بين نظرية دارون؛ ونظرية التصميم الذكي: صراع العلم وكتم الحقيقة!!
"من الأخطاء الكبرى؛ أن يقوم المرء بالتنظير قبل أن تتوافر له المعطيات. فيبدأ دون شعور منه بليّ أعناق الحقائق كي تلائم النظريات بدلا من أن تلائم النظريات الحقائق".
"من الأخطاء الكبرى؛ أن يقوم المرء بالتنظير قبل أن تتوافر له المعطيات. فيبدأ دون شعور منه بليّ أعناق الحقائق كي تلائم النظريات بدلا من أن تلائم النظريات الحقائق".
هذا ما قاله "أرثر كونان دويل" في روايته: "فضيحة في بوهيميا"...!!
وبعد، فإنّ أكثر الدُّول في زمننا تشدقاً بحرية البحث العلمي؛ أكثرهم أنموذجاً لقمع نتائجه!
فالدول الغربيّة وتحديداً أمريكا؛ تُسكت الحقيقة التي قادت العلماء ليُعلنوا عنها بعدما خلصت نتائج بحثهم إلى نظريّة مُغايرة للنظريّة الدارونيَّة التي أقرّتها أمريكا في مُقرّراتها الدراسيّة وسارت معها الكثير من الدول الشرقية والغربية!
حين نتعرّف على العالَم الغربي عن كثب، ونرى طريقةَ النقد اللاذعة التي يقوم بها علماء غربيون سواء في عالم الأفكار أو الأشخاص، سندرك لا محالة أنّ هنالك قمعاً مسكوتاً عنه لا يُفصحه الإعلام الغربي المتساوق مع النظرية الرسمية الاقتصادية الماديّة؛ فهنالك قمع كالذي يجري في دولنا العربيّة في المجال السياسي؛ وفي تلك الدول قمع متقصّد لأيٍ من النظريات التي تُخالف الفكر الغربي، لكنّه مستور غير مكشوف!
من نافلة القول أنّ بلادنا العربية لا تنحو نحو التطور في مجال الأبحاث العلمية والكشوفات المخبرية.
أمّا البلدان الغربية فإنّها تشجع على الاكتشاف العلمي؛ لكن هنالك نقيصتان:
أ. أن تكون الأبحاث مغايرة للرؤية الاقتصادية المتعانقة مع الساسة؛ فلها حساباتها في تسويق بعض الكشوفات الجديدة إذ تتضارب مع مصالحهم الاقتصادية!
في هذا السياق يتحدث د. عبد الوهاب المسيري –رحمه الله– في حوار معه عمّا حدث مع أحد أصدقائه في الولايات المتحدة؛ إذ كان يُجري بعض التجارب على أفران (الميكروويف) ووجد أنّها تُسبّبُ أضراراً جسيمة للإنسان، وقبل أن يتوصّل لنتائج نهائيّة بخصوص موضوع بحثه، سُحبت منه الميزانية بحجّة توفير الاعتمادات.[العلمانية والحداثة والعولمة، (ص:53، 54) تحرير: سوزان حرفي]
ب. إن كانت مآلات الاكتشافات متعارضة مع الأفكار الإلحادية العلمانية الشاملة!
فالدولُ التي تعظّم الفكر المادي وتُوثنّه؛ تقوم بنزع أي صبغة أو صيغة عن مُقدّرات الإنسان ومقدرته لتكون تحت قدرة الله تعالى؛ وليس لهذه الدول إلاّ مُحاربة ما يُمكن أن يتّجه إلى الإيمان بالله، ولو كان القائمون بها غير مؤمنين أصلاً؛ لكنّ سدّ الذريعة في الفكر الغربي يتجّه لكتم أيّة حقيقة تُحاول ربط الناس بالخالق؛ فمن عرف الآمر، اتّجه ليعرف الأوامر، وسيكون عَقِبَها متديناً؛ فأفضل سبيل قطع الطريق على كل من يُحاول إبداء نظريات تُخالف النظرية الداروينيّة؛ ومن أهمّها نظريّة التصميم الذكي التي يدرس الباحث فيها أنماطاً موجودة في الطبيعة، فأصل نشأة الكون والحياة لا يُمكن أن تكون إلا بتخطيط وتنظيم ذكي مُبهر مُعجز؛ وعليه فلا يُمكن تفسيرها إلاّ بمصمم ذكي!
إنّها كلمة فيها إشارة إلىّ أنّ لهذا الكون مُصممٌ ذكي؛ وهي مصطلحات أولئك الباحثين، بعيداً عن المسلم الذي يُدرك أنّ صانع ذلك ومُبدعه ومُصمّمه هو(الله تبارك وتعالى)؛ فجاءت نظرية التصميم بعد أبحاث ودراسات ونَحَتْ بعيداً عن نظرية دارون، التي تتجّه بالمرء نحو الإلحاد وإنكار وجود الله؛ فيما التي قبلها تتجّه بهم نحو الإيمان بوجود خالق لهذا الكون..
ماذا يجري الآن؟!
تقوم كل المؤسسات التي تُمَجّد الفكر الداروني بالقمع والطرد والإهانة والتضييق والاضطهاد لكل من يُنادي بنظرية التصميم الذكي؛ ومن نالتهم هذه العقوبات من العلماء أغلبهم ليسوا متدينين أصلاً بدين الإسلام أو غيره من الديانات الباطلة؛ إنّما قُصارى أمرهم إثبات أنّ هذه النظرية صحيحة وأنّها مُبطلة لنظرية دارون؛ فهم ينظرون إلى الأمر من ناحية علمية ماديّة فحسب؛ ويُعاركون غيرهم من الدارونيين طالبين منهم أن يُفسحوا لهم المجال لمناظرتهم علناً أمام الناس وعدم قمع أفكارهم... وتضييق الخناق عليهم.
حسبك أن تعلم أنّ مؤسسة دارون للأبحاث قلعة حصينة ومؤسسة كبرى محروسة برجال الأمن!!...
وأمّا القائلون بنظرية التصميم الذكي فيعيشون بمعهد في عمارة؛ لم يسمع به المارة ولا يعرفهم أحد!!
ومع ذلك لا يُفسحُ المجال لأنصار التصميم الذكي للإفصاح عمّا لديهم من أفكار!!
الاضطهاد العلمائي في أمريكا لإجبارهم على التزييف العلمي:
بدون إطالة في مُقدّمات تتحدث عن القمع العلمي؛ والإلغاء لنتائج الأبحاث؛ سندخل في صُلب الأسماء التي استُهدفت بالاضطهاد لمجرّد إيمانها أو دفاعها عن نظريّة التصميم الذكي:
1. عالم الاحياء التطوري "ريتشارد ستر نبيرج" قُمع من الداروينيين؛ ولم يعد له حضور حقيقي في الأبحاث كما كان سابقاً؛ لأنّهم انزعجوا من مجرد طرحه أسئلة لمناقشة -تخيّل مناقشة- الفكر الداروني؟!!
2. "د. كارولين كروكر" ذكرت في بعض محاضراتها: التصميم الذكي في جامعة "جورج ميسون"؛ فطردت من العمل؛ ووجدت نفسها على القائمة السوداء وغير مدرجة بأي عمل في الأكاديمية التعليمية الأمريكيّة.
3. جراح الأعصاب "مايكل اجنور" كتب مقالاً يقول أن الأطباء ليسوا بحاجة لدراسة نظرية التطور؛ وذكر أدلّته العلمية عليه؛ فقامت قائمة الداروينيين ضدّه.
4. قامت "جامعة بايلور" بإغلاق صفحة خاصّة للدكتور "روبرت ماركس"؛ لمجرد اكتشافهم لرابط بين أبحاثه ونظرية التصميم الذكي!!
5. عالم الفيزياء الفلكية "د. غييرمو غونزاليس" الذي هوجم من جامعة "أيوا" الرسمية؛ عندما نشر كتابا يناقش أن الكون مصمم بشكل ذكي، ومع أنّ لديه أبحاثاً قوية؛ وقام باكتشاف كواكب في هذا الكون جديدة كما تنقل الدراسات والأخبار عنه، بل استلم جوائز علمية على ذلك؛ لكن لم يشفع له ذلك، ورُفِضَ طلبه حين تقدم للجامعة ليعمل فيها بشكل رسمي. وحين أجريت معه مقابلة للحديث عن ذلك قال ناصحاً العلماء بلغة متهكّمة: إنّهم إن أرادوا أن يستمروا على ما هم عليه عليهم أن يسكتوا عن الكلام في موضوع نظرية التصميم الذكي!!
6. أحد علماء الأحياء:"ريتشارد ستيرنبرغ"، قام بنشر أطروحة لشخص مؤيد للتصيم الذكي؛ فكان الأمر اللازم حياله: الطرد وفقدان منصبه!
7. طال الاضطهاد الصحفيين الذين يكتبون عن هذه النظرية؛ فالصحفية "باميلا وينك" التي رفضت التحيز لأي جانب في مقالة كتبتها عن التصميم الذكي والدارونيين؛ وكان مُرادها أن تأخذ الأمر بحياد صحفي تام، ما كان منهم إلاّ أن وجدوها فرصة للانقضاض عليها؛ فكان نهاية عملها الصحفي!!
[استفدت من إيراد هذه الأسماء السبعة من مقالات مختلفة منشورة في مواقع الشبكة العنكبوتيّة، وفيلم "المطرود" المنشور على موقع YouTube]
القيمة العلميّة للعاملين في "معهد ديسكفري":
هنالك عدد كثير من الباحثين والخبراء العاملين في هذا المعهد ليسوا أنصاف متعلّمين أو مثقفين بالعرف العلمي البحت؛ بل هي شخصيات قديرة علمياً؛ ومن أبرزهم "ويليام دومبسكي" الذي يعمل باحثاً في معهد ديسكفري الحاصل على شهادتي دكتوراه، الأولى: في الفلسفة في جامعة إيليون في شيكاغو، والثانية: في الرياضيات بجامعة شيكاغو، ويُعدّ صاحب أول كتاب للتصميم الذكي تم نشره من طرف دار نشر جامعية معترف بها.
ومنهم: "جوناتهان ويل" حاصل على الدكتوراه في البيولوجيا الخلوية والجزيئية في جامعة كاليفورنيا في بيركليي، وهو من أهم الباحثين في معهد ديسكافري.
ومنهم: "مايكل بيهي" حاصل على الدكتوراه في الكيمياء الحيوية من جامعة بينسيلفانيا سنة 1987م، ويعمل أستاذاً بجامعة لاي، وهو باحث في معهد ديسكفري، وله كتاب "الصندوق الأسود لداروين: البيولوجيا الكيميائية تتحدى التطور" وكتابه اختارته مجلة National Review وWorld من بين 100 كتاب الأكثر أهمية خلال القرن العشرين.
هؤلاء الباحثون لا يستحقون التضييق والإقصاء العلمي؛ فإن كانوا يُطالبون غيرهم بمناظرتهم علمياً، ويعتقدون أنّ لديهم جديداً يُطوّح بنظريّة دارون؛ فما سبب إعراض أصحاب تلك النظرية عن مناقشتهم؟
نُسلّم أنّه ليس لأي باحث يخرج بنتيجة يزعم أنّها علميّة؛ أن ينزل لمستواه خبراء عالميون لمباحثته؛ لكنّ الذين يعملون في هذا المعهد خبراء متميزون، وباحثون نالوا شهادات عليا وجوائز وكتباً متميزة، فكانت جنايتهم نظريّتهم تلك؛ ليكون مصيرهم الإقصاء، وهو ما يستدعي من كل عاقل يُنافح عن نظرية دارون؛ أن يُطالب بعقد مناظرة عالمية علمية؛ تحضر في الحقائق؛ ولا تبقى موجودة بالحقائب!
يُزاد إلى ذلك أنّه عام ١٩٨٧م أصدرت المحكمة العليا الأميركية حكمها بحظر تدريس نظرية "التصميم الذكي" في المدارس إلى جانب نظرية التطور لدارون.
وفي محاكمة أخرى عام ٢٠٠٥ في ولاية بنسلفانيا، رفض القاضي الفيدرالي الأمريكي تدريس نظرية "التصميم الذكي" واعتبر ذلك خرقاً للتعديل الأول في الدستور الأمريكي وهو التعديل الذي يحظر على المسئولين الأمريكيين استغلال مناصبهم لتمرير أو فرض عقيدة محددة؛ فالحجّة إذن مخالفة "علمانية الدولة"، وأنَّ أنصار نظرية التصميم الذكي؛ يقومون بذلك خدمة للتوجُّه الأيديولوجي بل يتّهمونهم صراحة أن منطلقهم أيديولوجي، لأنّ أصحاب نظرية دارون يرفضون حقائق الدين في نشأة الكون وتفسير الوجود.
والأسئلة التي تطرح نفسها وتنتظر الإجابة من المتحكّمين مركزياً ورأسمالياً بالنظريّة الدارونيّة:
لماذا يخشى الغرب من مواجهة القائلين بنظرية التصميم الذكي؟
لماذا لا يفتحون لهم مجال المناظرات لمن يزعمون أنّهم إرهابيو الذكاء؟!
لماذا لا يريدون إظهار الحقيقة التي تشهد ببطلان أفكارهم؟!
إنّ عدداً من المُنصفين من المُلحدين باتوا أشدّ قناعة بضرورة النظر في منظومة نظرية التصميم؛ ولعلي أذكر مثالين على ذلك:
1. "توماس ناجل" وهو فيلسوف ملحد أمريكي بارز مهتم بفلسفة العقل والسياسة والقانون والأخلاق، معروف بنقده للمادية الفيزيائية وتأكيده وجود الوعي كظاهرة غير مادية، والأخلاق العقلية لكنّه يعتقد أنّ مناقشة واعتراضات نظرية التصميم لها حظ من النظر والدراسة والاستناد العلمي؛ وليس من اللائق بهم كعلميين؛ أن يُواجهوها بالسخرية أو الإقصاء، وبالمناسبة فإنّ الفيلسوف الملحد "توماس ناجل" قد قام بتأليف كتاب "العقل والكون: لماذا يعتبر التصوّر الماديّ النيوداروينيّ للطبيعة خاطئا بالكلية تقريبا؟!" ففي كتابه يوضّح استحالة تنوع الحياة على الطريقة الداروينية، وأنّ النظرة الماديّة للكون غير كافية، مِمّا جعله يثير ضجة في أوساط الملاحدة.
2. "برادلي مونتون" الملحد الخبير بفلسفة العلوم في جامعة كولورادو؛ إذ كان يحث على تدريس هذه النظريّة في المدارس والتعامل معها كنظام تعليمي قام عليه جهد بشري يستحق الاعتناء والاحتواء.
تقويمات ونتائج:
1) أنّ نظرية دارون لا زال بريقها في الأوساط العلمية في الغرب وأمريكا؛ فأكثر من 90% من الجامعات والأكاديميين يؤمنون بها، فالنظرية لم تسقط في العالم الغربي كما يظنُّ كثير من الناس اليوم؛ لأنّهم لا يتابعون على وجه الحقيقة الحركة العلمية في الأوساط الغربية المناصرة لنظريّة دارون.
2) أنّ الغرب يُمارس وصاية وخنقاً للإبداع العلمي والحريّة البحثيّة؛ إن كانت تتعارض مع مُسلّماته وثوابته التي يعتقدها؛ لهذا فلا مجال للانخداع أكثر بأوهام حريّته؛ فهذه مقالة قصيرة لم تعرض إلا مسألة واحدة يقوم بقمع من كان يقول بها؛ ولم تستجمع كافّة القضايا فذلك لا يحتمل سوى مجلدات.
3) أنّ المُطالبات لتدريس نظرية " التصميم الذكي" ستزداد تباعاً مع الأيام، وقد أهداني أحد الأعزاء مقالة من"ناشونال جيوجرافيك" توضح أنّ نظرية دارون قد ضعف إحصائيا من يؤيدها مقابل نظرية" التصميم الذكي"(1)، مع المزيد من إثبات التجارب العلمية والمخبرية حقائق تدعم توجُّه التصميم؛ وما يجعلنا نقول ذلك أنّ المجتمع الأمريكي بذاته بات يرغب بدراسة هذه النظريّة؛ فوفقا لاستطلاع أجرته سي بي اس قبل سنة فان 65% من الأمريكيين يريديون أن يجري تدريس "التصميم الذكي" جنبا الى جنب مع نظرية التطور، بينما 37% يريدون تدريسها بدلا من نظرية التطور، ويعتقد 55% من الامريكيين ان الله خلق الكائنات بما هو معروف لدى كثير من الناس خلافاً للقائلين بنظرية دارون.
4) أنّ الغرب السياسي/التعليمي لا يريد للعالم أن يتجّه نحو التدين؛ بل يريد أن تبقى الأمور على الفكر المادي الداروني العدمي العبثي الذي ينزع أيّة صلة بين أجسامنا وأرواحنا وخالقها؛ ليفشو هذا المنهج الإلحادي القاتم؛ ولهذا نجده يُركز في ذهن المُبتعثين إليه من الدول العربية والإسلامية حالة قفولهم راجعين القيام بتمجيد هذه المناهج الإلحادية؛ أو أن ينخدع بهم بعض من يدرس في بلادهم؛ فيرجع ملحداً؛ فيما لم تكن معه حصانة فكرية ومناعة ذاتية تقيه مصارع الأفكار عند القوم!!
5) أنّ الدارونيين أكثر دارونيّة من صاحب النظريّة؛ لأنّهم رأوا فيها متّكأ يلفظ الدين بالكُليّة، ويحل محلّه الهوى والعبثيّة باسم العلم؛ فـ "تشارلز دارون" وإن كان قعّد لنظريّته في كتابه؛ غير أنّه قال في كتابه: "أصل الأنواع": "إذا ثبت عدم توافر التغييرات البسيطة المتوالية بكثرة على عضو بيولوجي فإن نظريتي تتحطم قطعاً" وبترجمة أخرى يقول: "إذا كان من الممكن إثبات وجود أي عضو معقد لا يُرجَّح أنه قد تشكل عن طريق العديد من التعديلات المتعاقبة والطفيفة، فسوف تنهار نظريتي تماما"؛ لهذا كان يُجادل أحد مُنظّري التصميم الجديد: "د.مايكل بيهي" أنّ هنالك أنظمة معقدة مكونة من أجزاء مترابطة بحيث لا يمكن توقع إنشاؤها تدريجياً وعبر خطوات بسيطة.
لقد دعا "داروين" بذاته في كتابه "أصل الأنواع" للبحث في إمكانيّة وجود التصميم الذكي؛ لهذا يقول: "من الممكن أن تجد أدلة إذا نظرت إلى تفاصيل الكيمياء الحيوية والبيولوجيا الجزيئية، قد تجد توقيع من المصمم من نوعا ما"؛ فلئن زعم دارون أنّ نظريّته العلميّة تقتضي وجود النشأة والتطوّر دون خالق؛ وذكر في أثناء كتابه إشارات إلى وجود أشياء يُمكن اكتشافها بعد البحث بوجود تصميم دقيق خرج عن حالة العبثيّة والعشوائيّة؛ فهذا ما ينبغي أن يسترعي انتباه أنصار النظريّة، ويستدعي منهم إكمال التجارب العلميّة والمخبرية؛ لا مُجرّد الوقوف عند نظريّة باتت تتهلهل إزاء نظريات أخرى؛ فيبقى هؤلاء القوم ماضويُّون تقليديّون!
بل إنّ دارون نفسه لم يخرج من نظريّته بالنتيجة التي حاول الملحدون ويُحاولون نفي وجود الله؛ بل إنّه بذاته يعترف بوجود الله فيقول في مذكراته: "من الصعب جداً بل من المستحيل، أن نتصور أنّ كوناً هائلاً ككوننا، وبه مخلوق يتمتع بقدراتنا الإنسانيّة الهائلة، قد نشأ في البداية بمحض الصدفة العمياء، أو لأنّ الحاجة أمّ الاختراع، وعندما أبحث حولي عن السبب الأول وراء هذا الوجود، أجدني مدفوعاً بمصمم ذكي، ومن ثمّ فإنّي أؤمن بوجود الإله".
6) أنّ الغرب متحيّز متعصب ضد الدين؛ ولا يريد أن تظهر اكتشافات علمية تسند أو تؤيد أو تشير على الأقل إلى ما يشير له الدين، على الرُّغم من أنّ فئة كبيرة ممن تقول بالتصميم الذكي ليس بالضرورة أن تكون مؤمنة بوجود إله؛ بل تتحدث عن ذلك كنتيجة علمية؛ ويعترف بعضهم بالحيرة من ذلك؛ فيؤمن بعضهم بوجود الله، ولا يزال بعضهم يتفحّص الأمر، مع حيرة تلازمه فيما يراه من دقّة التصميم الذكي؛ مما يؤكد مقولة: "إن العلم يتضاعف بمتوالية حسابية بينما يتضاعف الجهل بمتوالية هندسية!!"، ولهذا فإنّ أبرز ما تدعو له هذه النظريّة وجود ما فيها من أنظمة مُصمّمة تصميماً غير قابل للاختزال، وتعقيدات متخصصة دقيقة تُظهر توافق الكون بدقّة متناهية، مِمّا يشهد لكل مؤمن أنّ دلائل وجود الله متجددة، وأنّها تظهر ما بين فينة وأخرى، مصداقاً لقوله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ . أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَاءِ رَبِّهِمْ ۗ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ} [فصلت:53-54].
ومن كان يدعو في عقود من زمنه إلى الإلحاد من منطلق علمي؛ ها هو يتراجع عن ذلك بعد أن التفت إلى نظريّة التصميم الذكي؛ فأعلن تأييده للنظريّة، وتراجع عن إيمانه بنظرية دارون؛ وعلى رأسهم الفيلسوف "أنطوني فلو" فرجع عن الإلحاد وآمن أنّ للكون خالقاً مُدبّراً.
ومع أن المسلم يعتقد بقناعة تامة أنّ هذه الاكتشافات سواء صدرت عنهم أو لم تصدر؛ إلاّ أنّه لا يخالجه شك أنّ لهذا الكون خالقا مُبدعاً صانعاً مُتقناً؛ ولكننا نريد أن نظهر مدى تلاعب القوم بمزاعم الحرية؛ وأن نبين من جهة أخرى أن هنالك من غير المسلمين من يقولون بنظريات تشهد أن لهذا الكون خالقاً، وليس من شرط إيمانهم بالتصميم الذكي أو من يسمونه بالمصمم الذكي إيمانهم المُساوي للإسلام؛ فتلك منطقة خلافيّة أخرى مع من يؤمن بالمصمم فحسب، أو يؤمن به على طريقة إيمان النصارى كما هو حال "وليم ديمبسكي" الذي قال: "انا أؤمن بأن الله خلق العالم لغرض، مصمم التصميم الذكي هو الله حسب المفهوم المسيحي".
ويُحسن بي أن أضع في ختام هذه المقالة ما نطقت به سورة الأعلى التي بيّنت بجلاء معنى دقّة التصميم الذي أودعه الله في خلقه؛ فأمرنا بتسبيحه عزّ وجل قبل دعوتنا للنظر بذلك فقال: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى . الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ . وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ} [الأعلى:1-3]..
- التصنيف:
- المصدر: