانون التجاري، وهو مسيحي، وكان معي في هذه الدفعة السيد المعارض الليبرالي: "أيمن نور"، وكان من أساتذتنا وقتها الدكتور: عبد العظيم وزير محافظ القاهرة الحالي، والدكتور: أحمد جمال الدين موسى وزير التربية والتعليم الأسبق، الذي تمت إقالته لأنه يمت بصلة قربى للقيادي الإخواني الدكتور جمال حشمت!!


ماذا تريد هذه النخبة الملعونة لبلدنا، إلا أنها تسكب الزيت على النيران، وتنبش تحت التراب لإثارة ما انطفأ منها واندثر، وماذا يعرف هؤلاء عن الخط الهمايوني الذين لا يكلوا عن مهاجمته، لو يعرفون حقيقته لوضعوا نعالاً على أفواههم ويغلقوها كي يحولوا دون خروج هذا الروث منها، ويرحموا الجميع من جهلهم، لأن الخط الهمايوني الذي صدر في عهد السلطان العثماني رقم 31 عبد المجيد الأول (1839 ـ 1861م)، في الثامن عشر من فبراير عام 1856، حقق للمسيحيين في كافة الولايات العثمانية -وبالذات مصر- ما لم يكونوا يحلمون به، وأقتبس من هذا الفرمان تلك العبارة: "ينبغي أن تؤخذ التدابير اللازمة القوية لأجل تأمين من كانوا أهل مذهب واحد مهما بلغ عددهم، ليجروا مذهبهم بحرية ثم تمحى وتزال من المحررات الديوانية جميع الألفاظ والتعبيرات التي تتضمن تدنى صنف آخر من صنوف تبعة سلطتي السنية بسبب المذاهب أو اللسان أو الجنسية، ولا يمنع أحد من تبعتي الشاهانية عن إجراء فرائض ديانته"، وهذا الفرمان هو نفسه الذي نص على تشكيل مجلس لكل كنيسة لإدارة شئونها الدينية الخاصة، والمعروف باسم المجلس المحلى، وفى مصر بصفة خاصة كان هناك إلحاحاً شديداً من قبل مسيحييها الأرثوذكس لصدور قرار يوقف إنشاء الكناس، لأنه في هذا الزمن كان الأجانب متواجدين بكثرة، وأغلبهم كاثوليك وبروتستانت، وكانوا في طريقهم لتحويل المذهب الأرثوذكسي في مصر إلى كاثوليكي، فأكثروا من بناء كنائسهم بشكل عشوائي، فكان أن تدخل الباب العالي العثماني لإنصافهم بهذا الفرمان الذي جعل بناء كنائسهم ومقابرهم بأمر شخصي منه! أما الذي لا يعرفه أفراد النخبة من الجهلة والأغبياء هو أن تاريخ صدور هذا الفرمان اتخذه المسيحيون عيداً لهم في أغلب البلاد التي كانت تابعة للدولة العثمانية!!


المثقفون الذين يتسابقون الآن في المطالبة بأمور ما أنزل الله بها سبيلاً، لإرضاء قادة التطرف المسيحي، دخلوا مرحلة فقدان الوعي عما يقولون، فتلك كاتبة كانت رئيس تحرير مجلة نسائية فاشلة تقف أمام التليفزيون وتقول بصوت عالٍ: "أنا أحذر .. صبر الأقباط لن يطول"، ويا لهول ما قالت، فلم يجرؤ أحد من المسيحيين على قول هذا أو حتى أقل من هذا، ولو كنا في دولة يحكمها وطنيون مخلصون، لكانت هذه المرأة قيد المحاكمة الآن بتهمة التحريض على ثورة طائفية، وتعريض الوطن لمخاطر حرب أهلية، وتلك مذيعة تطالب مجلس الوزراء بأن يعلن الحداد الرسمي في مصر لمدة ثلاثة أيام، وقالت: لو لم تعلن الدولة الحداد الرسمي سنعلنه نحن، واتشحت هي وكثيرون مثلها بلباس أسود، وذهبت لحضور احتفالات عيد الميلاد بالملابس السوداء! وكانت المفارقة أن أحداً من المسيحيين لم يظهر بملابس سوداء، فهذا عيد تلبس فيه الملابس المفرحة، وجلس الرجل المشخصاتي الذي نسيت اسمه الآن، بجوار الوزير بطرس غالى، كان هو يرتدى ملابسَ سوداء، أما الدكتور بطرس فكان يرتدي بدلة زرقاء وكرافتة حمراء، وكان يتكلم بشكل أكثر منه عقلانية، لكنهم كما قلت دخلوا سباقاً أوليمبياً من نوع جديد، أو إن شئت فقل سباقاً طائفياً، وراح كل منهم يعلن بمطالبات أشد وطأة من الآخر، فباتت الأجواء في مصر وكأن السماء تمطر بنزيناً.


كلها محاولات ابتذال رخيصة، لكن المصيبة أن الظرف لا يسمح بمثل هذه التسالي، فأين كانت هذه الأصوات يوم قتل أكثر من 1000 مواطن غرقاً في مياه البحر؟! وعندما لقي 80 شخصاً مصرعهم حرقاً في قطار الصعيد؟! لماذا لم يرتدِ هؤلاء الملابس السوداء؟! ولماذا لم يرفعوا الأعلام السوداء على منازلهم كما يطالب بعضهم؟!

لو كان لدى الشرذمة التي تحكم هذا البلد بقايا عقل، أو بقايا حس وطني، لصدرت قرارات استثنائية بمقتضى حالة الطوارئ -التي نعيشها منذ أن كان كيلو اللحم بجنيه واحد ثم أصبح بسبعين- بمنع إثارة القضية بأي شكل، وترك الأمر في يد النيابة العامة، وما يصدر عن مكتب النائب العام من بيانات رسمية، لأن هؤلاء يزيدون النار اشتعالاً، ويزرعون بذور فتنة بين أبناء الوطن الواحد.


هناك حقائق كثيرة داخل هذا الملف الذي بات ملغماً يجب كشف النقاب عنها، حتى يقف السفهاء والرويبضة عند حدودهم التي تسمح بها خلفياتهم، ففي بداية هذا القرن كان المثقفون بحق؛ من أمثال: أحمد شوقي، وحافظ إبراهيم، والعقاد، والمازني، ومصطفى الرافعي، وعبد الرحمن الرافعي، وأحمد شاكر، ومحمود شاكر، ومحمد فؤاد عبد الباقى، وعبد العزيز جاويش، وغيرهم مما لا يتسع المقام لذكرهم، كانوا مثقفين بحق، مرجعيتهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أولاً وخلفية معرفية موسوعية، رغم ظروف الاحتلال الأجنبي، لكن خرج المحتل وترك لنا كلابه الذين تربوا على أفكار كرومر، وزويمر ومن هم على شاكلتهم، فكنا نقرأ:
 

إذا الإيمان ضاع فلا أماناً *** ولا دنيا لمن لم يحيي ديناً
ومن رضي الحياة بغير دينٍ *** فقد جعل الفناء لها سبيلاً


أما الآن فنقرأ عن شرفة ليلى مراد، ونستمع لأغاني تأتى صباح مساء على القنوات الفضائية كإعلان لفيلم إباحي ! وهى نتاج عقول مثقفي هذا الزمان، وإفرازات زمن انقلبت فيه الموازين.


وأتذكر هنا ما حدث في بدايات صيف عام 2000، حينما صدر عن وزارة الثقافة الرواية المنحطة التي كان اسمها: "وليمة لأعشاب البحر"، وتصدى لها المفكر النابغة الدكتور: محمد عباس، بمقالين (فقط) بجريدة الشعب، كانت الرواية فيها تهكم على الذات الإلهية، وفيها تجديف في كتاب الله! ومع ذلك أطلقت الدولة كلابها الذين يقال لهم: "المثقفون" أو"النخبة"، لمهاجمة الكاتب العبقري الدكتور: محمد عباس، وانتهت القضية بتجميد حزب العمل الذي تصدر عنه جريدة الشعب، وبالتالي إغلاق الجريدة التي كانت الصوت الأوحد للكتاب والمفكرين ذوى المرجعية الإسلامية، فكانت جريمة عصر تلك التي أقدمت عليها الدولة بإغلاق صحيفة، ورقص هؤلاء المثقفون على جثتها، ولم ينددوا بقصف الأقلام، ولا إغلاق المنابر الحرة، كما هو عهدهم حين تم تغيير رئيس تحرير جريدة الدستور، أو كما تم وقف بث قناة أوربت، رغم أنه تم إغلاق عشرة قنوات إسلامية، ولم يتكلم أحد من هؤلاء الكلاب المسعورين، والحق أنه أشرف لجريدة الشعب أو للقنوات الإسلامية التي أغلقت، أشرف لهم أن يحتجبوا من أن يتصدى للدفاع عنهم محامو الشيطان، وخدام الطاغوت.

مازال الحديث له شجون كثيرة ..

وبيننا لقاءات تالية لسبر أغوار هذا الملف، إذا كتب الله لنا بقية من عمر.
 

المصدر: صلاح الإمام - موقع المسلم
  • 0
  • 0
  • 20,839

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً