من أقوال الحسن البصري عند تلاوة القرآن
من أقوال الحسن البصري عند تلاوة القرآن
- التصنيفات: القرآن وعلومه - التفسير - أعمال القلوب -
كان الحسن يقول: روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: أيها الناس، اقرؤوا القرآن، وابتغوا ما عند الله عز وجل بقراءته، مِن قبل أن يقرأَه قوم يبتغون به ما عند الناس.
وكان يقول: إن الرجل إذا طلب القرآن والعلمَ لله عز وجل، لم يَلْبَث أن يُرَى ذلك في خشوعه، وزهده، وحلمه، وتواضعه.
وكان يقول: رحم الله امرَأً خلا بكتاب الله عز وجل، وعرض عليه نفسه، فإن وافقه، حَمِد ربه، وسأله المزيد من فضله، وإن خالفه، تاب وأناب ورجع من قريب.
وكان يقول: أيها الناس، إن هذا القرآن شفاء المؤمنين، وإمام المتقين، فمن اهتدى به هدي، ومن صُرِف عنه شقي وابتُلِي.
وكان يقول: إن من شر الناس أقوامًا قرؤوا القرآن لا يعملون بسنته، ولا يتبعون لطريقته {أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة من الآية:159].
لقد كان من تقدم يقرأ القرآن، ويقوم بالسورة منه طولَ ليلته، فإذا أصبح عُرِف ذلك في وجهه، وإن أحدكم يقرأ القرآن لا يتجاوز لَهَواته، والله سبحانه يقول: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص من الآية:29].
أمَا -والله- ما هو حفظُ حروفه وإضاعةُ حدوده، وإن أحدكم يقول: قرأت القرآنَ ما أسقطْتُ منه حرفًا، كذَبَ -لعَمْرُ الله- لقد أسقط كله! والله والله ما هؤلاء القراء ولا العلماء ولا الحكماء! ومتى كانت القراء تقول مثل هذا؟! إن الله سبحانه وتعالى يقول: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل:5]؛ يريد -جل ثناؤه- العملَ به، وقال عز وجل: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة:18]؛ أي: حلِّلْ حلاله، وحرِّم حرامَه، ولقد توفِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما استكمَلَ حفْظَ القرآن من أصحابه -رضوان الله تعالى عليهم- إلا النفرُ القليل؛ استعظامًا له، ومتابعة أنفسهم بحفظ تأويله، والعمل بمحكمه ومتشابهه.
وكان الحسن يقول: قرَّاء القرآن ثلاثة نفر: قوم اتخذوه بضاعةً؛ يطلبون به ما عند الناس، وقوم أجادوا حروفه، وضيعوا حدوده؛ استدَرُّوا به أموال الولاة، واستطالوا به على الناس، وقد كثر هذا الجنس من حملة القرآن، فلا كثَّرَ الله جمعَهم، ولا أبعد غيرهم، وقوم قرؤوا القرآن، فتدبروا آياته، وتداوَوْا بدوائه، واستشفوا بشفائه، ووضعوه على الداء من قلوبهم، فهم الذين يُستسقَى بهم الغيث، وتُسدَى من أجلهم النعم، وتُستدفَع بدعائهم النقم، أولئك حزب الله، ألاَ إن حزب الله هم الغالبون.
ولقد روي: أن وفدًا من أهل اليمن قَدِموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرأ عليهم القرآن، فبكَوْا، فقال أبو بكر: هكذا كنا حتى قسَتْ قلوبُنا.
وكان يقول: أيها الناس، عليكم بالنظر في المصاحف، وقراءة القرآن فيها؛ فقد روي أن عثمان رضي الله عنه كان يقول: إني لأكره أن يمضي عليَّ يوم لا أنظر فيه إلى عهد الله سبحانه، يعني: المصحفَ، فقيل له في ذلك، فقال: إنه مبارك، وكان يقرأ القرآن في المصحف تبرُّكًا به.
وكان لا يزال يُرَى المصحف في حَجْره، وكان من أحفظ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لكتاب الله عز وجل.
وقيل: قُدِّم للحسن -رحمه الله- عشاؤُه، فلما بدأ يأكل منه، سمع قارئًا يتلو: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا وَجَحِيمًا . وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا} [المزمل:12-13] فقال: يا جارية، ارفعي عشاءك، وما زال يردد الآية ويبكي بقيَّة ليلته.
وقيل: بل بقي كذلك ثلاثًا حتى أحضَرَ ولده قومًا من أصحابه، وأحضروا طعامًا، فواكلهم، وقرأ: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [البقرة:281]، ثم قال: أوَّاه! أي موعظة وعظ الله سبحانه عباده لو كانوا قابلين؟! وقرأ: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} [البقرة:266].
ثم قال الحسن: هذا مثلٌ ضربه الله لعباده، انتفع به وأبصره من أراده برشاده؛ يقول الله سبحانه: مثل الرجل إذا كبِرت سنُّه، ورقَّ عظمُه، وكثُر عياله، واحتاج لزرعه، فأحرقته النار أحوجَ ما كان إليه، كمَثَل ابن آدم يقوم يوم القيامة، وهو عُريان ظمآن فقير إلى ما قدم من عمل صالح، توهَّم أنه له، فوجده قد أذهبَتْه التَّبِعات، وأسقطَتْه الخطايا أحوجَ ما كان إليه، وأعظم ما كان رجاءً أن يعود نفعه عليه.
وقرأ: {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات:17]، فقال: كانوا يُديمون صلاتهم إلى السَّحَر، ثم يجلسون يستغفرون.
وسُئِل عن ناشئة الليل، فقال: هي من أوله إلى الفجر.
وقرأ يومًا: {وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [الفرقان:63]، ثم قال: هم المسلمون الذين لا يجهلون، وإنْ جُهل عليهم حلموا، ولم يعجلوا.
وقرأ: {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ۖ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا . اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء:13-14]، ثم قال: ابن آدم، لقد عدَل فيك من جعلك حسيبَ نفسك.
وقرأ: {إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا} [مريم من الآية:84]، ثم قال: آخِر العدد خروجُ النفس، آخر العدد فراقُ الأحبة والولد، آخر العدد دخولُ القبر، فالمبادرة عبادَ الله إلى الأعمال الصالحة، ثم يقول: عبادَ الله، إنما هي الأنفاس، لو قد حبست لانقطعت الأعمال التي بها تتقربون! والحسنات التي عليها تتوكلون! فرحم الله امرأً حاسب نفسه، وخاف ربه، واتقى ذنبه.
وقرأ: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} [النساء من الآية:56]، فاضطربت ركبتاه، وجرَتْ دموعه، ثم قال: روي أن النار تأكل لحومهم كلَّ يوم سبعين مرة، ثم يقال لهم: عُودُوا، فيعودون، اللهم إنا نعوذ بك من النار، ومن عمل نستوجِبُ به النار.
وقرأ: {سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد:24]، ثم قال: صبروا عن فضول الدنيا، وزهدوا في الفاني، فنالوا الآخرة، وحسُنت لهم العاقبة.
وقرأ: {وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا} [الكهف من الآية:82]، فقال: روي عن ابن عباس: أنه كان يقول: كان الكنز لوحًا من ذهب، ولبنةً من ذهب، فيهما مكتوب: بسم الله الرحمن الرحيم، عجبًا لمن يعرف الموت كيف يفرح؟! ولمن يعرف النار كيف يضحك؟! ولمن يعرف الدنيا وتقلُّبَها بأهلها كيف يطمئن ويسكن؟! ولمن يؤمن بالقضاء والقدر كيف يتعب في طلب الرزق وينصب؟! ولمن يؤمن بالنار كيف يعمل الخطايا؟! لا إله إلا الله، محمد رسول الله.
وقرأ: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} [الفرقان:62]، ثم قال: سبحان الله! ما أوسع رحمة الله، وأعَمَّ فضله، وألطف صنعه! جعل لمن عجز في النهار خلفًا في الليل، ولمن قصر في الليل خلفًا في النهار.
وقرأ: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ۖ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} [الأعراف من الآية:137]، ثم قال: عجبًا لمن يخاف ملكًا، أو يتقي ظالمًا بعد إيمانه بهذه الآية؟! أمَا -والله- لو أن الناس إذا ابتُلوا صبروا لأمرِ ربهم، لفرَّج الله عنهم كربهم، ولكنهم جزعوا من السيف، فوكلوا إلى الخوف، ونعوذ بالله من شر البلاء.
وقرأ: {تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ} [المؤمنون:104]، ثم قال: أيُّ منظر عباد الله؟ ما أسوأه! فاحذروه.
وروي أن النار تلفَحَ وجوههم لفحةً[1]، فلا تدع لحمًا ولا جلدًا إلا ألقته على العراقيب[2]، وأبقت الوجوه كالحةً[3]، ثم يبكي ويقول: اللهم، بك نستعيذ من عذاب النار وبئس المصير.
وقرأ: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر من الآية:10]، ثم قال: إن العبد إذا قال قولاً حسنًا، وعمل عملاً صالحًا، رفع الله تعالى قوله بعمله، وإن قال حسنًا، وعمل عملاً سيئًا، رد الله سبحانه القول بالعمل.
وقرأ: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ ۚ بَلَاغٌ ۚ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} [الأحقاف من الآية:35]، الذين كسبوا الدنيا الحرام، وأنفقوها إسرافًا وتبذيرًا في الشهوات {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} [الشعراء من الآية:227].
وقرأ: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ۖ ذَٰلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19]، فقال: ابن آدم فاسقٌ في الدنيا، حائد حينَ لات[4] حيدة[5]، ولا يمكن هرب ولا غيبة.
وكان إذا قرأ: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} [النازعات:46] يقول: ابن آدم، ما لكَ في غدوة أو روحة؟! ما تصبر على المعصية؟!
وكان إذا قرأ: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} [الحشر:10]، يقول: كان القوم -والله- أهل تراؤف وتراحمٍ، وإنا لَفي خلف كجِلد الأجرب.
وكان إذا قرأ: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا} [الفرقان:67]، قال: رحم الله عبدًا كسب من طيب، وأنفق قصدًا، وقدم ليومِ فقرِه وشدة حاجته فضلاً، ثم يقول: وجهوا -رحمكم الله- فضولَ أموالكم حيث وجهها الله ورسوله، وضعُوها حيث وضعاها، فإن الذين كانوا من قبلكم، كانوا يأخذون قليلاً، ويبايعون من الله -جل ثناؤه- أنفسهم بالفضل.
وكان إذا تلا: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [المؤمنون من الآية:60]، قال: يعملون ما يعملون من برٍّ، ويقدمون ما يقدمون من خير، وهم خائفون ألا ينجيَهم ذلك من عذاب الله.
وكان إذا تلا: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد:4]، قال: ويح ابن آدم! ما خلق الله خلقًا يكابد[6] من هذا العيش ما يكابِدُ هو.
وكان إذا تلا: {فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل من الآية:97]، قال: لنرزقنه طاعةً يجِدُ لذَّتها في قلبه.
وروي أنه قال: لنرزقنَّه رزقًا لا نعذبه عليه، ثم يقول: كل حياة ابن آدم -والله- مُرَّة، إلا حياته في الجنة.
وكان إذا تلا: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ} [الأعراف من الآية:163]إلى آخر الآية، يقول: حُوتٌ حرَّم الله تعالى عليهم صيدَه يومًا من أيام الجمعة، وأحلَّه فيما سوى ذلك من الأيام، وكان يأتيهم يوم التحريم كالمحاصَر ما يمتَنِع؛ من أجل المحنة والبلية والاختبار بالطاعة، فجعلوا يَلهون بأخذه، ويمسكون مخافةً وتعبدًا.
وقال: ما همَّ عبدٌ بذنب إلا وافقهم فيما عزموا عليه، فأخذوه وأكلوه، واللهِ أوخمُ أكلة أكلها قوم، فنودوا ثلاثًا وهم نائمون، ثم نودوا: يا أهل القرية، فانتبه الرجال والنساء والصبيان، فقيل لهم: كونوا قردة خاسئين؛ فكانوا كذلك.
وايم الله! لحرمةُ عبد مؤمن يُقتَل ظلمًا أعظم عند الله من كل حوت خُلِق، ولكن جعل الله تعالى موعد قوم الساعة: {وَالسَّاعَةُ أَدْهَىٰ وَأَمَرُّ} [القمر من الآية:46].
وقرأ: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ . فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ} [النازعات:13-14]، {إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ} [يس:29]، فكان يقول: أيها الناس، الزجرة[7] من الغضب، فمن اتقى الله، فليحذر غضبه.
وكان يقول إذا تلا: {هَٰذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ . يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} [الرحمن:43-44]، ثم قال: معشر الناس، ما ظنكم بقوم وقفوا في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، فلما انقطعت أعناقهم من الجوع والعطش والخوف، أمر بهم إلى نار وجحيم وحميم؟! اللهم بك العياذ، وأنت المعاذ، وإليك اللجأ، وعليك التوكل، فنجِّنا برحمتك من عذابك يا غفور.
وكان إذا تلا: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:2]، قال: رحم الله قومًا كان خشوعهم في القلوب، فغضوا أبصارهم، وحفظوا فروجهم، وتجنبوا المحارم، فنالوا أعلى الدرجات.
وسئل عن قول الله عز وجل: {مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام من الآية:160]، فقال: من جاء بـ: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمدًا صلى الله عليه وسلم عبدُه ورسوله، مخلصًا بها قلبه، فله عند الله عز وجل الجنة.
وتلا: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرحمن:60]، ثم قال: إنما جزاء من قال: لا إله إلا الله، أن يدخل الجنة.
وقرأ: {يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} [النبأ من الآية:40]، فقال: ذلك المؤمن، الحَذِر، الفَطِن، الكيس، الذي علم أن له معادًا، فقدم عملاً صالحًا، ثم قدم عليه فسَرَّه، وهو يوم: {وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا} [النبأ من الآية:40].
وتلا: {كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين:14]، فقال: هو الذنب على الذنب حتى يموت ويَسْوَدَّ القلب.
وتلا: {وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ} [المدثر:6]، ثم قال: لا تستكثر عملَك؛ فإنك لا تعلم ما قُبِل منه، وما رُدَّ فلم يُقبَل.
وقرأ: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} [التكاثر:1]، ثم قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، ألهى -واللهِ- عن نار الخلودُ، وشغل عن نعيم لا يبيدُ، ثم قرأ: {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} [التكاثر:3]، ثم قال: أيها الناس، لو توعَّدكم مخلوق يموت، ما استقر بكم القَرار، فكيف بوعيد ملك الملوك، والحي الذي لا يموت؟!
وكان إذا قام بالقرآن، وانتهى إلى هذه السورة، لم يتجاوزها، ولا يزال يردِّدها ويبكي إلى أن ينقطع نحيبه -رحمة الله عليه- ورضوانه لديه.
د. أحمد عبد الوهاب الشرقاوي
_____________________________
[1]- تقول: لفحته النار، إذا أصابت أعالي جسده فأحرقته. انظر: الأزهري: تهذيب اللغة.
[2]- (العُرْقُوبُ) بالضَّمِّ: (عَصَبٌ غَلِيظ) مُوَتَّر (فَوْقَ عَقِبِ الإِنْسَان. ومِنَ الدَّابَّة فِي رِجْلِها بِمَنْزِلَة الرُّكْبَةِ فِي يَدِهَا)، الزبيدي: تاج العروس.
[3]- (كلح) الكلوح تكشر في عبوس، قال ابن سيده: الكلوح والكلاح: بدو الأسنان عند العبوس، يقال: كلح الرجل وأكلحه الهم ودهر كالح. انظر: ابن منظور: لسان العرب.
[4]- حين: ربما أدخلوا عليه التاء وقالوا: (لات حين) بمعنى ليس حين، وفي التنزيل العزيز: {وَّلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ} [ص من الآية: 3]. انظر: ابن منظور: لسان العرب.
[5]- حاد عن الشيء يحيد حيودًا وحيدة وحيدودة: مال عنه وعدل. انظر: الجوهري: الصحاح.
[6]- الكَبَد -بفتحتين-: الشدة؛ ومنه قوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد:4]، وكابد الأمر: قاسى شدته. انظر: الرازي: مختار الصحاح.
[7]- (زجر) الزجر: المنع والنهي والانتهار، زجره يزجره زجرًا وازدجره فانزجر وازدجر. والزجرة المقصودة هنا هي نفخة الصور يوم القيامة، والزجرة الصيحة بشدة وانتهار.
- انظر: ابن منظور: لسان العرب، الجياني (شهاب الدين أحمد بن محمد الهائم المصري): التبيان في تفسير غريب القرآن ، تحقيق: فتحي أنور الدابولي، دار الصحابة للتراث، القاهرة ، الطبعة الأولى، 1992م، ص 352.