صناعة الإخلاص

منذ 2017-03-13

هذا الباب يتناول النية وإخلاصها لله عزوجل، وكيفية استحضارها ولما نستحضرها وكيف نخلصها لله عزوجل، وعاقبة إخلاصها لله أو إشراك غير الله عزوجل فيها.

الباب الأول: الإخلاص وإحضار النيَّة في جميع الأعمال والأقوال والأحوال البارزة والخفيَّة

هذا الباب يتناول النية وإخلاصها لله عزوجل، وكيفية استحضارها ولما نستحضرها وكيف نخلصها لله عزوجل، وعاقبة إخلاصها لله أو إشراك غير الله عزوجل فيها.

أهم الأعمال

فالإخلاص من أهم الأعمال القلبية، يقول ابن القيم رحمه الله: "أعمال القلوب هي الأصل، وأعمال الجوارح تبع ومكملة، وإنّ النيّة بمنزلة الروح، والعمل بمنزلة الجسد للأعضاء، الذي إذا فارق الروح ماتت، فمعرفة أحكام القلوب أهم من معرفة أحكام الجوارح" (بدائع الفوائد [3/244]) ، وقال شيخ الإسلام: "والأعمال الظاهرة لا تكون صالحة مقبولة إلا بتوسّط عمل القلب، فإن القلب ملكٌ، والأعضاء جنوده، فإذا خبث خبثت جنوده، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنّ في الجسد مضغة... الحديث" (مجموع الفتاوى [11/81]).

فما معنى أن تقوم بعمل بلا نية؟؟ فعليك أن تنتبه في جل عملك على نيتك، تستحضرها وأن تجتهد لتخلصها لله عزوجل وتجاهد نفسك لتزيل عنها أي شائبة قد تضيع عليك هذا الإخلاص!

انتبه لسريرتك!

ولأن النية محلها القلب.. فلتنتبه إذا لقلبك جيدًا! فهذه المضغة إن صلحت صلح معها الجسد كله! ولتعلم أن الله عزوجل يعلم ما تخفي في قلبك!

يعلم سريرتك.. هل أنت تعمل العمل ليقول عمل فلان! فقد قيل! أم أنك كنت تريد فيه وجهه عزوجل؟

يعلم ما في صدرك.. هل أنت تعمل لدنيا؟ أم أنت تريد الآخرة؟ {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ۖ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ} [الشورى:20].

 وتذكر يوم القيامة، يوم العرض على الله عزوجل، {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [الطارق:9]، {أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ . وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} [العاديات:9-10]، سيكون الثواب والعقاب على ما كان في قلبك وليس ظاهر قولك وعملك! فإن صلح باطنك صلح ظاهرك، ولكن خاب وخسر من كان ظاهره حسن وباطنه نية فاسدة! تفسد عليه آخرته!

فانتبه جيدًا لنيتك ولقلبك!

فما حقيقة الإخلاص؟

الإخلاص هو تنقية الشيء وتهذيبه وتخليصه، وهو إغلاق عيني القلب عن كل الناس، فلا تطلب لعملك شاهد غير الله عزوجل!

ويا ليت تحقيقه بسهولة تعريفه! كما قال سفيان الثوري: "ما علجت شيئًا أشد علي من نيتي"! والأمر جلل، لأن الإخلاص يترتب عليه قبول العمل، وهذه غاية نعيش في اختبار الدينا من أجلها، أن يتقبل الله عزوجل منا عمل ينجينا به يوم القيامة، فكما وصف الله عزوجل المؤمنين {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون:60]، هذه القلوب الوجلة الخائفة ألا يتقبل الله عملها.

علامات الإخلاص

من علامات الإخلاص:

1. أن يستوي عندك العمل الظاهر والباطن، فالعمل لله عزوجل، فلا نصيب لحض نفس، ولا شهوة شهرة أو ظهور بين الناس.

2. أن يستوي المدح عندك والذم، فإن مدحك أحد لا يشعرك هذا بسعادة، وتذكر القلوب الوجلة، فما أهمية أن يتلقى عملك الناس بالمدح والله عزوجل يجد فيه شرك أو رياء؟
وإن ذمك أحدهم، لا تغضب، ولكن قف وتفكر فيما قيل، إن كان حق فغير وصلح من نفسك، وإن لم يكن فيك، فهي حسنات تربو لك في ميزانك، فمما تشكو؟

3. لا تطلب شهود على عملك، وتكثر من أعمال السر، فإن لم يكن لك خبيئة من عمل، فاتهم إخلاصك!

4. الإحاح على الله عزوجل في الدعاء، أن يخلص قلبك، ويرزقك الإخلاص في القول والعمل، وأن يتقبل منك عملك، وعلى قدر صدقك، على قدر ما يفتح لك!

5. أن لا يكون لك في العمل حظ نفس.

6. أن تتعهد قلبك دائمًا بمجالس الوعظ والتزكية، وصحبة صالحة تذكرك دائمًا، فالطريق يحتاج إلى صاحب.

كيف نحقق الإخلاص؟

1. أن تعي جيدًا أنك عبد لله عزوجل! والعبد لا يأخذ عوض من سيده ولا ينتظر مقابل، فهو ينتظر الفضل والمنة والإحسان منه.

2. تعلم من هو ربك! فإن كانت سورة الإخلاص تعدل في الفضل ثلث القرآن، فذلك لأنها شملت على كلمة التوحيد ومعانيه، فكيف تكون عبدًا لله عزوجل وتلجأ لغيره، تصمد لغيره؟ تعمل عمل تبغي فيه غيره؟! 

3. عند كل عبادة أو عمل، قف ثوان وتذكر التالي: يقول الشيخ العثيمين: "فهذه 3 أشياء:
- نية العبادة.
- ونية أن تكون لله.
- ونية أنه يقوم بها امتثالًا لأمر الله"

ولعلنا نقف وقفة صغيرة عند الامتثال لأمر الله عزوجل.. الامتثال هو سرعة الاسجابة لأمر الله عزوجل.. فكم منا عندما يسمع هذا أمر من الله عزوجل، أو أن الله عزوجل حرم هذا الأمر، قال سمعنا وأطعنا! ولم يبحث عن مخرج ليعرض عن الأمر!

كم منا قبل أن يقوم بشيء وقف مع نفسه ليسأل هل ما يفعله كان اتباعًا لهوى؟ أم امتثال لأمر الله عزوجل؟!

فاحفظ اللهم علينا قلوبنا أن تتبع الهوى فتضل.. وأجعلها مخلصة لك وأعنا على ذلك.

سارة خليفة

طبيبة مصرية، تخرجت في كلية الطب جامعة القاهرة، وتعمل في أسرة التحرير بموقع طريق الإسلام.

  • 4
  • 0
  • 5,707

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً