فجرٌ وظهيرة.. وشروقٌ وغروب
في الوقت رسائل، وفي الأنوار والظلَم رسائل، وفي امتداد الظلال وانحسارها رسائل.. إنها رسائلٌ مهيبة.
يحب بعض الناس وقتًا من اليوم دون آخر، وينقبض البعض من وقتٍ دون آخر، ويكره الناس بعض الأوقات..
يكره الناس أو ينقبض بعضهم من بعض الأوقات لذكرياتٍ أو انطباعاتٍ أو تجارب أو حكايات..
بينما من ضِمن انطباعات المؤمن بكتاب الله تعالى أنه يتلقى منه انطباعاته عن الحياة والأوقات وتقلب الليل والنهار..
إن من نِعم هذا القرآن العظيم أنه لا يتركنا لانطباعاتنا وتجاربنا ولا تجارب الآخرين، بل أنه يسوق إلينا طعمًا من السماء وتذوقًا من الغيب..
فللّيل والنهار ذوقٌ آخر وطعمٌ من الغيب وانطباعٌ من السماء، فإذا أردت أن تعرف انطباعًا عن تقلب الأوقات وتنوع الأحوال فتذوق قوله تعالى {فَسُبْحَانَ اللَّـهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ *وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: 17-18] فالتسبيح (الأمر بالصلاة) والحمد الثابت والدائم واللهج به، هما مقصود الأوقات، وهما حشو الأحوال المختلفة..
والأعظم والأكبر أنه يبدو لك قصد الرحمن تعالى من تقليب الأوقات وتغيير الأحوال {يُقَلِّبُ اللَّـهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} [النور جزء من الآية: 44]، وشعور القلب بيد الله تعالى تقلب الأوقات قصدًا، شعور مطمئن للمؤمن بل ويذيقه الأحوال على نحوٍ مختلف ومتفرد.
إنها مراحلنا نقطعها، نعم، وإنها مقصودة لله تعالى أن تكون تسبيحًا وحمدًا، فتغير الأوقات والأنوار والتراوح بين النهار والظلمة، تتجاوب معها نفس المؤمن انطباعًا خاصًا، هو انطباعٌ ربانيٌ عميق وتلقٍ من الله وتجاوب مع اليغيب وامتلاء بالهدف الواضح والجدية البيّنة، إنه يتجاوب ابتداءًا بتسبيح بعد آخر وصلاةً تلو أخرى.
إن المؤمن يتعلق بأمرين.. أن هذا التقليب والاختلاف مقصود لرب العالمين، وأنه يتم كل يومٍ وكل لحظة بإذنه وعلمه، بل بإذن خاص لكل يوم بيومه وكل لحظةٍ بعد أخرى.
ويتجاوب مع هذا الاختلاف بوقْعها على نفسه إذ تثير تسبيحًا وحمدًا، ولهفةً لربه وشوقًا، وعلمًا بمغزى الحياة وغاية الوجود، وشعورًا بضخامة الغاية من الحياة وعِظم الهدف منها وثِقل وقعها وخطْوها، ثم يعود هذا التزامًا بالمنهج فيُصلح القول والعمل ويصلح الحركة والانفعال، ويُصلح الحياة وسيرها وخطها، ويصحح الاعوجاج ما استطاع ويكافح الباطل ما امتلك من القوة والقدرة؛ إذ يعلم جدية الوجود وأهمية الأفعال.. فما كان تقليب الليل والنهار والانتقال من فجرٍ لضحى، ومن ظهيرةٍ لأصيل، ومن غروبٍ لشفق، ومن شفقٍ لغسق، ومن غسقٍ لسُدفة، ومن ظلامٍ لإصباح.. ما كان هذا إلا ليُرى ناتج العمل والقول محمولًا على أكفّ الأيام وظهور الليالي. {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} [الفرقان: 62].
في الوقت رسائل، وفي الأنوار والظلَم رسائل، وفي امتداد الظلال وانحسارها رسائل.. إنها رسائلٌ مهيبة.
ليست الأوقات فراغًا للعُشّاق يتقضونها، ولا يكتمل بدر السماء لرسائل المحبين يتغزّلون وتقف الأمور إلى هنا وتنقضي الليالي إلى غير ما يأملون!.
بل للأسحار وقْعٌ فنفَر المستغفرون، وللّيل وقعٌ فقام المتهجدون، وللضحى والأصيل وقعٌ فتقلب المجاهدون..
إن في هذه الطيّات مراحل سفرنا، وتذكير للراحلين..
{فَسُبْحَانَ اللَّـهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ *وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} والحمد لله رب العالمين.
- التصنيف: