الإمام الشوكاني وموقفه من الدعوة السلفية الإصلاحية (1/3)

منذ 2017-04-16

كانت آراء مؤرخنا الشوكاني ضد الغزو الوهابي، وبالرغم من أنه كان معجبًا ببعض آراء الشيخ محمد بن عبدالوهاب، إلا أنه كان يعارض بشدة شيئين: المذهب الوهابي كحاكم؛ لأنه لا يؤمن بمذهب يُفرَض بالسيف، وأي مذهب لا تدافع الأدلةُ والحُجة عنه..

الإمام محمد بن علي الشوكاني (1173 - 1250هـ) من أئمة العلماء المجتهدين

الداعين إلى الرجوع إلى كتاب الله وسُنة رسوله صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً، المحاربين للتقليد الأعمى، ولِما شاع بين المسلمين مما أُبدع في الدِّين، ومؤلفاتُه المشهورة الكثيرة كلُّها تعبِّر عن هذا، وتدلُّ عليه، ولا أحد يشكُّ في سلامة معتقده، وفي صحة مناصرته للدعوة الإصلاحية التي قام بها الإمامُ الشيخ محمد بن عبدالوهَّاب رحمه الله وآزره على نشرها الأئمةُ من آل سعود، وكثيرٌ من علماء اليمن المجتهدين كانوا ممن اتَّجه هذا الاتجاهَ الحميد للدعوة الإصلاحية، ومن أشهرهم محمد بن إسماعيل بن الأمير الصنعاني، وقبله ابن الوزير صاحب كتاب "العواصم من القواصم"، ولبعض أئمة اليمن من الزيديين جهودٌ مشكورة في ترسيخ هذه العقيدة بهدم القباب، والنهي عن البدع والخرافات، كلُّ هذا من الأمور البدهية التي لا يماري فيها إلا مَن أعمى الله بصيرتَه.

 

وقد وقع في يدي منذ فترة كتاب نشرتْه (وزارة الثقافة في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في عدن)، بعنوان: "ذكريات الشوكاني"، تحقيق الدكتور صالح رمضان محمود، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، ورئيس قسم التاريخ في كلية التربية في (جامعة عدن)، نشر هذا الكتاب سنة 1983م، 1403هـ، وهو مُصَدَّرٌ بمقدمة في الحديث عن مذكرات الشوكاني،

قال: إن مخطوطتها المصورة في خزانة الأمبروزيانا في إيطاليا برقم (76 E)، وفي مكتبة الفقيد عبدالله باديب (بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) صورةٌ منها، ولهذه المذكرات مخطوطة أخرى موجودة في (دار الكتب المصرية في القاهرة) ضمن المخطوطات اليمنية التي تقدَّر بـ(466)، قام بتصويرها أعضاء البعثة المصرية التي ذهبتْ إلى الجمهورية اليمنية عام 1965م، 1385هـ، ثم وصف المخطوطة

وقال: إن الجزء الأول يشتمل على المراسلات النثرية حول الحملة الفرنسية على مصر، وعددها 27 نصًّا، هي الفصل الأول، أما الفصل الثاني، فيشتمل على النصوص المتعلِّقة بالحروب الوهابية، وعددها (38) نصًّا، وموقفف إمام اليمن منها، وكذلك مراسلات محمد علي في مصر مع أئمة اليمن الثلاثة: المنصور: علي بن المهدي (1179 - 1224)، والمتوكل: أحمد بن المنصور (1224 -1231)، والمهدي: عبدالله بن المتوكل (1231 - 1251)، والشوكانيُّ عاش في الفترة من (1173 - 1250).

 

وأما الجزء الثاني من هذه المذكرات، فيشتمل على المراسلات التي دارتْ بين الشوكاني وبين أصدقائه بالنَّظَم.

وجاء في المقدمة أن الشوكاني أشار إلى هذه المخطوطة في ترجمة الشريف غالب بن مساعد، عن المراسلات التي تمَّتْ بين الإمام المنصور وبين الوهابيين.

لم أُعْنَ بما ورد في هذا الكتاب إلاَّ بما يتعلق بالدعوة الإصلاحية السلفية وموقف الإمام الشوكاني منها، حيث ورد فيه من التحامُل على الدعوة السلفية ما يرتفع قدرُ الإمام الشوكاني عنه، فقد ورد في هذا الكتاب[1]:

 

"أما الفصل الثاني، فقد أوردت فيه جميع النصوص التي وردتْ بالمخطوطة، وعددها (38) نصًّا، والمتعلقة بالوهابيين وموقف أئمة اليمن الثلاثة منهم، وهذه النصوص تُنشر لأول مرة، ولم تَرِدْ حتى في كتاب "البدر الطالع" لمؤرخنا الشوكاني، والذي أورد فيه مؤرخُنا ترجمةً لمحمد بن عبدالوهاب، وقادة الدعوة الوهابية، وهذه النصوص توضِّح امتدادَ نفوذ الوهابيين إلى اليمن، وسيطرتهم على الشريف حمود، الذي انضم إليهم، وقام بالاستيلاء على تهامة وبعض المدن اليمنية، بعد أن كان تابعًا لإمام اليمن من قبلُ، وقد عالج مؤرخُنا الشوكاني هذه الأمور منفصلةً، وعالجها في مكاتباته جملةً، منها التي جرت بين زعماء نجد وبين الأئمة من المكاتبات التي حرَّرها مؤرخنا الشوكاني على ألسنتهم". انتهى.

 

وعقب المحقق على ذلك بقوله[2]: "وبالرغم من أن مؤرخنا الشوكاني كان معجبًا ببعض آراء الشيخ محمد بن عبدالوهاب، إلاَّ أنه كان يعارض بشدة شيئين: المذهب الوهابي كحاكم؛ لأنه لا يؤمن بمذهبٍ يُفْرَض بحد السيف،، وأيُّ مذهب لا تدافِعُ الأدلةُ والحجة عنه، يجب أن يموت كما مات غيره".

ويبدو أن الدكتور الذي تولَّى نشْرَ هذا الكتابِ ليس كما وصف نفسه، بأنه أستاذ للتاريخ الحديث المعاصر؛ بل هو يجهل جهلاً تامًّا حقيقةَ الدعوة الإصلاحية وتاريخها؛ بل يحمل حقدًا للقائمين بنشر تلك الدعوة.

 

لقد توسَّع في أول الكتاب عن الحملة الفرنسية على مصر، وساق ما تحت يده من رسائل الشوكاني وغيرها حولها، وحول ما يتَّصل بها من حوادثَ عامةٍ، استغرقتْ من الكتاب أكثرَ من مائة صفحة، وأتْبعها بالكلام على الحروب الوهابية، أورد في أولها:

ترجمة للإمام الشيخ محمد بن عبدالوهاب تدلُّ على جهله؛ فقد وصفه بأنه درس في دمشق وبغداد، ورحل إلى معظم العواصم الإسلامية، مثل: مكة، والمدينة، والأحساء، وأصفهان، وقُم، وقال: وبهذه الرحلة الطويلة ضمَّ معرفةً تجريبية واقعية عن الإسلام والمذاهب الإسلامية، وشأنه في "ذلك" شأن أستاذه ابن تيمية من قبلُ، وشأن أصحاب الحركات الإسلامية التي جاءت بعده، وذكر أنه ولد في (العيينة) لا (العينية)، واسترسل في وصف تعاليم الدعوة، وذكر انتقاله إلى (الدرعيَّة)،

وقيام الإمام محمد بن سعود بمناصرته، بعد أن تزوَّج ابنته، والزواج هذا غير صحيح، ثم استعرض بإيجاز تاريخ الدولة السعودية الأولى حتى وفاة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وما جرى من الشريف غالب بن مساعد من معارضته، ثم إلى الانقياد والدخول في الطاعة، واسترسل في ذلك حتى ذكر قيام محمد علي والي مصر لغزو البلاد، حتى استولى ابنُه إبراهيم باشا على الدرعية، ووصف هذا الطاغيةَ بأنه كان يعامِلُ القبائلَ باللِّين والحسنى، وأنه اهتمَّ بحفر الآبار لتحسين الزراعة وتنميتها، وكلُّ هذا خطأ لا يقرُّه التاريخ؛ بل كان يخرب القرى وما فيها من زراعة.

 

ثم خلص من هذا إلى ذكر موقف اليمن من الوهابيين كما جاء في المخطوطة، قائلاً[3]: "كانت آراء مؤرخنا الشوكاني ضد الغزو الوهابي، وبالرغم من أنه كان معجبًا ببعض آراء الشيخ محمد بن عبدالوهاب، إلا أنه كان يعارض بشدة شيئين: المذهب الوهابي كحاكم؛ لأنه لا يؤمن بمذهب يُفرَض بالسيف، وأي مذهب لا تدافع الأدلةُ والحُجة عنه، يجب أن يموت كما مات غيره، كذلك كان رأيه سيِّئًا ومعارضًا بشدة للغزو التركي، وعالج مؤرخنا الشوكاني هذه الأمور منفصلة، كما عالج في مكاتباته جملة منها التي جرَتْ بين زعماء نجد وبين الأئمة الذين عاصرهم من المكاتبات التي حرر بعضها على ألسنتهم، والتي سنتعرض لها عند عرض النصوص الخاصة بالحروب الوهابية". انتهى.

 

وقال فيما نقل عن المؤرخ اليمني الواسعي[4]: "ومن نجد قامتِ الفتنة، وعظُمتِ المحنة، بقيام عبدالعزيز وولده سعود، واستولى على الحرمين والعراق، فخرجوا على تهامة وغلبوا الأشراف، وخروج القبائل على الطاعة للإمامم المنصور، وكثُر منهم النهبُ والقتل وقطع الطرق، وحوصرتْ صنعاء سنة 1223هـ محاصرةً شديدة".

 

وعبدالواسع الواسعي رحمه الله ليس من العلماء البارزين؛ بل ممن تصدَّى لكتابة التاريخ عن جهل، وعن غير عِلم، فقد اجتمعتُ به في (دار الكتب المصرية) سنة 1358هـ، وكنتُ قد اقتنيتُ كتابه، فذاكرتُه فيما وقع فيه من أخطاء شنيعةٍ، فاتَّضح لي أن الرجل طيب القلب، وأنه لا يحمل في قلبه ضغينةً ولا حقدًا، ووعد بأنْ يصلح ما وقع في كتابه من أخطاء في الطبعة الثانية.

 

وقد قيل لي بأنه حذف كثيرًا مما ورد في هذا الكتاب مما نبهتُه إليه، ومن ذلك نيلُه من العقيدة السلفيَّة، وعدُّه المعادن التي ذكرها الهمداني في "صفة الجزيرة" في بلاد بني عُقَيل، وهي في نجد، عدها في اليمن؛ ولكنه في الطبعة الأخيرة لم يذكرها، ويحسُن أن نرجع إلى مؤلَّف الشوكاني "البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع"، وقد أكرمني بنسخة من طبعته الأخيرة التي حققها الدكتور حسين بن عبدالله العمري: الابنُ الكريم الأستاذ عبدالله الهدلق، وهذه الطبعة الأخيرة عن مسوَّدة المؤلف الوحيدة بقلمه.

 

والواقع أنني كنت في شك مما طالعته في الطبعة الأولى؛ من خلوِّه من ترجمة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وهو من محاسن الزمن، واستغربتُ عدم وجودها في تلك الطبعة، وداخلني الشك من صحة ما فيها، وكنتُ قد قرأتُ قصيدةً منسوبة للإمام الشوكاني، نشرها الشيخ محمد حامد الفقي في مجلة الإصلاح[5] التي كانت تصدر في مكة المكرمة.

ومطلعها: مُصَابٌ دَهَى قَلْبِي فَأَذْكَى غَلاَئِلِي *** وآخرها: أَلاَ انْعِمْ (بِرَغْدٍ) فِي رَفِيعِ المَنَازِلِ

وكلمة (برغد) يوافق في حساب الجُمَّل (1206)، وهو تاريخ وفاة الشيخ محمد رحمه الله وعلمتُ أن ديوان الشوكاني قد حقَّقه الدكتور حسين بن عبدالله العمري، فطلبتُ من الأستاذ عبدالله الهدلق أن يبحث لي عن هذه القصيدة في الديوان، فصوَّر لي جميع ما فيه من حرف اللام، كما صوَّر لي ما ورد فيه في الكلام على الإمام سعود بن عبدالعزيز في الديوان، ونصه: "كان يراسل الإمام الشوكاني حين راسل الإمام المتوكل أحمد وأباه المنصور من قبله، وذلك حول دعوة المرحوم الشيخ محمد بن عبدالوهاب إلى التوحيد، وهدم القبور المشيدة والقباب المرتفعة، وكان الشوكاني كسلفه العلامة محمد بن إسماعيل الأمير، وغيره من متحرِّري علماء اليمن، قد رحَّبوا بالآراء الإصلاحية التي نادى بها الشيخ ابن عبدالوهاب، ولم تكن في الواقع جديدة أو غريبة عليهم، وعندما توفي الشيخ عام 1206هـ (1791) رثاه الإمام الشوكاني بقصيدةٍ ليست في الديوان ولا في "البدر الطالع"؛ لهذا نثبت ما وجدناه منها؛ إكمالاً للفائدة:

مُصَابٌ دَهَى قَلْبِي وَأَذْكَى غَلاَئِلِي ** وَأَصْمَى بِسَهْمِ  الافْتِجَاعِ  مَقَاتِلِي[6]

وبعده تسعة أبيات، نقلاً عن "تاريخ الدولة السعودية الأولى" للدكتور عبدالرحيم، نقلاً عن محمد حامد الفقي من كتاب "أثر الدعوة الوهابية"، وعلَّق الدكتور حسين العمري على هذا بقوله: "وهكذا لم يكن هناك خلافٌ مذهبي حول آراء ابن عبدالوهاب الإصلاحية الأساسية؛ لكن التعصب الذي صاحب الحركة في انتشارها جعل الشوكانيَّ يرسل هذه القصيدةَ من نظمه إلى ابن سعود في الدرعية"، وساق القصيدة التي أوردها (ص154) كاملة جاء فيها[7]:

أَلَمَّا  تَعْلَمُوا أَنَّا وَأَنْتُمْ ** عَلَى صَوْبِ الصَّوابِ لَنَا قُعُودُ

وَنَهْجُ  الحَقِّ  لا  نَبْغِي سِوَاهُ ** إِليْهِ جُلُّ  مَقْصِدِنَا  يَعُودُ

وَأَنَّا  نَجْعَلُ القُرآنَ جِسْرًا  **  فَمَصْدَرُنَا  عَلَيْهِ وَالوُرُودُ

نَرُدُّ إِلَى الْكِتَابِ  إِذَا  اخْتَلَفْنَا ** مَقَالَتَنَا وَلَيْسَ لَنَا  جُحُودُ

كذَاكَ إِلَى  مَقَالِ  الطُّهْرِ  طَهَ  **  نَرُدُّ وَفِي الكِتَابِ  لِذَا  شُهُودُ

واسترسل في هذا الموضوع، والقصيدة مثبتة في الديوان في (59) بيتًا.

وقد بحثت في كتاب "البدر الطالع" في طبعتيه، فلم أجد فيه ترجمة للشيخ محمد بن عبدالوهاب كما توقعت، وكما ذكر ناشر "رسائل الشوكاني"[8]، كما أن مرثاته لم ترد في الديوان، وهذا غريب حقًّا، وإن كان لا يتعارض مع موقفه من الدعوة الإصلاحية.

(للبحث صلة)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] "ذكريات الشوكاني" (ص10).

[2] المصدر السابق (ص: 10، 11).

[3] نفس المصدر (ص111، 112).

[4] نفس المصدر (ص112).

[5] السنة الثانية في محرم سنة 1349هـ.

[6] "ديوان الشوكاني: أسلاك الجوهر"، (ص154).

[7] المصدر السابق (ص155).

[8] ص10.

  • 3
  • 3
  • 21,411

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً