خط القلم في إثبات أنَّ تفجير كنيسة (القِدِّيْسَيْنِ) مُحَرَّم (1)

منذ 2011-01-20

تصحو كثير من بيوتات المسلمين في بعض بلاد الإسلام على دوي انفجارات، وصخب تفجيرات تأكل الأخضر واليابس، ولا تفرق بين مؤمن صادق أو مستأمن في كنيسته راهب!


(رؤية شرعية واقعيَّة للأحداث الأخيرة)


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:
اللهم رب إسرافيل وميكائيل وجبرائيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنَّك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
اللهم اجعل عملي كلَّه صالحاً، واجعله لوجهك خالصاً، ولا تجعل لأحد فيه شيئاً.
اللهم افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين..


آمين آمين لا أرضى بواحدة *** حتَّى أبلغها آلفين آمينا



توطئة وتمهيد وسبب الكتابة في هذا الموضوع:
تصحو كثير من بيوتات المسلمين في بعض بلاد الإسلام على دوي انفجارات، وصخب تفجيرات تأكل الأخضر واليابس، وتعم البادي والحاضر، ولا تفرق بين محتل وغاصب، وبين مؤمن صادق أو مستأمن في كنيسته راهب!
ولقد صحا الناس على أخبار التفجيرات التي وقعت في مدينة الاسكندرية في الكنيسة الأرثوذكسيَّة المسمَّاة بـ(كنيسة القديسين) مِمَّا أدَّى لمقتل 21 شخصاً وإصابة 80 أغلبهم نصارى وقلَّة من المسلمين الذين أصابهم شيء من تلك العمليَّة التفجيريَّة، وقد استنكرها الشرق والغرب، وتحدث عن بيان تحريمها تيجان الناس من علماء الإسلام.

لكنَّ ما فاجأني حقيقة احتفال واحتفاء قلَّة قليلة من الناس بهذه التفجيرات وخصوصاً في بعض المنتديات والمواقع، وجعلها ضرباً من ضروب الجهاد في سبيل الله، ورفضهم لمن حرَّم هذه التفجيرات من أهل العلم، واتهامهم بالتمييع في الدين، وعدم الفقه الشرعي، ومداهنتهم للطواغيت وغير ذلك من الألفاظ التي يقولونها، فقد بات هذا الوضع في كثير من المواقع الإلكترونية واضحاً ولائحاً، فيحتدم النقاش وتنبري الأقلام الكيبورديَّة للقدح والردح وقدح زناد الجرح لبعض من اختلف مع بعض الشباب الذين غالوا في قضايا التكفير والتفجير، أو الحركة الشبابية الحماسيَّة التي لا تُؤطر بإطار، أو تحلى بسوار، مع عدم إنكارنا لغيرتهم على هذا الدين، لكنَّ الخلاف معهم بطبيعة أفكارهم وضعف انصياعهم لسماع الرأي الوجيه من أهل العلم الربانيين الذي يُحرِّمون هذه الأفعال!

كما أنّي حينما أكتب ذلك فإنَّ مقصد الكتابة النصح لله ولرسوله ولعامَّة المسلمين، و«الدين النصيحة» و«المؤمن مرآة أخيه» كما قال صلَّى الله عليه وسلَّم.
إنَّها كتابة ليست أشبه بتسجيل موقف، لكي يُخلِّص بعض الناس أنفسهم من تبعة ذلك الأمر فحسب، واختيار الكلمات الرنَّانة لتجريم مثل هذه الأفعال، والتي لن يصعب على أي كاتب أو داعية أن ينتقيها ويخاطب بها الناس، ويبين رأيه الشديد في بيان حرمتها أو استنكارها، فتكون أحياناً أشبه بخطابات كثير من حكَّام العرب في استنكار بعض المجازر الدموية التي تحصل من قوى الاحتلال الغاشم للديار الإسلامية، ويكتفون بذلك فحسب!!
لقد جاءت هذه الأكتوبة من شخص يشعر صاحبه بالحدب على بلاد الإسلام، والحنو عليها، حينما يراها تتقلب بها المواجع، وتكثر بها الفجائع، وتميد بها الفتن البلاقع.

بيان خطورة التدخلات الغربيَّة والصهيونية في البلاد الإسلاميَّة:
في البداية فإنَّه يقع في حدسي ويجول في خاطري ما يجول بقلوب الملايين من المسلمين:
بأنَّه لربما تكون اليد الفاعلة لهذه التفجيرات هي أيد خفية خارجية كالموساد (وذلك لأنَّهم قاموا بأعمال شبيهة بذلك وباعترافات بعضهم) فهم يسعون في الأرض فساداً كما وصف الله يهود وهم يهود!

ولقد صرَّح نواب مصريون في البرلمان ومراقبون بارتكاب جهاز الموساد الإسرائيلي حادث كنيسة الاسكندرية، ففي تصريحات خاصة قال النواب صبحي صالح ومصطفى بكري وسعد عبود لـ جريدة "القدس العربي" أنَّ الحادث يحمل رائحة جهاز الموساد وشدد بكري على أن رئيس الاستخبارات الإسرائيلية السابق كشف النقاب صراحة مؤخراً عن ضلوع الموساد في تأجيج ملف الفتنة الطائفية والوقيعة بين المسلمين والنصارى، وربما كان الغرض منه التغطية على خبر القبض على عملاء للموساد في مصر، والضغط على الحكومة المصرية بشأنهم!

ولأجل ذلك اعتبر اللواء أحمد عبدالحليم -وكيل لجنة العلاقات الخارجية والأمن القومى بمجلس الشورى- أن تفجيرات (كنيسة القديسين) بالإسكندرية هى رد فعل طبيعي من العدو الصهيونى نتيجة للمبالغة الشديدة من قبل الإعلام المصرى الذى احتفل بالقبض على الجاسوس المصري الذى يتجسس لصالح اسرائيل، وأظهر الفشل الذريع للموساد والحديث المستمر عن تفوق المخابرات العامة المصرية فكان من الضروى لهذه الجهة القيام بعمل يغطى على فشل هذه العملية.
ولربما ما ينفك الموساد أو غيرهم مِمَّن تُشار إليه أصابع الاتهام عن الانتهاء من عملهم المجرم حتَّى يحاولون إلصاق هذه الأفعال المُحرَّمة بالمسلمين، أو أنَّهم قد يستخدمون بعض الحمقى من المسلمين؛ لقيامهم بمثل هذه التفجيرات المحرَّمة من خلال اختراق بعض التنظيمات المقاتلة، وذلك خدمة لمصالحهم الخاصَّة؛ للقيام بمثل هذه التفجيرات التي لا يقرها شرع ولا عقل ولا ضمير، ويكون خلفها بالفعل أصابع مجرمة تريد زرع الفتن والقلاقل في بلاد المسلمين.

وإنَّ مما قيل عمَّن يشار إليه بأصابع الاتهام في طبيعة هذا التفجير، ما أوردته بعض وسائل الإعلام عن تصريح بعض الجماعات المسلحة الإسلاميَّة، وقولهم في بيان لهم قبل مدَّة ليست بالطويلة: "إنه إذا لم يُلَبِّ الأقباط مطلب التنظيم؛ فسيفتحون على أبناء مِلّتهم بابًا لا يتمنونه أبدًا، ليس بالعراق فحسب؛ بل في مصر والشام وسائر بلدان المنطقة؛ فلديهم عندنا مئات الآلاف من الأتباع ومئات الكنائس، وكلها ستكون هدفاً لنا" ا.هـ

وهذا هو السبب الوحيد والرئيس الذي يجعلنا نقول: إنَّ بعض المسلمين قد يكون لهم دور أو تورط في القيام بمثل هذه الممارسات، وهو السبب الذي جاءت لأجله هذه الرسالة التي تُبَيِّنُ تحريم التفجيرات التي جرت في كنيسة النصارى بالاسكندريَّة، مع أنَّه لا يمكن الحكم على أنَّ من قام بها أحد من المسلمين -كما يريد أن يدندن بعض المُغرضين لحاجة في
أنفسهم- إلاَّ ببينة وبرهان وحجَّة ودليل -ولم يظهر شيء من ذلك إلى الآن-، وليس أن تتهم مجموعات إسلامية أياً كانت ومن ثمَّ تظهر الحقائق أنَّه ليس لهم في هذه التفجيرات ناقة ولا جمل، ولا خطام ولا زمام، كما حدث في حادثة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري حيث خرج تسجيل (مفبرك) لرجل ملتحٍ يقال له: (أحمد أبو العدس) وهو يلبس العمامة البيضاء ويقرأ بياناً ومن خلفه الراية السوداء ومكتوب عليها "جماعة النصرة والجهاد في بلاد الشام" ويعلن مسؤوليتها عن الاغتيال، وذلك بسبب علاقات الحريري بالسلطات السعودية!!

وهو تسجيل لم يقنع غالبية الللبنانين، فضلاً عن المسلمين، ثمَّ نُسي هذا التسجيل بعدما تمَّ استغلال رجل -الله أعلم بحاله- كيف استخدمه أولئك وأقنعوه أو أخضعوه ثمَّ استخدموه، وكيف جاء ولُبِّس هذا الأمر وقام به، وحاولوا في البداية إلصاق هذا الأمر بهذه الجماعة التي لم يسمع لها مطلقاً عمل ما سابقاً لتلك الحادثة ولاحقاً كذلك، بل قد كشف أمير "القاعدة في بلاد الرافدين" سابقاً أبو مصعب الزرقاوي أنه لا يوجد أي فصيل جهادي تابع للقاعدة بهذا الاسم في المنطقة، وبعد أن تمتَّ المسرحيَّة واختفى أمرها وأثرها ولم يعد يتحدث أحد عنها، بدأت الحقائق الواضحة تشير بأصابع الاتهام في اغتيال الحريري وتُوَجَّه لقوى مؤثرة عالمية وتنظميات معروفة في الميدان.

هذه المسرحيَّة يجيد صنعها بالفعل أعداء الإسلام ويحيكون خيوط المؤامرة بدقة، ويحاولون كذلك ألاَّ ينسبوا شيئاً من خلال هذه التفجيرات إلاَّ للمسلمين، لمزيد كراهية فيهم، ولأنَّهم يعلمون أنَّه الدين الحق، ولإبعاد غير المسلمين من الاقتناع به، حقداً وحسداً من عند أنفسهم...

قلت ذلك؛ لكي يُعلم أنَّ مثل هذا الشيء قد حدث ولكن بصورة مغايرة، في أحداث تفجير الكنيسة في الاسكندرية، حيث قامت الإذاعة اليهودية في الكيان الصهيوني بنسبة هذا العمل لجماعة جهادية غير معروفة تطلق على نفسها "مركز المجاهدين" وأنَّها تُعلن تبنيها لتفجير كنيسة "القديسين" في الإسكندرية... وتستند هذه الدعاوى على تحريض سابق لاستهداف الكنائس المصرية في أيام أعياد النيسان النصرانية نشر على شبكة شموخ الإسلام المقربة من تنظيم القاعدة قبل أسبوعين، بل انقادت وسائل الإعلام العربية ومنها (قناة العربية) نموذجاً كالعادة وبدون تأكد ونسبت ما نسبته الإذاعة الإسرائيليَّة لهذا المركز...

وبعد أيام قلائل ينفي هذا المركز الإعلامي تبنيه لهذه التفجيرات ببيان صادر عن شبكة المجاهدين الإلكترونية، بنفي ما تناقلته الصحف والمواقع بعد تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية في أرض الكنانة (مصر) بأنَّ هذا المركز هو القائم بها، ويذكر أنَّه مركز لا علاقة له بأية جهة تنظيمة أو حزبيَّة وأنَّه لا يقوم سوى بالعمل الإعلامي لنشر صور وأعمال الحركات الجهادية.
أقول هذا لإقرار مسألة مهمَّة وهي خطورة ما يقوم به أعداء الإسلام في نسبة الأفعال المحرَّمة في دين الإسلام للمسلمين، واتهام بعض الجماعات الإسلاميَّة بها، وجعلها شمَّاعة يعلِّقون عليها ما يشاؤون من أعمالهم التي لا تزرع سوى الفتنة في بلاد المسلمين، وقد تقع بالفعل بعض هذه الجماعات بأخطاء أو أعمال محرَّمة وغير جائزة شرعاً، ولكن تقوى الله يجب أن تكون أمام أعيننا في اتهام مجموعة أو أحد بعينه إلى أن يثبت القائم بها.

ومن المهم التحذير من الانسياق خلف الآيديولوجيات الغربية التي تريد أن تنال من الإسلام من خلال هذه الحركات التي لا أشك كذلك بوجود حالة اختراق في صفوفها بسبب طبيعة هيكليتها الحركيَّة والتنظيميَّة وما حادثة (الجاسوس) المسمَّى: (محمود قول آغاسي أبو القعقاع الشامي) واختراقه لبعض الحركات الجهادية في العراق وتقمُّصه العلم والمشيخة وتثوير الشباب للجهاد، ما تلك الحادثة ببعيدة عمَّن كان يسمع به ولربما كان يُعجب بمنطقه، فضلاً عن انخداع بعض الناس به، مِمَّا يُعدُّ مثالاً لاختراق بعض الأنظمة أو الحركات الخفيَّة الغربية لمثل هذه الحركات الإسلامية، مما يستدعي وجوب الحذر والانتباه قبل الثقة بالأشخاص في عالم مليء بالأكاذيب ومخضب بالدهاء والنفاق السياسي والاجتماعي.

وبعد هذه المقدمة المهمَّة في ضرورة الحذر من التأثر بالسموم الإعلاميَّة في إلصاق أي شيء بالمسلمين أو بالحركات الجهادية، وضرورة التثبت والتأكد والتبين قبل اتهام الآخرين جزافاً بدون بينة أو برهان، والوقوف مع قول الله تعالى: {ولتسألن عمَّا كنتم تعملون} والقول عمل، وقوله تعالى: {ستكتب شهادتهم ويُسألون} فإني أقول:

السبب الحقيقي لوجود الأزمة الكنسيَّة في مصر:
وقبل الحديث عن تحريم ما جرى بكنيسة الاسكندرية في مصر، ومع ضرورة التأكيد على حرمة ما حصل فيها من تفجير، ومع التأكيد ثانياً على أنَّ ما سأذكره من أسباب، لا يعني بالمطلق إيجاد ذرائع لأعمال العنف مهما كان مصدرها، فذكر السبب مهم برأيي لكي ندرك لماذا آلت الأمور لما صارت إليه.

إنَّ من اللازم بداهة أن نتحدث عن قضيَّة أحسب أنَّها هي الشرارة التي أضرمت نيران هذا التفجير، والزوبعة التي قلبت المعادلة، حينما تستغل ذلك أيَّة طائفة (قد تنتسب للإسلام) تريد القيام بمثل هذا التخريب في الكنيسة، مع تركيزي على أنَّه وحتى الآن لم يتم الإعلان الحقيقي عمَّن يقف وراءها..
إنَّ أكبر سبب داعٍ لهذه التفجيرات فذلك يعود في رأيي إلى شقين مهمين جداً:

أولاً:
من كان سبباً لذلك حينما زرع بذور الفتنة وسقاها بالماء، وهم رؤوس النصارى سواء أكان البابا شنودة أو نظير جيد روفائيل زعيم عصابة الأمة القبطية، أو بيشوى وغيرهم، ممَّن كانوا خلف اختطاف المسلمات اللاتي تركن دين النصارى ودخلن في الإسلام طوعاً مثل: (كاميليا شحاتة، وفاء قسطنطين،عبير ناجح إبراهيم، وماريان مكرم عياد، كريستين مصري قليني، تيريزا إبراهيم، وغيرهم فهؤلاء المعروفات إعلاميًّا ومن خفي كان أعظم) وقد تناقلت وسائل الإعلام أخبار تعذيبهنَّ بشدَّة، بل فقدان إحداهنَّ لعقلها، مع العلم أنَّ أغلب هؤلاء النسوة مِمَّن كنَّ زوجات لبعض الكهنة، ولأجل ذلك اختطفن وعذِّبن من زبانية الإجرام النصراني في الكنائس وأقبية وأديرة التعذيب، حتَّى لا تهتز صورة الكاهن أمام الرأي العام من النصارى في مصر، وبالطبع فإنَّ القس اللص (سارق الأخوات) (البابا شنودة) رفض أن يدلي بتصريحات عن مكان وجود كاميليا شحاتة لدرء الفتنة كما يزعم!
ثمَّ يقول باستهتار بعاطفة أكثر من 95% من الشعب المصري وبكل فجاجة: "الناس هاتنسي كاميليا زي ما نسيت وفاء قسطنطين ودي أحسن حاجة في الشعب المصري"! وهذا سيصنع في الحس اللاشعوري لدى الوعي العام للشعب المصري أو من يتابع قضية الأسيرات المسلمات المختطفات، حالة من الضغط والكره والعداء، لقادة الكنائس في مصر، ولربما ولَّد عند بعض المندفعين لمعالجة الأمور ما يسبب تفاقم المشاكل والسبب في ذلك، الجرائم الكنسيَّة ضدَّ الأسيرات المصريات المسلمات.

لقد شهِدَ بذلك كذلك، وما عرضته من أنَّ سبب ما جرى ممارسات قيادات الكنائس المصريَّة، أحد القساوسة المصريين وهو القس إكرام لمعي كما ورد في صحيفة المصريون الالكترونية، وقال القس إكرام لمعي، أحد قيادات الكنيسة الكاثوليكية لـ "المصريون": "إن الاحتقان الطائفي الذي ساد مصر خلال المرحلة وتصاعد التوتر بين الدولة والكنيسة الأرثوذكسية لعب الدور الأبرز في تهيئة الأجواء لحدوث تفجير كنيسة الإسكندرية، لافتا إلى أن "علو الصوت الطائفي داخل الكنيسة، واستفزاز قيادات كنسية للأغلبية المسلمة، وإصرار الكنيسة على احتجاز سيدات ترددت أنباء عن اعتناقهن الإسلام كلها عوامل أسهمت في حدوث التفجير الذي لم تتبنه جهة حتى الآن، وانتقد لمعي قيادات الكنيسة الأرثوذكسية، معتبرا أن تعاملهم مع الملف القبطي من منظور طائفي والاستماع لأصوات متطرفة في الداخل والخارجي هو من الأسباب التي أدت إلى حدوث التوتر بين الطرفين وتهيئة الساحة لمثل هذه الأعمال، مطالبا قيادات الكنيسة بالتعامل بشكل موضوعي مع الدولة والبعد عن نهج المواجهة، باعتبار أن هذا النهج لا يخدم مصالح المسلمين والأقباط في مصر".
فهذه شهادة من أحد قساوستهم تُبيِّن أنَّ النصارى في مصر كانوا هم السبب الحقيقي لوجود مثل هذه الأزمات والنكبات التي حصلت في مصر.

مع أنَّ عموم العلماء والمشايخ وكذا من كانوا خلف كشف الظلم الواقع على الأخوات الأسيرات، كانوا يستنكرون قيام الكنائس وقياداتها باحتجاز المسلمات، وسبِّهم للقرآن والرسول عليه السلام، ومع ذلك كانوا يُحذِّرون الشباب المندفع لنصرة إخوانه بألاَّ يقع منهم تجاوز لحدود الله تعالى في التعامل مع هذه الأزمة بل يتمثَّلُون قوله تعالى: {قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّـهِ وَاصْبِرُوا ۖ إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّـهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ . قَالُوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ۚ قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [الأعراف:128-129].
فما كان أهل العلم إلاَّ سداً منيعاُ في الوقوف ضدَّ أي فتنة في مصر؛ للحيلولة لكلِّ من يريد أن يتربَّص بهم الدوائر والسوء، فإنَّ أهل العلم قاطبة كانوا ضدَّ هذه التفجيرات، وكانت لهم طرقهم الخاصَّة في التعبير عن الرفض لممارسات النصارى من ترويع للمسلمات وخطفهنَّ، وغير ذلك وهو أمر معلوم.

إنَّ أهل مصر مسلمهم ونصرانيهم وقد عاشوا لأكثر من 1400 عاماً بكل تعايش وتسامح مع احتفاظ كل منهم بعقيدته، بل بشهادتهم أنفسهم أنَّهم حينما عاشوا في ظل حكم الشريعة الإسلاميَّة سابقاً كانوا أسعد حالاًُ وأكثر أمنا..
وقد يستغرب القارئ حينما أسوق له ذلك، وأذكر له أنَّ من قال ذلك ليس غريباً عن أذهانهم، بل هو الذي تدور حوله الأحاديث، وهو (الأنبا شنودة)، ليعلم القاصي والداني عظمة هذا الدين الإسلامي، وأن شريعته السمحاء هي العاصمة لأمن مصر، فيقول: "إن الأقباط، في ظل حكم الشريعة، يكونون أسعد حالاً وأكثر أمنًا، ولقد كانوا كذلك في الماضي، حينما كان حكم الشريعة هو السائد. نحن نتوق إلى أن نعيش في ظل "لهم ما لنا، وعليهم ما علينا" إن مصر تجلب القوانين من الخارج حتى الآن، وتطبقها علينا، ونحن ليس عندنا ما في الإسلام من قوانين، فكيف نرضى بالقوانين المجلوبة، ولا نرضى بقوانين الإسلام؟!!" عن صحيفة الأهرام المصرية، 6 مارس 1985م.

ولكنَّ النصارى وللأسف الشديد، لم يكونوا حماة للنسيج الاجتماعي، وبعداء عمَّا يمس بأمن مصر واستقراره، فبتشجيع من أمريكا ورؤوس الأموال من أقباط المهجر، بدؤوا ينادون ببعض الحقوق التي لا يمكن أن تنادي بها أقليَّة مسلمة في الدول الغربيَّة من قبيل زيادة بناء الكنائس بشكل واسع، ويأتي قادتهم النصارى من قساوستهم المرتبطين بأجندة وبرامج خارجيَّة ويريدون إيقاد الفتنة وإشعالها، باعتقال المسلمات، وسب القرآن، وسب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، والفتنة نائمة لعن الله من أيقظها، والسبب في ذلك قادة الكنائس المصريَّة في الداخل المصري، وأقباط المهجر بقساوستهم وقُمُصِهِم وروؤس أموالهم، والذين يريدون شراً للأمَّة المصرية والشعب المصري بأكمله.

إنَّ قادة النصارى إن كانوا يعقلون هم الذين جنوا على أنفسهم بمثل هذا الحادث التفجيري المُحرَّم، لأنَّهم كانوا سبباً فيه، وعلى فرض أنَّ هذا التفجير كان خلفه قلَّة من السواد الأعظم من المسلمين وإن صحَّ وجود ذلك منهم، فلقد جاءت لقادة كنائس النصارى تهديدات من تنظيمات إسلاميَّة قتاليَّة، لكي يُفرجوا عن المسلمات المختطفات في أديرة النصارى، وأنَّ النصارى إن لم يفعلوا ذلك، فستفتح عليهم تلك التنظيمات حرباً لا هوادة فيها، ومع إقرارنا أنَّ ما حصل في تفجير كنيسة النصارى بالاسكندرية محرَّم شرعاً، ولكن صدق (البابا شنودة) حينما قال:


قل لمن يزرع أشواكاً كفى *** هو نفس الشوك أيضاً سوف تجني!


لكنَّ (البابا شنودة) وقع فيما حذَّر منه، فما زرعه شنودة من إرهاب حقيقي ضدَّ المسلمات، جناه بمثل هذا التفجير المُحرَّم وغير المُسوَّغ شرعاً وضميراً إذ لا ذنب لأولئك الذين ماتوا بسبب هذا التفجير من عوام النصارى، ولكن ليس جميع الناس يفهمون دينهم بالطريقة المرتضاة، ومن زرع شوكاً لا يمكن أن يحصد العنب!

ثانياً:
سكوت الدولة والحكومة المصريَّة ورضوخها للجرائم التي يقوم بها الكثير من قادة الأقليَّة النصرانية التي لا تبلغ 5% في مصر، له دور كبير فيما يحصل من احتقان كبير جداً بين المسلمين والنصارى في مصر، ولهذا فلقد أكَّد المفكر النصراني د. رفيق حبيب: "الدولة المصريَّة تتعامل بعنف وفجاجة مع التيارات الإسلامية وتنحاز للأقباط على حساب التوازن المجتمعي مما أدى للانتقام بهذه الطريقه البشعة".

وتصديقاً لذلك فإنَّه يمكن الإشارة في هذا المقام إلى واقعة تاريخية خطيرة: وهو أنه بعد قيام ثورة يوليو 1952 قام عبدالناصر وأعوانه من الضباط الأشرار بتأميم كل شيء ليصبح ملك للدولة حسب النظرية الاشتراكية، وأممت الأوقاف الإسلامية بأسرها ومنذ ذلك الحين والأوقاف في تدهور حيث آلت إلى الدولة وخزانتها فحسب، وأصبح الأئمة والمؤذنون أقرب إلى المتسولين وذلوا بعد عزة، وأما الأوقاف النصرانية فلم تؤمم، فتوفرت لديهم الأموال التي استثمروها وتاجروا بها، وعندما سمح لهم ببناء الكنائس بنوا قلاعا ضخمة لكن أسموها كنائس.

فالحكومة المصريَّة وعدم تعاونها مع المسلمين بوجوب إخراج الأسيرات المسلمات من قيدهن، بل الملاحقة الأمنيَّة لمن يكشف حقيقة معاناتهنَّ، وسجنهم، واتهامهم بأنَّهم يروجون لـ(الفتنة الطائفيَّة)، وما دروا بل قد دروا أنَّ الذي أشعلها وأضرم نيرانها قادة الكنائس المصريَّة، من مثل قول كبيرهم الأفاك الأثيم (الأنبا بيشوى) أنَّ النصارى هم أهل البلد الحقيقيون، وأن البقية الذين يمثلون 95% من المسلمين أنهم ضيوف على مصر القبطيَّة بحد زعمه، ولا نجد رد فعل حقيقي للرئاسة والحكومة المصريَّة غير السكوت من غير أن تحرك ساكنا!!
وجدد ذلك النصراني الخبيث مجدى خليل، مدير منتدى الشرق الأوسط للحريات بالمهجر، هجومه على الإسلام، ويردد ما يقوله (بيشوى) فيقول: "إن المسلمين ضيوف على مصر وهذه حقيقة تاريخية".

ولا أدري لو أنَّه تسامعت الحكومة المصريَّة بوجود قيادات حقيقيَّة دخلت مصر من تنظيم القاعدة وأنَّهم يجلبون الأسلحة ويضعونها في المساجد (وهذا على سبيل المثال)، فماذا ستفعل تلك الحكومة المصريَّة إلاَّ الانقضاض من خلال جيشها وعدَّتها وعتادها لاعتقالهم وتقديمهم للمحاكمة، وأنَّهم يسعون لتخريب البلد، وزعزعة الأمن والاستقرار فيها؛ فإن كان الأمر كذلك فلم لا يكون هذا منصباً على قيادات تلك الكنائس التي باتت أديرتها مستودعات للأسلحة، مع تهريب المتفجرات كذلك لتلك الكنائس، وظهور الأسلحة عياناً بيد النصارى ولاسيما الأنبا ويصا في حادثة الكشح؛ مع ظهور حالات الخطف والاغتيال للمسلمات من بين الناس في الشوارع واعتقالهنَّ وكأنَّ تلك الأقليَّة دولة كاملة تحكم داخل دولة، بل تعلن الحرب على تلك الدولة وشعبها جهاراً نهاراً.
وبوضوح وصراحة فإنَّ هنالك تساؤل يفرض نفسه كذلك وهو: لو ثبت أنَّ من كان خلف هذه العملية المحرَّمة الموساد، أو بعض المجرمين من أقباط المهجر لاستغلال هذه الأحداث لصالحهم، فماذا يا تُرى ستكون طريقة محاكمتهم؟
وهل ستقدر الحكومة المصرية على مواجهتهم بالطريقة التي تواجه بها أيَّة مجموعة مسلَّحة إسلاميَّة إن ثبت أنَّها كانت خلف هذه الحادثة؟!

وهل ستبقى القضية ملتهبة ضدَّهم في الإعلام الرسمي، وتطالب الحكومة المصريَّة بصراحة باعتذار (شنودة) وكذلك أقباط المهجر، مع تقديم الجاني ومن كان خلفه للمحاكمة؟!
أم أنَّ الملف سيغلق، وتبقى القضيَّة غامضة، ولا يُعرف من كان خلفها، فهنا سؤال وجيه للغاية!!

بيان الأسباب الداعية للحديث عن تحريم تفجير الكنائس في مصر:
السبب الذي دعاني للحديث عن تحريم مثل هذه التفجيرات التي طالت الكنيسة بمصر عائد لعدَّة جوانب وأوجه، يقع تحتها ما يُقال في تحريمه:
1) فقه النصوص الشرعيَّة.
2) فقه المقاصد.
3) فقه المصالح والمفاسد.
4) فقه الواقع.
5) فقه اعتبار المآلات.

وبما أنَّ هذه التفجيرات باتت حلقة في سلسلة، ولخشيتي من استمرار ذلك، فإني أكتب هذا المقال الشرعي، تبياناً لتحريم ما جرى في مصر لتفجير كنيسة القديسين، وقد استجلب سبب هذا المقال ما لدى بعض الشباب من المتحمِّسين والمندفعين، بمباركة هذه التفجيرات والمبالغة في مدحها، ولربما كتابة الدراسات والمقالات الشرعيَّة في تقرير هذه الأفعال، أو أن يقول قائلهم: (لم آمر بها ولم تسؤني) فكان هذا المقال، درءاً للفتنة، وتبياناً للأمَّة، كما قال القائل سابقا:


أرى خلل الرماد وميض جمر *** ويوشك أن يكون لها ضرام
فإن النار بالعودين تذكى *** وإن الحرب مبدؤها كلام
فإن لم يطفها عقلاء قومي *** يكون وراءها فتن عظام



أدلَّة التحريم من النصوص الشرعية:
النصارى في مصر أو في غيرها كفرة بالرحمن وعبَّاد صلبان ويقولون على الله وفي الله أقوالاً بشعة وكفريَّة،
قال تعالى: {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّـهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة:17].
وقال تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة:1].
إلاَّ أنَّ كثيراً منهم يعيشون مع المسلمين المصريين في تسامح وتعايش بطبيعة الحال والواقع، مع احتفاظ كل من المسلمين والنصارى بعقائدهم، ولربما حدثت في زمن سابق بعض الحوادث النادرة التي تشوبها شوائب الفتنة وضرب الخلافات المؤثرة بين الطرفين فيحصل جرَّاء ذلك بلاء وفتنة، لكنَّ الأصل في التعامل معهم قول الله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة:8].
فالتعامل معهم يكون بالبر وهو بذل المعروف وكف الأذى، وتأليف قلوبهم لكي يدخلوا في الإسلام، والعدل معهم دون ظلمهم، حتَّى لو ظلم بعضهم أحد المسلمين فلا يجوز للمسلمين أن يظلموا من كان بريئاً منهم، وأن يعصوا الله تعالى فيهم، فإنَّهم وإن عصوا الله تعالى فيهم فليس على المسلمين إلاَّ أن يطيعوا الله فيهم.

وإنَّ ما قامت به هذه الفئة التي كانت وراء الاغتيالات أيا كانت وجهتها وهيئتها، فإنَّها قد وقعت في الإفساد بالأرض بغير الحق فالله تعالى يقول: {أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة:32].

صحيح أنَّ هؤلاء الأقباط النصارى ليسوا أهل ذمَّة، وذلك لتهاوي نظام الحكم الإسلامي، وعدم الحكم بما أنزل الله عليهم وعلى المسلمين كذلك، وعدم دفع النصارى الجزية مع الاستسلام، وذلك يرجع لاختلاط الأمور الآن حابلها بنابلها في الدولة المدنيَّة المصريَّة الحديثة، ووجود بعض الفقهاء المعاصرين -وللأسف- والذين يريدون إلغاء أحكام أهل الذمَّة والاكتفاء بالقول أنَّهم مواطنون لا ذميون، وغير ذلك من الدعاوى التي تطلق من بعض فقهاء العصر الحديث، والكتاب الصحفييين وغيرهم.
ويشرح أهل العلم حقيقة الذميين فيقول ابن قدامة الحنبلي رحمه الله: (ولايجوز عقد الذمة المؤبدة إلا بشرطين: أحدهما: أن يلتزموا إعطاء الجزية في كل حول، والثاني: التزام أحكام الإسلام وهو قبول مايُحكم به عليهم من أداء حق أو ترك محرم، لقول الله تعالى {حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة:29]) (المغني والشرح الكبير).
والصغار هو التزامهم لجريان أحكام الشريعة الإسلامية عليهم، ذكره ابن القيم وغيره (أحكام أهل الذمة).
إنّني كذلك لا أستسيغ ما يقوله بعض الفقهاء بإطلاق عام بأنَّ النصارى في مصر كلهم أهل عهد وأمان، والذي يظهر لي والعلم عند الله أنَّ النصارى الأقباط في مصر على قسمين:

فمنهم من هو حربي آذى الله ورسوله والمسلمين ونقض عهده وأمانه مع المسلمين، بسبب ما سقناه سابقاً من أسباب اعتداء الكنائس والكثير من قيادتها على حرمة المسلمات، وسب القرآن كما يفعل (بيشوى) وقوله بأن (بعض الآيات في القرآن أضيفت إليه بعد وفاة النبي محمد -صلَّى الله عليه وسلَّم-، وذلك خلال عهد الخليفة عثمان)، وسب الدين الإسلامي والسخرية منه ومن نبيه كما يفعل (زكريا بطرس) وبعض قساوستهم وقُمُصِهِم.

وعلى كلِّ حال فإنَّ ثبت لنا وجود بعض المحاربين منهم للمسلمين، فإنَّ بحث محاربتهم ومقاتلتهم له محل آخر ليس محلّه هذا المبحث، فلربما يكون الشخص محارباً ويكون من الحكمة عدم قتاله وذلك راجع لتحقيق مصالح ودرء مفاسد، وفقه لاعتبارات واقع الحال والمآل، ولا يمكن أن يتحدث فيه إلاَّ من كان في مصر ورأى الواقع عن كثب، من أهل العلم الربانيين الصادقين.
وتبقى بقيَّة من النصارى إحقاقاً للحق وعدلاً وإنصافاً لا ترتضي ما يحصل من قيادتهم، وإن كان بعضهم يُصرِّح بذلك ويكتب رداً على تلك المزاعم وأخطاء قياداتهم الكنسيَّة كما كتب(هاني سوريال) مقالة له بعنوان: (جريمة الإسكندرية.. رؤية مغايرة) وهو وإن كان نصرانياً لكنَّه كان ينتقد تعامل قيادات الكنائس مع المسلمات ويطالب بإخراجهنَّ من سجون الظلم والطغيان في أديرة الرهبان، ومثل هذا الشخص من النصارى كثير.

فمثل هؤلاء يعيشون مع المسلمين بمصر منذ مئات بل أكثر من 1400 عام، فلهم حق في عيشهم داخلها باعتبار أنَّهم من أهلها مع الأغلبيَّة الساحقة من أهل مصر من المسلمين في ديارهم كذلك، وقد جرى العرف العام أنَّهم يعيشون بأمان وسلام، سواء أكان ذلك بعهد أو أمان أو حتَّى شبهة أمان، وفي نهاية أمرهم أنَّهم يشعرون أنَّهم في بلد آمن لهم، بل لهم الآن كل الحقوق بما يسمى حقوق المواطنة دون تمييز لهم عن المسلمين، بل لربما بعضهم يكون أفضل وضعاً مادياًُ ومعنوياً من المسلمين وللأسف... وذلك كلَّه بسبب عدم تحكيم شريعة الرحمن في مصر..

ولعلَّ كثيراً من هؤلاء المستأمنين أو المعاهدين كانوا في تلك الكنيسة التي قام ذلك الشخص بتفجيرها، فراح ضحيَّتها من لا ناقة له ولا جمل، ممن كان يحتفل بعيده ويمارس طقوسه الخاصة به وبدينه، فإنَّ مثل هذا العمل بكل تأكيد لا يجوز، لأنَّهم ما ذهبوا هنالك إلاَّ لشعورهم بالأمان، ولو حصل الخلل في نقض العهد من بعضهم فلا يستسيغ ذلك أن ينقض العهد معهم جميعاً لأنَّه كما قال تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ} [الأنعام:164].
فعلى المسلمين أن يرعوا حقَّ هذا العهد الذي شعروا به إيفاء لما في القرآن الكريم، بقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}؛ وقوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً}، وقال تعالى: {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [النحل:91].

بل إنَّ الوفاء بالعهود من سمات المؤمنين الصادقين، قال تعالى: {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِى الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة:177].
ولما أخرجه البخارى في صحيحه، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا يُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا».
بل حرَّم الرسول صلى الله عليه وسلَّم ما هو أدنى من القتل للمعاهد، فقال: «ألا مَن ظلم معاهداً، أو انتقصه، أو كلّفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئاً بغيرِ طِيب نفس؛ فأنا حجيجُه يوم القيامة» (رواه أبو داود في سننه وجوَّد إسناده العراقي وحسَّنه ابن حجر وصححه الألباني).
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لكل غادر لواءٌ عند استه يوم القيامة يعرف به» (رواه مسلم).
قال النووي رحمه الله: "اتفق العلماء على جواز خداع الكفار في الحرب كيف أمكن الخداع إلا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يحل".
وصحَّ عنه صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: «ألا لا تحلُّ اللقطَةُ من مال معاهدٍ إلا أن يستغني عنها» (أخرجه أبو داود وحسَّنه ابن حجر وصحَّحه الألباني).

فإذا كانت اللقطة التي تسقط من مال المعاهد لا يجوز للمسلم أن يأخذها إلاَّ بحقها وهو سماح المعاهد له بأخذها، فما البال بقتلهم والتفجير بهم، في كنائسهم وأماكن عبادتهم، بل وفي يوم عيدهم!

ولهذا فمن شعر أنَّه يعيش في أمان في بلاد الإسلام، فلا يجوز قطعاً الغدر به، لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «من أمن رجلا على دمه فقتله فإنه يحمل لواء غدر يوم القيامة» (أخرجه النسائي في الكبرى، وصحَّحه الألباني).
وورد بلفظ: «من أمن رجلا على دمه فقتله فأنا بريء من القاتل، وإن كان المقتول كافرا» (أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" والطحاوي في "المشكل" وقال العقيلي: إسناده صالح، وصحَّحه السيوطي والألباني).
إنَّ الكافر يُعصم دمه بالأمان الصريح الصحيح وبالأمان الفاسد -الذي هو شبهة أمان- تغليباً لحقن الدماء، ولئلا يترتب عليه الصد عن سبيل الله، لأن قاعدة الشريعة أن الحدود تدرأ بالشبهات، فالكافر يصحُّ أمانه بكل ما يظنُّه أماناً عاصماً لدمه ولم يستبح دمه لأجل الشبهة.
ولقد روى سعيد بن منصور في سننه عن عمر رضي الله عنه أنه قال: (لو أن أحدكم أشار بإصبعه إلى السماء إلى مشرك فنزل -أي ظناً أنه أراد الأمان- فقتله لقتلته).
وقال أحمد: (إذا أشير إليه -أي الكافر- بشيء غير الأمان فظنه أماناً فهو أمان).
وقال ابن جزي في القوانين الفقهية: (ولو ظن الكافر أن المسلم أراد الأمان والمسلم لم يرده فلا يقتل).
وقال شيخ الإسلام: (ومعلوم أن شبهة الأمان كحقيقته في حقن الدم).
ويقول شيخ الإسلام: (لأن الحربي إذا قلت له أو عملت معه ما يعتقد أنه أمان صار له أمان).
وقال السرخسي: (وذلك لما بين أن أمر الأمان شديد والقليل منه يكفي).
ومن شبه الأمان التي تعصم بها دم الكافر: أن يؤمنه كافر بين المسلمين ظنه الكافر المؤمن مسلماً، أو علمه كافراً إلا أنه ظن أن أمانه يصح، وعلى هذا نص الأئمة.

فقد روى ابن وهب بإسناده كما في المدونة في "باب أمان المرأة والعبد والصبي" أن عمر رضي الله عنه بعث كتاباً إلى سعيد بن عامر وهو يحاصر قيسارية فقال فيه: "وإذا أمنه بعض من تستعينون به على عدوكم أهل الكفر فهو آمن حتى تردوه على مأمنه أو يقيم فيكم، وإن نهيتم أن يؤمن أحد أحداً فجهل أحد منكم أو نسي أو لم يعلم أو عصى فأمن أحداً فليس لكم عليه سبيل من أجل أنكم نهيتموه فردوه إلى مأمنه إلا أن يقيم فيكم، ولا تحملوا إساءتكم على الناس فإنما أنتم جند من جنود الله".
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «... وذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلماً، فعليه لعنة الله وملائكته والناس أجمعين، لا يُقبل منه يوم القيامة صرفٌ ولا عدلٌ» (رواه البخاري).
قال النووي رحمه الله: "قوله صلى الله عليه وسلم: «وذمّة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم» المراد بالذمة هنا الأمان. معناه: أن أمان المسلمين للكافر صحيح، فإذا أمّنه به أحد المسلمين حرُم على غيره التعرُّض له ما دام في أمان المسلم، وللأمان شروط معروفة... وقوله صلى الله عليه وسلم: «فمن أخفر مسلمًا فعليه لعنة الله» معناه: من نقض أمانَ مسلم فتعرّض لكافر أمَّنه مسلم، قال أهل اللغة: يقال: أخفرتُ الرجل إذا نقضتُ عهده، وخفرته إذا أمَّنته".
فهذا كلام العلماء في معنى الإخفار، فما البال إن كانت هذه العملية التفجيريَّة مات بسببها كذلك أناس من أهل الإسلام، وكذلك جُرح منهم الكثير، فهذه مصيبة كبرى، والله المستعان.

وحينما ندرك خطر قتل من كان كذلك، فإنَّ هذا القتل وإسالة الدم، أمر محرَّم شرعاً وهو من الكبائر، فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اجتنبوا السبع الموبقات» قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: «الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق...» (رواه البخاري ومسلم).
وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة ناصيته ورأسه بيده، وأوداجه تشخب دماً يقول: يا رب سل هذا فيم قتلني حتى يدنيه من العرش» (أخرجه أحمد والترمذي وقال: حسن غريب، وحسَّنه ابن حجر وصحَّحه الألباني).

ولخطورة الدماء التي سالت بغير حقها، فإنَّها أول ما يقضى بها يوم القيامة، لقوله صلى الله عليه وسلم: «أول ما يُقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء» (رواه البخاري ومسلم).
وقد روى البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: "إِنَّ مِنْ وَرَطَاتِ الأُمُورِ الَّتِي لاَ مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا سَفْكَ الدَّمِ الْحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ".

قال الحافظ ابن حجر: وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّهُ قَالَ لِمَنْ قَتَلَ عَامِدًا بِغَيْرِ حَقٍّ: "تَزَوَّدْ مِنْ الْمَاء الْبَارِد فَإِنَّك لَا تَدْخُل الْجَنَّة" وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عُمَر: "لزَوَال الدُّنْيَا كُلّهَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّه مِنْ قَتْل رَجُل مُسْلِم" قَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث حَسَن. قُلْت: وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِلَفْظِ: "لَقَتْلُ الْمُؤْمِن أَعْظَمُ عِنْد اللَّه مِنْ زَوَال الدُّنْيَا" قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ: ثَبَتَ النَّهْي عَنْ قَتْلِ الْبَهِيمَة بِغَيْرِ حَقّ وَالْوَعِيد فِي ذَلِكَ، فَكَيْف بِقَتْلِ الْآدَمِيّ، فَكَيْف بِالتَّقِيِّ الصَّالِح. فتح الباري لابن حجر (19 / 299).

فكلُّ ما أوردته وغيره كثير، يدل دلالة قاطعة على تحريم قتل النصارى المستأمنين في مصر؛ لأنَّهم يعتقدون أنَّ لهم الحق في العيش وسكنى البلاد التي كانوا على أراضيها منذ مئات السنين.

فكيف إذا كانت الطريقة بهذا القتل كالتي حصلت فيها تفجيرات الاسكندريَّة، وفي داخل الكنيسة فإنَّه محرَّم ولا شك في ذلك، ولقد كانت كنائس وصوامع ومعابد الكفار، محل ابتعاد عن سهام وسيوف المسلمين، والتي لم يأت مطلقاً أن المسلمين في فتوحاتهم الإسلاميَّة أحرقوها، أو غيَّروا معالمها إلاَّ برضى أصحابها وأهلها، بل كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حريصا على حماية العابدين في معابدهم ولو كانوا كفَّاراً ويشركون بالله في عبادتهم، ويقول للجيش الذي يذهب للفتح: «انطلقوا بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله لا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا ولا صغيرا ولا امرأة ولا تغلوا وضموا غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا فإن الله يحب المحسنين» (حسَّنه ابن حجر في تخريج مشكاة المصابيح من حديث أنس بن مالك).



يُتبع بالبقية إن شاء الله تعالى...

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 111
  • 0
  • 20,028

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً