ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله

منذ 2017-04-14

ومازال العلماء المجتهدون والمفتون قديما وحديثا يتكلمون في المسائل الشرعية ويختمون كلامهم بقولهم والله أعلم، بل بعد ما أعلم ربنا نبيه بمدة لبث أصحاب الكهف....

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.


أما بعد...
فقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو محدث هذه الأمة بشهادة النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو الفاروق الذي لو سلك فجا وطريقا لسلك الشيطان فجا وطريقا آخر، والذي وافق القرآن في أكثر من مسألة، كان إذا عرضت عليه قضية يقول: أقول فيها، فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان والله بريء منه.

 

وفى حديث بريدة: إن استــنــزلك أهل حصن على حكم الله ورسوله فلا تفعل، فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا، ولكن أنزلهم على حكمك وحكم أصحابك.


ومازال العلماء المجتهدون والمفتون قديما وحديثا يتكلمون في المسائل الشرعية ويختمون كلامهم بقولهم والله أعلم، بل بعد ما أعلم ربنا نبيه بمدة لبث أصحاب الكهف، أمره برد العلم إليه وقال سبحانه {قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الكهف: 26].

 

وقالوا لا أدرى نصف العلم، ومن جهل لا أدرى أصيبت مقاتله.


والوحى قد انقطع فليس منا من ينسب علمه إلى السماء، أو يدعى نزول الوحى عليه، أو يقطع بصواب معارفه، والفارق كبير بينك وبين يوسف نبي الله حين قال لصاحبي السجن {ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي} [يوسف: 37].


وكان الإمام الشافعي رحمه الله يقول: معى صواب يحتمل الخطأ ومع خصمى خطأ يحتمل الصواب.


وقال: ما ناظرت أحدا إلا وأحببت أن يجرى الحق على لسانه.


وكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون.


وفى الحديث: لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم.


وقال الإمام أبو حنيفة: ها أنا ذا أقول القول اليوم وأرجع عنه غدا. وكل إنسان يؤخذ منه ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.


وقال الإمام مالك ما منا إلا ورد ورٌد عليه. فلا يصح لإنسان بعد ذلك أن ينسب هطله وخطله إلى الله، ويقول عنه علمني ربى، وما أدراك أنها وساوس شيطانية أو جهالات نفس.

 

وقد أخطأت الصوفية في الاستدلال بالعلم اللدنى، فإن الخضر كان نبيا في أصح أقوال أهل العلم، وكان يوحى إليه، ولذلك قال {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} [الكهف: 82].


ومن قبلهم ضل اليهود والنصارى الذين تاجروا بالوهم، وباعوا صكوك الغفران لأتباعهم، وادعوا الحق في تحليل الحرام وتحريم الحلال والتشريع مع الله وقالوا (كونوا هودا أو نصارى تهتدوا) وقالوا {لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى} [البقرة: 111].


ولسان حال ومقال الواحد منهم أن علمه وما يقوله هو من عند الله، ولذلك عابهم سبحانه بقوله {وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 78].


إن التقول على الله بغير علم حرام، وقد اتفقت الشرائع على ذلك {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33].

 

والكذب والافتراء على الله ليس كالكذب والافتراء على البشر، فاتقوا الحديث إلا ما علمتم، فتقوية المواقف لا تكون بالجرأة ونسبة العلم إلى الله، وإذا زل اللسان دون تعمد وقصد وقلت علمني ربى كذا فراجع نفسك واستدرك فلست معصوما ولا ممن يوحى إليه، فلأن تكون ذنبا في الحق خير من أن تكون رأسا في الباطل، والرجوع إلى الحق قوة وفضيلة، والتمادي في الباطل خيبة ورذيلة.


لقد راجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال: ما شاء الله وشئت، وقال له: «أجعلتنى لله ندا، قل ما شاء الله وحده»، ولما سمع الخطيب يخطب على المنبر ويقول: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى، قال له: «بئس خطيب القوم أنت، ولكن قل ومن يعص الله ورسوله فقد غوى».

 

يسعك أن تقول: اللهم إني أسألك علما نافعا،اللهم علمنا ما ينفعنا وزدنا علما، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع،اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا.....


لا بد من متابعة العلم النافع بعمل صالح قال تعالى {وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ} [يوسف: 68] أي لذو عمل لما علمناه، وكان أبو الدرداء رضى الله عنه يقول: أخاف أن يقال يوم القيامة يا عويمر هل علمت؟ فأقول نعم، فيقال: ماذا عملت فيما علمت؟.


إن العالم الذى حصل أسباب الاجتهاد وأدوات النظر المباشر في الكتاب والسنة يتكلم في المسألة بما يغلب على ظنه أن هذا هو حكم الله فيها، ويحتاط غاية الحيطة في كلامه وتعبيره، ولذلك لا ينفك عن قوله: والله أعلم.

{مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}


والفارق كما بين السماء والأرض بين أن نقول كما قال عمر الفاروق أقول فيها فإن أصبت فمن الله......
وبين أن يجترئ مجترئ ويقول علمني ربى!!!!


نسأل الله أن يجنبنا وإياكم الزلل، ومضلات الفتن، وأن يحملنا وإياكم على فضله لا على عدله، فالخير كله بيديه سبحانه والشر ليس إليه.


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

سعيد عبد العظيم

من مشاهير الدعاة في مصر - الاسكندرية.

  • 5
  • 0
  • 3,374

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً