توبة المتخلفين عن الثورة
ممدوح إسماعيل
أتوقف بهدوء وأقول وأنا أشاهد الموقف في الشوارع المصرية وعلى صفحات
الجرائد ومواقع الانترنت، أتوقف بكل قوة وأقول إن هذه الثورة لم
يصنعها الشباب إنما صنعها كل من ساهم بقلمه وحريته وفكره من مختلف
الأطياف في تشكيل الوعي لدى المصريين...
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
بداية الحمد لله وحده صاحب الفضل وحده في خلع الطاغية حسنى مبارك،
وما فعله العباد من ثورة هي أسباب والله سبحانه وتعالى ما شاء كان وما
لم يشأ لم يكن.
والله الذي لا إله إلا هو كنت أقول لكل من ييأس من خلع المستبد لا
تيأس فدعوات المظلومين قال الله لها وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد
حين، وقد جاء الحين والحمد لله من قبل ومن بعد.
وبعد عناء 18 يوم لكل من شارك في الثورة وبعد فرحة لا توصف خرجت عن
شعوري وهتفت وهتف معي كل من حولي في ميدان التحرير حتى بح صوتي:
الله اكبر سقط الطاغية.. الله أكبر سقط الطاغية
الآن أتوقف بهدوء وأقول وأنا أشاهد الموقف في الشوارع المصرية وعلى
صفحات الجرائد ومواقع الانترنت، أتوقف بكل قوة وأقول إن هذه الثورة لم
يصنعها الشباب إنما صنعها كل من ساهم بقلمه وحريته وفكره من مختلف
الأطياف في تشكيل الوعي لدى المصريين بحتمية الوقوف أمام الاستبداد
والظلم وصبروا على ما تعرضوا له من ظلم، والشباب كانوا من نتائج هذا
الوعي وشرارة انطلاقهم لا تُنكر فلهم فضل ولكن شاركهم الشعب الحر، فهي
ثورة شعبية شارك فيها كل أحرار الشعب المصري من كل لون سياسي وخاصة
الإسلاميين والإخوان الذي لولاهم والله أعلم ما بقيت هذه الثورة،
ويهمني في هذا المقال التوقف بكل وضوح كما عاهدت الله على قول الحق،
والحمد لله لم أتخلف في عهد الظلم والاستبداد عن ذلك رغم ما تعرضت له
من ظلم ومنع لمقالاتي وقص من مقالاتي وغير ذلك ما أحتسبه لله.
لكن اليوم أقول لأولئك الذين ظهروا فجأة ووثبوا على المشهد الثوري
يحاولون أن يكونوا في صورة لم يصنعوها بل عارضوها وحاربوها من بعض
الإسلاميين والسياسيين الذين انتفعوا من الظلم منافع لا حصر لها،
ومنهم من جمع الأموال، ومنهم من تبوأ المناصب على حساب غيره من
المحترمين، ومنهم من قاتل من أجل أن ينال رضا الظالمين على حساب
إخوانه المسلمين...
أقول لهم كنتم أعداء للثورة، وكنتم حلفاء ومنتفعين من الظلم
والاستبداد، وكنتم مخبرين لأمن الدولة، والآن تغير حالكم في الظاهر
وظهرتم بمظهر آخر في الأيام الأخيرة واليوم الأخير، وأنا وغيري نقبل
ظاهركم والله أعلم بسرائركم، ولكن إذا كنتم تبتم من دور المخبرين
وحلفاء الظالمين فالتوبة لها شروط:
1- الإقلاع عن المعصية والخطأ بتركه وهذا ما ستوضحه الأيام.
2- الاعتراف بالذنب والعزم على أن لا يعود لمثله، وأعتقد أنه الشروط
الهامة فكثير من هؤلاء الذين ركبوا الموجة الآن لم أجد واحد منهم
اعترف بخطئه في نفاقه السابق وقيامه بدور مخبر حقير وماسح لأحذية
الظالم المستبد.
3- الندم على أن لا يعود لمثله، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «
الندم توبة
» (رواه الحاكم وابن ماجه) وهو شرط إن كان بينه وبين
ربه ولكن لابد أن يظهر ندمه بعمل صالح قوي يخدم به الحق وأهل الحق كي
يجب ما قبله.
4- وإذا كانت المعصية والخطأ متعلقة بحق إنسان فلابد من التحلل منه
باسترضاء المظلوم ورد الحق، قال النبي عليه الصلاة والسلام: «
من
كان لأخيه عنده مظلمة، فليتحلله قبل أن لا يكون دينار ولا درهم
» (رواه مسلم)،
وأعتقد أن هذا الشرط من أهم شروط التوبة، فكم من مظلوم ظلم بسبب
وشاية، وكم من مقهور كانت كتابة هؤلاء سبباً في قهره، وكم من معتقل
ومسجون سلبت حريته بسبب من هؤلاء مباشر وغير مباشر، فمهما فعل أولئك
ممن ركبوا الموجة وأظهروا وقوفهم مع الثورة فلن تقبل توبتهم حتى
يتحللوا من المظالم التي ارتكبوها ويردوا الحقوق لأصحابها، وشخصياً لن
أسامح من ظلمني وشارك ولو بكلمة للظالمين في ظلمي أو تواطأ بموقف مع
الظالمين، هذا حقي والله معي ومع كل مظلوم، نعم فأعوان الظالمين
لولاهم ما طغى وظلم واستكبر الظالمين في الأرض، والمحزن المؤسف أنهم
كانوا ممن يرتدون ملابسنا، ولكنهم كانوا أشد ظلماً ممن يرتدى ملابس
الظالمين.
وأذكرهم بالشرط الخامس وهو أن تكون التوبة قبل الغرغرة.
وأخيراً الحمد لله القائل: {
ادعوني استجب لكم
} فالحمد لله فكم دعوت في سجني منذ
سنوات، ودعا كل مظلوم في سجنه أن ينتقم الله من الظالمين، والحمد لله
خرجت وخرج كل مظلوم من سجنه ليرى بعينه استجابة الدعاء بعين رأسه، فقد
رأى كل مظلوم مشاهد ذل الطاغية مبارك وحبيب العادلي وغيرهم فسبحانه
الملك الواحد الأحد.
أسأل الله تبارك وتعالى أن يتحقق العدل لكل المصريين وأن لا يبقى في
السجن مظلوم واحد، واليوم وغداً أيام محاكمة الظالمين فسبحان الله
والحمد لله والله أكبر سقط الطاغية والطغيان وعلى أعوانهم وأزلامهم
والمنتفعين بظلمهم التوبة التوبة.
ممدوح إسماعيل محام وكاتب
عضو مجلس النقابة العامة للمحامين
[email protected]