خمس قيم حضارية إسلامية يجب نشرها
خالد روشة
قيم الإسلام الحضارية كثيرة متكاثرة، تجمع الحياة من أطرافها، وتضع الأُسس والركائز لكل أصناف المواقف والقرارات والسلوكيات العامة والخاصة
- التصنيفات: الواقع المعاصر -
القيم الإسلامية الحضارية تستطيع – عند تطبيقها كما ينبغي – أن تنقل هذه الأمة من هذا الضعف والهوان إلى مستوى آخر من الرقي والتقدم والقيادة.
ونشر قيم الفضيلة والرحمة والعدل الإسلامية من مقاصد التشريع الإسلامي ولا شك ومن أساسيات التعريف به، خصوصًا في وقتٍ اجتمع العالم على تشويه صورته والتنفير منه.
وقيم الإسلام الحضارية كثيرة متكاثرة، تجمع الحياة من أطرافها، وتضع الأُسس والركائز لكل أصناف المواقف والقرارات والسلوكيات العامة والخاصة، لكنني اخترت هذه القيم الخمسة لحاجة العالم إليها ولكونها ضد ما يسعى الفجار لنشره عن الإسلام الحنيف.
والعالم يحتاج إلى نشر هذه القيم الخمسة، ويحتاج إلى تركيز الاهتمام بها، ويحتاج أن نقول بصوتٍ عالٍ مسموع إن ديننا هو وارث الحضارة المستحق، وهو صاحب المكانة الجديرة بالتقدير.
الأولى: العبودية لله وحده.
هذه أعظم القيم على الإطلاق، قيمة عبودية الله وحده وتوحيده، وتأليهه، والانخلاع من عبودية الخلق والمخلوقات.
فالعبيد لا يصنعون الحضارات، ولكن يصنعها الأحرار القادرون، وليس هناك أعلى مقامًا من حريةٍ في عبودية الله سبحانه فمعناها باختصار: التبرؤ من كل معبودٍ إلا الله، فالحرية الحقة في عبادته، ولذلك قال الصحابي الجليل بينما هو يخاطب قائد جيوش الفرس: إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ..
الثانية: الرحمة
وهي قيمةٌ حضاريةٌ عالميةٌ عظمى، وليست قيمة الرحمة في الإسلام كتلك التي يتحدث بها الغربيون والشرقيون، إذ هم يعلنون رحمة الحيوان بينما هم في إضرارٍ للإنسان في شتى بقاع الأرض، لكن الرحمة الإسلامية رحمةٌ حقيقيةٌ قائمةٌ على القيم والمبادىء المستقاة من الوحي، والمطبقة تنفيذيًا في سلوك النبوة الأكرم.
والرحمة قد انتظمت تعاليم الإسلام كلها وتشريعاته أجمعها، فالتيسير يمنع المشقة، والمشقة تجلب التيسير، وإذا ضاق الأمر اتسع الحكم .. ولا ضرر ولا ضرار ... وغيرها من الضوابط الرحيمة الميسرة ..
بل إن رسالة الإسلام كلها رحمة {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]، فهي رحمةٌ بالجاهل لتعليمه الهدى والنور، ورحمةٌ بالضال لهدايته، ورحمةٌ بالفقير بدعمه ومعونته، ورحمةٌ بالمريض بعيادته والإنفاق عليه ورحمةٌ بالأم ببرها، ورحمةٌ بالعاجز بمساندته ورحمةٌ بالمرأة بإعطائها حقوقها ..إلخ.
الثالثة: العدل
العدل قيمةٌ عظمى ومبدأٌ ضروري لاستقامة الحياة، ووتدٌ من أوتاد إقامة دولة الحق، وضرورةٌ للسعادة، ومحور أساسي في بناء المجتمعات، ودافعٌ قويٌ لنهضتها وبنائها وتقدمها.
والإسلام أكد على العدل كمفهومٍ تطبيقي، وعمل على إرساء قواعده بين الناس حتى ارتبطت بها جميع مناحي تشريعاته ونظمه.
وبرغم أن العقل قد يبدي تعارضًا بين العدل والعاطفة، فقد جمع الإسلام جمعًا معجزًا بينهما، فأعطى نموذجًا تطبيقيًا للجمع بين العدل والعواطف، فالعاطفة ساريةٌ عبر الحياة، وهي ممدوحةٌ مادامت لم تجُر على حقوق الآخرين، لكنها يوم تجور فإنها تجد خطوط العدل الحمراء مكبلةً لها، مانعةً إياها عن السريان.
وظاهر العدل في الإسلام إعطاء الحقوق، والقيام بالواجبات، لكن باطنه يقوم على إحياء الضمير، وتنمية المراقبة، ومنع الطمع والاعتداء، وبناء القناعة والرضا، ثم إذا به يجمع بين الظاهر والباطن جمعًا متماهيًا ومتوازنًا إذ يدع درجة الإتقان في الواجبات بين العبد وبين ربه ويجعل مراقبًا ومحاسبًا للضمير ذاته من علم الله سبحانه وملائكته الكرام الكاتبين.
الرابعة: الإتقان
لقد جعل الإسلام من الإتقان وصفًا مهما للشخصية المسلمة الفعالة، فالله سبحانه لا يقبل الأعمال التي تعلوها الغفلة، بل لم يقبل سبحانه من العمل إلا ماكان متعمدًا ومحددًا بنيته الصالحة ومخلصًا له سبحانه لا يشرك فيه معه أحدٌ مهما كان ..
وتخيل معي مجتمعًا قد أتقن أفراده مسؤولياتهم فيه فأدى الحاكم حق الرعية وأدى القائمون على الأعمال حقوق الناس وأدى الصانع عمله متقنًا وأدى المراقب عمله مخلصًا وأدى القاضي عمله متجردًا لربه ..تخيل معي حال هذا المجتمع النظيف المتقن لعمله ..
وبالمقابل فانظر معي لصورة كثيرٍ من مجتمعاتنا وقد دب فيها التهاون والتغافل عن الحقوق والمسؤوليات، وحمل البعض أعمالهم على الآخرين، وصار نصب عين الموظف كيف ينتهي يوم عمله سواء أتقن أو أهمل، وتكاسل العمال عن آداء مهامهم وتقاعص المسؤولون عن أدوارهم ..فأي مجتمعٍ إذن أنت ترى ؟! إنه مجتمعٌ هشٌ متآكل من الداخل ما يلبث أن ينهار.
إن الإتقان في العمل والمسؤولية قيمةٌ تربوية ومرتكزٌ نفسي مؤثر، على أساسه ينبني الإنسان المسلم من بدايات حياته الأولى فاعلًا ومؤثرًا وناجحًا، فيدع العجز والكسل، والقعود والخمول، وينطلق حيث الفعالية المؤثرة في شتى المجالات.
الخامسة: الحب
فالإسلام قد اهتم بقيمة الحب، وأعلى شأنه، ولم يبتذل علاقة المحبة ويلطخها بالمعصية، بل جعل الحب طاهرًا دائمًا، وجعل من أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله.
وجعل الحب دافعًا للإيجابية في العمل { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [آل عمران: 31]، ووجه الحب نحو أعلى المقامات «أن يحب المرء لايحبه إلا في الله» (البخاري: 16).
والمجتمع القائم على الحب الراقي الخالص هو مجتمعٌ متآلف، لا حسد فيه ولا حقد ولا شر، بل تعاضد وتعاون ودعم ونجاح إنجاز.