أمينة السلمي.. وداعا

منذ 2011-01-20

قبل أشهر قليلة توفيت أمينة السلمي المواطنة والصحافية الأمريكية التي كانت تعيش حياة راديكالية دينية مسيحية، كانت تنظر إلى الإسلام والقرآن على أنه كتاب مزيف وأن نبي الإسلام كذلك، وأن العرب متخلفون وجاهلون....



أمينة السلمي تحمل طابع العيد (وداعية 34 سنة بأمريكا)
(رحمك الله رحمة واسعة وجميع موتى المسلمين)


قبل أشهر قليلة توفيت أمينة السلمي المواطنة والصحافية الأمريكية التي كانت تعيش حياة راديكالية دينية مسيحية، كانت تنظر إلى الإسلام والقرآن على أنه كتاب مزيف وأن نبي الإسلام كذلك، وأن العرب متخلفون وجاهلون، لكنها إرادة الله أخطأ الكمبيوتر وأصبحت بالضرورة زميلة لعدد من الطلاب العرب، عملت ما بوسعها كي لا تكون معهم في مادة دراسية واحدة، لكن رفضها سيفقدها المنحة الدراسية، غير أنها وجدت أن في الأمر حكمة ربانية، وأن عليها أن تهدي الشباب العربي المسلم ليصبحوا مسيحيين، هكذا فهمت الخطأ وفهمت المقصد ذاته، لكنها شعرت بأنها تغيرت بعدما قرأت القرآن مرات عديدة وبعد قراءة كتب عدة عن الإسلام وبعد جدال متحضر مع عدد من الطلاب العرب لتجد نفسها مسلمة ولتبدأ فيما بعد رحلة الإيمان والمشقة.

كانت أمينة السلمي داعية إسلامية مميزة، وذات شهرة واسعة، حيث دأبت، خلال حياتها، على التجوال الدائم في أرجاء الولايات المتحدة الأمريكية، إذ كانت تلقي كثيرا من المحاضرات حول الإسلام، وتعاليمه، وحضارته، ومفاهيمه. وقد لاقت قصة حياتها الشخصية الإعجاب، والتقدير، على نطاق واسع من جانب أعداد كبيرة من الناس. وكانت أمينة كذلك رئيسة الاتحاد الدولي للنساء المسلمات؛ هذه المنظمة التي تمكنت من تحقيق عدد من الإنجازات البارزة. ومن أقوال أمينة: "إنني في غاية السرور لكوني امرأة تنتمي إلى الدين الإسلامي، حيث إن الإسلام هو حياتي، وهو نبضات قلبي، وكذلك هو الدم الذي ينساب في شراييني، وهو مصدر قوتي، إذ جعل حياتي في غاية الجمال والروعة. وإنني لا شيء بدون الإسلام، ولا حياة لي إذا لم يرعني الله بوجهه الكريم".


غلطة كمبيوتر:
بدأ الأمر كله مع أمينة بغلطة على جهاز الكمبيوتر حيث كانت سيدة مسيحية محافظة متمسكة بدينها، وكانت تعمل كصحفية إضافة إلى دورها التبشيري. وكانت فتاة غير عادية، حيث حققت درجات عالية من التفوق الدراسي أيام دراستها الثانوية، وحصلت كذلك على عديد من المنح الدراسية، كما تفوقت في العمل الخاص بها، وكانت في حالة من المنافسة مع أقدر المحترفين المختصين، إذ نالت عدداً كبيراً من الجوائز، بينما كانت لا تزال على مقاعد الكلية الجامعية. وفي أحد الأيام حصل خطأ على شاشة الكمبيوتر جعلها تكرس حياتها للدفاع عن الدين المسيحي. وتطورت الأمور في وقت لاحق بما أحدث تغييراً كاملاً في حياتها.

حدث ذلك في عام 1975 لدى الاستخدام الأول للكمبيوتر في التسجيل المسبق للتخصصات والمواد في الكلية التي كانت تدرس فيها. وكانت تعد لنيل شهادتها في عالم الترفيه. وقد سجلت طلباً مفصلاً بذلك، وتوجهت إلى ولاية أوكلاهوما لإدارة نشاط عملي صغير خاص بها. ولذلك تأخرت عودتها، ووصلت إلى الجامعة بعد خمسة عشر يوماً من الموعد المحدد. ولم يكن تعويض الأيام الفائتة يمثل مشكلة لها، نظراً لقدراتها الدراسية المميزة، بل كانت المفاجأة بالنسبة إليها هي أن خطأ في نظام التسجيل المسبق الآلي حدد لها مساقاً مسرحياً يتعين على الطالب المسجل فيه تقديم أدائه أمام الآخرين. وكانت أمينة من الفتيات الملتزمات، ولذلك هالها أن تفكر بمجرد الوقوف أمام الآخرين كي تتحدث إليهم. ولم تستطع سحب هذا المساق لأن الوقت كان متأخراً للغاية.

لم يكن كذلك بإمكانها إلغاء المشاركة نظراً لأنها كانت حاصلة على منحة دراسية جامعية تؤمن لها حتى الإقامة، والغذاء. وبالتالي، فإن الرسوب في تحقيق متطلبات هذا المساق الدراسي كان يعني بالنسبة إليها خسارة هذه المنحة الدراسية الحيوية. ونصحها زوجها بأن تحاول استبدال المساق بمساق آخر يناسبها بصورة أفضل. وبذلك توجهت إلى أستاذها الذي وعدها بمساعدتها. ولكنها فوجئت حين عين لها مهامها الدراسية بأنها موجودة في فصل دراسي مملوء بالعرب، أو من يطلق عليهم هناك وصف "راكبي الجمال". وهكذا عادت إلى بيتها في حالة من الحزن، حيث لم تكن تتصور أن بإمكانها المشاركة في غرفة صفية مليئة بالعرب.


تفكير عميق قبل القرار النهائي:
كان زوجها هادئاً، وعميقاً كالعادة، حيث قال لها إن الله جعل لكل شيء سبباً، وإن عليها أن تمعن التفكير في الأمر تماماً قبل اتخاذ قرارها النهائي بعدم المشاركة في هذا الصف. وإلى جانب كل هذه الأمور، كانت هنالك بالطبع قضية المنحة الدراسية الجامعية. ولذلك قررت أن تخلو بنفسها لمدة يومين كاملين بهدف زيادة قدراتها على التركيز، وبالتالي اتخاذ القرار المناسب لهذا الموقف الذي وجدت نفسها في مواجهته. وحين خرجت من عزلتها التأملية هذه قررت المضي قدماً، وقالت في نفسها إن الله قد اختارها لتقوم بمهمة تحويل هؤلاء العرب إلى الدين المسيحي.


من أكبر مساجد جنوب أمريكا:
هكذا وجدت أمينة أن أمامها مهمة مقدسة لا بد لها من إنجازها. وبدأت من خلال الدراسة بمناقشة قضايا ذات علاقة بالدين المسيحي مع زملائها من العرب في ذلك الصف. وكانت تدعوهم إلى اتباع تعاليم السيد المسيح ليتم إنقاذهم مما هم فيه. وتقول إنهم كانوا في غاية التهذيب معها، ولكنها لم تستطع تحويلهم عن دينهم. وتقول كذلك إنها كانت تشرح لهم، على نحو مستمر، كيف أن السيد المسيح كان يحبهم، وأنه مات على صليبه كي ينقذهم من خطاياهم. وأن كل ما يجب عمله من جانبهم هو تقبله في قلوبهم. وتقول: "إنهم لم يقبلوا بفكرة التحول عن دينهم، ولذلك قررت أن تجرب فكرة أخرى تتلخص في قراءة كتابهم كي تثبت لهم أن الإسلام كان ديناً زائفاً، وأن محمداً لم يكن نبياً حقيقياً". وطلبت من أحد الزملاء تزويدها بنسخة من القرآن الكريم، إضافة إلى كتاب حول الشريعة الإسلامية. واستمرت في بحثها، بالاستعانة بهذين الكتابين، لفترة عام ونصف العام. واستطاعت قراءة القرآن الكريم بصورة كاملة، إضافة إلى خمسة عشر كتاباً عن الدين الإسلامي. وعادت ثانية لتكرر قراءة القرآن مرة أخرى. وأخذت بجمع ملاحظات من خلال ذلك البحث المعمق اعتقدت أنها يمكن أن تكون خلافية، بحيث تستطيع أن تثبت من خلالها أن الإسلام دين زائف.

غير أن علامات تغير كثيرة بدت واضحة عليها، حتى أن زوجها تنبه إلى الأمر، وبدأ يشك في أنها على علاقة مع رجل آخر، حيث كان يعتقد أن المرأة لا يمكن أن تتغير بهذه الطريقة إلا إذا ظهر في حياتها رجل آخر. وقد أصبحت ترفض التوجه إلى الحانات، كما امتنعت عن تناول الخمر. ولم تعد ترغب كذلك في الذهاب إلى الحفلات المختلطة، وامتنعت، إضافة إلى كل هذه الأمور عن تناول لحم الخنزير. وقد طلب منها زوجها في نهاية الأمر أن تغادر بيت الزوجية، ففعلت ذلك، وانتقلت إلى شقة خاصة بها. وتقول عن تلك المرحلة: "حين بدأت في دراسة الدين الإسلامي، لم أكن أعتقد أن أموراً معينة سوف تحدث، بحيث يتأثر بها نمط حياتي اليومية. ولم يكن أحد يستطيع إقناعي بأنني سوف أتمكن من الطيران بأجنحة من السلام، والسعادة، والطمأنينة في ظل اعتناق العقيدة الإسلامية".


لقد ظلت مسيحية رغم شعورها خلال تلك الفترة بأن تغيرات كبيرة قد بدأت تتفاعل في داخلها. وفي إحدى الأمسيات طرق باب بيتها رجل بثياب منزلية عادية، وكان يرافقه ثلاثة من رفاقه، وكان اسمه عبد العزيز آل الشيخ. وقد فوجئت بوجود هؤلاء المسلمين الأربعة الذين يطرقون باب منزلها بهذه الملابس المخصصة للاستعمال داخل المنازل. وأصيبت بمزيد من الصدمة حين قال لها عبد العزيز إنها كانت بانتظار أن تصبح مسلمة. وأجابته بأنها مسيحية، وبأنه ليست لديها أي خطط للتحول إلى الدين الإسلامي. ومع ذلك قالت لهم إن هنالك بعض الأسئلة لديها إذا كان وقتهم يسمح لهم بذلك. وقد دعتهم إلى الدخول، حيث عرضت عليهم المسائل الخلافية التي اعتقدت أنها عثرت عليها في بحثها المعمق في القرآن الكريم، وعدد من الكتب التي تتعلق بالدين الإسلامي. وتقول إن الرجال استمعوا إليها باهتمام، ولم يسخروا من وجهات نظرها، بل إن عبد العزيز قال لها إن المعرفة هي ضالة المؤمن، وإن الأسئلة تمثل إحدى وسائل الوصول إلى المعرفة. وتقول: "وحين أكمل كلامه، شعرت أن في جوانبي وردة تزداد تفتحاً. وحين كنت أعترض على أمر ما كان يجيب على الدوام بأن لدي بعض الحق والصواب فيما أراه من أمور. وبعد ذلك كان يقول لي إن عليّ أن أبذل جهداً أكبر في سبيل التعمق والتركيز، وأن أنظر إلى الأمر المطروح من عدة زوايا حتى أتمكن من التوصل إلى فهم أكمل".


شيء غريب يجول بداخلها:
لم تمض فترة طويلة حتى أصبحت أكثر اطمئناناً إلى ما يجول في داخلها من خواطر، وإلى ما رأته خلال بحثها الذي استغرق عاماً ونصف العام. وهكذا جاء اليوم، ووقفت هذه الفتاة المسيحية أمام عبد العزيز آل الشيخ، لتقول: "أشهد ألاّ إله إلاّ الله، وأن محمداً رسول الله". وكان ذلك في الحادي والعشرين من مايو من عام 1977.

إن التحول إلى الديانة الإسلامية، أو إلى ديانة أخرى، لا يكون على الدوام أمراً بسيطاً، وميسراً. وباستثناء حالات نادرة للغاية، فإن من يتحولون حديثاً إلى الإسلام، يواجهون في العادة عواقب ذلك، حيث إن هذا التحول إلى الدين الإسلامي يمكن أن يؤدي إلى مقاطعة عازلة من جانب الأسرة، وكذلك من قبل الأصدقاء، بل إن من المحتمل كذلك أن يواجه صاحبه ضغوطاً من أجل العودة ثانية إلى العقيدة الدينية للأسرة. وقد يواجه المتحول إلى دين جديد في كثير من الأحيان عدداً كبيراً من المصاعب على المستوى الاقتصادي، كما هي حال الذين يطردون من منازل ذويهم بعد اعتناقهم الديانة الإسلامية. وقد يحظى بعض المتحولين بفرصة الاحتفاظ باحترام وتقدير الأسرة، والأصدقاء، والمعارف، ولكن معظمهم يواجهون مصاعب على مستويات مختلفة من الاعتدال، والشدة خلال السنوات الأولى التي تتبع تحولهم إلى الدين الجديد.


عواقب وخيمة بعد إسلامها:
غير أن الصعوبات الهائلة التي تعرضت لها أمينة السلمي بعد اعتناقها الدين الإسلامي، ومقابل قناعاتها الجديدة، وعقيدتها الراسخة، قليلاً ما سمع بها أحد. وقليلون هم الذين يستطيعون التوكل على الله كما فعلت أمينة، حيث ظلت صامدة، ومتحدية لكل الظروف الصعبة الجديدة التي أحاطت بها. وقد ظلت تحافظ على موقف إيجابي، واستطاعت بذلك الانطلاق كي تؤثر في المحيطين بها بذلك الشعور من الجمال الذي طوقها بعد اعتناقها الدين الإسلامي .

{آلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ . فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ } [آل عمران:173-174].


لقد فقدت معظم أصدقائها لأنهم وجدوا أنها لم تعد إنسانة مسلية بعد تحولها عن دينها. ولم تقبل والدتها بتحول ابنتها إلى الإسلام، وكانت تأمل أن يكون ذلك الأمر حدثاً مؤقتاً تعود بعده ابنتها إلى الدين المسيحي. وأما شقيقتها الخبيرة في الاضطرابات العقلية، فقد قالت إن أمينة فقدت رشدها، بل حاولت إدخالها إلى مصحة للأمراض العقلية. وكان والدها رجلاً هادئاً، وحكيماً، حيث كان الناس يقصدونه للحصول على النصيحة، وعلى الهدوء حين تشتد عليهم أمور الحياة. غير أنه حين سمع بتحول ابنته عن دينها، قام بحشو بندقيته بالرصاص، وتحرك كي يعثر عليها، ويقتلها، وقال: "من الأفضل أن تموت بدلاً من أن تتحول عن دينها وتذهب إلى أعماق جهنم". وبذلك أصبحت دون أصدقاء، ودون أسرة. وبدأت بعد ذلك بارتداء الحجاب، حيث تم طردها من وظيفتها في اليوم الذي وضعته فيه، وبذلك تخلى عنها الأهل، والأصدقاء، وفقدت عملها. ولكن كانت تضحيتها الكبرى لا تزال في الطريق إليها. كانت وزوجها زوجين متحابين للغاية، ولكنه أساء فهمها خلال مرحلة تعمقها في دراسة الدين الإسلامي، حيث لم يستطع أن يستوعب هذا الكم من التغير الذي طرأ على حياتها، حين أصبحت أكثر هدوءًا، ورفضت الذهاب إلى الحانة. وقد شك الزوج في ذلك الوقت بأنها على علاقة مع رجل آخر، لأن المرأة لا تتغير بهذه الصورة الكاملة إلا من أجل رجل آخر. ولم تستطع أن تفسر له في ذلك الحين ما كان يحدث لها، حيث قالت: "كان من المستحيل جعله يفهم ما الذي كان يعمل على تغييري من الداخل، لأنني لم أكن أعرف بالضبط ما الذي يحدث". وبالتالي، فقد طلب منها مغادرة البيت، وأصبحت تعيش في منزل منفصل.


أصعب 20 دقيقة في حياتي:
لقد اشتدت الأمور عليها أكثر فأكثر، حين أعلنت صراحة أنها تحولت إلى الدين الإسلامي، إذ أصبح الطلاق في هذه الحال أمراً لا مفر منه. وكان ذلك في وقت لم يكن الإسلام فيه معروفاً على نطاق واسع في الولايات المتحدة، وكان فهم الناس له قليلاً. وكان لديها طفلان تحبهما كثيراً، كما كان من المفروض من الناحية القانونية أن تكون رعايتهما من حقها، ولكن حدثت مخالفة للقانون، وتم حرمانها من تلك الرعاية بسبب تحولها إلى امرأة مسلمة. وقد خيرّها القاضي قبل النطق بالحكم النهائي خياراً في منتهى القسوة، بحيث إمّا أن تعود عن الإسلام وتحتفظ بحضانة الطفلين، وإما أن تتخلى عنهما، وتظل على دينها الجديد. وقد منحها ذلك القاضي فترة 20 دقيقة فقط لاتخاذ هذا القرار، وبالتالي فإنه جعلها في ظل محبتها لطفليها، في مواجهة أسوأ كابوس يمكن أن تواجهه أي امرأة في حياتها، حيث إن من الصعب على المرأة أن تفارق أطفالها ليوم، أو أسبوع، أو سنة، فكيف بها وهي تواجه قراراً يمكن أن يؤدي إلى حرمانها من طفليها بصورة دائمة؟ وتقول أمينة عن تلك اللحظات: "كانت أصعب 20 دقيقة في حياتي". ولا نحتاج سوى القليل من الخيال لنتصور مدى الألم الذي تحسه امرأة تتخذ قراراً بالتخلي عن أطفالها، وتمنح 20 دقيقة فقط لاتخاذ مثل هذا القرار الرهيب. ومما أضاف إلى آلامها وأحزانها في ذلك الظرف العصيب، أن الأطباء قرروا أنه ليس بإمكانها الحمل ثانية بسبب تعقيدات صحية خاصة بها. وتقول عن تلك الفترة: "توجهت بكل مشاعري إلى الله سبحانه وتعالى، حيث كنت أعلم علم اليقين ألا حامي لأطفالي غير الله. وكنت مصممة على أن أريهم في المستقبل ألا طريق سوى الطريق إلى الله وحده". وقد اتخذت قرارها الحاسم بأن تظل على دينها الجديد، وتم انتزاع طفلها وطفلتها من حضنها، حيث أعطاهما القاضي لزوجها السابق. وليس على قلب المرأة أمرّ أقسى من أن تحرم من أطفالها لسبب واحد هو أنها اعتنقت ديانة جديدة. وتقول عن تلك الفترة: "غادرت المحكمة وأنا أعرف تماماً أن الحياة بدون الطفلين سوف تكون في غاية القسوة، وكان قلبي ينزف دماً، مع أنني كنت أعرف في داخلي أنني اتخذت القرار الصحيح". وقد وجدت كثيرا من الراحة في تلاوة عدد من الآيات القرآنية التي تتحدث عن وحدانية الله، وخلوده، حيث "الله لا إله الا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم..." إلى آخر آية الكرسي.


{أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللّهِ كَمَن بَاء بِسَخْطٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [آل عمران:162].

ربما كانت فكرة العدالة ضعيفة للغاية في ولاية كولورادو الأمريكية. وقد استطاعت أمينة أن تنقل قضيتها، بعد عناء شديد إلى وسائل الإعلام. وكانت تعتقد على الدوام أنها تسير في حياتها ضمن خطة يرضى عنها رب العالمين. وعلى الرغم من أنها لم تستطع استرداد رعاية الطفلين، إلا أن قانوناً صدر في كولورادو منع الحرمان من رعاية الأطفال بسبب اعتناق دين آخر. وكانت أمينة تعتقد أنها محاطة على الدوام بالرعاية من قبل رب السموات والأرض، ولذلك حملت الشعلة الإسلامية إلى أي مكان كان بإمكانها الوصول إليه. وكان الناس يحملون انطباعات جيدة نتيجة لحديثها الدافئ الذي يفيض بالإيمان، حيث استطاعت جهود دعوتها الإسلامية المخلصة تحويل عدد كبير من الذين استمعوا إلى أحاديثها إلى الدين الإسلامي الحنيف.


تجمعات الجاليات المسلمة أمام البيت الأبيض:
لقد أصبحت إنسانة أخرى مختلفة بعد أن هداها الله إلى دين الإسلام، كما تقول إنها أصبحت تشعر بأنها أفضل بكثير مما كانت عليه في الماضي. بل إن الأمر بلغ حد إعادة تفكير أسرتها، ومعارفها، والناس المحيطين بها، فيما حدث، والبدء في تأمل كل هذه التغييرات التي حدثت في تفكير وتصرفات أمينة. وعلى الرغم من رد الفعل الأولي من جانب أفراد أسرتها، فقد ظلت على اتصال بهم، وكانت تعاملهم بالاحترام واللين، تماماً كما يأمر القرآن المسلمين بذلك. وكانت ترسل بطاقات التهنئة إلى والدها، وإلى والدتها في المناسبات المختلفة. غير أنها كانت ترفق مع كل بطاقة تقوم بإرسالها إلى ذويها آيات من القرآن الكريم، أو أحاديث لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، وذلك دون ذكر مصدر هذه الكلمات الجميلة، والموحية في الوقت ذاته، كما أنها كانت تركز على المقاطع المليئة بالنصيحة، والحكمة، والكلمة الطيبة. ولم يمضِ وقت طويل حتى استطاعت من خلال اللجوء إلى هذا الأسلوب إحداث تغيير ملحوظ في نظرة أسرتها، ومن تتعامل معهم، نحوها، وكذلك تجاه الديانة الجديدة التي اعتنقتها.


جعلت أسرتها تعتنق الإسلام:
وكانت جدتها هي أول من تحول إلى اعتناق الدين الإسلامي، حين كانت قد تجاوزت 100 عام من عمرها. وقد توفيت هذه الجدة بعد فترة قصيرة من تحولها إلى الدين الإسلامي. وتقول أمينة عن جدتها: "لقد غفر الله لها ذنوبها بمجرد أن اعتنقت الإسلام، بينما احتفظت بكل حسناتها. ولم تعش طويلاً بعد اعتناق الإسلام، ولذلك فإنني أعتقد أن ذنوبها قليلة، ويجعلني هذا الأمر في غاية السعادة والسرور". أما الشخص الثاني في التحول إلى الدين الإسلامي، فكان والدها الذي أراد قتلها بعد أن علم بأنها اعتنقت الدين الإسلامي. وهكذا فإنه أعاد إلى الأذهان قصة سيدنا الخليفة العادل، عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعن جميع الصحابة. وكان عمر يطارد المسلمين قبل أن يعتنق الديانة الإسلامية. وحين علم في أحد الأيام أن أخته اعتنقت دين الإسلام، استل سيفه بهدف قتلها. ولكن لدى سماعه آيات من القرآن الكريم كانت أخته تتلوها، أدرك أنها على حق، وتوجه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وأعلن إسلامه. بعد عامين من اعتناق أمينة الدين الإسلامي، اتصلت بها والدتها، وأخبرتها أنها تقدر دينها الجديد، وقالت إنها ترجو أن تظل على هذا الدين، وبعد عامين آخرين اتصلت بها والدتها مرة أخرى وطلبت منها أن تخبرها كيف يمكن للمرء أن يصبح مسلماً. وردت أمينة في ذلك الحين بأن عليه أن يشهد ألا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله. وقد اعتنقت والدتها الإسلام بعد عدة استفسارات أجابت عنها أمينة، غير أنها طلبت عدم إخبار زوجها بقصة اعتناقها الدين الإسلامي.


لم تكن أمها تعرف أن زوجها سبق له أن أجرى المحادثة ذاتها مع أمينة قبل ذلك بعدة أسابيع. وهكذا فقد كان الزوجان يعيشان تحت سقف واحد، وهما من المسلمين، دون أن يعرف أحدهما بأمر الآخر. وفي مرحلة لاحقة لذلك تحولت أختها التي كانت تريد أن تحولها إلى مصحة عقلية، واعتنقت الدين الإسلامي. وبدأت هذه الأخت تعتقد أن كون المرء مسلماً هو أسلم شيء، وأحكم تصرف، يقوم به. وقد اعتنق ابن أمينة الإسلام بعد أن بلغ سن الرشد، واتصل بها في سن الحادية والعشرين وأبلغها بأنه يريد أن يتحول إلى الديانة الإسلامية.

أما زوجها، فقد اعتنق الدين الإسلامي بعد 16 عاماً من الطلاق، حيث قال إنه ظل يراقبها لمدة 16 عاماً، وأنه أراد أن تكون ابنته على طريق أمها، وأن تعتنق ديانتها الإسلامية. وقد جاء إلى أمينة، وقدم لها الاعتذارات عما بدر منه تجاهها، وأثبت بذلك أنها على خلق حسن، فسامحته أمينة على كل تصرفاته معها. ربما كانت الجائزة الكبرى لا تزال بانتظارها، حيث تزوجت رجلاً آخر، ومنحها الله طفلاً رائعاً، على الرغم من كل تأكيد الأطباء في السابق على أنها لا يمكن أن ترزق بأطفال أبداً. وتقول أمينة: "إن الله حين يريد أن يهب شخصاً شيئاً ما، فإن أحداً لا يمكنه منع ذلك". وتضيف: "كان إنجابي هذا الطفل نعمة كبرى من رب العالمين، ولذلك أطلقت عليه اسم "بركة".


داعية إسلامية:
كانت التضحيات التي قدمتها أمينة في سبيل عقيدتها الراسخة هائلة. ولذلك رزقها الله تعالى عديدا من النعم الكبرى. وقد هجرها أفراد عائلتها بعد إعلان إسلامها، ولكن معظمهم تحولوا إلى الدين الإسلامي على فترات متلاحقة من ذلك. ولقد فقدت أصدقاءها لدى اعتناقها الدين الإسلامي، فأصبحت فيما بعد محاطة بكثير من المحبين، والروّاد، حيث تقاطر عليها الأصدقاء، والمحبون من كل حدب وصوب. وأصبح الناس يتقاطرون عليها، ويستمعون إلى أحاديثها المليئة بالثقة العميقة، والإيمان الصحيح. وأحاطت بها نعم الخالق من كل جانب. وأصبحت أمينة وجهة للمسلمين وغير المسلمين الذين يطلبون منها النصيحة والتوجيه.

لقد خسرت وظيفتها لدى ارتدائها الحجاب. ولكنها أصبحت بعد ذلك رئيسة للاتحاد الدولي للنساء المسلمات، حيث كانت تلقي المحاضرات على نحو مستمر في جميع أرجاء الولايات المتحدة. وكانت منظمتها هذه وراء موافقة الولايات المتحدة على إصدار "طوابع العيد"، وتعميم استخدامها في الرسائل البريدية. ولكن لا يخفى على أحد أن ذلك استهلك جهداً، ووقتاً على مدى فترة زمنية طويلة. كانت ثقة أمينة بمحبة رب العالمين هائلة، وكانت تطلب رحمته على الدوام، ولا تفقد ثقتها بذلك على الإطلاق.


لقد سبق أن تم تشخيصها طبياً بأن لديها حالة متقدمة من السرطان، ولكنها كانت تؤمن برحمة الله، وظلت عند ثقتها بهذه الرحمة حتى حين قال لها الأطباء إنها لن تعيش سوى عدة أشهر. وتذكرت قصة أحد أصدقائها الذي كان يبلغ العشرين من عمره، وكان مصاباً بالسرطان، حيث كان يردد على الدوام أن الله رحمن رحيم، وأنه سوف يعينه على مواجهة ما به. وظل يقول إن الله شاء له أن يدخل الجنة خالياً من الذنوب، وذلك حين مات وهو في العشرين من عمره.

تقول أمينة إن قصة هذا الصديق ساعدتها كثيراً على مواجهة ظروفها الصحية. وعلى الرغم من تلك الظروف الصعبة، فقد حافظت أمينة على نهجها في التنقل عبر الولايات، والمدن الأمريكية، حيث كانت تقدم المحاضرات عن الدين الإسلامي. وكان من بين مشروعاتها إنشاء مركز لدراسة شؤون النساء المسلمات، ليكون بذلك مصدر علم للمسلمات حديثات العهد بالدين الإسلامي، وملجأ ثقافة لأطفال المسلمين. لقد توفيت هذه الداعية الإسلامية المميزة في حادث سيارة في الخامس من آذار (مارس) من العام الحالي خارج مدينة نيوبورت في ولاية تينيسي، وكانت -رحمة الله عليها- في الخامسة والستين من العمر.


ووقع هذا الحادث بينما كانت عائدة برفقة ابنها من إحدى المحاضرات التي ألقتها في مدينة نيويورك.

وأما ابنها الذي أصيب في الحادث، فقد تم تحويله للعلاج في أحد مستشفيات مدينة نوكسفيل.

رحمها الله تعالى وادخلها الجنان من أي باب شاءت واسكنها الفردوس الأعلى في الجنة.

اللهم آمين.

  • 5
  • 0
  • 21,439
  • nada

      منذ
    ما شاء الله لا قوة إلا بالله اسأل الله ان يرزقها الجنة بلا حساب ولا سابقة عذاب وأن يجعلنا جميعا مثلها

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً