الحسن البصري يذم الدنيا وينهى عن التعلق بها
وكان الحسن يقول: أهينوا الدنيا، فأكرم ما تكون حين تُهان
قال هشام بن حسان[1]: سمعت الحسن يقول: والله ما أحد مِن الناس بُسط له في أمر من أمور دنياه، فلم يخف أن يكون ذلك مكرًا به، واستدراجًا له، إلا نقص ذلك من عمله، ودينه، وعقله، ولا أحد أمسك الله الدنيا عنه، ولم يرَ أن ذلك خير له، إلا نقص ذلك من عمله، وبان العجز في رأيه.
وكان يقول: ما من مسلم رُزق يومًا بيوم، فلم يعلم أن ذلك خير له، إلا كان عاجز الرأي.
وكان يقول: إن الله - عز وجل - لَيُعطي العبد من الدنيا؛ مكرًا به، ويمنعه؛ نظرًا له.
وكان يقول: أدركت أقوامًا كانت الدنيا أهون عندهم من التراب الذي تمشون عليه.
وكان يقول: رحم الله أقوامًا كانت الدنيا عندهم وديعةً، حتى ردوها إلى من ائتمنهم عليها، ثم راحوا خِفَافًا غير مثقلين، ولقد أدركت أقوامًا كانت الدنيا تتعرَّض لأحدهم، وإنه لمجهود، فيتركها مخافة الساعة.
وكان يقول: والله ما بلغت الدنيا ولا انتهى قدرها إلى أن يضيع الرجل فيها حسبه ودينه.
وكان يقول: والله ما عجبت من شيء كعجبي من رجل لا يحسب حب الدنيا من الكبائر؛ وايم الله! إن حبها لمن أكبر الكبائر، وهل تشعَّبت الكبائر إلا من أجلها؟ وهل عُبدت الأصنام، وعُصي الرحمن، إلا لحب الدنيا؟ فالعارف لا يجزع من ذلها، ولا ينافس بقربها، ولا يأسى لبُعدها.
وكان يقول: يحشر الناس عراةً يوم القيامة، ما خلا أهل الزهادة في الدنيا.
وكان يقول: أيها الناس، والله ما أعز هذا الدرهمَ أحدٌ إلا أذله الله تعالى يوم القيامة؛ لقد ذكر أن إبليس لما ضُرب الدينار والدرهم أعزهما وجعلهما على رأسه، وقال: من أحبكما فهو عبدي حقًّا أصرفه كيف أشاء.
وقال: إذا أحب بنو آدم الدنيا، فما أبالي ألا يعبدوا صنمًا، ولا يتخذوا إلهًا غير الله ربًّا، حبهم الدنيا يورثهم المهالك.
وكان يقول: رأَينا مَن أُعطي الدنيا بعمل الآخرة، وما رأينا من أعطي الآخرة بعمل الدنيا.
وكان يقول: المؤمن لا يَصفو له في الدنيا عيش.
وكان يقول: لقد رُوي عن المسيح عليه السلام قال: الدنيا لإبليس مزرعة، والناس له حراثون.
وكان يقول: من عرف ربه، أحبه، وآثر ما عنده، ومن عرف الدنيا وغرورها، زهد فيها.
وقيل له: يا أبا سعيد، هل نرى الله عز وجل في دار الدنيا؟ فقال: لا، قيل: فهل نراه في دار الآخرة؟ قال: نعم، قيل: وما الفرق بين ذلك؟ فقال: إن الدنيا فانية، وفانٍ كلُّ ما فيها، وإن الآخرة باقية، وباقٍ كلُّ ما فيها، ومحال أن يرى الباقي بالفاني، والقديم الأزلي بالمحدث، فإذا كان يوم القيامة، خلق الله - عز وجل - لعباده أبصارًا باقيةً، يرون بها ربهم؛ تفضلاً عليهم، وإكرامًا لهم.
وكان يقول: رُوي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو راقد على سرير مرمول بالشريط[2]، وقد أثَّر في جنبه أثر الحبل، فدمعت عيناه، فقال النبي عليه السلام: «ما لك يا بن الخطاب؟»، فقال: ذكرت كسرى وقيصر، وما هما فيه من الملك والنِّعَم، ورأيتك وأنت رسول الله، وصفيه، ومصطفاه، وحبيبه، تنام على سرير مرمول بالشريط! فقال عليه السلام: «أما ترضى يا عمر أن يكون لهما الدنيا، ولنا الآخرة؟»، فقال: رضيت يا رسول الله، قال عليه السلام:«فاعلم يا عمر أن الأمر كذلك»[3]، وقال عليه السلام: «إنما مثَلي ومثل الدنيا كراكب سافر في يوم صائف، فرُفعت له شجرة ذات ظل ظليل، فقال تحتها، ثم راح وتركها» [4].
قال الحسن: ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركب الحمار، ويلبس الصوف، ويلعق أصابعه، ويأكل على الأرض، ويقول عليه السلام: «إنما أنا عبد، آكل كما يأكل العبد» [5].
وكان يقول: لقد كانت فاكهة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم التي يستظرفونها خبز البر، فما بالكم عباد الله تَستفرهون المراكب، وتستلينون الملابس، وتلونون الأطبخة؟! ثم يقول: ويحَكم[6]! أما تستحون من طول ما لا تستحيون؟! ألا تكونون كما كان سلفكم الصالح!
وكان يقول: من نافسك في دينك، فنافسه، ومن نافسك في دنياك، فألقها في نحره.
وكان يقول: أيها الناس، أدركت أقوامًا، وصحبتُ طوائف، ما كانوا يفرحون بشيء من الدنيا أقبَلَ، ولا يحزنون على شيء منها أدبَرَ، ولهي عندهم أهون من التراب الذي تطؤونه بأرجلكم.
كان أحدهم يعيش دهره لم يُجدَّد له ثوب، ولا نُصب له قدر على نار، ولا يجعل بينه وبين الأرض ستر، كانوا يخافون يومًا تشخص فيه الأبصار، وتعمى القلوب.
وكان يقول: ابن آدم، لا تعلق قلبك بشيء من الدنيا، تعلقها شر تعلق، اقطع عنك حبائلها، وأغلق دونك أبوابها.
وليكن حسبك - أيها المغرور - منها ما يبلغك المحل، وإياك أن تظن أنك تُباهي يوم القيامة بمالك وولدك، هيهات أن ينفعك شيء من ذلك يوم يقوم الحساب! ذلك يوم تذهب الدنيا فيه بحالها، وتبقى الأعمال قلائد في أعناق عمَّالها.
وكان يقول: أيها الناس، خذوا صفْوَ الدنيا، ودعوا كدَرَها؛ فليس الصفو ما عاد كدرًا، ولا الكدر ما عاد صفوًا، دعوا ما يريبكم إلى ما لا يَريبكم، تُرتجى السلامة في العاجلة والآجلة لكم، وقد رأيت أقوامًا كانوا فيما أحلَّ الله لهم من الدنيا أزهد منكم فيما حرم عليكم منها.
وكان يقول: ما أُعطي رجل شيئًا من الدنيا إلا قيل له: خذه ومثله من الحرص.
وكان يقول: من حمد الدنيا، ذم الآخرة، وليس يَكره لقاءَ الله إلا مقيمٌ على سخطه.
وكان يقول: ابن آدم، ما أعطاك الله تعالى الدنيا إلا اختبارًا، ولا زواها مذ خلقها عن عباده المؤمنين إلا اختبارًا.
قال الحسن بن جعفر[7]: سمعتُ مالك بن دينار يقول: الدينار والدرهم أهوَن من النَّوى، فعرفت ذلك الحسن بن أبي الحسن، فقال: يرحم الله مالكًا، هما أهون عليَّ من الحصباء، النوى تأكله الدواب، ويَنتفع به الناس، والدراهم تَقتل مَن كسبها من غير حلها، وتهوي به في نار جهنم وبئس المصير.
وكان يقول: إن مما يُزهِّد ذا الهمة في الدنيا، ويُلزمه تركها، ويوجب عليه ألا يحرص عليها: علمه بأن الأرزاق لم تُقسم فيها على قدر الأخطار.
وكان يقول: صحبتُ أقوامًا كان أحدهم يأكل على الأرض، وينام عليها، منهم صفوان بن محرز[8]، كان قد عود نفسه أكل رغيف، وكان يقول: إذا أتيتُ إلى أهلي، وأصبت رغيفًا، فجزى الله الدنيا عن طلابها والراغبين فيها شرًّا، وكان آخر يقول: إذا أكلت من طعامكم رغيفًا، وشربتُ كوز ماء، فعلى دنياكم العفاء.
وكان الحسن يقول: أهينوا الدنيا، فأكرم ما تكون حين تُهان.
ولقد روي: إذا كانت الدنيا في القلب، نفرت عنها الآخرة؛ لأنها عزيزة كريمة.
وكان يقول: ابن آدم، إن لك عاجلة وآجلة، فلا تؤثرنَّ عاجلتك على آجلتك فتندم، واعلم أنك إنْ تَبِعْ دنياك بآخرتك تربحهما، وإن تبع آخرتك بدنياك تخسرهما.
ابن آدم، إنه لا يضرك ما زوي عنك من دنياك إذا ادخر لك خير آخرتك، وما ينفعك خير ما أصبت منها إذا حُرمت خير آخرتك.
ابن آدم، إن الدنيا مطية، إن ركبتَها حمَلتْك، وإن حمَلتَها أثقلتك.
ابن آدم، إنك مرتهن بعملك، وارد عليك أجلك، معروض على ربك، فخذهما في يديك لما بين يديك؛ فعند الموت يأتيك الخبر اليقين: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 88، 89].
وكان يقول: لله در بكر بن عبدالله حين قال: الدنيا ما مضى منها فحلم، وما بقي منها فأماني وإثم.
وكان الحسن يقول: إن كان بغيتك من الدنيا ما يَكفيك، فأدنى ما فيها يكفيك، وإن كان الذي تعمل منها ما يكفيك، فليس شيء يكفيك.
وكان يقول: إن هذا الموت فضَح الدنيا، فلم يترك لأحد بها فرحًا.
وكان يقول: لئن كانت الدنيا مُلئت باللذات، فلقد حُشيَت بالآفات، ووجبت من أجلها التباعات.
وكان يقول: ابن آدم، إياك أن تكون صاحب دنيا، لها ترضى، ومن أجلها تغضب، وعليها تُقاتل، وفيها تتعب وتنصب، ارفضها إلى النار إن كنتَ طالب الجنة، أو فدع التمني يا لُكع؛ فإن حكيمًا يقول:
وإنَّ امرأً دنياه أكبرُ همِّه***لَمُستمسِك منها بحبل غرور[9]
ابن آدم، الثواء ها هنا قليل، والعذاب هُنالك كثير طويل، لقد رُوي عن بعض الزاهدين أنه كان يقول: الدنيا والدة للموت، ناقِضة للمبرم، مرتجعة للعطية، وكل من فيها يجري إلى ما لا يَدري، وكل مستقر فيها غير راضٍ بها؛ وذلك دليل على أنها ليست بدار قرار.
وكان يقول: ابن آدم، إياك والتسويف؛ فإنه مُهلِك، يعمد أحدكم إلى رزق الله فينفقه في البناء والتبذير، والسرف والمخيلة، وفي زينة الحياة الدنيا، ولعل أحدكم أن يُنفق مثل دينه في بلوغ هواه، ولا يتصدق بدرهم واحد طغيانًا في رزق الله، وهربًا عن حق الله، ستعلم يا لُكع!
وكان يقول: إن المؤمن كيِّس؛ نظر فأبصَر، وتفكَّر فاعتبر، ثم عمد إلى دنياه فهدمها وبنى آخرته، ولم يهدم آخرته لبناء دنياه، ولم يزل ذلك عمله حتى لقي ربه فرضي عنه وأرضاه، وإن المنافق عمد فنافس عن دنياه، وعميَ عن آخرته، اتخذ الدنيا إلهًا، ويحه! ألَها خُلقَ، أم بالجمع لها أُمر؟ سيعلم المغرور يوم {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ} [الرحمن: 41].
ابن آدم، لا غناء بك عن نصيبك من الدنيا، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أفقر، فعليك به؛ فإنه سيأتي بك إلى نصيبك من الدنيا، فينظمه لك نظمًا يزول معك حيث تزول.
وكان يقول: ابن آدم، وُصفَت لك الدنيا، وغابت عنك أمور الآخرة، وقَرب منك الأجل، وأُمرت بالعمل، وحق الله ألزم لك، فاعمل لمعادك، فلن يَرضى ربُّك منك إلا بأداء ما فرض عليك.
ابن آدم، إذا رأيت الناس في خير فنافسهم، وإذا رأيتهم في هلكة من طلب الدنيا فذرهم وما اختاروا لأنفسهم، ولقد رأيت أقوامًا آثروا عاجلتهم على آجلتهم، ودنياهم على آخرتهم، فافتضحوا وذلوا وهلكوا وعُوقبوا بموت القلوب.
وكان يقول: عقوبة العلماء موت قلوبهم؛ لطلبهم الدنيا بعمل الآخرة.
وكان يقول: أيها المغرورون، إنما الدنيا جيفة يَنهشها عُشَّاقها، فهي تقتل بعضهم ببعض وهم لا يَشعرون، من ركَن إليها ذلَّ واقتصر، ومَن زهد فيها عزَّ واقتدر.
وقيل: مر الحسن برجل، وهو يُنشد:
فأما ليس بي قُبح ولكن***عسى يغتر بي حَمِق لئيمُ
فقال: الله أكبر! وايم الله، لو كان للدنيا شِعر، لكان هذا.
ويقال: إن مِن شِعره - رحمه الله - في صفة الدنيا:
أحلام نوم أو كظلٍّ زائل***إن اللبيب بمثلها لا يُخدَع[10]
وكان يقول: ابن آدم، سوطًا سوطًا، جمعًا جمعًا في وعاء، ونبذًا في وكاء، تركب الذلول، وتلبَس اللين، كأن قد قيل: مات وأفضى - والله - إلى الآخرة، إن المؤمن عمل أيامًا يسيرةً، فوالله ما ندم أن قد أصاب من نعيم الدنيا ورخائها، مع استهانته بها، وهضمه لها، وتزوُّدِه لآخرته منها، لم تكن الدنيا في نفسه على مقدار، ولا رغب في نعيمها، ولا فرح برخائها، ولا تعاظم في نفسه شيء من بلائها، مع احتسابه الأجر عند الله - عز وجل - مضى راغبًا راهبًا، فلم يَلتمس ثواب الدنيا، ولا عرج على نعيمها، فهنيئًا له، أمَّن الله بذلك روعته، ويسَّر حسابه، وآمنه عقابه.
وكان يقول: إنما الغدو والرَّواح وحظٌّ من الدلجة والاستقامة لا يُلبثنك أن تقدم على الله وهو راضٍ عنك، فيدخلك الجنة، فتكون من المفلحين.
وكان يقول: أيها الناس، إن الله لا يُخدع عن جنته، ولا يعطيها أحدًا من عباده بالأماني.
وكان يقول: أيها الناس، عليكم بالزهادة في الدنيا؛ فقد روي أن عيسى عليه السلام كان يقول: إدامي الجوع، وشعاري الخوف، ولباسي الصوف، واصطلائي في الشتاء الشمس، وسراجي القمر، وراحلتي رجلاي، وفاكهتي ما تُنبت الأرض، ويعلم الله أني أبِيتُ ولا شيء لي، وأُصبِح ولا شيء لي، وأحسب أن ليس على الأرض أغنى مني.
وكان الحسن يقول: رُوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في بعض أيامه: «والذي نفس محمد بيده، ما أصبح اليوم في آل محمد من طعام» [11]، وإنهم لتسعة أبيات.
قال الحسن: أمَا والله ما قالها صلى الله عليه وسلم استبطاءً لرزق ربه، ولا طلبًا لما لم يُعطه، ولكن لتتأسى به أمته، وتعلم ألا قدْرَ للدنيا عنده.
وكان يقول: لقد عُرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم مفاتيح الدنيا، وخزائن الأرض، ولا ينقصه الله من أجره شيئًا، فأبى أن يَقبلها، وكره أن يخالف ربه، وأن يحب ما أبغضه، أو يرفع ما وضعه، ولقد رُوي أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول: «من زهد في الدنيا، هانت عليه المصائب» [12].
وكان الحسن يقول: رُوي أنه يؤتى بالدنيا يوم القيامة مع كل زينة كانت فيها مذ خلقها الله - عز وجل - إلى يوم القيامة، تتصرم فتقول: يا رب، اجعلني لأحد أوليائك، فيقول الله سبحانه: "اسكتي، فما خلقتُ خلقًا هو أبغض إليَّ منك وممَّن آثرك واختارك على ما عندي".
وكان الحسن يقول: المؤمن أسير في الدنيا، يسعى في فكاك رقبته، لا يأمن حتى يلقى ربه.
وقال له رجل يومًا: يا أبا سعيد، أيُّ اللباس أحب إليك؟ قال: أغلظه، وأخشنه، وأوضعه عند الناس، فقال الرجل: أليس قد روي: «إن الله جميل يحب الجمال» [13]؟! فقال: يا بن أخي، لقد ذهبت إلى غير المذهب، لو كان الجمال عند الله اللباس، لكان الفُجَّار إذًا عنده أوجه من الأبرار، إنما الجمال: التقرب إلى الله بعمل الطاعات، ومُجانبة المعاصي، ومكارم الأخلاق ومحاسنها، وكذلك ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيح أنه قال: «بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق» [14].
ولقد رُوي أن عيسى عليه السلام قال للحواريين: أجيعوا أكبادكم، وشعِّثوا رؤوسكم، وضعوا عليها جلباب الحزن؛ لعلكم ترون ربكم بعيون قلوبكم.
وكان يقول: قيل للحسن بن علي رضي الله عنهما: مَن أعظم الناس قدرًا؟ فقال: مَن لا يبالي الدنيا في يدِ مَن كانت.
وقيل له: فمَن أخسر الناس صفقةً؟ قال: من باع الباقي بالفاني.
وقيل له: من أعظم الناس قدرًا؟ قال: مَن لا يرى الدنيا لنفسه قدرًا.
ويُروى أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: دُلَّني على عمل إذا عملتُه أحبَّني الله، وأحبني الناس؟ فقال عليه السلام: «ازهد في الدنيا يُحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس» [15].
وكان الحسن يقول: إذا أصبح العبد وجبَت عليه أربعة أشياء: حبُّ الله تعالى، وحب دين الله، وحب الآخرة، وبغْضُ الدنيا.
وقال له رجل: يا أبا سعيد، ما تقول في الدنيا؟ فقال: وما عسى أن أقول في دارٍ حلالُها حساب، وحرامها عِقاب؟ فقال الرجل: تالله ما رأيت كلامًا أوجز من كلامك، فقال الحسن: بل كلام عمر بن عبدالعزيز[16] أوجز وأبلغ من كلامي؛ حيث كتب إليه عامل[17] حمص[18]: إن سورها قد تهدَّم، واحتاج إلى الإصلاح؟ فكتب إليه: حصِّن مدينتك بالعدل، ونقِّها من الظلم، تأمن عليها المخاوف، وترجُ لها السلامة.
وكان يقول: رُوي أن الله تعالى أوحى إلى الدنيا: من خدَمني فاخدميه، ومن خدمك فاستخدميه.
ومن هذا:
ما رُوي عنه رضي الله عنه في قِصَر الأمل:
كان الحسن رحمه الله تعالى يقول: ابن آدم، طأ الأرض بقدمك؛ فإنها عن قليل تكون قبرك، ودع الغفلة؛ فإنك لم تزل في هدم عمرك، منذ خرجت من بطن أمك.
ابن آدم، لا تحمل على يومك هم غدك، وليكف كل يوم همه، إن غدًا إن كان من عمرك، أتاك فيه رزقك.
وكان يقول: رحم الله عبدًا جعل العيش عيشًا واحدًا، فأكل ما يمسك رمقه، ولبس خلقه، وألصق بالأرض خده، مجتهدًا في عبادة ربه، حتى يأتيه أجله وهو كذلك.
وكان يقول: ما أطال عبدٌ الأمل، إلا أساء العمل.
وقيل: مرَّ به بائع جارية، فساوم فيها مالاً كثيرًا، فقال: بِعْها بدرهم؛ فإن الله باع من عباده الحور العين بالفِلس واللقمة.
وكان يقول: ابن آدم، صم كأنك إذا ظمئتَ لم تكن رويت، وإذا رويت لم تكن ظمئت، فإن الحال أضيق، والعمر أقصر، والأمر أيسَر أن تبقى فيه على حال.
وكان يقول: دخلنا على صفوان بن محرز، وهو في بيت من قصب قد مال عليه، فقلنا: أصلحك الله، لو أصلحت هذا البيت، فقال: كم من رجل مات وهذا مائل كما ترون!
وكان يقول: رأيتُ رجلاً أصابه الجهد، فدفع له درهم، فقال: لا حاجة لي فيه، إن السوق قد ارتفع، وأخاف أن أموت قبل إنفاقه، وأتركه ميراثًا، وأحاسب عليه، وإن عشت غدًا، كان رزقي على الله وحده لا شريك له.
وكان يقول: إن الله يعطي العبد؛ مكرًا به، ويحرمه؛ نظرًا له، ومَن تعرَّض لمَكر الله استوجب عقوبته.
وكان يقول: ابن آدم، إنما أنت عدد أنفاسك وأوقاتك، كلما مضى لك وقت انقَضى منك بعض، ولله در القائل:
إنا لنـفرَح بالأيـام نَقطعُـها ***وكـلُّ يوم مضى بعـضٌ مِـن الأجلِ
فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهدًا***فإنـما الربح والخسران في العمل[19]
وكان يقول: ابن آدم، إن لك أجلاً وأملاً، فإن أدركك أَملك، قرَّبك من أجلك، وإن أدركك أجلك، اجتاحك قبل أملِك.
وكان يقول: اجتمع ثلاثة نفر، فتكلَّموا في قِصَر الأمل، فقال أحدهم: ما مرَّ بي قطُّ شهر إلا ظننتُ أني أموت فيه.
وقال الآخر: ما مر بي قطُّ يوم إلا قدرت أني أموت فيه.
وقال الثالث: العجب كل العجب مِن آملٍ أجله بيد غيره، ورِزقه عند سواه.
وأنشد:
ما أنزَلَ الموت حق منزله***مَن عدَّ وقتًا لم يأتِ من أجله[20]
وكان يقول: روي أن الله سبحانه لما خلق آدم عليه السلام جعل أجله بين عينيه، وأمله خلف ظهره، فلما واقع الخطيئة حوِّل، فجعل أمله بين عينيه، وأجله خلف ظهره، فذلك ما كان في بَنيه من طول الأمل، والغفلة عن الأجل.
وكان يقول: ابن آدم، إنك لو قصَّرت مسير أجلك، لأبغضت غرور أملك، ولو أبصرت قليل ما بقي من عمرك، لزهدت في أكثر ما تَرجوه من أملك.
وقيل: صلى الحسن على جنازة، ثم مشى إلى القبر، ثم قال: يا لها موعظةً وُعظ بها عباد الله لو وافقت قلبًا حيًّا، ولكن لا حياة للقلوب.
أيها الناس، إن الموت فضح الدنيا، فلم يدع لذي لب فيها بعده فرحًا، فرحم الله من أخذ منها قوتًا، وترك الفضل ليوم فاقته وفقره، فكأن الموت قد نزل، وانقطع العمل، فرحم الله لبيبًا قصر أمله، وراقب أجله.
وكان يقول إذا مرت به جنازة: اغدوا فإنا رائحون، أو: روحوا فإنا غادون.
وقيل: رأى الحسن على مالك بن دينار رداءَ صوف، فقال: أيُعجبك الطيلسان[21] أصلحك الله؟ فقال: نعم، فقال: ليهُن عندك؛ فإنه كان على شاة قبلك فنُزع عنها.
وكان يقول: أيها المرء، أجلك أنت السواد المختطف في يومك.
أيها المرء، إنك لا تدري بأي سبب تموت.
أيها المرء، داوِ نفسك قبل أن تقف بك على العطب.
وقال: قيل لخالد بن يزيد بن معاوية[22]: ما أقرب شيء؟ قال: الأجل، قيل له: فما أبعد شيء؟ قال: الأمل، قيل له: فما آنَسُ شيء؟ قال: الصاحب المواتي، قيل: ما أوحش شيء؟ قال: الميت.
وكان يقول: روي أن رجلاً قال لأم الدرداء: إني لأجد في قلبي داءً لا أجد له دواءً: أجد قسوةً شديدةً، وأملاً بعيدًا، فقالت: اطلع في القبور، واحضر الجنائز، وشاهد الموتى، فعساك أن تُكفى.
وكان يقول: وجد في حجر مكتوب: ابن آدم، إنك لو رأيتَ قليل ما بقي من أجلك، لزهدتَ فيما ترجوه من أملك، ولرغبتَ في الزيادة من عملك، ولقصرت من حرصك وحيلك، وإنما يَلقاك غدًا ندمُك، لو قد زلَّت بك قدمك، وأسلمك رهطك وحشمك، وتبرَّأ منك القريب، وانصرف عنك الحبيب، وصرت تدعى فلا تجيب.
وكان يقول: إن رجلاً ليس بينه وبين آدم إلا أب ميِّت، لَمُعرق في الموتى.
وكان يقول: مثل العلماء في الجهال مثل الأطباء في المرضى.
وسمع الحسن الحجاج يخطب على منبر البصرة ويقول: أيها الناس، إن الله - تبارك وتعالى - كتب على الدنيا الفناء، وعلى الآخرة البقاء، فلا يَغرنَّكم شاهد الدنيا على غائب الآخرة، واقهروا طول الأمل بقصر الأجل، ثم يقول: عجبًا للحجاج! كيف عرف ما عرف، وصُرف عن الحق فانصرف؟!
أحمد عبد الوهاب الشرقاوي
_____________________________________________________
[1] هشام بن حسان القردوسي (.. - 147 ه = .. - 764 م) هشام بن حسان الأزدي، أبو عبدالله، القردوسي: محدِّث، من أهل البصرة، كان يكتب حديثه، وهو من المكثرين عن الحسن البصري؛ انظر: الزركلي: الأعلام، 17 / 218.
[2] رَمَلْت الحصيرَ وأَرملته، فهو مَرْمول ومُرمَل: إِذا نَسَجته، والمراد أَنه كان السرير قد نُسِج وجهه بالسَّعَف ولم يكن على السرير وِطاء سوى الحَصِير؛ انظر: ابن منظور: لسان العرب.
[3] خرجه العراقي في تخريج أحاديث الإحياء: دخل عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نائم على سرير مرمول بشريط النخل، فجلس فرأى أثر الشريط في جنبه عليه السلام، فدمعت عينا عمر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «ما الذي أبكاك يا بن الخطاب؟»، قال: ذكرتُ كسرى وقيصر وما هما فيه من الملك، وذكرتك وأنت حبيب الله وصفيه ورسوله نائم على سرير مرمول بالشريط! فقال صلى الله عليه وسلم: «أما ترضى يا عمر أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟» ، قال: بلى يا رسول الله، قال: «فذلك كذلك» ، وقال: متفق عليه من حديثه.
[4] جاء في كتاب المستدرك بتعليق الذهبي: حدَّثنا علي بن حمشاد العدل ثنا محمد بن غالب ثنا موسى بن إسماعيل ثنا ثابت بن يزيد ثنا هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: دخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو على حصير قد أثَّر في جنبيه، فقال: يا رسول الله، لو اتخذت فراشًا أوثَرَ من هذا! فقال:«ما لي وللدنيا، وما للدنيا وما لي، والذي نفسي بيده ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار ثم راح وتركها» ؛ هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يُخرجاه، وشاهده حديث عبدالله بن مسعود، تعليق الذهبي في التلخيص: على شرط البخاري ومسلم، المستدرك [جزء 4 - صفحة 345].
[5] قال جلال الدين السيوطي في جامع الأحاديث: «إنما أنا عبد آكُلُ كما يأكل العبد» (الدارقطني في الأفراد، وابن عساكر عن البراء هناد عن الحسن مرسلاً) (البزار عن ابن عمرو) [المناوي].
أخرجه ابن عساكر (4 / 76)، وهناد (2 / 411، رقم 799)، والبزار كما في مجمع الزوائد (9 / 21) قال الهيثمي: فيه حفص بن عمارة الطاحي ولم أعرفه، وبقية رجاله وثِّقوا.
[6] ويح: كلمة عذاب، وقال سيبويه: (ويح) زجر لمن أشرف على الهلكة، وفي المجمع: (ويح) كلمة ترحُّم، وتوجُّع لمن وقع في هلكة، وقد يقال للمدح، والتعجب، ومنه: "ويح ابن عباس" كأنه أعجب بقوله؛ انظر: أبو هلال العسكري: الفروق اللغوية.
[7] لم أجد له ترجمة.
[8] صفوان بن محرز المازني البصري، العابد، أحد الأعلام، حدَّث عن أبي موسى الأشعري، وعمران بن حصين، وحكيم بن حزام، وابن عمر، روى عنه جامع بن شداد، وبكر المزني، وقتادة، وثابت، ومحمد بن واسع، وعاصم الأحول، وعلي بن زيد بن جدعان، وآخرون، قال ابن سعد: ثقة، له فضل وورع، وقال غيره: كان واعظًا، قانتًا لله، قد اتخذ لنفسه سربًا يَبكي فيه؛ انظر: الذهبي: سير أعلام النبلاء، 4 / 286، وانظر ترجمته أيضًا في: طبقات ابن سعد 7 / 147، طبقات خليفة ت 1540، تاريخ البخاري 4 / 305، المعارف 458، المعرفة والتاريخ 2 / 84، الحلية 2 / 213، تاريخ الإسلام 4 / 14، تذكرة الحفاظ 1 / 57، الإصابة ت 4150، تهذيب التهذيب 4 / 430، طبقات الحفاظ للسيوطي (ص: 21).
[9] من الأبيات السائرة، لم أجد ممن يرويه - على كثرتهم - أحد عزاه لشاعر إلا الآمدي في
كتاب "المؤتلف والمختلف في أسماء الشعراء"؛ حيث عزاه لهانئ بن توبة بن سحيم بن مرة.
[10] البيت مفردًا ورد في الكثير من كتب الأدب بلا عزو، ومع أبيات أخرى نُسب إلى قائل، والواضح أنه من الأبيات السائرة التي لا يعرف صاحبها على التحديد، وتم تضمينه لفظًا ومعنى في مقطوعات الشعراء؛ فقد نسبه أبو حيان التوحيدي في البصائر والذخائر لعمران بن حطان، وكذلك فعل كل مِن الزمخشري في ربيع الأبرار، ومحمد بن حبان البستي في روضة العقلاء ونُزهة الفضلاء، وقبله بيتان، هما:
حتى متى تُسقى النفوس بكأسها ريبَ المنون وأنتَ لاهٍ ترتعُ؟!
أفقـد رضيتَ بـأن تعلل بالمنى وإلى المنـية كلَّ يوم تُدفعُ؟!
بينما نسَبه العبدلكاني الزوزني إلى سليمان بن يزيد العدوي، في كتابه حماسة الظرفاء، وقبله أبيات، هي:
حلَّ المشيبُ حلولَ غيرِ مزايل ومَضَى الشَّبابُ مولِّيًا لا يَرجِعُ
وخلعتَ عنكَ إلى المشيبِ رداءهُ والشَّيْبُ عنك رداءه لا يخلَعُ
عمَّـا قليلٍ ما تدِبُّ على العصا إنْ لمْ يُعاجِلْكَ الأجلُّ الأقطَعُ
حـتى كأنَّكَ في النُّهوضِ تَحامُلاً بعد اعتدالٍ من قناتكَ تركَعُ!
[11] ذكر النووي في "رياض الصالحين" عن أنسٍ رضي الله عنه، قال: رهن النبي صلى الله عليه وسلم درعه بشَعير، ومشيتُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم بخبز شعير وإهالة سَنِخة، ولقد سمعته يقول: «ما أصبح لآل محمد صاع ولا أمسى» ، وإنهم لتسعة أبيات؛ رواه البخاري.
"الإهالة" بكسر الهمزة: الشحم الذائب، و"السنخة" بالنون والخاء المعجمة: وهي المتغيِّرة.
[12] أورده جلال الدين السُّيوطي في كتابه "اللآلئ المصنوعة، في الأحاديث الموضوعة": أنبأنا علي بن أبي علي المعدل، حدثنا محمد بن أحمد بن عبدان، أنبأنا أبو القاسم بن الحكم البجلي بن عبيدالله بن الوليد الوصافي عن محمد بن سوقة عن الحارث الأعور عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله: «من اشتاق إلى الجنة سارع إلى الخيرات، ومن أشفق من النار لَهَى عن الشهوات، ومن يرتقب الموت لهى عن اللذات، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصائب» ، وقال: لا يصح؛ عُبيدالله بن الوليد متروك، والحارث كذاب؛ "اللآلئ المصنوعة" (2 / 301).
[13] ذكره الإمام النووي في الأذكار النووية وقال: روينا في صحيح مسلم، عن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل الجنة مَن في قلبه مثقال ذرة من كِبر» ))، فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنةً؟ قال: (( «إن الله جميل يحب الجمال، الكبر: بطر الحق، وغمط الناس» .
[14] رواه أحمد والبيهقي والحاكم وصححه من حديث أبي هريرة.
[15] حديث حسن؛ رواه ابن ماجه [رقم: 4102]، وغيره بأسانيد حسنة.
[16] عُمَر بن عبدالعزيز (61 - 101هـ / 681 - 720م)، أبو حفص، عمر بن عبدالعزيز بن مروان بن الحكم الأموي القرشي، اشتهر بالصلاح والعدل، حتى سُمي بخامس الخلفاء الراشدين، من خلفاء الدولة الأموية بالشام، وجدُّه لأمه عمر بن الخطاب، ولد بالمدينة المنورة، ولما ولي أبوه مصر حُمل إليه، وحفظ القرآن الكريم في مصر، وأرسله والده إلى المدينة ليتفقه في الدين ويتعمَّق في علوم الأدب.
زوَّجه الخليفة عبدالملك بن مروان ابنته فاطمة، ثم ولاه خناصرة - من أعمال حلب - لمدة سنتين، واختاره الخليفة الوليد بن عبدالملك لإمارة المدينة المنورة عام 87ه- - 705م، ثم ضمَّ إليه مكة والطائف، ليُصبح أميرًا على الحجاز كله حتى عام 93ه- - 711م؛ حيث عزله الوليد بتهمة إيواء الفارين من وجه الحجاج بن يوسف والي العراق.
وكان من بين أعماله أثناء إمارته على الحجاز: حفر الآبار، وتعبيد الطرق، وبسط العدل، وعدم التعرض لمنتقدي سياسة بني أمية وولاتهم في الأمصار، فكسب حب جميع الأحزاب واحترامها.
ثم استوزره سليمان بن عبدالملك بالشام، وعندما أدركَتِ الوفاةُ سليمان بن عبدالملك قَبِلَ نصيحة رجاء بن حيوة - أحد الفقهاء - بأن يستخلف على المسلمين الرجل الصالح عمر بن عبدالعزيز، متخطيًا بذلك الورثة المباشرين، وكان ذلك عام 99ه- - 717م.
وشرع عمر في إجراء الإصلاحات اللازمة، فعزل الولاة الذين لا يرضى بهم صالحو الأمة، وعين مكانهم رجالاً يُشبهونه في العدل والنزاهة والاستقامة، وكسب ود الشيعة عندما أبطل سب علي رضي الله عنه على المنابر، وتوقف عن ملاحقتهم، ورفع الجزية عمن أسلم من أهل الذمة، وأمر بردِّ الحقوق إلى أهلها، ونزع عن نفسه وأهل بيته كل مظاهر الترف، إلى الحد الذي أقنع فيه زوجته بدفع حليِّها إلى بيت المال، وألغى جميع الضرائب المبتدعة، وأمر ولاته بأخذ رأيه في تنفيذ الحدود، وأدت هذه السياسة إلى كثرة الداخلين في الإسلام لا سيما ملوك السند الهنود والبربر، قيل: إنه مات مسمومًا بدير سمعان من أرض المعرَّة، وكان يدعى أشج بني أمية؛ لأن دابة رمته وهو غلام، فشجته في وجهه؛ (انظر: الموسوعة العربية العالمية، المملكة العربية السعودية، 2004م).
[17] أي: الوالي.
[18] وهي إحدى المدن السورية.
[19] البيت عزاه الراغب الأصفهاني في كتابه "محاضرات الأدباء" إلى أبي العتاهية.
[20] البيت أورده أبو حيان التوحيدي في البصائر والذخائر، ولم يعزه لأحد، وجاء معه البيتان التاليان:
عليك حفظ اللسان مجتهدًا فإن بعض الهلاك في زللِه
والصبر والصدق يَبلغان بمن كانا قرينَيه منتهى أملِه
[21] الطيلسان: ضرب من الأكسية، وجمع الطيلَس والطَّيلسان والطِّيلسان: طيالس وطيالسة، دخلت فيه الهاء في الجمع للعجمة؛ لأنه فارسي معرب؛ انظر: ابن منظور: لسان العرب.
[22] خالد بن يزيد (000 - 90 ه = 000 - 708 م) خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الأموي القرشي، أبو هاشم حكيم قريش وعالمها في عصره، اشتغل بالكيمياء والطب والنجوم، فأتقنها وألَّف فيها رسائل، اختلفوا في سنة وفاته، قال الذهبي: "وكان موصوفًا بالعلم والدين والعقل"، وشك ابن الأثير في بعض نواحي علمه، فقال: "يقال: إنه أصاب علم الكيمياء، ولا يصح ذلك لأحد"، وقال البيروني: كان خالد أول فلاسفة الإسلام، وقال ابن النديم: كان خالد بن يزيد فاضلاً في نفسه له همة ومحبة للعلوم، خطر بباله حب الصنعة (الكيمياء)، فأمر بإحضار جماعة من فلاسفة اليونانيين ممن كان ينزل مصر، وقد تفصَّح بالعربية وأمرهم بنقل الكتب من اللسان اليوناني والقبطي إلى العربي، وهذا أول نقل كان في الإسلام من لغة إلى لغة، وقال الجاحظ: خالد بن يزيد خطيب شاعر، وفصيح جامع، جيد الرأي، كثير الأدب، وهو أول من ترجم كتب النجوم والطب والكيمياء، توفي في دمشق؛ انظر: الزركلي: الأعلام 5 / 300
- التصنيف:
- المصدر: