لا وداعًا أيها الفرعون

منذ 2011-02-12

من يتأمل فرحة الشعب العربي من المحيط إلى الخليج برحيل الدكتاتور الفرعون يتأكد له مقولة أنه لم يكن كابتًا للمصريين فقط بل للأمة العربية كلها . ومن يتأمل مشهد الديكتاتور الفرعون وهو يمسك بالكرسي يوقن أنه بالنسبة له هو الدنيا والآخرة...



قال الله تعالى: { وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً } [طـه :111]، وقال تعالى: {وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } [إبراهيم : 15].

قصم الله الطاغية وأذله في مشهد مهين، فرحل عن حكم مصر بعد أن طغى وتكبر. والله تعالى يقول في الحديث القدسي : « الكبرياء ردائي فمن نازعني ردائي قصمته » (رواه الحاكم عن أبى هريرة).

زالوا فما بكت الدنيا لفرقتهم *** ولا تعطلت الأعياد والجمع

من يتأمل فرحة الشعب العربي من المحيط إلى الخليج برحيل الدكتاتور الفرعون يتأكد له مقولة أنه لم يكن كابتًا للمصريين فقط بل للأمة العربية كلها. ومن يتأمل مشهد الديكتاتور الفرعون وهو يمسك بالكرسي يوقن أنه بالنسبة له هو الدنيا والآخرة، وهو الحياة والموت، هو الجنة والنار. فهو مستعد لأن يبيد الشعب المصري كله بل العالم.


لم يكف الديكتاتور المستبد هذا العمر الطويل في الحكم -ومن قبل عاش نائبًا عدة سنوات- فأخذ يمارس سياسة الإذلال والقهر للشعب المصري، فقام بتفصيل الدستور وإطلاق يد ابنه -موظف البنك- ليمسك بزمام دولة في حجم مصر، فهو يريد أن يحكم المصريين وهو في القبر !

لا ينسى المصريون الحالة النفسية التي عاشوها وهم يتوسلون إليه بأن يؤكد لهم أن ابنه لن يحكمهم من بعده، وهو في المقابل يمارس اللؤم والخداع فلا يريحهم بنفي ذلك.. ذات يوم كنت أركب مع سائق تاكسي تقدم به السن فوجدته مهمومًا وفجأة سألني بيأس وقنوط مباغتًا: هل سيموت حسنى مبارك في يوم ما؟ وهذا السؤال يظهر لك مدى القنوط الذي وصل إليه حال الناس من القهر والإذلال والملل.

فمن قهره وإذلاله للشعب : أنه لم يؤثر عنه يومًا أنه استجاب له يومًا في مطلب يرجوه، فلم يكن في صف الفقراء أبدًا بل بنى للأغنياء المنتجعات وساعدهم في نهب مصر بكل ما أوتي من قوة، وبكل بجاحة كان يقول دائمًا (أنه ينحاز لمحدودي الدخل) فربما محدودي الدخل بنظره هم أصحاب الملايين والمليارات من أصدقاء عائلته !

ومن قهره لشعبه: أنه كان يأتي بالوجوه المكروهة التي ليس لها أي رصيد من خبرة أو علم لتولي المناصب المهمة فيتولونها ممدًا طويلة دون محاسبة مهما أخطئوا، وإذا علم أن الناس تمدح مسئولا معينًا سارع لإقالته فورًا.


لم يسلم من قهره حتى الأطفال الصغار، فسياسة التعليم التي كان يتبعها أعوانه من الوزراء كانت تهدف لشغل البيوت بالمناهج الطويلة جدا والتي تفوق قدرة الأطفال، فالكتب المطلوب تدريسها لا يستطيع الطفل حملها على ظهره. فالأم تجلس ليل نهار لتساعد في حل الواجبات والأب يعمل ليل نهار ليدفع مصاريف الدروس الخصوصية.

لم يسلم من قهره حتى الحيوانات المسكينة البائسة في حديقة الحيوان بالجيزة، فجاعت وهزلت، وشكوى المنظمات العالمية في هذا الأمر لا تخفى على أحد.

مارس الديكتاتور سياسة تجفيف المنابع في كل شيء لاسيما في الدين فظهرت الأمية الدينية في كثير من الطبقات، وكان يفرح كثيرًا بغباوة بعض الجماعات الإسلامية التي تنتهج العنف سبيلا، فكانت طريقتهم خير معين له على الاستمرار وتهيئة مناخ الظلم، فظهر أمام العالم بصورة حامي الديار من الإرهاب.

جرف الديكتاتور الحياة الثقافية والسياسية وعامل شعبه بالاستعلاء والترويع فكان حائلًا كبيرًا ومانعًا بين مصر وبين التقدم والازدهار.


أما أعوان الديكتاتور الذين كانوا يساعدونه في قهر الشعب بكافة فئاته وإذلالهم. فهم من سماهم القرآن بـ(الملأ) فهذا هامان (صاحب القبضة الأمنية ووزير السوء) الذي يفتك له بالمعارضين ويسفك له الدماء. وهذا قارون (رجال الأعمال من أصحاب النفوذ الاقتصادي).

ولا أنسى مشهد النشوة للمحتكر الكبير وزعيم السوء في الحزب الوطني وهو في احتفال المجلس المزور وبعد انتهاء مسرحية التزوير وأعوانه المزورون يهللون له ويغنون له (اعزف يا فنان. اعزف يا فنان!) فماذا يقولون له الآن؟

ولا يقتصر أعوان الديكتاتور الفرعون على هامان وقارون وإنما يمتد لعلماء السوء من الكهنة الذي جعلهم جزء من سلطته يزينون له الباطل ولا يجرؤ أيًا منهم أن ينطق بحرف واحد ليعترض على ظلم يقع أو ليأمره بمعروف.

وأيضا الوعاظ المغفلون الذين ملأ الرعب قلوبهم ولا هم لهم إلا أن يتكلموا فقط في الرقائق وأحوال الآخرة ناسين أن الظلم ظلمات يوم القيامة. وأن الطاغية يفرح بتدريس علوم المعاد والرقائق كما بين الكواكبي في طبائع الاستبداد لأنها تساعد في عملية التنويم للشعوب.


كما أن الجماهير الغفلة لها نصيب كبير من الإثم فهي التي جعلت الفرعون يصل لمرتبة الإله الذي استخف قومه فأطاعوه. قال تعالى: { فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ} [الزخرف:54]. وفي ذلك يقول الأديب الكبير سيد قطب رحمه الله: "إنما هي الجماهير الغافلة الذلول، تمطي له ظهرها فيركب! وتمد له أعناقها فيجر! وتحني له رؤوسها فيستعلي! وتتنازل له عن حقها في العزة والكرامة فيطغى! والجماهير تفعل هذا مخدوعة من جهة وخائفة من جهة أخرى. وهذا الخوف لا ينبعث إلا من الوهم. فالطاغية وهو فرد لا يمكن أن يكون أقوى من الألوف والملايين، لو أنها شعرت بإنسانيتها وكرامتها وعزتها وحريتها.

وكل فرد فيها هو كفء للطاغية من ناحية القوة ولكن الطاغية يخدعها فيوهمها أنه يملك لها شيئاً! وما يمكن أن يطغى فرد في أمة كريمة أبداً. وما يمكن أن يطغى فرد في أمة رشيدة أبداً. وما يمكن أن يطغى فرد في أمة تعرف ربها وتؤمن به وتأبى أن تتعبد لواحد من خلقه لا يملك لها ضراً ولا رشداً! فأما فرعون فوجد في قومه من الغفلة ومن الذلة ومن خواء القلب من الإيمان، ما جرؤ به على قول هذه الكلمة الكافرة الفاجرة التي ذكرها رب العزة في كتابه الكريم: {قال أنا ربكم الأعلى }.. وما كان ليقولها أبدا لو وجد أمة واعية كريمة مؤمنة، تعرف أنه عبد ضعيف لا يقدر على شيء. وإن يسلبه الذباب شيئاً لا يستنقذ من الذباب شيئاً! وأمام هذا التطاول الوقح، بعد الطغيان البشع، تحركت القوة الكبرى: {فأخذه الله نكال الآخرة والأولى }" اهـ.


وعندما أحس الديكتاتور بنهايته حاول أن يخدع الجماهير بخطاب المسكنة قبل معركة الجمال والبغال من البلطجية الذين أطلقهم على الشباب المسالم وشاء الله أن يكشف خداعه ومكره في المشهد الهمجي الذي فضح فيه على الملأ. وجبار السموات والأرض من ورائه محيط، يمهل ولا يهمل، ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، وفي الصحيحين عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن «الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته».

ولم لم يفلح الأمر جاء خطاب المسكنة الثاني للديكتاتور والذي زاد فيه من رثاء ذاته وحاول أن يستجلب فيه عواطف الناس، ومن العجب أنه يتحدث في أوله عن الشهداء الذين قتلهم وتلوثت يده بدمائهم، إننا أمام ديكتاتور من طراز عجيب!


إن الله تعالى يريد أن يرينا في الديكتاتور الفرعون آية كبرى، فلو تنحى منذ اليوم الأول لما عرفنا كل هذه الأمور وربما ما انكشف إلا قليل من المستور، ولكنه سبحانه يريد أن يرينا نموذجا فريدًا للديكتاتور الكامل الذي يقف أمام شعب بأكمله، شعب يكرهه ولا يريده، وقد كال له من الكلام والتجريس ما لم يسمع من قبل على مر التاريخ، وهو لا يرى ولا يسمع..

تحية لشباب ثورة 25 يناير الذين كانوا سببا في تحرير الشعب المصري من الخوف ومن استعمار بغيض جثم على صدورهم كل هذه السنوات التي سرقت فيها الأعمار، وأصابهم فيها الكثير من المحن والتخلف.

وتحية يعجز عنها لساني للشهداء الذين ضحوا بأرواحهم ليهيئوا لنا عصرًا جديدًا نتنفس فيه الحرية.

وللحرية الحمراء باب *** بكل يد مضرجة يدق

والله تعالى نسأل أن يهيئ لمصر أمر رشد، وأن يولي أمورنا خيارنا وأن لا يولي أمورنا شرارنا إنه سميع مجيب وهو المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل.

المصدر: أشرف عبد المقصود - موقع المسلم
  • 3
  • 0
  • 8,041

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً