سوريا.. هل بدا الثأر؟!
الآلاف الذين خرجوا اليوم في دمشق ودوما واللاذقية والرقة وحمص وغيرها من المدن السورية هم مجرد بداية لهبّة المارد السوري الساكن وإسقاط نظام قمعي دكتاتوري وهم - باذن الله - بداية موفقة لثورة شعبية كبيرة مستلهمة الدرس من الأشقاء..
هل بذلت الدول العربية دماء أبنائها ثمنا للاستقلال عن المستعمر
الخارجي لتقع في استعمار داخلي أشد عليهم وطأة وأكثر شراسة؟! فتنعمت
تلك الدول بالحرية السياسية أثناء حكم المستعمر أكثر مما تمتعوا به
أثناء حكم أبناء الوطن بصورة جعلتهم يترحمون على أيام
الاستعمار؟!
أم انتقلوا من ذل وهوان إلى ذل أشد منه على يد أبطالهم "الشعبيين"
الذين ساهموا في إخراج المستعمر؟
كل الأرقام القياسية قد تحطمت على أيديهم في الحكم بالطوارئ بما لم
يُعرف في التاريخ الإنساني المعاصر.
النظام السوري لم يشذ عن القاعدة، فهو الذي استخدم قانون الطوارئ منذ
عام 1963 واستمر في قمع كل المعارضين مستخدماً العصا الغليظة في
مواجهة الشعب السوري الأبي وبينما تعلو شعارات الحماس في الميكروفونات
الرسمية، يخلع النظام قناعه ليبدي الوجه الخانع في مقابلة الاعتداءات
والاغتصابات والانتهاكات الصهيونية المستمرة.
لم يختلف نظام بشار الأسد عن نظام أبيه قيد أنملة، وها هو اليوم يقوم
في درعا بذات المجزرة التي ارتكبها الأسد الأب في حماة، العالم الذي
يغض الطرف عن بشائع النظام السوري لا يراه السوريون - النازفون الآن
في المدن السورية - أقل منه بشاعة وجرما.
فهل تتلون وتتبدل المبادئ تبعا للمصالح عند الدول الغربية تارة في
العراق وتارة في ليبيا وما هو قادم بعد؟
أم أن أمن إسرائيل المطمئن تحت مظلة النظام السوري مقدم على كل
الأعراف والمواثيق الدولية؟
إن هذا الرقم الكبير في أعداد الشهداء في يوم الأربعاء الماضي -
الذين وصلوا بحسب شهود العيان - أكثر من مائة، واقتحام المسجد العمري
- المَعلَم البارز من معالم سوريا الإسلامية وقتل المعتصمين به،
لينبئنا بمدى استعداد هذا النظام لذبح الشعب كاملا وتدمير كل حرم
يعتصم به معارضوه دون أن يخشى أي لوم أو محاسبة خارجية أو داخلية فضلا
عن محاسبة القلب أو الضمير في لحظة قد انشغلت الشعوب العربية بشئونها
الداخلية وكفاحها هي الأخرى ضد الطغيان والاستبداد.
يستخدم النظام السوري نفس الآلة الإعلامية الكاذبة التي تروج لنفس
المفردات التي استخدمتها كل الأنظمة الدكتاتورية لتصف الثائرين بأنهم
"قلة منحرفة مندسة موالية للأعداء واليهود ولا تحافظ على الوطن ولا
على أمنه وسلامته".
الأسد الابن يظن أن هناك من سيصدق كذبه في تشويه صورة المظلومين
الضعفاء بأن من تحركهم هي "إسرائيل" وهي التي تعلم يقينا أن أحد أهم
أركان أمنها هو هذا النظام البعثي النصيري الذي يحمي أمنها ويتظاهر
بالعداء لها.
منذ بضعة أشهر حظر النظام القمعي السوري ارتداء المرأة الزي الإسلامي
في الجامعات وقام بفصل أكثر من 1000 معلمة متدينة في محاربة لأي مظهر
إسلامي في حين أنه يشجع كغيره من الأنظمة الدكتاتورية كل الممارسات
التي تدعو للتحرر من كل قيد إذا تعلق بالدين، ولهذا لا يعظم في أفعاله
حرمة مثل حرمة المساجد التي دكها سابقا ويقتحمها بالرصاص اليوم.
بات الكيان الصهيوني الآن أكثر قلقا من أي وقت مضى على أمنه بل صار
أكثر خوفا على وجوده، لأنه يعلم أن بقاءه مرهون بوجود دكتاتوريات تحكم
العالم العربي المحيط به بيد من حديد، ويعلم أن الخطوة التالية بعد
نيل العرب حريتهم هي مطالبتهم نصرة إخوتهم في فلسطين، وربما كان هذا
ما وراء تصاعد لهجات التحذير وردود الأفعال من الكيان الصهيوني حول
ثورتين هما الأخطر بالنسبة لأمنهم في مصر وسوريا، والتي ربما تكون -
في حال نجاحها - نذير شؤم على الوجود اليهودي.
المعركة إذن فاصلة ووجودية بين الثورة السورية والكيان الصهيوني
باعتبار سوريا ورقة التوت الأخيرة بعد الفشل الذريع لهم في مصر - حتى
الآن على الأقل -.
إنها ولا شك ليست ثورة جياع حتى يتخذ النظام إجراءات وقرارات مثل
زيادة الرواتب أو تخفيض الضريبة.. إنها ثورة حرية مهدرة وكرامة نازفة
وديانة مستباحة على مدى عقود.
ما أستغربه الآن هو هذا الغباء المتكرر في التعامل مع الثورات
الشعبية فهو نفسه الذي أسقط الأنظمة السابقة التي لم تعِ مطالب شعوبها
فاضطرتها إلى المطالبة بإسقاطهم لأنهم لا يستوعبون الدروس ولا يفهمون
الحقائق الواضحة.
الآلاف الذين خرجوا اليوم في دمشق ودوما واللاذقية والرقة وحمص
وغيرها من المدن السورية هم مجرد بداية لهبّة المارد السوري الساكن
وإسقاط نظام قمعي دكتاتوري وهم - باذن الله - بداية موفقة لثورة شعبية
كبيرة مستلهمة الدرس من الأشقاء، في حين ستكون تلك الدماء التي تساقطت
في درعا وقوداً حياً لتلك الثورة ليكون يوم الجمعة يوماً فارقاً في
تاريخها وتكون المساجد التي دمرت على يد حزب البعث هي المحرك الأساسي
لتلك الثورة ضده.
21/4/1432 هـ
- التصنيف:
ali
منذ