ليبيا: انتصار الدم على الرصاص.. ثورة الشعب ضد ثورة العسكر

منذ 2011-02-25

إن الأمة مدعوة اليوم، قبل أي وقت مضى لمساندة شعوبها، للتحرر واللقاء، وكسر الجدران الوهمية التي بنتها الأنظمة المستبدة. وقد كان نجل الديكتاتور واضحا في التعبير عن هذه السياسة عندما اتهم جيرانه بأنهم من يقومون بالعنف..


أبدت طلائع الشعب الليبي الثائرة، والتي تمثل زبدة الشعب الليبي، وقواه المنتصرة على نظام معمر القذافي، مقاومة باسلة، وشجاعة نادرة في مواجهة الرصاص الحي، في بن غازي، والبيضاء، ودرنة، وطرابلس، وغيرها من المدن الليبية الثائرة، والتي أعادت سيرة المجاهد البطل الشيخ عمر المختار، رحمه الله. وبهذه الثورة الشعبية المجيدة، تدخل ليبيا نادي الأوائل بعد تونس، ومصر، في استعادة مجد الأمة الغابر، والتخلص من العار التاريخي الذي سربلتنا به أنظمة الجور الداخلي، والخور الخارجي، والعمالة، والسرقة، والنهب، والخيانة، بكل ما تحمل هذه الكلمات من معاني. وليس أدل على ذلك من سماعنا لأعماق الشعب التونسي، وهو يردد في أحد مظاهراته، وهو يلعق جراحه، ويتنسم عبق الحرية " الشعب يريد تحرير فلسطين" وهو النداء الذي عملت الأنظمة العميلة على كتمه.وقد أثبت الشعب الليبي، شجاعته وأصالته وتفوقه على الكثير من الشعوب التي تسمع لها جعجعة ولا ترى لها طحنا. وقد تحدى الشعب الليبي، التهديدات الصادرة من نجل الديكتاتور،باستخدام المزيد من العنف، وقابلت وعوده ووعيده بكل استخفاف، وزاد من حماستها لإسقاط النظام العجوز.


وقد بدا نجل الديكتاتور، سيف القذافي، والذي يطلق عليه الليبيون، سفيه الأحلام، دمويا كأبيه، عندما توعد بجعل ما يقول أنهم82 شهيدا، واصفا إياهم بالقتلى،آلافا. بينما زاد عدد القتلى خلال 5 أيام من الثورة عن 500 شهيد والجرحى والمفقودين بالآلاف. وجميع القتلى تمت تصفيتهم بشكل متعمد، فجميع الإصابات في الرأس والصدر. وعندما هدد نجل القذافي بالحرب الأهلية، فإنه أظهر للشعب بذلك عمالته للغرب شخصيا، حيث أشار إلى أن ليبيا ستتعرض للاحتلال من قبل أمريكا وأوربا وحلف شمال الأطلسي لأنهم لن يقبلوا بدولة إسلامية. وكان نجل القذافي هذا، قد عرف عنه دفاعه عن الصهاينة في فلسطين، وإجرائه حوارات معهم، وقوله على الهواء مباشرة أن الأنظمة العربية هي أفضل ضامن لأمن (إسرائيل) لأن الديمقراطية ستجلب أعداءها إلى الحكم. وهذا القول مسجل، في سجل العار، والذي لدى الكثير من الأنظمة العربية الساقطة منها والآيلة للسقوط نظائر له، تزيد وتنقص في الحجم كما وكيفا.


القمع المفرط والسقوط الأسرع:
الشعب الليبي مصمم على التخلص من الديكتاتور الجاثم على صدره منذ 42 سنة، تشبه سنوات التيه، التي تعيشها الأمة الإسلامية منذ نصب عليها حكام الجور والخيانة. وصبر الثوار على محاولة الديكتاتور في ليبيا تجويع الشعب، وهو ما تردد على لسان نجله في كلمته فجر الاثنين 18 / 3 / 1432 هجرية الموافق ل 21 فبراير 2011 م. وقد نفذ وعيده، بل قبل أن يتحدث بلغة الغطرسة المعروفة في أهله. فالمناطق الثائرة حرمت من الغذاء، ومن الوقود، ومن الأدوية، وسط حصار شديد على وسائل الإعلام الممنوعة من تغطية المجازر التي يرتكبها القذافي ضد الشعب الليبي الأبي. وزاد الطين بلة خطاب نجل القذافي سيف الذي بطا متغطرسا، وموهما بأن مقاليد الأمور لا تزال بيد والده، لكنه لم يستطع يخفي توتره رغم محاولته. وقد رد الثوار على خطاب سيف القذافي بالخروج للشارع مرددا " ليبيا واحدة، ليبيا حرة " كما أثبتت الأحداث، أن الديكتاتور وأبنائه وزبانيته لا يتمتعون بأي حس وطني، لا سيما بعد أن أطلق يد المرتزقة تقتل وتنهب وتغتصب. وقد ساعدت رعونته ودمويته في تحقيق مكاسب للثورة في ليبيا، من خلال انضمام العديد من القبائل كقبائل الطوارق، وترهونة، وورفلة، أكبر القبائل الليبية، للثوار، إلى جانب قوات الجيش والأمن التي انضمت بدورها إلى صفوف الثوار، علما أن معظم قوات الجيش من هذه القبائل. كما تقدم بعض الدبلوماسيين لاستقالتهم، مثل مندوب ليبيا لدى جامعة الدول العربية، وسفير ليبيا في الهند، ودبلوماسي ليبي في الصين، ورئيس الغرف التجارية في ليبيا، وغيرهم ممن تبرؤوا مبكرا من نظام الديكتاتور. وهو ما مكن الثوار أيضا رغم التضحيات الجسام التي فاقت تضحيات الشعبين التونسي والمصري معا خلال ثلاثة أيام فقط، بسبب استخدام الديكتاتور لسلاح القناصة وللطائرات والرصاص من عيار 14،5 ميليمتر، (وهو رصاص، الدشاكا، والزوكوياك الروسي الصنع، المضاد للطائرات) من السيطرة على العديد من المدن، وعلى مراكز الجيش والشرطة ومعاقل اللجان القذافية. وهم الآن على وشك إعلان النصر النهائي على نظام دموي موغل في دمويته. وذلك رغم سكوت الغرب لعدة أيام على المذابح المستمرة في ليبيا، بعد تهديد الديكتاتور بوقف التعاون معه بخصوص الهجرة، بيد أن الأمر أكبر من ذلك على ما يبدو. فبعد 5 أيام من انطلاق الثورة الليبية أدانت بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة القمع الذي يمارسه نظام القذافي. ولم ترق تلك الإدانات لحجم الدموية التي مارسها القذافي وأبناؤه ونظامه ضد الشعب الليبي.


القذافي ترنح سلفا:
لقد عانى الشعب الليبي طيلة 42 سنة من القتل والتهجير، ونصب القذافي المشانق لأحرار ليبيا طيلة هذه الفترة المظلمة من تاريخ أمتنا، وتدلى العشرات من الأحرار في حبال المشانق التي نصبها لهم القذافي في الساحات العامة. وهناك الكثير من الليبيين الذين قضوا خارج ليبيا ودفنوا في غير ترابها بسبب نظلم الديكتاتور، وهناك مهجرون منذ عشرات السنين في دول مختلفة ينتظرون ساعة الخلاص للعودة لليبيا. لقد حول القذافي ليبيا إلى سجن كبير، دفع الكثير من الليبيين للعيش في الخارج، من بينهم عقول وكفاءات في مختلف التخصصات، ولم تراود القذافي فكرة الاستفادة منهم وتوفير جو من الحرية يطيقون العيش فيه، ولكنه وبسبب أنانيته ونرجسيته فضل أموال النفط على تنمية ليبيا، ولو كانت النتيجة بقاء الشعب الليبي تحت نير الظلم والاستبداد والفساد والتخلف على كافة الأصعدة. بينما أموال الشعب تصرف على نزوات القذافي وبحثه عن دور ما لا ينفع البلاد ولا العباد وإنما غروره وأوهامه.


إن الأمة مدعوة اليوم، قبل أي وقت مضى لمساندة شعوبها، للتحرر واللقاء، وكسر الجدران الوهمية التي بنتها الأنظمة المستبدة لفصل الأمة عن بعضها البعض. وقد كان نجل الديكتاتور واضحا في التعبير عن هذه السياسة عندما اتهم التونسيين والمصريين بأنهم من يقومون بالعنف ويشعلون الحرائق، في حين أن الثوار الليبيين قد لمسوا عن قرب تلك السياسة الخبيثة،وهي تعمد الديكتاتور استخدام بقايا "بلطجية" بن علي وحسني مبارك لقمع ثورة ليبيا بعد أن فروا من تونس ومصر.

ولا شك فإن ديكتاتور ليبيا ترنح، ورقص رقصة الديك المذبوح على وقع الثورتين التونسية عندما ظهر كئيبا بائسا على شاشات التلفزيون مناصرا لديكتاتور تونس المخلوع بن علي، قبل أن يستسلم للشعب، الذي يجب عليه أن يواصل المشوار في ربع الساعة الأخير. ولم تنفع القذافي مناوراته، ولا توظيف ابنه لمخاطبة الجماهير الغاضبة بدلا منه، ولا لقاءاته بزعماء القبائل، ولا القمع المفرط في مواجهة الثوار، فبقدر شدة القمع، يظهر المستبد مستوى جبنه، وقد بدا القذافي أكثر جبنا من بن علي وحسني مبارك. فمن التهديد بالقتال حتى آخر رجل وآخر رصاصة، يظهر أهمية إسقاط نظام والده، إذ أن بقاءه في ليبيا يعني مشانق جديدة، وسجون جديدة، وديكتاتورية أشد ظلما وظلامية.


وعود ليبيا:
إن وعود ثورة ليبيا أكثر نضجا وأكثر نصاعة من ثورة مصر، وثورة مصر أكثر وعودا من ثورة تونس، وإن شاء الله تكون الثورة الرابعة أكثر وعودا من ثورة ليبيا. إذ إن الحس الإسلامي أكثر حضورا من نظيره التونسي حيث للعلمانية قلاع، والشخص الذي تم (تأمينه) على إصلاح الدستور علماني (متفرنس) والشعب التونسي لا يزال يقاوم، بينما الأمين على إصلاح الدستور المصري رجل فاضل من أسرة فاضلة ذات دين، رغم تحفز العلمانيين في مصر لجر البلاد لما لا يمكن القبول به، في حين أن شعب ليبيا محب كله أو جله للإسلام ولا يتوقع أن يظهر علمانيون يدعون لدولة علمانية في ليبيا، والقادم أفضل.

وما يدعونا للتفاؤل هو أن علماء مثل الشيخ الدكتور الصادق الغرياني، والدكتور الصلابي، والشيخ سالم الشيخي وآخرين أعلنوا وقوفهم إلى جانب شعبهم في ليبيا، وحرموا قتل النفس التي حرمها الله على عناصر الجيش والشرطة في ليبيا. وتوجهوا بنداءات إلى القوات المسلحة في ليبيا بهذا الخصوص، كما توجه الشيخ يوسف القرضاوي إلى الشعب الليبي لمؤازرة الثورة في ليبيا وقال إن القذافي كتب نهايته بيده.ودعا الشعب الليبي بالصبر، وأن يثبتوا رغم كل التضحيات، وهي مسؤولية العلماء في كل عصر ومصر.
 

المصدر: عبد الباقي خليفة - موقع المسلم
  • 2
  • 0
  • 4,801

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً