حكمة وفقه
ملفات متنوعة
مآلات ..تشخَص لكل مُتدبِر كلما تدبَّر وأمعن النظر، يُدرِك فيها حِكمة الله وأنه ليس لنا من كَنَف الله بُد.
- التصنيفات: الزهد والرقائق -
المآلات باختصار هى ما تَؤُول إليه مصائر الخَلْق، فما من خَلْق ولا شىء إلا آل أمره من حال إلى حال، والنظر فى المآلات مُعتبر مقصود شرعا، والاعتبار بها والعِظة منها تعَبُّد ومقرُبة، تتجلى حِكّمة المآلات فى آيات مُحكمات وآيات شرعية وكونية.. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة:21]؛ {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاس} [آل عمران:140].
فكَم من مُهتَدٍ ضَلّ، وكم من عالم ذَلّ، وكم من صَف مصفُوف انتُقِضَت عُراه عُروة عُروة، وكم من فاجر أعز الله به الدِّين، وكم من فقيه أضله الله على علم.. حِكمة بالِغة لمن تُغنِيه النُذُر، ثم ليُدرِك كل امرِىء أن الأمان فى الدنيا لا يعدُو كونه غُرورا فلا يأمن مكر الله، والأمن كل الأمن فى امتثال أمره ونهيه واتباع غِرز نبيِّه صلى الله عليه وسلم، ومن خاف أدلَج؛ ومن خافه فى الدنيا فإن مآله الأمن والأمان والسعادة والاطمئنان.. عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه جل وعلا أنه قال: «وَعِزَّتِي لا أَجْمَعُ عَلَى عَبْدِي خَوْفَيْنِ وَأَمْنَيْنِ، إذَا خَافَنِي فِي الدُّنْيَا أَمَّنْتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وإذَا أَمِنَنِي فِي الدُّنْيَا أَخَفْتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ»[1]
المآلات .. سُنَّة ثابتة لا تتغير ما دام الكون دائم، وقَصْد حكيم من مقاصِد شريعته سبحانه لا يُغفَل ..
هذا نَبىّ الله يُوسف - عليه السلام - آل أمره من غيابات الجُب إلى سُدَّة الحُكم {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف:56].
هذا نَبىّ الله مُوسى - عليه السلام - آل أمره من غيابات اليَم ليرعاه آل فرعون: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ}[القصص:8]
وهذا نَبىّ الله محمد صلى الله عليه وسلم أُخرج من مكة بعد عِز فى قومه ليؤول أمره إليها سيدا آمِرا وقد جاء معه نصر الله والفتح والناس يدخلون فى دين الله أفواجا ..
مآلات .. تُسَلِّى كل مُبتل وتُنذِر الغافلين، تُقرِر حقِيقة البرايا وحكمة الوجود والفناء، وأنه ليس فى الدنيا نعيم مُقيم وكل كَرب حتما يزول، فقط تلَمَّس الطريق وأنظر أين مقامك واستظل بِرُكن الله المتين... {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 90].
مآلات ..تشخَص لكل مُتدبِر كلما تدبَّر وأمعن النظر، يُدرِك فيها حِكمة الله وأنه ليس لنا من كَنَف الله بُد.. {وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ* وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:20-21].
ــــــــــــــــــــــــــ
[1] أخرجه ابن حبان في صحيحه (640)، والبيهقي في شعب الإيمان (777)، وفي الآداب (826)، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3376): حسن.
بقلم/ أحمد صقر