البديل الإسلامي بين الانضباط والتسيب

منذ 2011-03-03

حدَّثتني إحدى الصالحات أنَّ ثلاث فتيات في مدرستها اتفقن على أن يقمن الليل لمتابعة برنامج ستار أكاديمي، فهذا البرنامج خلب لبَّهنَّ ، وسحر فكرهنَّ، ولأجل ذا فقد تواعدن على أن يقسِّمن الليل إلى ثلاثة أثلاث...


حدَّثتني إحدى الصالحات أنَّ ثلاث فتيات في مدرستها اتفقن على أن يقمن الليل لمتابعة برنامج ستار أكاديمي، فهذا البرنامج خلب لبَّهنَّ ، وسحر فكرهنَّ، ولأجل ذا فقد تواعدن على أن يقسِّمن الليل إلى ثلاثة أثلاث، كلُّ واحدة منهن تنظر في هذا البرنامج وتقوم بتسجيله، ثمَّ تتصل بزميلتها بعد أن تنتهي نوبتها في ملازمة التسجيل لهذا البرنامج، وتقوم الثانية بهذا الدور، وهكذا العمل مع الزميلة الثالثة إلى أن ينتهي البرنامج.

بهذا المنطق الغريب يتفاعل كثير من الشباب والفتيات المنتسبين للإسلام حين يريدون مشاهدة هذه البرامج الهابطة، والتي بثَّت أخيراً عبر الفضائيات، وجعلت لدى الشباب نوعاً من الهوس لإعجابهم بهذه البرامج المباشرة، وكأنَّها "مغناطيس" يجذبهم بقوَّة وقهر، وليس لهم إلاَّ تلبية رغبات النفس، وخطرات الروح.

أما آن للمصلحين أن يفيقوا من نومهم العميق، لإنقاذ شبابنا وفتياتنا من مأساة فكرية وشهوانية تعصف بهم ذات اليمين وذات الشمال، وقد جعلتهم يتهافتون على الشَّاشات كالفراش وهم لا يشعرون!

ودعونا نراجع أنفسنا، ونقوِّم ذاتنا، فجزى الله علماءنا خيراً حين أفتوا بتحريم هذه البرامج، وبيّنوا بلا لبس أو غموض حكم مشاهدتها والنظر إليها، فقد أثَّرت تلك الفتاوى في بعضهم وأقلعوا عن مشاهدتها ولله الحمد والمنَّة.

ولكن هل نكتفي بهذا، وما زال الكمُّ الهائل من شباب الأمَّة يشاهدون ويصفِّقون، ويحلمون في منامهم ويقظتهم في ذكريات البرنامج الشبابي!
ألا يوجد لدينا حلولٌ وافرة، وأكفٌّ رفيقة ليِّنة تحتضن الشباب والفتيات في برامج إسلامية مشوقة، ومشاريع تربوية وترفيهية، وبدائل منضبطة بميزان الشريعة؟
أين أصحاب الحلول المنتجة، أين أهل الثراء والمال والغنى، أين أصحاب الأفكار الإبداعية، والمشاريع الابتكارية؟
أين هم من الذي يحاك لشباب هذه الأمَّة، ويخاط لهم وينسج في مواخير الفساد، وأندية الظلام، والكواليس الخفية لتعليمهم دروساً في العربدة والشهوات؟

ترى لو أنَّ جيشاً عرمرماً أحاط ببلدة من بلاد الإسلام، وأثخن فيها وأكثر من القتل والتعذيب لأبناء الإسلام، ثمَّ خرج علينا رجل يبيِّن خبث هذا العدو ومكره، محذراً المسلمين من استقباله أو احتضانه... ثمَّ وقف إلى هذا الحد، واكتفى بهذا القدر، هل سيؤدِّي هذا إلى دحر العدو وإنقاذ النَّاس؟ أم أنَّ هناك لوازم ينبغي إضافتها على ذلك الحدث ؟!

وبعد: فإنَّ المراقب لهذه الأوضاع وتلك الأحداث، ينبغي عليه أن يعرف أنَّ من أسباب وجوده في هذه الأرض دعوة الناس لدين ربِّ العالمين، وتقريبه إلى قلوبهم، فليست الدعوة بالمحاضرات و الخطب وحدها، وليست بالدروس أو الفتاوى فحسب، بل لا بد من استخدام جميع الوسائل المشروعة والمتاحة، فالدعوة إلى الله مجالها رحب، وأساليبها المشروعة لا حدَّ لها ولا عد.

وحيث إنَّني شرعت في المقصود فإنِّ من الأولويات الهامة للعمل في حقل الدعوة الإسلامية الفهم الناضج لمقاصد الشريعة لدى طلبة العلم، والمشتغلين بالإصلاح الديني، ليخرجوا لنا بمحصِّلات مدروسة، ونتائج ملموسة في فقه البديل الإسلامي المواكب لروح هذا العصر ومتطلباته، وكيفية إنقاذ هذه الأمَّة المنكوبة من الأزمات التي تحلُّ بها سواء كانت تعليمية أو تربوية أو اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أو عسكرية ، وغيرها من ألوان المشاكل، وأشكال المحن.

والعالِمُ الحق هو من وصفه الإمام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله بأنَّه : "الذي يعرف الحق، ويرحم الخلق" وأنَّه: "كلَّما اتسعت معرفته بالشريعة وروحها كان أرحم بالعباد وأعظم الناس تيسيراً عليهم ورفقاً بهم".

وحين يتأمل المسلم الهدي الربَّاني في القرآن الكريم يجد أنّ الله سبحانه وتعالى ما حرَّم على عباده شيئاً إلاَّ وأبدلهم عوضاً عنه ما هو خير منه، حتَّى في مجال الألفاظ والعبارات فإنَّه تعالى قال:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ۗ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة:104]

فقد نهاهم تعالى عن ذلك لأنَّ فيه شبهاً بيهود حين كانوا يقولون ذلك لنبينا محمد صلَّى الله عليه وسلَّم ويقصدون بذلك السخرية به عليه الصلاة والسلام فنهى الله صحابة رسوله أن يقولوا هذه الكلمة لنبينا محمد صلَّى الله عليه وسلَّم وأبدلهم بأن يقولوا له "انظرنا".

كذلك من تدبّر سيرة المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم يجد ذلك واضحاً في منهجيته في التربية والتعليم، فإنَّه كان إذا حرَّم شيئاً أتى بالبديل المشروع مقابل ذلك الأمر المُحَرَّم لأنَّه يعلم أنَّ النفوس ضعيفة، ومجبولة على حبِّ العوض والبديل، وخذ أمثلة على ذلك :

فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «جاء بلال إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بتمر برني، فقال له النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: « من أين هذا؟ » قال بلال: كان عندنا تمر رديء، فبعت منه صاعين بصاع لنُطعم النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فقال عليه السلام: « أوَّه أوَّه! عين الربا، عين الربا، لا تفعل! ولكن إذا أردت أن تشتري فَبِعْ التمر ببيع آخر ثمَّ اشتره » (أخرجه البخاري : 2201، ومسلم :1593)

أتأملت أيها المبارك كيف أنَّه ـ عليه الصلاة والسلام ـ حين حرَّم فعل بلال رضي الله عنه نقله نقلة بديلة ومشروعة قبالة ذلك الأمر المحرم، وهكذا العالم الرباني، والبصير بالواقع الذي حوله، ولهذا قال الإمام ابن القيِّم في ذلك: "من فقه المفتي ونصحه إذا سأله المستفتي عن شيء فمنعه منه وكانت حاجته تدعوه إليه أن يدلَّه على ما هو عوض له منه، فيسد عليه باب المحظور، ويفتح له باب المباح، وهذا لا يتأتّى إلاَّ من عالم ناصح مشفق قد تاجر الله وعامله بعلمه، فمثاله في العلماء مثال الطبيب النَّاصح في الأطباء يحمي العليل عمَّا يضره ويصف له ما ينفعه، فهذا شأن أطباء الأديان والأبدان، وفي الصحيح عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنّهَ قال: « ما بعث الله من نبي إلأَّ كان حقَّاً عليه أن يدلَّ أمَّته على خير ما يعلمه لهم وينهاهم عن شر ما يعلمه لهم» وهذا شأن خلق الرسل وورثتهم من بعدهم، ورأيت شيخنا ـ قدَّس الله روحه ـ يتحرَّى ذلك في فتاويه مهما أمكنه، ومن تأمَّل فتاويه وجد ذلك ظاهراً فيها" (إعلام الموقعين :4/121ـ 122).

وسأنقل كلاماً للشيخ ابن تيمية في الموضوع ذاته الذي امتدح به ابن القيِّم شيخه ابن تيميَّة حيث قال ابن تيمية: "إذا أراد تعريف الطريق الَّتي يُنَالُ بها الحلال، والاحتيال للتخلص من المأثم بطريق مشروع يقصد به ما شرع له فهذا هو الذي كانوا يفتون به ـ أي السَّلف الصالح ـ وهو من الدعاء إلى الخير، والدَّلالة عليه، كما قال صلَّى الَّله عليه وسلَّم: «بع الجمع بالدراهم، ثمَّ ابتع بالدراهم جنيباً» (رواه البخاري في الصحيح) وكما قال عبد الرحمن بن عوف لعمر الخطَّاب: إنَّ أوراقنا تُزيَّفُ علينا، أفنزيد عليها ونأخذ ما هو أجود منها؟ قال: لا ولكن ائت النقيع فاشتر بها سلعة ثمَّ بعها بما شئت." (بيان الدليل على بطلان التحليل / صـ133).

ومن الأمثلة على ذلك من هدي المصطفى ـ عليه الصَّلاة والسلام ـ أنَّه إذا منع شيئاً فتح لمن منعه باباً آخر من الأمر المشروع، والبديل المنضبط بمعيار الشَّريعة، ومن ذلك ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلَّم ولأهل المدينة يومان يلعبون فيهما في الجاهلية ، فقال: « قدمت عليكم ولكم يومان تلعبون فيهما في الجاهلية، وقد أبدلكم الله بهما خيراً منهما : يوم النحر، ويوم الفطر» أخرجه أحمد في المسند (3/103ـ178ـ235) وأبو داود (1134) والنَّسائي (3/179) بسندٍ صحيح. واليومان اللذان يلعب فيهما أهل الجاهلية هما: يوم النيروز ويوم المهرجان . وللمزيد انظر/ عون المعبود (3/485) للعظيم آبادي.

أرأيت ـ أخي القارئ ـ إلى هديه ـ عليه الصلاة والسَّلام ـ في ذلك، حيث إنَّه لا يرضى بوقوع المنكر، ولا أن يُؤْلف، ولكنَّه ـ عليه الصلاة و السَّلام ـ يبيِّن خطر الشيء المحرَّم، ومن ثمَّ يبين البديل الشرعي عمَّا حرَّمه الله، ومن هنا فطن علماء الإسلام لتوضيح هذه القضيَّة في مدوناتهم، ورسائلهم ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية ـ طيَّب الله ثراه ـ فقد بيَّن بأنَّ المبتلى بالمنكر أو البدعة فإنَّه يتوجب على ناصحه أن يدعوه للإقلاع عن هذا الأمر المحرَّم ولو كان في ظاهره الخير، ومثَّل ابن تيمية لذلك بالبدعة فقال : "إذا كانت في البدعة من الخير فعوِّض عنه من الخير المشروع بحسب الإمكان، إذ النفوس لا تترك شيئاً إلاَّ بشيء ... فالنفوس خلقت لتعمل لا لتترك، وإنَّما الترك مقصود لغيره" (اقتضاء الصراط المستقيم 2/125).

ومن هذا المنطلق فإنَّ البحث المضني من العالم أو المربي أو المفكر لما يخدم به أمَّة الإسلام من برامج جذَّابة تكون بديلاً عمَّا هو متاح ويستطاع الوصول إليه بأسرع الوسائل وأدنى السبل فإنَّ هذا النوع من البحث من الضرورة بمكان وخاصَّة في هذا العصر الراهن، فأمتنا تحتاج لبدائل كثيرة في عدَّة مضمارات، وتحتاج للبدائل المفيدة عن القنوات الفاسدة التي تنشر الغثَّ بلا سمين، وتلهي النَّاس عن دين ربِّ العالمين، و تجدُّ في إيقاعهم بفتن الشبهات أو الشهوات، وما البرامج الأخيرة التي نشرت من خلال القنوات الفضائحية كسوبر ستار، وستار كلوب ، وستار أكاديمي، وتحدي الخوف، وبج برذر، وغيرها إلاَّ شاهد قوي على أنَّ أهل العلمنة والكفر والفجور يريدون إلهاء الأمة وشبابها عن قضاياها الكبرى، وشؤونها المصيرية ـ وقد أعلن ذلك جهارة بعض المسؤولين عن بعض تلك القنوات ـ بل كانت بعض هذه البرامج العاهرة تعرض في الوقت الذي تضرب فيه بلاد الرافدين (العراق) بالصواريخ وتقصف بالطائرات وتجتاح بالدبَّابات والمجنزرات، وكذلك في فلسطين المباركة في أزمة الحصار المشدد على مدنها وقراها، وعمليات الاغتيال الصهيوني لقادة الجهاد والصمود، في الوقت الذي كان فيه كثير من شباب العالم الإسلامي قد أطلق بصره وأرخى سمعه لما يعرض في هذه الفضائيات من مشاهد مخزية ، يستحيا ـ والله ـ من ذكرها.

وإذا كنَّا قد علمنا مكمن الدَّاء وموطن الخلل، فليت دعاة الإصلاح والتغيير يستشعرون المسؤولية الفردية والجماعية، والتأهل للإنقاذ وللمشاريع الإصلاحيَّة لهذا الشباب التائه، الذي قلَّ مَنْ أخذ بيده، وبيَّن له طريق النَّجاة والحلول المثمرة والبدائل النافعة والإيجابيَّة.

في الوقت نفسه فنحن لا نريد حلولاً مستوردة من الغرب الكافر، ولا بدائل غير شرعيَّة، أو فيها تنازلات عن سنَّة خير البرية، فمعاذ الله أن يُنصح بذلك، وقد قال الإمام ابن تيمية رحمه الله شيئاً من هذا القبيل ثمَّ أعقبه قائلاً: "لكن لا يجوز لأحدٍ أن يغيِّر شيئاً من الشريعة لأجل أحد". (اقتضاء الصراط المستقيم: 2/133).

بيد أنَّ من أراد أن يحمل نفسه على تجنُّب البدائل المباحة، والالتزام بالأوامر والنَّواهي الشرعية فله ذلك، وصاحب العزمات يأخذ بالأقوى، وقد يكون في جانبه أفضل، إلاَّ أنَّ عليه أن لا يقارن نفسه بغيره من الناس، و لا يفرض عزيمته على ضعفاء الدين وقليلي الإيمان، ومن المعلوم أنَّه إذا أردت أن تطاع فأمر بالمستطاع.

ولن يستطيع الداعية مهما أوتي من فصاحة وإقناع أن يصنع ذلك المجتمع المثالي المتخيل في الذهن، وخاصَّة أننا نعيش في هذا العصر المنفتح، والذي تعجُّ فيه الفوضى الفكرية والمتنوعات الثقافيَّة، وكلٌّ منها تضغط بطرف على العقول والأمزجة محاولة أن تقنعها بمثلها ومبادئها.

فمهمَّة الدعاة إذاً أن يأتوا البيت من بابه، ويضعوا الحقَّ في نصابه، ويرشدوا أبناء هذا الجيل مبيِّنين لهم مخطَّطات الغرب، ووسائل المجرمين بالإطاحة بهذا الجيل عن غاياته النَّبيلة وأهدافه السَّامية.

• أمور هامَّة للدعاة إلى الله:

وثمة نقاط أحبُّ أن أذكِّر بها نفسي ومن سلك طريق الدعوة ، وكل قارئ لهذا المقال، يجدر التنبيه إليها والتلويح بها:

1- يجدر بدعاة الإسلام وأهل التربية أن لا يخاطبوا الناس من برج عاجي أو صومعة فكرية، بل عليهم أن ينزلوا إلى ميدان الناس وواقع البشرية ويتأملوه حقَّ التأمل، فما كان فيه من خير أثنوا عليه وأشادوا به، وما كان فيه من خطأ فلينبهوا الناس له، ويرسموا لهم طريق الصلاح، ويـَزِنُوا جميع الأمور بمعيار الشريعة، ويعطوهم البدائل المباحة بقدر الإمكان، وإيجاد الحلول والمخارج الشرعيَّة، لا الحيل الباطلة البدعيَّة.

فأمَّا التشديد على الناس في أمورهم فهذا لا يليق بدعاة الحق والرشاد، بل هو أمر يحسنه كلُّ أحد، وقد قال الإمام سفيان الثوري رحمه الله: "إنَّما العلم عندنا الرخصة من ثقة، فأما التَّشدد فيحسنه كلُّ أحد" جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر(1/784) وقال الإمام أحمد بن حنبل: "من أفتى ليس ينبغي أن يحمل النَّاس على مذهبه ويشدِّد عليهم" الآداب الشرعية لابن مفلح (2/45)، ولا يعني ذلك أن نكون مماثلين لدعاة العصرنة والمسايرة لهذا العصر، والتراجع تحت ضغط الواقع، والَّذين يتبنون تتبع رخص العلماء وزلاَّتهم ويبنون عليها أحكاماً يقنِّنونها للناس حتَّى يتعاملوا بها فإنَّ هذا غير هذا، ولا شكَّ أنَّ التفريط أخٌ للإفراط، فالمطلوب أن يكون الدَّاعية وسطياً في فتاويه وآرائه على وسطيَّة أهل السنَّة والجماعة ورحم الله من قال:

 

عليك بأوساط الأمور فإنَّها *** نجاةٌ ولا تركب ذلولاً ولا صعبا



ولهذا فإنَّ العالم الذي جمع بين العلم والتربية لن يغفل عن دراسة نفسيَّات النَّاس، وإعطاء كلَّ ذي حقٍ حقَّه من الحكم الملائم له، ورضي الله عن الإمام ابن تيمية حين علَّق على حديث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «كلُّ لهو يلهو به الرجل فهو باطل، إلاَّ رميه بقوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته امرأته، فإنَّهنَّ من الحق » أخرجه ابن ماجه (2/940) والنَّسائي، انظره مع شرح السيوطي (6/185) بسند صحيح.

فقد علَّق ابن تيمية على هذا الحديث تعليقاً نفيساً مبيناً خلاف ما يعتقده البعض من قارئي هذا الحديث بأنَّ كلمة "الباطل" فيه يعني "المحرَّم" فقال: "والباطل من الأعمال هو ما ليس فيه منفعة، فهذا يرخص للنفس الَّتي لا تصبر على ما ينفع" الاستقامة (1/277) ولهذا أُثر عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنَّه قال: "إنِّي لأستجمُّ نفسي بالشَّيء من الباطل لأستعين به على الحق" مجموع الفتاوى(28/368).

ومن هنا نستنتج أنَّ معرفة الدَّاعية لنفسيات المدعوين وأهل المعصية ومراعاتها كلٌ بحسبه، تعتبر من أهمِّ المهمات ليتدرج معهم في إزالة ما لديهم من قصور ديني، فهو خبير بأنَّ الخروج عن المألوفات من أشق الأشياء على النفوس، ولذا فإنَّه يعطيهم من البدائل المباحة الَّتي تجعلهم يتناسون ما كانوا عليه، متدرجاً بهم بهذه الطريقة إلى مرحلة القناعة والطمأنينة بما هم فيه، ومن أقوى ما يحتجُّ به لذلك ما قاله عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز لأبيه يوماً منكراً عليه عدم إسراعه في إزالة كلِّ بقايا الانحراف والمظالم والتعفية على آثارها ورد الأمور إلى سنن الراشدين:" مالك يا أبتِ لا تنفذ الأمور؟ فو الله ما أبالي لو أنَّ القدور غلت بي وبك في الحق!"، وتأمل كيف كان جواب الأب الفقيه عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: "لا تعجل يا بني! فإنَّ الله ذمَّ الخمر في القرآن مرتين وحرَّمها في الثالثة، وإنِّي أخاف أن أحمل النَّاس على الحقِّ جملة فيدعوه جملة، فيكون من ذا فتنة" الموافقات للشاطبي (2/94).

ولهذا فإنَّ التدرج في الوصول إلى الحقِّ بهذه التربية سببٌ أكيد لقناعة المدعوين، وليأخذوا بهذه الأحكام بتمام الرضى والفهم العميق لمقاصد الشريعة الإسلامية. قال الإمام ابن القيِّم: "إنَّ حكمة هذا التدريجِ التربيةُ على قبول الأحكام والإذعان لها والانقياد لها شيئاً فشيئاً" بدائع الفوائد(3/184).

2ـ التشجيع للشباب المخلصين بإيجاد البدائل الشرعية، وإنتاج المشاريع والبرامج المعينة والجذَّابة لمن ابتلي بمتابعة الصور الهابطة، والأصوات المحرَّمة، وإنَّ من أهمِّ الأمور في ذلك بثُّ روح الإبداع والتفكير، والابتكار والطُّموح لصناعة البدائل وإيجادها والموافقة لروح الشَّريعة والاستفادة من المعطيات الجديدة، وتنمية الحس لأهمية الاطِّلاع والقراءة ، وكسر جميع الحواجز الَّتي تحول دون الإتيان بالجديد، وبورك في الشباب الطَّامحين.

وما قتل البعض منَّا إلَّا الترديد لتلك المقولتين القائلتين: "ليس بالإمكان أحسن مما كان" و"ما ترك الأولون للآخرون شيئاً"، فإنَّ هاتين المقولتين أصبحتا حجر عثرة لكلِّ يائس أو كسول أو رجل أَلِفَ التقليد، مع الضَّحالة العلمية والعقم الفكري "وحين يكون هناك جدب ثقافي ، وضحالة فكرية فإنَّ الإنسان لا يهتدي إلى كثير من البدائل الَّتي تتاح لأهل الثَّراء الفكري" (من كتاب / خطوة نحو التفكير القويم ـ ثلاثون ملمحاً في أخطاء التفكير وعيوبه لعبد الكريم بكَّار صـ59).

3ـ عدم الدوران في فلك الذات، وإغلاق منافذ البصيرة في وجه أيِّ جديد بحجَّة أنَّ هذه العولمة المعاصرة أكثرها شرٌ وفساد، بل ينبغي أن ننظر إلى كلِّ جديد ونزنه بالشرع فما وافقه فحيَّ هلا، وما خالفه فإن استطعنا أن نبيد مادَّة الحرام منه فعلنا، وإن لم نستطع فلنضرب به عرض الحائط ولا نبالي، ورحم الله من قال:

 

والشرع ميزان الأمور كلها *** وشاهد لأصلها وفرعها



ومن جميل كلام أبي حفص النيسابوري: "من لم يزن أفعاله وأقواله كلَّ وقت بالكتاب والسنَّة ولم يتهم خواطره فلا تعده في ديوان الرجال" (الاستقامة لابن تيمية /96ـ99).

شاهد ذلك أنَّه قبل أن نحكم على أي شيء فعلينا أن نعرف حقيقته وماهيته، ثم يُطلق الحكم الشرعي المناسب له، والقاعدة الأصولية تقول: "الحكم على الشيء فرع عن تصوره ".

4ـ لا يعني أنَّه إذا نودي بإيجاد البديل المنضبط أن يكون هذا ديدن الدعاة في كلِّ شي ، بل ينبغي أن ينادي الدعاة بأنَّه ليس كلُّ شيء حرِّم يستطاع أن يؤتى ببدائل تحل عنه، وأنَّ هذا البديل الذي استهلك العقل البشري في التفكير لإيجاده ليس شرطاً أن يكون فيه كلُّ مظاهر اللذَّة والمتعة عن الشيء المحرَّم، إلاَّ أنَّه ينبغي أن تكون فيه مادَّة تصرف من تعلقت نفسه بالماضي وتكون فيه روح شفَّافة جذَّابة ليتعلق بها.

لكن من المهم جدَّاً أن يواكب هذا التغيير لتلك النفس البشرية التي نشأت من قريب على طاعة الله بأن تربّى هذه النفس على طاعة الله، وأن يكون ديدنها لأوامر الله ونواهيه بكلمة "سمعنا وأطعنا" وإذا كان البديل ليس على مستوى درجة الجاذبية لما ألفته النفس في الماضي، أو في أيام الجاهلية فلا يعني ذلك أن ترجع النفس لماضيها لأنَّ ذلك من تبديل نعمة الله على العبد والتنكر لها.
بل يكون على لسان المسلم الأثر المعروف: "من ترك شيئاً لله عوَّضه الله خيراً منه" وهذا التعويض كما ذكر علماء الشريعة إمَّا أن يكون في الحياة الدنيا، أو أن يكون ذلك في دار الآخرة وجنَّة الرضوان.


5ـ أن يتعدى الدعاة والمصلحون مرحلة المدافعة والتحذير، إلى مرحلة المواجهة والتبشير، ولقد كانت هذه وصيَّة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لبعض أصحابه فقال: «بشِّروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا » أخرجه البخاري في كتاب العلم (2001) ، ومسلم في كتاب الجهاد (251).

فالعقلية الإسلامية تحتاج في هذا الزمن الصعب أن تكون داعية خير وتبشير. أمَّا مجرد النقد اللاذع، والإبقاء على هذا المنهج فلن يوصل المسلمين إلى مرحلة سبَّاقة ، بل يجعلهم ذلك يرجعون للوراء لأنهم لم يعرفوا كيف يواجهون هذا العصر بتقنياته، وما هي اللغة المناسبة له، ولذا فإنَّ المثل القائل: "بأنَّ إيقاد شمعة خير من سب الظلام" مثل رائع، يحتاجه دعاة هذا العصر، فإنَّ مجرد التشكي من أبناء هذا الزمان وهذا الدهر لن يفيد شيئاً، والغريب أنَّ كثيراً من الشباب الصالح قد صار ديدنه في بعض اللقاءات التحدث بمآسي هذا الجيل، على حدِّ قول الشاعر:

 

كلُّ من لاقيت يشكو دهره *** ليت شعري هذه الدنيا لمن؟!



لكنَّ القليل من يحاول أن ينقي الواقع الاجتماعي الذي يعيش فيه، ويبين الخلل والاهتراءات التي حلَّت في وسطه ، محاولاً التغيير والإصلاح بالحكمة الحسنة والكلمة الطيبة، حتى يتم المقصود، وينال المراد.

إننا نحتاج حاجة ماسة لإعادة النظر في الطرق التربوية التي أَلِفَهَا بعض المربين أكثر من أربعة عقود من هذا الزمان، أو وسائل الدعوة التقليدية والتي كانت منذ عشرات السنين وبقي الكثير على نمطها.

نحتاج لوسائل البلاغ المبين التي نواجه بها أبناء الجيل المسلم، والاستفادة من المعطيات الحديثة التي تتناسب مع طبيعتنا الشرعية، ومُثُلِنا العقدية "حيث إننا من خلال الممارسة العملية نكتشف الهائل والمترامي، وما لا يمكن الوصول إليه، وبذلك الاكتشاف نقترب من معرفة ما هو متاح، كما أنَّنا نوفر على أنفسنا عناء "الحرث في البحر" حيث ألف الكثيرون منَّا تبديد الجهد والوقت والمال في محاولات الوصول إلى أشياء ليس إلى الحصول عليها أي سبيل" (جزء من كلام الدكتور عبدالكريم بكَّار في كتابه "تشكيل عقلية إسلامية معاصرة: صـ78).


• تنبيهات وملاحظات في قضيَّة البديل:

وهي في الحقيقة أمور وقع فيها بعض الإخوة ـ هداني الله وإيَّاهم ـ في قضيَّة البديل، فالمراقب لبعض البدائل التي أتيح نشرها داخل الأوساط الإسلامية يجد أنَّها قد تجاوزت ـ وللأسف ـ الحدود الشرعية، وصار فيها من التنازلات عن الشريعة الشيء الذي ينذر بوقوع حالة كارثية ممن لهم توجهات إسلامية، لأنَّ كثيراً منهم ينتج إنتاجه الإعلامي أو الاقتصادي أو التربوي ولا يستشير إلَّا قليلي العلم، مع قلَّة استشارتهم لأهل العلم وفقهاء الشريعة الربانيين، في عرض مثل هذه المنتجات، وأخذ آرائهم تجاهها، ومن ذلك:

1ـ ما يسمى بـ"الفيديو كليب": فإنَّه يُعرض في بعضها من الأناشيد التي يصاحبها من تكسر وتميع، وحركات لا تمت إلى الرجولة بصلة، بل فيها من مشابهة بعض الفسقة من المغنين في حركات الرجل وضرباتها الخفيفة على الأرض، أو حركات اليد والتي تدغدغ مشاعر الرجال فضلاً عن الفتيات "المراهقات" ثمَّ يسمَّى هذا العمل إنتاجاً إعلامياً "إسلامياً".
فهل هذا من البديل الذي اشتُرِطَ أن يكون منضبطاً بميزان الشريعة، ومأموناً لجميع شرائح المجتمع؟!


2ـ ما صار يصاحب بعض أشرطة الأناشيد الإسلامية من ضرب بالآلات الموسيقيَّة، وما يرافقها بما يسمَّى بجهاز "السامبر" وأجهزة الكمبيوتر والتي سجِّل في بعضها بعض النغمات من الكمنجة والبيانو، كلُّ ذلك بحجة أنَّ هذا من البديل "الإسلامي" وأنَّه إذا لم نضع مثل هذه الملحقات مع الأناشيد فإنَّ السامعين للأناشيد الإسلامية سيكون تعدادهم قليلاً!! وأنَّ أفضل وسيلة لجذبهم هي هذه الطريقة ولأجل الارتقاء بالفنِّ الإسلامي البديع!! والإجابة عن هذه الحجَّة الباطلة قد يطول ولكنَّنا نقول:

إنَّ من أراد أن يقدِّم للناس بديلاً مشروعاً فعليه بأن يتقي الله سبحانه وتعالى ويرضيه قبل إرضاء أيِّ طرف من الناس، وليتذكر المرء حديث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «من أرضى الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس، ومن أسخط النَّاس برضا الله كفاه الله مؤنة الناس» أخرجه ابن حبَّان بسند جيد ـ انظر:السلسلة الصحيحة (2311)، والحقيقة أنَّ هؤلاء القوم المنتسبون للدعوة ويصاحبون في أعمالهم ما حرَّم الله بحجة اجتماع الناس عليهم وللمصلحة العقلية الموهومة فإنَّهم وكما قيل في المثل: يريد أن يطبَّ زكاماً فيحدث جذاماً، فلا هم للبديل نصرواولا للمعصية كسروا، نسأل الله لنا ولهم الهداية.

3ـ لا شكَّ أنَّ العالم الإسلامي اليوم يحتاج لمصارف إسلامية، وبنوك تتعامل مع الطبقات البشرية بالشريعة الإسلامية، ونحن نحمد الله تعالى أن صار لهذه البنوك وجود ولو كان بطيئاً في بعض الدول الإسلامية والتي تلبي رغبات التجَّار، وتعين المساكين وتقدِّم لهم البذل والمعونة، وتقرضهم القروض الخالية من الربا وتتعامل مع من يريد تنمية ماله بالمعاملات المشروعة كالمضاربة والمشاركة والمساهمات التجارية.

بيد أنَّ هناك ـ وللأسف ـ بنوكاً أرادت أن تسوِّق بضاعتها بزيادة "الإسلامي" إلى كلمة "البنك" للتغرير بعوام المسلمين وعقول البسطاء والمساكين، ليتعاملوا معهم ويشتركوا في معاملاتهم المالية وأكثرها ـ عياذاً بالله ـ من أبواب الحيل الباطلة، والتي يتمُّ معظم معاملاتها المصرفية بالتحايل على أبواب الشريعة، جاعلين زلاَّت العلماء المتقدمين، ورخص المعاصرين المتساهلين ديدنهم في الترويج للالتحاق بهم والتعامل معهم.

فيا سبحان الله ! هل أصبحت البدائل المسماة إسلامية بهذا الشكل المرعب، وأصبح البعض الذي ليس له من الثقافة الإسلامية رصيد ولو يسيراً، يسوِّق لما يريد فعله ويضيف عليه كلمة "إسلامية" أو"إسلامي" أو على "الشريعة الإسلامية" على طريقة السمك المذبوح على الطريقة الإسلامية؟! وإذا كان البعض هكذا فليحذروا من عقوبة تحلُّ بهم من الله عزَّ وجل ونقمة شديدة يوم القيامة إن لم يتوبوا ويتداركوا أمرهم.

4ـ ومن ذلك بعض فتاوى المنتسبين للعلم والدعوة بأنَّه يجوز للمرأة أن تشترك مع الرجل في التمثيل على شاشات الرائي (التلفاز) بحجة أن الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم قال: « النساء شقائق الرجال » (صححه الألباني في السلسلة الصحيحة عن عائشة رضي الله عنها) ، وأنَّ المرأة نصف المجتمع ولها دورها فيه، فلا بأس عليها أن تشارك في التمثيل بشرط أن يكون "إسلامياً".

والحقيقة أنَّ هذا يفتح باباً كبيراً لأهل العلمنة والفسق في محاولة التدرج بمن أردن التمثيل من النساء المنتسبات للخير والدعوة في مهاوٍ توقعهن في الردى، هذا عدا أكثر من عشرة مخالفات شرعية في هذا الباب.


5ـ ومن ذلك ما يسمَّى بالأفلام المدبلجة، والتي أنتجتها بعض الشركات الإعلامية الكافرة، أو الشركات الفاسقة، فما كان من البعض إلاَّ أن حذف منها أصوات الأغاني والموسيقي، وظّنََّ أنَّ تسمية هذه الأفلام بأفلام إسلامية هو الهدف الرئيس، مع أنَّ بعض هذه الأشرطة فيها من التلوثات العقدية، والآراء الهدَّامة كبعض الألفاظ الشركية، والعادات المخالفة للقيم الإسلامية، كالشرب بالشمال، والنوم على البطن، وعدم تشميت العاطس، والسخرية بمن ابتلي بسمنة أو داءٍ في جسده، ومظاهر الاختلاط بين الرجال والنساء، وعرض بعض صور النساء كاشفات لشيء من شعورهن وإبراز بعض مفاتن جسدهن، ومع ذلك تبقى أشرطة إسلامية!! فأين المراقبة الإعلامية المتخصصة، وأين المراجعة والتدقيق الشرعي على مثل هذه الأشرطة المدبلجة؟

بل ظهرت بعض الأفلام الإسلامية تقوم فيها فتيات جميلات قد قارب أكثرهنَّ البلوغ في سنِّ العاشرة والحادية عشرة، يقمن بالإنشاد الإسلامي، مع بعض حركات الرقص المرافقة لإيقاع الدف، ويكون بالطبع معهن بعض الأحداث الفتيان ينشدون جميعاً عند بحر أو تلٍّ، وتقدِّم إحدى الفتيات وردة حمراء لأحد الأحداث الذكور وهي تبتسم ابتسامة ساحرة!! حدَّثني بذلك ـ والله ـ جمع من الشباب الذين كانوا على طريق الغواية ثمَّ منَّ الله عليهم بهدايته سبحانه فأقلعوا عمَّا حرَّم الله، وقالوا لي جميعاً اشترينا هذه الأشرطة من التسجيلات الإسلامية! ورأينا أناساً يشترونها! وكنَّا نتناوب على مشاهدة هذه الأفلام! لما فيها من الصور "الإسلامية"!!

بل قرأت لأحد هؤلاء المنتسبين للإسلام مقالاً كتبه في إحدى الجرائد يطالب فيه بديسكو إسلامي! وما أدري والله ماذا زوَّر أمثال هؤلاء في صدورهم بعد ذلك من البرامج "الاستسلامية للواقع". وصدق من قال في هذا الزمن:

 

زمان رأينا فيه كلَّ العجائب *** وأصبحت الأذناب فوق الذوائب




والآن... أسائل أصحاب هذه البدائل الظالمة ... أسائلهم: بالله العظيم أذلك كلُّه من باب البديل الإسلامي المنضبط، عن أشرطة الفسق والمعصية؟ إنَّ هذا لشيء عجاب! لقد تعدى الأمر حدَّه، وخرج عن أصله، وبلغ السيل الزبى، والله المستعان .. فليتدارك أمثال هؤلاء القوم منهجهم، وليصلحوا أمرهم، وليتوبوا إلى ربهم، ويعودوا إلى بارئهم، ولا يكونوا سبباً لإفساد الشباب، وهم يظنون أنهم مصلحون.


• شيء من البدائل النافعة المأمونة في عصر العولمة:

لا ريب أنَّ عصرنا كما أنَّ فيه النقائص الشرعيَّة فإنَّه وبالمقابل ثمَّة بدائل إيجابيَّة كان لها الدور الكبير والنافع بعد عون الله وتوفيق في توعية الأمَّة ورجالاتها، ومن ثمَّ الإقبال عليها وإعراض الكثير عمَّا سواها ومن ذلك:

1ـ ظهرت بفضل الله وبجهود بعض المخلصين من أبناء هذه الأمَّة بعض الإذاعات الإسلاميَّة، والمنتجة للبرامج الإسلاميَّة على مستوى رفيع، من ثبات على الأسس والأصول الإسلاميَّة، وتكامل في البرامج، وإبداع في الطرح والخطاب، جعل كثيراً من المستمعين لهذه الإذاعات لا تفارق بيوتهم أو سيَّاراتهم، معجبين بها، ومتشجعين في الاستماع لبرامجها.

2ـ المؤسسات الإسلاميَّة الراعية لكثير من طاقات الشباب الإبداعيَّة وتثميرها، و زرع روح المبادرة الذاتيَّة، والعمل لهذا الدين على بيِّنة وعلم.

3ـ إطلاق بعض الفضائيات الإسلاميَّة، والتي كان لها دور ـ بفضل الله ـ في تنمية روح الإسلام في قلوب المسلمين، وغرس مكامن العزَّة في قلوبهم، وإشعارهم بأنَّ المسلمين ليسوا أقلَّ من الكفَّار أو الفسقة في الإنتاج والإخراج الإعلامي.

إلاَّ أنَّه يجدر أن أنبِّه بأنَّه ليست كلُّ قناة منتسبة للإسلام، تكون كما ادَّعت، وللأسف فإنَّ بعض القنوات الإسلامية، فيها الكثير من المخالفات الشرعيَّة، والتنازلات العقديَّة، والتي ينبغي تداركها، ومن ذلك: تعظيم بعضهم لأهل الكفر والنفاق، ورخاوة تقرير معاني الولاء والبراء، والاختلاط بين الرجال والنساء، وعرض الموسيقى والأغاني في برامجها، واستضافة بعض متلوِّثي العقيدة، إلى غير ذلك ممَّا ينبغي لهؤلاء أن يتداركوه، لتبقى برامجهم ملتزمة بأسس الإسلام وثوابته.


4ـ تفكير كثير من الشباب المسلم الواعد بإقامة مشروعات إسلاميَّة تربويَّة وترفيهيَّة، ولا أنسى أنَّني في يوم من الأيام قد ذهبت أنا وأهلي إلى طلعة بريَّة، وحول هذه المنطقة يوجد فيها شباب مراهقون شعروا بملل في أوقاتهم، فراحوا يجوبون الشوارع يمنة ويسرة، ويضيِّعون أوقاتهم بالدوران في سيَّاراتهم، والبعض منهم كانوا قد جلسوا مع رفقائهم وبدؤوا يضربون على العود والموسيقى!

وبعد برهة من الزمن قصيرة رأيت شباباً في العشرين من عمرهم من الصالحين ـ هكذا أحسبهم ـ قد قدموا بثلاث سيَّارات وأتوا بجهاز الحاسب الآلي و جهاز "البروجيكتر"، ونظَّموا المجالس والمقاعد، ثم بدؤوا يهتفون عبر الميكرفونات وينادون الشباب: هيا يا شباب إلى المسابقات الجميلة! هيا إلى الإبداعات! هيَّا إلى المسابقات! وبدأ هؤلاء الشباب بالتقاطر والتحلُّق في المكان الذي تُقدَّمُ فيه برامج هؤلاء الإخوة الملتزمين، حتَّى أنَّه بعد ساعة أحصيت نحو ما يقارب 50 سيَّارة، وأكثر من مائة شاب، قد جلسوا وكأنَّ على رؤوسهم الطير، وهم يشاركون مبتهجين بهذه البرامج والمسابقات بشدَّة تفاعل، وابتسامات تعلو محيَّاهم.

وقبل أن ينتهي البرنامج أتى أحد هؤلاء الإخوة الصالحين بإلقاء موعظة بربع ساعة ألهب فيها القلوب، وحرَّك لها المشاعر، ثمَّ أنهي ذاك البرنامج بتوزيع الجوائز على الفائزين.

يحدِّثني أحد الإخوة المصلحين الذين يشاركون في برامج بهذا الشكل بأنَّه لا يخلو بأن يقوم ثلاث شباب إلى خمسة بإعلان التزامهم واستقامتهم على دين الله، ويبدؤوا بالمشاركة مع هؤلاء الشباب المصلحين في الدعوة إلى الله بالحكمة والأسلوب الحسن، كما قال الشاعر:

 

قد هدانا السبيل من سبقونا *** وعلينا هداية الآتينا



5ـ استغلال كثير من الشباب الصالحين والمهتمين بالجيل الناشئ وقت الإجازة الصيفيَّة بإقامة مراكز صيفيَّة تستوعب طاقات الشباب وإبداعاتهم، وكذا إقامة المخيمات الشبابيَّة والتي تعوِّد الشباب المسلم على روح المبادرة، وتشجعه على إبراز مواهبه وتفعيل طاقاته في المشروع.


6ـ إطلاق كثير من مواقع الإنترنت والإتيان بشتَّى البدائل النافعة والمفيدة لأبناء الصحوة الإسلاميَّة، فهذه البدائل ـ والحقُّ يقال ـ قد نفع الله بها كثيراً من أبناء الصحوة، و بيَّنت أنَّ الأمَّة الإسلاميَّة تستطيع إيجاد بدائل منضبطة غير منفلتة عن قيم الإسلام.

ولهذا أقول نعم للبديل، ولكنْ بالضوابط الشرعية، والالتزامات العقدية، وتحت استشارة أهل الشريعة، ولا للبديل المتسيب، والذي شطَّ عن الصواب، وانخرط في دوائر الانفلات، وأُقْحِمَ في الشبهات، فإنَّ هذا ليس له مكان في قلوب أهل الإيمان، ويبقى الحقُّ عليه دلائل الإشعاع الربَّاني، والباطل عليه دلائل التحايل العصياني. { فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّـهُ الْأَمْثَالَ} [الرعد:17] ومن الله الحول والطَّوْل، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلَّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم أجمعين، والحمد لله رب العالمين.


[email protected]

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 0
  • 0
  • 12,050

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً