ثلة من علماء قسنطينة
وكان بالمدينة نُخبةٌ من العلماء والمفكِّرين والأعلام، ممَّا أضفى عليها حياةً فكريَّة نَشِطة في مختلف المجالات؛ وخاصَّة الديني منها؛ كأصول الفِقه، والفقه، وعلوم اللُّغة، والمنقول والمعقول، والرياضيات والطب، مثال لذلك قول الفقيه الشيخ عبدالقادر الراشدي في المخدِّرات ومشتقاتها: وقد كان يَذكر لي بعضُ مهرة الأطبَّاء..."، وهذا مثال على التكامُل بين العلوم، واحترام أهل الاختصاص لبعضهم بعدم التقدُّم عليهم فيما هم أهلٌ له.
تقع قسنطينة شرقَ العاصمة الجزائرية بحوالي 400كم، وهي عاصمةُ الشَّرْق إداريًّا من عهد الاحتلال الفرنسي، وحتَّى قبله، تُعتبر من أكبر المدن الجزائريَّة، والعاصمة الثقافية.
بها جامعةُ الأمير عبدالقادر للعلوم الإسلاميَّة، وجامعة منتوري، وكثيرٌ من الجسور، بعضها حجري قديم، والبعض معلَّق في الهواء؛ لذا تُعرَف بمدينة الجسور المعلَّقة.
قال عنها المؤرِّخ الحفناوي:
وهي مدينةٌ في وطننا، وقاعدةٌ من قواعد بلادنا، وإن لم يكن فيها السلطان، ففيها نائِبُه السيِّد الباي، وهي مدينة قويَّة، ليست كبيرةً جدًّا، ولا صغيرة أيضًا، وعليها سورٌ كبير، وفيها ثلاثة أبواب: باب الوادي، وباب الجابية، وباب القنطرة، وفيها بُويب صغير يخرج منه الآدمي، وفيها أسواق كثيرة، ومساجد للجُمُعة نحو الخمسة، وهي في غاية الإتقان، أمَّا المدارس فكانتْ من اهتمام الخاصة؛ نظرًا لحرْص باياتها على بناء القِلاع والحصون، إلاَّ أنَّها لا تخلو من العِلم، غير أنَّ تدريسه فيها إنَّما يكون في بعض الأوقات.
وكان بالمدينة نُخبةٌ من العلماء والمفكِّرين والأعلام، ممَّا أضفى عليها حياةً فكريَّة نَشِطة في مختلف المجالات؛ وخاصَّة الديني منها؛ كأصول الفِقه، والفقه، وعلوم اللُّغة، والمنقول والمعقول، والرياضيات والطب، مثال لذلك قول الفقيه الشيخ عبدالقادر الراشدي في المخدِّرات ومشتقاتها: وقد كان يَذكر لي بعضُ مهرة الأطبَّاء..."، وهذا مثال على التكامُل بين العلوم، واحترام أهل الاختصاص لبعضهم بعدم التقدُّم عليهم فيما هم أهلٌ له.
"وهذه المدينة قسنطينة غيرُ خالية من العلماء، ولا من الفضلاء والصلحاء؛ غيرَ أنَّها سريعة بأهل الصلاح؛ فمَا ظهر فيها أحدٌ بالقَبول والفضل إلاَّ أسرعتْ بهلاكه فينقبض ساعتئذٍ؛ وهذا معلوم عند أهلها؛ إمَّا لإساءة ظنِّ أهلها، فلا ينتفعون بمَن ظهر فيهم، أو لأنَّها كثيرة الملذوذات، فقلَّ فيها أهلُ الفضل من أصحاب الخيرات"؛ "الرحلة" (ص: 687).
قال عبدالله حمادي: "فمِثل هذا الجحود الذي تُواجِه به هذه المدينةُ كبراءَها فيه الكثيرُ من الاعتبارات، التي تجعلنا نعتقد - شبهَ جازمين - أنَّها ظاهرةٌ يمكن إطلاقها على بقية أنحاء الوطن منذ القديم إلى يومنا هذا، فالقطر الجزائريُّ كثيرًا ما يتجاهل رجالاتِه الشرفاءَ الأعلام؛ إمَّا لسوء نيَّة، أو لجهل تاريخي مترسِّب في الأعماق بهذا البلد.
مما يُروَى في مثل هذا أنَّ الشيخَ أبا إسحاق التنسي التلمسانيَّ لَمَّا توجَّه إلى المشرق، اجتمعَ بقاضي القضاة تقي الدِّين ابن دقيق العيد، فكان مِن قول القاضي:
كيف حال الشيخ العالِم أبي عبدالله بن خميس؟
وجعل يحليه بأحسنِ الأوصاف، ويُطنب في ذِكْر فضله، فبقي الشيخ التنسي متعجبًا،
وقال: مَن يكون هذا الذي حليتموه بهذه الحلى؟
فقال: هو القائل:
عَجَبًا لَهَا أَيَذُوقُ طَعْمَ وِصَالِهَا ** مَنْ لَيْسَ يَأْمَلُ أَنْ يَمُرَّ خَيَالُهَا
وَأَنَا الْفَقِيرُ إِلَى تَعِلَّةِ سَاعَةٍ ** مِنْهَا وَتَمْنَعُنِي زَكَاةَ جَمَالِهَا
فقال الشيخ: إنَّ هذا الرجل ليس عندنا بهذه الحالة التي وصفتُم؛ إنَّما هو عندنا شاعر وفقط، فقال له القاضي: إنَّكم لم تنصفوه، وإنَّه لحقيقٌ بما وصفناه"؛ "تعريف الخلف" (ص: 384 - 385).
وكثيرٌ من علماء البلاد يَجهَل وجودَهم فضلاً عن عِلمهم وعلومهم أكثرُ أهل بلادنا، خواصُّها وعوامُّها، فميراثهم العلمي إمَّا رَدَمَه التراب، أو هو في أوهنِ البيوت بيتِ العنكبوت لذا ساقَنا الحنينُ إلى السلف، وبيان فضلِهم بين أهل عصرِهم، ومراتبهم العلميَّة، ومؤلَّفاتهم التي تشكو من هذا الخَلَف الناكر لأصوله، إمَّا جهلاً أو تعنتًا، ومَن حكَى عن العلماء، فقلَّ أن يذكُرَ أهل المغرب العربي الكبير، وندر ذِكْر أهل الجزائر، ويكأنَّ هذه الأرض لم تلد عالِمًا؛ ويكأن البلادَ لا تسع من العِلم إلاَّ النزر.
فنَبغي الكشف عن البعض، ولو بالذِّكْر والتعريف بهم من شُعراء وفقهاء، وفلاسفة وأهل الصلاح.
الشاعر أحمد بن الخلوف القسنطيني:
هو أحمد بن عبدالرحمن الشهاب، أبو العباس بن أبي القاسم الحِميري الفاسي الأصل، القسنطيني المولِد، التونسي الدار، المغربي المالكي، ويعرف "بالخلوف"، أو "ابن الخلوف"، وُلِد سنة 829 هـ، 1420م بقسنطينة، وتوفي سَنَة 899 هـ،1494م بتونس.
قال عنه عبدالله حمادي: "إنَّه لِمِن دواعي الدهشة والغرابة أن تجتمعَ في شاعر كلُّ هذه الأنساب، والأصول المتعدِّدة والمتجانسة في مضمونها؛ فهو فاسي مغربي الأصل، قسنطيني جزائري المولِد، حجازي فلسطيني مقدسي النشأة والثقافة، تونسي الدَّار والقرار، والشهرة الأدبية والوفاة"؛ "دراسات في الأدب المغربي القديم"؛ عبدالله حمادي (ص: 146).
أبوه ممَّن شُهِد له بالبراعة في علوم الفقه "محمد بن عبدالرحمن أبو القاسم الحِميري الفاسي الأصل، القسنطيني التونسي المقدسي المالكي، جاوَرَ بمكَّة سنة830، ومات بالمقدس 859هـ، كان بارعًا في الفقه مُقدَّمًا فيه".
تعلَّم ابن الخلوف على والده، ثم علماء مصر، ولازَمَ أبا القاسم النويريَّ في الفقه، والعربية والأصول وغيرها، حتى كان جلُّ انتفاعه به، وأخذ الروايةَ عن الشِّهاب بن رسلان، والعزِّ المقدسي، وغيرِهم؛ "الضوء اللامع"؛ السخاوي، (ص: 122).
وتعلَّم على يد العِزِّ بن عبدالسلام البغدادي؛ وعلى يديه أصبح الشاعرُ من أئمَّة العربية؛ حتى تمكَّن من ناصية الصناعتين: النثر والشعر، "كان يعيش في دائرة السلطان أبي عمرو عثمان بن أبي عبدالله الحفصي، وفيه سائرُ قصائده الشائقة، وقد تعلق بمدحه تعلُّقَ ابن هاني بالمعزِّ لدين الله الفاطمي، والمتنبي بسَيْف الدولة الحمداني"؛ "مجمل تاريخ الأدب الأندلسي"؛ حسن حسني عبدالوهاب.
قال عنه السخاوي: كان حسنَ الشكالة والأبهة، ظاهرَ النعمة، طَلْقَ العبارة، بليغًا بارعًا في الأدب، ومتعلقاته.
وقد نَظَم "المغني اللبيب" لابن هشام الأنصاري؛ عمدة النحاة، وبديعية ميميَّة "مواهب البديع في عِلم البديع"، ورَجَز في تصريف الأسماء والأفعال "جامع الأقوال في صيغ الأفعال"، وفي عِلم العروض "تحرير الميزان لتصحيح الأوزان"، وفي علم الفرائض "عمدة الفارض"، وله ديوان في شعر، وموشَّحات وغيرها ممَّا فُقِد، وهو القائل في ديوانه (ص: 128):
فَالْحُبُّ دِينِي وَالتَّوَلُّهُ شِرْعَتِي ** وَالْوَجْدُ عَهْدِي وَالْهَوَى مِيثَاقِي
وَالشَّوْقُ طَبْعِي وَالصَّبَابَةُ شِيمَتِي ** وَالتَّوْقُ وَصْفِي وَالْجَوَى أَخْلاَقِي
هَبْنِي أَسَأْتُ فَكُنْ بِعَبْدِكِ مُحْسِنًا ** وَاشْفِقْ عَلَى الْمُهْجَاتِ وَالْأَرْمَاقِ
فَأَنَا الَّذِي أَوْضَحْتُ مِنْهَاجَ الْهَوَى ** لِذَوِي نُفُوسٍ فِي الْغَرَامِ رِقَاقِ
فَلْيُبْلِغِ الْأَحْبَابُ عَنِّي أَنَّنِي ** فَانٍ عَلَى دِينِ الْمَحَبَّةِ بَاقِ
عبدالقادرالراشدي القسنطيني:
العلاَّمة المحقِّق، المجتهِد الأصولي الكلامي، عالم وقته، وعضد زمانه، نِسبته لمدشر الرواشد؛ من مداشر فرجيوة (دائرة بولاية ميلة حاليًّا)، تُوفي أوائل القرن 12هـ، 1194 هـ،1780م.
قال فيه الورتلاني: "قاضي الجماعة، النحْوي المتكلِّم الأصولي، المنطقي البياني، المُحدِّث المفسِّر، صاحب الأبحاث الشريفة، والفوائد المنيفة"؛ "الرحلة" (ص: 692).
فجَمَع الراشديُّ أكثرَ من سبعة علوم، وبلَغَ درجةَ الاجتهاد، والتحديث، والتحقيق، وهذه الدرجات عزيزةُ الطلب، صعبة المنال، وأهلها قِلَّة بين الناس.
وقال عنه: "العلاَّمة المحقِّق، والفهَّامة المدقِّق، عبدالقادر الراشدي"، وهو من المحقِّقين في مسألة الدُّخَان ومشتقاته في مؤلَّف "تحفة الإخوان في تحريم الدُّخَان"، وله كتاب حافل في مباحث الاجتهاد، وآخرُ في علم الكلام، وهو القائل:
خَبِّرَا عَنِّيَ الْمُؤَوِّلَ أَنِّي ** كَافِرٌ بِالَّذِي قَضَتْهُ الْعُقُولُ
مَا قَضَتْهُ الْعُقُولُ لَيْسَ بِدِينٍ ** إِنَّمَا الدِّينُ مَا حَوَتْهُ النُّقُولُ
وله مؤلَّفٌ صغير الحجم، تعرَّض فيه لكثيرٍ من عائلات قسنطينة وقبائلها، وبيان الشريف منهم، والعربي والبربري، وكان سببَ محنته؛ لكشفه للأصول والأنساب المزيَّفة.
وكان سلفيَّ العقيدة، حتى اتُّهم بالتجسيم لقوله: "في قوله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75]: اليد حقيقية؛ ومع ذلك ليستْ بجارحة، ولا جسمًا، بل يستحيل ذلك؛ لأنَّه يؤدِّي إلى الحدوث والإمكان، وقدح في التأويل بالقُدرة أو صفة زائدة يخلق بها الله الأشرافَ مِن الخلق؛ لأنَّ التأويل محوجٌ إلى الدليل، والخروج من الحقيقة إلى نوْع من المجاز، فلم يكترثْ بالتأويل؛ إذِ البقاء مع الحقيقة هو الأصل، ولأنَّ التأويلَ وإن كان صحيحًا، ففيه ابتغاء الفِتنة، وإنَّما تنتفي على السليم في صحَّة التأويل، وإن كان في عِلم الله كذلك؛ لأنَّ المصيب في العقائد واحد؛ فقد اتَّفق أهلُ السُّنَّة قاطبةً على نفي الجارحة، وما يؤدِّي إلى الإمكان والحدوث والتجسيم، فمَن قال: إنَّ اليد حقيقية، والعلم بها مُوكل إلى الله تعالى فلا يستلزم هذا التجسيمَ الذي يستلزمَ ما لا يليق به جلَّ جلالُه: أنَّى؟ أو كيف؟ أو متى يلزمه؟".
وكما تصدَّى الراشديُّ لعلماء الكلام، تصدَّى للتيار الصوفي المتطرِّف، المشرب بالبِدع والشعوذة، والطرقيَّة المتزمِّتة.
أحمد بن الخطيب بن قنفذ القسنطيني:
أبو العباس الشهير بابن الخطيب؛ الإمام العلاَّمة المتفنِّن الرُحَلة، القاضي الفاضل، المحدِّث المبارك، المصنِّف، ولد 740، وتُوفي عام810، أخَذَ عن جماعة كأبي علي حسن بن أبي القاسم بن باديس، والإمام الأوحد الشريف أبي القاسم السبتي، وغيرهم.
ارتحل من بلاد إفريقية (تونس) إلى المغرِب الأقصى عام 759، وبقي هناك 18عامًا، فحصل على علوم كثيرة، وجالَ بلادَها، له مؤلَّفات عدَّة في فنون متنوعة؛ منها: "شرح الرسالة" في أسفار، "شرح أصلي ابن الحاجب"، "شرح ألفية ابن مالك"، وغيرها ممَّا يربو على 50 مؤلَّفًا.
محمد بن عبدالكريم الفكون القسنطيني (في كتب الاسم "الفقون"، و"البكون" كلها لعائلة واحدة):
الشيخ الفقيه المشارك، العلاَّمة الفهَّامة، أميرٌ رَكِب الجزائر وقسنطينة، وتلك النواحي، توفي عام 1073هـ،1663م.
من تآليفه ديوان في مدح النبي -صلى الله عليه وسلم- وجزء في تحريم الدُّخان سمَّاه "محدد السنان في نحور إخوان الدُّخان"، وهو في عدَّة كراريس مشتَمِلة على أجوبة عدَّة من الأئمة، وله "شرح المكودي" في علم التصريف.
محمد بن المسبح القسنطيني:
أبو عبدالله، الشيخ العلاَّمة، الجليل الأديب، الواعظ الخطيب، قاضي السادة الحنفية ببلد قسنطينة، كان أديبًا بليغًا، عارفًا بالعربية وعلوم اللُّغة والحديث، مطلعًا على عِلله، مشاركًا في فنون، خطيبًا مِصْقَعًا، فارس المنابر، رقيق القلب، له باعٌ مديد في صناعة الخَطابة والإنشاء، ذا صوتٍ حسن فائق، كان مالكيًّا فحوَّله عثمان باي إلى المذهب الحنفي، وولاَّه الخطابة بجامع سوق الغزل، وبه كان يُصلِّي الأمير، وولي قضاءَ الحنفية بقسنطينة مرارًا، توفي 1242 هـ.
إبراهيم بن فائد القسنطيني:
ابن موسى بن هلال الزواوي القسنطيني، ولد في جبل جرجرة سنة 796، وأخذ الفقهَ عن أبي الحسن علي بن عثمان المنجلاتي، فقيه بجاية، ثم رَحَل إلى تونس، فأخذ الفقهَ والمنطق عن الأبي، وأخَذَ عن القاضي أبي عبدالله القلشاتي، ويعقوب الزغبي، وعبدالواحد الغرياني، ثم رَحَل إلى بجاية، فأخذ العربيةَ عن عبدالعالي بن فرَّاج، ثم دخل قسنطينة فقطَنَها، ولم ينفكَّ عن الاشتغال والإشغال، حتى برعَ في جميع الفنون، لا سيَّما الفقه.
له تفسير القرآن، وشرْح لألفية ابن مالك، وشرح مختصر خليل في 8 مجلدات سماه "تسهيل السبيل لمقتطف أزهار روض خليل"، وشرْحٌ آخرُ كمل في مجلدين سماه "فيض النيل"، توفي سنة 858.
أحمد بن محمد بن المبارك القسنطيني:
العلاَّمة الشيخ أبو العباس أحمد بن محمد المبارك، كان وقَّادَ القريحة، بديهَ الإدراك، واسعَ الفِكْر، عريضَ الفَهْم، أُسنِدت لعهده رئاسةُ الطريقة الشاذلية، فساسها على متون الشريعة، وهذَّبها بنصائحه المفيدة، وهو مفتي المالكية، درَّس وألَّف في شمائل الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومعجزاته.
أحمد المسبح أبو العباس القسنطيني:
الفقيه المدرِّس، أبو العباس أحمد، المدعو حميدة المسبح، كان مِن المفتين في قسنطينة، وممَّن عُرِف بالنباهة والمعرفة، وله الشورى في النوازل، توفي 981 هـ.
أحمد بن يونس القسنطيني:
ابن سعيد، وُلِد سنة 813، وتوفي 878، تفقَّه على محمد بن عيسى الزيلدوي وأبي القاسم البرزلي، وابن غلام الله القسنطيني، وأخذ عن الأوَّل الحديثَ والعربيةَ، والأصلين والبيان، والمنطق والطب.
حسن بن أبي القاسم بن باديس القسنطيني:
الفقيهُ القاضي المحدِّث، رَوَى عن الخليل المكي، وابن هشام النحوي، وختَم عليه ألفيةَ ابن مالك، ولد سنة758، وأدرك في حداثته ما لم يُدركْه غيره في سنِّه، ولغلبة الانقباض عليه قلَّ النفعُ به لِمَن أدرك حياته.
حسن بن خلف الله بن أبي القاسم بن ميمون بن باديس القيسي القسنطيني:
ولد عام 707، فقيه وخطيب، ومدرِّس وراوية، أخَذَ عن جماعة من العلماء الكبار، وهو قاضي قسنطينة، تُوفي عام 784.
حسن بن أبي القاسم بن باديس، أبو علي القسنطيني:
شيخ أهْل العلم، ذو همَّة وسَمْت، وهيئة ووقار.
حسن بن علي القسنطيني:
المعروف باِبن الفكون، يُكنى أبَا علي، في نفح الطيب: ومنها كتاب وافاني عن عالِم قسنطينة وصالِحها، وكبيرها ومفتيها، سُلالة العلماء الأكابر، وارث المجد كابرًا عن كابر، المؤلِّف العلاَّمة الشيخ عبدالكريم الفكون، وهو القائل:
يَا نُخْبَةَ الدَّهْرِ فِي الدِّرَايَهْ ** عِلْمًا تُعَاضِدُهُ الرِّوَايِهْ
لاَ زِلْتَ بَحْرًا بِكُلِّ فَنٍّ ** يَرْوِي بِهِ الطَّالِبُونَ غَايَهْ
لَقَدْ تَصَدَّرْتَ فِي الْمَعَالِي **كَمَا تَعَالَيْتَ فِي الْعِنَايَهْ
مِنْ فِيكَ تُسْتَنْظَمُ الْمَعَانِي ** بَلَغْتَ فِي حُسْنِهَا النِّهَايَهْ
رَقَاكَ مَوْلاَي كُلَّ مَرْقًى ** تَحْوِي بِهِ الْقُرْبَ وَالْوِلاَيَهْ
أُعْجُوبَةٌ مَا لَهَا نَظِيرٌ ** فِي الْحِفْظِ وَالْفَهْمِ وَالْهِدَايَهْ
يَا أَحْمَدُ الْمَقْرِيُّ دَامَتْ ** بُشْرَاكَ تَصْحَبُهَا الرِّعَايَهْ
صَلاَةُ رَبِّي عَلَيْهِ تَتْرَى ** نُكْفَى بِهَا الشَّرَّ وَالْغَوَايَهْ
وله قصيدة مشهورة في رحلته من قسنطينة إلى مُرَّاكش، كتب بها إلى أبي البدر بن فردقيس:
أَلاَ قُلْ لِلسَّرِيِّ بْنِ السَّرِيِّ ** أَبِي الْبَدْرِ الْجَوَادِ الْأَرْيَحِيِّ
أَمَا وَبِحَقِّهِ الْمُبْدِي جَلاَلاً ** وَمَا قَدْ حُزْتَ مِنْ حَسَبٍ عَلِيِّ
وَمَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ مِنْ ذِمَامٍ ** وَمَا أُوتِيتَ مِنْ خُلُقٍ رَضِيِّ
لَقَدْ رَمَتِ الْعُيُونَ سِهَامُ غُنْجٍ ** وَلَيْسَ سِوَى فُؤَادِي مِنْ رَمِيِّ
فَحَسْبُكَ نَارُ قَلْبِي مِنْ سَعِيرٍ ** وَحَسْبُكَ دَمْعُ عَيْنِي مِنْ لُتِيِّ
وُكُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ النَّاسَ طُرًّا ** سِوَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو غَيْرِ شَيِّ
فَلَمَّا جِئْتَ بُبْلَةَ خَيْرَ دَارٍ ** أَمَالَتْنِي بِكُلِّ رِشًا أَبِيِّ
وَكَمْ أَوَرَتْ ظِبَاءُ بَنِي وَرَارٍ ** أُوَارَ الشَّوْقِ بِالرِّيقِ الشَّهِيِّ
وَجِئْتَ بِجَايَةً فَجَلَتْ بدُورٌ ** يَضِيقُ بِوَصْفِهَا حَرْفُ الرَّوِيِّ
وَفِي أَرْضِ الْجَزَائِرِ هَامَ قَلْبِي ** بِمَعْسُولِ الْمَرَاشِفِ كَوْثَرِيِّ
وَفِي مَلْيَانَةٍ قَدْ ذُبْتُ شَوْقًا ** بِلِينِ الْعَطْفِ وَالْقَلْبِ الْقَسِيِّ
وَفِي تُنْسٍ نَسِيتُ جَمِيلَ صَبْرِي ** وَهِمْتُ بِكُلِّ ذِي وَجْهٍ رَضِيِّ
وَفِي مَازُونَةٍ مَا زِلْتُ صَبًّا ** بِوَسْنَانِ الْمَحَاجِرِ لَوْذَعِيِّ
وَفِي وَهْرَانَ قَدْ أَمْسَيْتُ رَهْنًا ** لِظَامِي الْخَصْرِ ذِي رِدْفٍ رَوِيِّ
وَأَبْدَتْ لِي تِلَمْسَانٌ بُدُورًا ** جَلَبْنَ الشَّوْقَ لِلْقَلْبِ الْخَلِيِّ
قيل عنه: كان من الأدباء الذين تُستطرَف أخبارُهم، وتروق أشعارهم، عزيز النَّظم والنَّثْر، وكأنها أنوارُ الزهر، رحل إلى مراكش، وامتدح خليفةَ بني عبدالمؤمن، كانت جائزتُه عنده من أحسن الجوائز، وله رحلة نَظَمها في سفرته من قسنطينة إلى مراكش، وله ديوان شعر، وهو موجودٌ في أيدي الناس، ومحجوب عندهم، وهو من الفضلاء النبهاء، وكان مرفوعَ المقدار، وممَّن له حظوةُ الاعتبار، وكان الأدبُ له من باب الزِّينة والكمال.
أبو منصور عمار بن شريط القسنطيني:
العلاَّمة الشهير، الفرد الإمام، القُدوة الهمام، الحافظ الدرَّاكة، نخبة أهل زمانه، فقهًا وأدبًا وعلمًا بالحديث والأصول، طويل الباع في عِلم البلاغة، من نظراء الحفصي وأمثاله، تولَّى الفتيا المالكية، ثم نظر الأوقاف، مات في حدود 1250.
أبو راشد عمار الغربي القسنطيني:
العلاَّمة الراشديُّ المعروف، كان أديبًا، له الباع الطويلُ في المعقول والمنقول، شاعرًا مجيدًا، ولي الفتوى المالكية، والخطابة بمسجد علي بن مخلوف، والتدريس بمدرسة الكتاني، ثم إلى جامع القصبة، تُوفي في جمادَى الثانية 1251.
أبو منصور عمار الشريف القسنطيني:
العلاَّمة الشريف، كان نخبةَ قسنطينة، ودُرَّة أعيانها، فقيهًا أديبًا، أصوليًّا بيانيًّا، مشاركًا في جميع الفنون، أخَذَ عنه الونيسي الأصغر، والميلي، وتقلَّد نظارة الأوقاف والقضاء مرتين، والخطابة بجامع رحبة الصوف، مات 1241.
قاسم بن محمد القسنطيني:
قاسم بن محمد بن محمد بن أحمد القسنطيني الوشتاني، أبو الفضل، وأبو القاسم، الإمام العالِم العلاَّمة، مفتي الأنام، ورئيس الفقهاء الأعلام، وفريد دهرِه، وحُجَّة عصرِه، شيخنا قاضي الجماعة بتونس، شيخ الشيوخ، الحجَّة الرسوخ، جامع أشتات العلوم، معقولها ومنقولها.
قال السخاوي: أخَذَ عن أبي المهدي الغبريني وغيره، ولي قضاءَ الجماعة وإمامة جامع الزيتونة، كان لا يَخاف في الله لومةَ لائم، توفي847.
محمد بن أحمد القسنطيني:
الشيخ الإمام، العالِم العلَم، والركن الملتزم المستلَم، العلاَّمة القدوة، المشارك النحرير، والقدر الخطير، أعجوبة الزمان، وفريد العصر والأوان، الدرَّاكة الحافظ المتقن، المحقِّق الضابط، الفهَّامة المدرِّس المدقِّق، فارس المعقول والمنقول، والآتي في درسِه بما يُبهِر العقول، ملحق الأواخر بالأوائل، وعلم السُّراة القادة الأفاضل، أبو عبدالله محمد بن أحمد القسنطيني الشريف الحسني، المعروف عند أهل بلده بالكماد.
قَدِم رحمه الله على فاس، وتصدَّر للتدريس بها فأفاد وأجاد، وأخذ عنه الجمُّ الغفير من كلِّ بلاد، وكان آيةً من آيات الله في الحِفْظ والإتقان، والتحرير العجيب وعزَّة الشَان، إمامًا نظَّارًا مطلعًا، وبنفائس العلوم ودقائقها متضلعًا، له الملكة في المنطق وعِلم الكلام، والحفظ التام في عِلم حديث خير الأنام، مرجوعًا إليه في الفقه وأدواته، مقصودًا في حلِّ مشكلاته، كبيرَ الباع، تامَّ الاطلاع، أذعن له الكافةُ من علماء عصره، وعَظُم صيته لدى الرؤساء وغيرهم من أعيان دهرِه، وأخبر عن نفسه أنَّه يُحسِن اثني عشر عِلمًا.
ارتحل إلى فاس برسم القراءة على مشايخها، ويقال: إنَّه وقف على الدالية لأبي علي اليوسي، فاستحسنها وسألَ عن نظمها، وتصدَّر لإقراء "جمع الجوامع" للسُّبكي؛ فأبدَعَ في إقرائه، ورأى الطلبةُ من حفظه ما لم يعهدوه، فأكثروا الازدحام عليه، وتوجهتْ عيونُ الدولة إليه، فارتفعت مرتبتُه، وأجريت له المرتفعات العالية، وشمله درور إحسان السلطان، واجتمعتِ الكلمة على أنَّه أحفظ علماء عصره، بل ظَهَر من حفظه ما أبهرَ العقول، توفي عام 1116.
محمد بن الحبيب القسنطيني:
العلاَّمة الشيخ أبو عبدالله محمد بن الحبيب، كان في العِلم لا يدرك له غُبار، وأخَذَ عن أجلَّة من العلماء الأعيان، وغلب عليه الزُّهد والتصوُّف بملازمة عبدالرحمن باش تارزي، توفي عام 1252.
محمد الحفصي القسنطيني:
كان عالِمًا عارفًا، بارعًا في المنقول والمعقول، حافظًا للحديث، مدركًا لدقائقه وعلله ورجاله، تولَّى القضاء بقسنطينة، وألَّف حاشيةً عظيمة على "السُّلَم" في المنطق، وله تقاييد في سائر الفنون، تُوفي في حدود سنة 1226.
محمد الشاذلي القسنطيني:
العلاَّمة الفرْد عقلاً ونقلاً، جامع أشتات مضايق الفنون، متضلِّع من كافَّتها، كثير الاطلاع، حاد الفِكر، قوي العارضة، له أشعارٌ رقيقة، تولَّى القضاء، ثم أسندت لعهدته المدرسة الكتانيَّة، أمَّا استسقاؤه العلوم فكان مِن لَدُن علاَّمتي وقتهما الشيخ مصطفى باش تارزي، والشيخ العباسي، ولازمهما حتى نبغَ في فنون الآداب، وكانتْ له قدمٌ راسخة فيها، توفي في حدود سنة 1280، ودُفِن بداخل المدرسة الكتانية، التي كان ناظرًا عليها، وقبرُه بها حتى الآن.
أبو محمد المسبح:
الفقيه الفَرَضيُّ، أبو محمد عبداللطيف المسبح المرداسي نسبًا، كان مفتيًا بقسنطينة، مرجوعًا إليه في وثائق أهلها، وكان الحسابُ أغلبَ عليه من غيره.
محمد العربي القسنطيني:
الشيح العلاَّمة أبو عبدالله محمد بن عيسى القسنطيني، كان من أجِلَّةِ العلماء، وأفاضل البلد، أخذ عن العباسي والطلحي، ولي النظرَ على الأوقاف، والقضاء، والتدريس بمسجد الجليس، توفي سنة 1254.
محمد بن علي الطلحي القسنطيني:
العلاَّمة الشيخ أبو عبدالله محمد بن علي الطلحي، كان فقيهًا نحويًّا، أصوليًّا لُغويًّا، أخذ عن الراشديِّ وأبيه، وتولَّى الإمامةَ بمسجد مسلم الحراري، وكان ولوعًا بالتقرير على هوامش الكتب، وتقاريره لا تخلو من فائدة، مات سنة 1232.
محمد الونيسي القسنطيني:
العلاَّمة الإمام، أبو عبدالله ابن الشيخ أبي الحسن الونيسي، نادرة زمانِه، وخليل أوانِه، وُلِد عام 33 من القرن 13، ومات وعمره 27 سَنَة.
له رسائل، وكَتَب تقاريرَ عدَّة.
مصطفى بن الشاوش القسنطيني:
العلاَّمة الشيخ أبو الوفا مصطفى بن الشاوش، أديبُ زمانه، وفريد أوانِه، ذو العِلم الجليل، والفضل الشهير، كان متعلِّقًا بمذهب أبي حنيفة، متبحرًا في العربية بفنونها.
أخَذَ عن الشيخ صالح بتونس، ورجع لقسنطينة فدرَّس وقرأ، وخطب بالجامع الأخضر، وأفتى على المذهب النعماني، وعُرِضت عليه الفتوى بعدَ وفاة الشيخ مصطفى باش تارزي فرفض، ومات سنة 1252.
مصطفى العجمي القسنطيني:
العلاَّمة الشيخ مصطفى العجمي، فريد الوقت والزمان، كان يُشارُ إليه في الفقه المالكي وحلِّه لمعضلاته، أكمل شرحَ الشيخ سالِم السنهوري على مختصر خليل، وتولَّى الإمامة بجامع سوق الغزل حتى مات في حدود سنة 1240.
مصطفى بن عبدالرحمن القسنطيني:
الشيخ مصطفى بن عبدالرحمن باش تارزي، كان أعجوبةَ أوانه عِلمًا وحِفظًا وورَعًا ودِيانة، حاملاً لواء المذهب الحنفي، ممتلئًا من عِلمَي المعقول والمنقول، عارفًا بالفلك لا يشاركه فيه غيرُه، شاعرًا مجيدًا، ولي الفتوى الحنفية، ثم القضاء، ثم الخطابة بجامع سوق الغزل، ثم بجامع القصبة، ثم الكتاني، وله مؤلَّفات عزيزة، توفي عام 980هـ.
قال الإمام محمد بن عبدالرحمن الحوضي:
أَرَذَاذُ الْمُزْنِ مِنْ عَينٍ نَزَلْ ** أَمْ دُمُوعُ الشَّوْقِ إِذ رَقَّ الْغَزَلْ
أَبِعَيْنَيْ دِيمَةٌ وَكَّافَةٌ ** أَمْ شُعَيْبٌ لِلنَّوَى مِنْهَا انْبَزَلْ
لاَ بَكَتْ عَيْنِي وَلاَ أَبْغِي الْبُكَا ** ضَوْءُهَا عَنْ فِعْلِهَا إِنْ لَمْ تَزَلْ
دَعْ عَذُولِي اللَّوْمَ إِنِّي شَائِقٌ ** رَقَّ طَبْعِي دُونَ صُنْعِي فِي الْأَزَلْ
أَوْ يُنَسَّى الْعَهْدَ قَلْبٌ دَنِفٌ ** وَالْهَوَى قَبْلَ النَّوَى عَنْهُ نَزَلْ
لاَ تَلُمْنِي دُونَ عِلْمٍ عَاذِلِي ** فَبِسَمْعِي صَمَمٌ عَمَّنْ عَذَلْ
إِنَّ فِي نَارِ هَوَاكُمْ جَنَّتِي ** لَوْ عَلِمْتَ الْحَبْلُ مِنْكُمْ يَتَّصِلْ
أَمِّنُوا رَوْعَةَ قَلْبِي بِاللِّقَا ** فَانْتِظَارُ الْوَعْدِ قُرْبٌ إِنْ حَصَلْ
الكاتب: د. بليل عبدالكريم.
- التصنيف:
- المصدر: