لا زلنا في أول الطريق
نعلم أنه كان للفرعون أعوان وقواعد وسحرة وأفاعي وأوكار وهامان ، وأنه كانت للرأس أيادي وأقدام وجوارح وأركان ، ونعلم أن ثلاثين عاما من الاستبداد والفساد عمقت جذور وأساسات أعوان وأركان وقواعد الفساد والاستبداد ..
نعلم أنه كان للفرعون أعوان وقواعد وسحرة وأفاعي وأوكار وهامان ،
وأنه كانت للرأس أيادي وأقدام وجوارح وأركان ، ونعلم أن ثلاثين عاما
من الاستبداد والفساد عمقت جذور وأساسات أعوان وأركان وقواعد الفساد
والاستبداد بصورة معقدة قد يصعب معها تمام الاجتثاث في وقت قصير
.
ولا يتصور أحد أن يسقط النظام الفاسد المستبد كاملا بمجرد سقوط
الفرعون ، لابد أن يسقط الأعوان ومعهم القواعد والأركان وقطع رؤوس
الأفاعي وهامان ، النظام الفاسد المستبد لا يسقط بسقوط رأسه ولكن يسقط
بسقوط جسده كاملا سقوطا تاما مؤكدا لا ريب فيه ؛ وإذا كان ذلك كذلك
فليس من الثوار أحد إلا ويعلم أن النظام الفاسد المستبد لما يسقط بعد
.
ولم يزل السيد شفيق أحد أطواق النجاة التي فزع إليها الرئيس السابق
وقد أحاطت به مصائب أعماله من كل جانب للاستعانة بها لينج من الغرق
أمام طوفان الثوار، بالإضافة إلى النائب السابق ووزير الداخلية
الحالي.
كان النائب السابق طوق الخذلان الأعظم أثرا ـ من حيث أراد العكس ـ في
التعجيل بنهايته والأقل خطرا على الثورة ـ إن لم يكن الأكثر إشعالا
لها ـ وأكثر فجاجة ورعونة في التعاطي معها فنعتها ونعت الثوار
بالعمالة لصالح أجندات خارجية وداخلية إلى آخر ما عايناه من تعاطي
استعلائي ممجوج ذهب إلى حد اعتبار الشعب فاقد الأهلية للتعاطي مع
الديمقراطية ، الأمر الذي جعله نعمة للثورة ونقمة على النظام الفاسد
.
أما شفيق فقد كان الطوق الأكثر فعالية في محاولة إنقاذ مبارك و الأشد
خطرا على الثورة ـ حتي الآن ، حيث تعاطي معها بنعومة ودهاء على طريقة
دس السم في العسل، تعاطي مع الثورة باعتبارها حركة ، كما تعامل مع
الثوار وكأنهم يقدمون له دعوة على العشاء! فشكرهم وخيرهم بين الانصراف
ـ فقد وصلت دعوتكم ـ أو أن يحول لهم ميدان التحرير إلى «هايد بارك» في
حالة ـ نادرة ـ من الدهاء بغرض الالتفاف على الثورة وتفريغها من
المعني والمبني ، وكذلك السخرية والاستخفاف بدماء وأرواح شرفاء بذلت
من أجل التخلص من أمثاله وممن استوزره ومن كل من يستخف بحق الناس في
اختيار من يحكمهم ويعبر عن مصالحهم .
مازال شفيق مصرا على التعالي على رغبة الشعب في إسقاطه متجاهلا تماما
أنه إنما كان جزءا أصيلا من نظام فاسد قمعي مستبد ، وأنه شريك متضامن
في كل ما عم البلاد من فساد واستبداد ونهب باعتبار شراكته في وزارات
عديدة فاسدة ولسنوات عديدة .
إن إصرار شفيق على البقاء على رأس وزارة مكلفة من رأس سابق لنظام
بائد وفاسد ، لا يخرج عن كونه : إما نوع من الوفاء لحماية ما يمكن
حمايته من بقايا النظام البائد ، وإما أنه يقود ثورة مضادة تكفكف قدر
المستطاع من تحقيق كامل أهداف ثورة 25 يناير ،وإما أنه يحصن نفسه
شخصيا من المسائلة والمحاكمة ؛ باعتبار شراكته في عدد من الوزارات
الفاسدة المفسدة ، وإما أنه يزايد على الشعب علي طريقة كل من : مبارك،
والقذافي ، وعلي بعد الله صالح ، وكل الطغاة الذين يتعاملون مع الشعوب
وكأنهم لا يفقهون ، و يتصور من نفسه مبعوث العناية الإلهية لإنقاذ
شعبه من الفوضى ، وإما أنه ينفذ أجندة خفية أخري لا نعلمها ولكن الله
يعلمها ، وقد يكون كل ما سبق ومثله معه .
وإلا كيف يمكننا تبرير هذا الإصرار المهين له وللشعب ـ الذي يرفضه
رفضا لا لبس فيه ـ على البقاء على رأس الوزارة ، والاحتيال بتعيين
نائب له وبعض من الوزراء تجملا والتفافا على الاستجابة لمطلب إسقاطه
ومن بقي معه في آخر حكومة أقسمت أمام مبارك ؟! ، هل يوجد مصري يعتز
بمصريته ويهتم بمصلحة مصر يصر هذا الإصرار المريب على البقاء في منصب
لا تريده مصر فيها ؟!.
وإذا كنا نوقن أن المستبد الطاغية لا يلجأ وقت الخطر إلا لمن يثق في
ولائهم وانتمائهم تمام الثقة ، ولا يستعين إلا بمن هم علي شاكلته ممن
يألفهم ويألفونه ويطمئن لهم ويطمئنون إليه ؛ نستطيع أن ندرك مدي ولاء
السيد شفيق لمن قامت الثورة لإسقاطه وإسقاط نظامه ؛ وعليه فلا يمكن أن
يتصور عاقل أن في وجود شفيق يوما واحد ا إضافيا على رأس الحكومة خيرا
للثورة أو لمصر .
ولم تزل وزارة الداخلية ، لم يتغير بها إلا بعض الألوان أو الأشكال ؛
وليس أدل على ذلك كل من حادثتي : مدير أمن البحيرة وضابط المعادي ،
فكلا الحادثتين ـ وغيرهما كثير ـ تدلان دلالة قاطعة على أن وزير
الداخلية عندما خرج علينا بإعلان : «الشرطة في خدمة الشعب» إنما خرج
علينا بشعار على سبيل التخدير ، وليس له من المضمون نصيب .
أن تتحدث قيادة أمنية بمستوي مدير أمن البحيرة بهذا الشكل (
الاستعلائي والعصابي ) عن الشعب ، فهذا يعني أنه لم تجر على الأرض أية
محاولة لإعادة التعبئة والتوجيه كما زعم السيد الوزير ، وإلا أين
أثرها عند القيادات الأمنية على الأقل .
وإذا أضفنا إلى ذلك دفوع وزير الداخلية حول جرائم الاستهداف والقتل
العمد والغادر للثوار ، وعدم تقديم أحد من القتلة حتي الآن للمحاكمة ،
نستطيع أن نتيقن أن وزراة الداخلية باقية على حالها دون تغيير ، وإذا
كنا نعلم أن مقرات وزراة الداخلية وأمن الدولة هي التي كانت تدير شئون
مصر في زمن ماقبل 25 يناير ؛ فليس من الصعب أن يزداد اليقين بأن
النظام لما يسقط بعد، وإذا أضفنا إلى ذلك السيرة الذاتية لوزير
الداخلية الحالي يتأكد المؤكد .
والأعجب والأدهى أن يثور الناس على الظلم والفساد ويقدمون أرواحهم
ودمائهم في مصر ، فترفع الطوارئ في الجزائر ولا ترفع حتي الآن في مصر
، استشهد المئات ، وأصيب الآلاف بعاهات ، وصدر للناس الرعب والخوف
والتهديد والوعيد ، ولم نزل حتي اللحظة نحكم بقانون الطوارئ ، ولما
يزل حتي اللحظة الكثير من الشرفاء رهن الاعتقال .
لم يقدم رمز من رموز السحل والتعذيب والإرهاب الذين أحالوا مقرات أمن
الدولة وأقسام الشرطة إلى محلات جزارة بشرية وسلخانات آدمية ، لم يقدم
أحد منهم حتي الآن إلى المحاكمة ، ولما تزل الأغلبية الكاسحة منهم
تقبع في مواضعها لم يمسسها سوء .
وفيما يتعلق بأحداث ميدان التحرير الأخيرة المريبة لا يجب أن يغيب عن
أذهاننا الحديث عن وجود عناصر أمنية بملابس مدنية كانت تقوم بتحريض
جنود الشرطة العسكرية على ضرب المعتصمين بعد متصف الليل ، الأمر الذي
يشي بأن هناك من يريد تخريب العلاقة بين الجيش والشعب وبالتالي تخريب
مصر وإغراقها في فوضي لا يعلم عواقبها إلا الله .
وإذا كنا نعلم علم اليقين أن النظام البائد كان مطية للمصالح الصهيو
أمريكية ، ونعلم علم اليقين أن وزير الخارجية الحالي من أهم أركان
النظام البائد ، والتي كانت معنية بخدمة المصالح الصهيو أمريكية والذي
طالما احتقر العقل الجمعي والوعي الجمعي والوجدان الجمعي للمصريين
استسلاما وخذلانا ومهانة واسترضاءً لكل من كوندي ، وليفني ، وكلينتون
وما تمثلهن ، في حين كان يرفع عقيرته بالتهديد والوعيد ( كالهر يحكي
صولة الأسد ) في وجه إخواننا وأهالينا وذوي أرحامنا المحاصرين
والمستضعفين في قطاع غزة !!.
وكذلك لم يزل على الساحة ـ دون خجل ـ الكثير من أعضاء هيئة السدنة
والكتبة والمروجين السابقين لبرنامج الدعاية الكذوب والإعلان الخئون
عن عبقرية النظام السابق وإنجازاته وتجلياته وخصائصه إلى آخر فعاليات
النفاق الرخيص والتدني في العلاقات الإنسانية والاجتماعية والسياسية
.
ولما تزل حتي الآن الأفاعي التي انسلخت من جلدها الحقيقي السابق
البالغ القباحة واكتست بجلد آخر ـ للتمويه والخداع ـ يتلون بلون
الثورة ، مازالت تلك الأفاعي تبث سمومها بين صفحات الجرائد المسماة
بالقومية , وقنوات وفضائيات الدولة ، ولما يزل الحزب الحاكم السابق
الذي أفسد حياة المصريين و أصاب بالكدر أيامهم، لم يزل الحزب المنحل
قائما لم يحل .
كلها ـ وغيرها ـ لا شك دلائل قطعية الثبوت وقطعية الدلالة على كون
النظام لما يسقط بعد ، وإذا كان النظام لما يسقط فإن الثوار ليسوا في
حل من عقدهم مع الله ومع أنفسهم ومع الشعب الذي استنشق بفضل الله ثم
بفضل جسارتهم نسائم الحرية ، ليسوا في حل من : أن ألا ينفك عزمهم أو
تلين قناتهم حتي يسقط آخر ذيل من ذيول نظام حسبه الشعب ـ يوما ـ قدرا
مقدروا وقبسا من جهنم نعوذ بالله من رؤوسه وأذنابه وكافة أشكاله
الأفعوانية .
كلا لما تنتهي الثورة حتي يسقط كامل النظام ، فلقد استنشقنا جميعا
نسائم الفجر الجديد التي ردت إلينا أغلي ما اغتصب منا طوال الليل
البهيم ، ولا أعرف أحدا ممن عاين هذا الفجر بنسائمه على استعداد أن
يقبل بأقل من بقية النهار كاملا غير منقوص إلا أن تحلق روحه بجوار
أرواح الشهداء .
- التصنيف: