واندلعت ثورة الحريّة في سوريّة
اندلعت ثورة الحرّية السوريّة، بسواعد الشباب السوريّ، وعقولهم وتدبيرهم ومخزون القهر الذي تفجّر من صدورهم.. فهم حَصّالة الألم الذي زرعه الطغاة في نفوسهم، وهم الأمل الذي أزهر في أرواحهم، والمستقبل الذي حملوه براحاتهم، ماضين بثبات..
مظاهرة للجالية السورية في دبي (الفرنسية) لعلّ الذهول، هو العلامة
الأبرز التي تَسِمُ -في هذه الأيام- وجوهَ المسؤولين المستبدّين في
سوريّة.. فهم لم يُصدّقوا أنّ شعباً يستعبدونه منذ ثمانيةٍ وأربعين
عاماً.. قد انتفض في ساعة الحقيقة، لأنهم جَهَلَة لا يقرؤون التاريخ،
ولا يستوعبون دروسَه، ولا يفقهون سُنَنَ الله عزّ وجلّ في الأرض وحياة
الأمم والشعوب، ولا يتّعظون من تساقط أشقّائهم الطغاة وهم في ذروة
الطغيان والجبروت. فقد أغلق مستبدّو النظام أبصارَهم وبصائرهم دون كل
التحذيرات والصرخات التي تُدَوّي عند مسامعهم، بأنّ الظلم عواقبه
وخيمة، وأنّ الباطل لا يدوم، وأنّ لكلّ أجلٍ كتاب، وقد أزفت ساعة
أَجَلِهم وأفول حقبتهم الظلامية، التي تَـجَرَّع السوريون فيها
عَلقماً لم يعرفوه، حتى في أشدّ حقب الاحتلالات التي مرّت على سورية
في تاريخها كله!..
اندلعت ثورة الحرّية السوريّة، بسواعد الشباب السوريّ، وعقولهم
وتدبيرهم ومخزون القهر الذي تفجّر من صدورهم.. فهم حَصّالة الألم الذي
زرعه الطغاة في نفوسهم، وهم الأمل الذي أزهر في أرواحهم، والمستقبل
الذي حملوه براحاتهم، ماضين بثبات، يَغزّون السير نحو الشمس التي بدأت
تُشرِق في فضاءات بلدهم.. بِجِباهٍ تُعَانِق السماء، وقلوبٍ تنبض
بالإيمان، وبَصائر تخترق خطوط الأُفُق، وشَوْقٍ لتحقيق آمال الآباء
والأجداد من الأجيال المضطَهَدة، التي ألهبت ظهورَها سياطُ الجلاّدين
الذين تعاقبوا على السجن الكبير المسمى بــ:سوريّة!..
* * *
عندما تطّلع على حديث الطاغية (بشار بن حافظ أسد) إلى صحيفة (وول
ستريت) الأميركية، فلكَ أن تتخيّل بكلّ ما أوتيتَ من نعمة الخيال، أنّ
بطل مزاعم الانفتاح والتحديث هذا، الذي يتحدّث إلى صحيفةٍ في القرن
الحادي والعشرين.. قادمٌ من العصر البرونزيّ على أحسن تقدير!..
فالإصلاح الذي أقسم على القيام به في خطاب القَسَم الشهير، منذ أحد
عشر عاماً، يحتاج -حسب آخر اكتشافات بشار- إلى أن ينتظرَه السوريون
جيلاً إضافياً، لينعم الجيل القادم -حسب بشار- بغيث الإصلاحات الأسدية
وبركاته!..
لكنّ شباب الحرّية في سوريّة، الذين خذلهم (الشابّ) بشار، اختاروا أن
يستثمروا صَبرهم، في الصبر على تحمّل عواقب الثورة على الطغيان، من أن
يصبروا على أكاذيبه وتسويفه واستهتاره، بعد أن تمكّن في حكمه وتجذّر
في دكتاتوريّته. فلتتفجّر الثورة بكلّ أخطارها.. وليكن ما
يكون!..
* * *
الظلم المتراكم خلال عشرات السنين، والقمع المقنّن بقانون الطوارئ،
والاستهتار بِقِيَم الشعب والأمة، والاستبداد الذي أفرز أبشع حالات
الفساد والنهب والفقر والبطالة، والسطو على مؤسّسات الدولة ومفاصلها
الأساسية، والتمييز الفئويّ والعنصريّ.. كل أولئك وغيره، فجّر ثورةً
بدأت بجمعة الكرامة، ولن تنتهيَ -بإذن الحيّ القيّوم- إلا بجمعة
اقتلاع الطغيان والرحيل والتغيير الجذريّ!..
ثورة الحرّية انطلقت من مساجد: (بني أمية) في العاصمة دمشق، و(خالد
بن الوليد) في حمص، و(العمريّ) في درعا.. ألا يعني ذلك لنا مغزىً
جَوهرياً مهماً؟!.. ثم اقتحام همج القوات الأسدية لهذه المساجد،
وانتهاك حرمتها بشكلٍ بشعٍ لئيم.. ألا يعني ذلك لنا معنىً أشدّ
أهمية؟!..
ولعلّ مشهد أولئك الببّغاوات والمحنَّطين من أشخاص النظام
الدكتاتوريّ وأبواقه الرسمية وشبه الرسمية، ممّن شاهدنا وسمعنا، وكذلك
مشهد جنود (المقاومة والممانعة) من عُلوج الحرس الجمهوريّ الوراثيّ
وهم يسفكون دماء أبناء شعبهم وبناته وأطفاله، ومشهد الأكاذيب
والافتراءات والقصص الأسطورية التي فبركها أغبياء النظام ومستحاثّاته
المتكلِّسة وإعلامه المستنبَت في العصور الوسطى.. لعلّ ذلك كان الدليل
الأبرز، على عمق الأزمة ودرجة التخلّف، اللتين يعاني منهما هذا النظام
المترنّح الذي يستحق الرثاء، كما يستحق أن يتابِعَ شبابُ سورية فصولَ
ثورتهم المباركة، لقذفه إلى مرجعيّته الأصلية المستمدَّة من عُصور
الانحطاط والظلام!..
ثورة الحريّة -بإذن الله- ستُغَيِّر وجهَ سوريّة، وسوريّة ستغيّر
وجهَ المنطقة، والمنطقة ستغيّر وجهَ التاريخ، والبرهان على ذلك قادمٌ
على كَفّ المستقبل غير البعيد.. فترقّبوه.
قلنا في مناسبةٍ سابقة: (ثورة التحرّر في سوريّة حتمية.. وستنتصر)، وها
قد اندلعت هذه الثورة التي ذكرنا.. وبقي أن تنتصر، بإذنه سبحانه
وتعالى، وليس ذلك على الله بعزيز.. إننا على يقين.
20/4/1432 هـ
- التصنيف:
nada
منذnada
منذ