"الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ الله"
أبو الهيثم محمد درويش
الثلة المؤمنة الصادقة لا تحتاج لكل هذه المماحكات فقلوبها تتشرب الحق وتطمئن له وتركن إلى منهج الله وآياته وتتبنى هذا المنهج وتبتهج بتلك الآيات دون مماطلةٍ أو مماحكة وإنما هم مسارعون دائماً إلى الخيرات.
- التصنيفات: ترجمة معاني القرآن الكريم -
مهما فعل الرسل وأتباعهم ومهما طلبوا من الله إجابة المعرضين في إنزال وتحقيق ما يريدون من المعجزات فلن يوفوا بوعودهم ولن يذعنوا ويسلموا تسليمًا مطلقاً لمنهج الله رب العالمين.
بل مهما قدم الدعاة من تنازلاتٍ لترقيق قلوب هؤلاء أو تليين عقولهم ما استجابوا، لأنهم بطلبهم للمعجزات أو انتظارهم للتنازلات إنما هم فقط يماطلون حتى ينشغل عنهم أهل الحق ولو لوقتٍ يسير.
بينما الثلة المؤمنة الصادقة لا تحتاج لكل هذه المماحكات فقلوبها تتشرب الحق وتطمئن له وتركن إلى منهج الله وآياته وتتبنى هذا المنهج وتبتهج بتلك الآيات دون مماطلةٍ أو مماحكة وإنما هم مسارعون دائماً إلى الخيرات.
{وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [ الرعد: 27-28].
قال السعدي في تفسيره: يخبر تعالى أن الذين كفروا بآيات الله يتعنتون على رسول الله، ويقترحون ويقولون: {لَوْلا أُنزلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ} وبزعمهم أنها لو جاءت لآمنوا فأجابهم الله بقوله: {قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ} أي: طلب رضوانه، فليست الهداية والضلال بأيديهم حتى يجعلوا ذلك متوقفًا على الآيات، ومع ذلك فهم كاذبون، {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَّا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّـهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} [الأنعام: 111] .
ولا يلزم أن يأتي الرسول بالآية التي يعينونها ويقترحونها، بل إذا جاءهم بآية تبين ما جاء به من الحق، كفى ذلك وحصل المقصود، وكان أنفع لهم من طلبهم الآيات التي يعينونها، فإنها لو جاءتهم طبق ما اقترحوا فلم يؤمنوا بها لعاجلهم العذاب.
ثم ذكر تعالى علامة المؤمنين فقال: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ} أي: يزول قلقها واضطرابها، وتحضرها أفراحها ولذاتها.
{أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} أي: حقيق بها وحريٌّ أن لا تطمئن لشيء سوى ذكره، فإنه لا شيء ألذ للقلوب ولا أشهى ولا أحلى من محبة خالقها، والأنس به ومعرفته، وعلى قدر معرفتها بالله ومحبتها له، يكون ذكرها له، هذا على القول بأن ذكر الله، ذكر العبد لربه، من تسبيح وتهليل وتكبير وغير ذلك.
وقيل: إن المراد بذكر الله كتابه الذي أنزله ذكرى للمؤمنين، فعلى هذا معنى طمأنينة القلوب بذكر الله: أنها حين تعرف معاني القرآن وأحكامه تطمئن لها، فإنها تدل على الحق المبين المؤيد بالأدلة والبراهين، وبذلك تطمئن القلوب، فإنها لا تطمئن القلوب إلا باليقين والعلم، وذلك في كتاب الله، مضمون على أتم الوجوه وأكملها، وأما ما سواه من الكتب التي لا ترجع إليه فلا تطمئن بها، بل لا تزال قلقة من تعارض الأدلة وتضاد الأحكام.
{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّـهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء جزء من الآية: 82]، وهذا إنما يعرفه من خبر كتاب الله وتدبره، وتدبر غيره من أنواع العلوم، فإنه يجد بينها وبينه فرقًا عظيمًا.
#مع_القرآن